الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوجيهات النبوية لعلاج السُّمْنَة

التوجيهات النبوية لعلاج السُّمْنَة

التوجيهات النبوية لعلاج السُّمْنَة


تعتبر السمنة من أبرز المشاكل الصحية في العصر الحديث، فبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية الذي صدر في اليوم العالمي لمكافحة السمنة مارس 2022م فإن أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من السمنة، (650 مليون بالغ و340 مليون مراهق و39 مليون طفل)، وهذا الرقم آخذ في التزايد، وتكمن خطورة السمنة في أنها تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وداء السكري، والاضطرابات العضلية الهيكلية، وبعض أنواع مرض السرطان (سرطان الغشاء المبطن للرحم وسرطان الثدي وسرطان المبيض وسرطان البروستاتا وسرطان المرارة وسرطان الكلى وسرطان القولون).

وإن مشكلة عالمية مثل هذه لا بد من تظافر الجهود لمحاربتها وتقديم المعالجات الوقائية منها، ولا شك أننا لا نستغني عن التوجيهات والتعليمات الشرعية التي تساعد في محاربة السلوكيات الخاطئة فيما يتعلق بالتغذية، والمحافظة على قوة البدن وصحته، وهي توجيهات تحث عليها المنظمات والمؤسسات الصحية العالمية والدولية.
التنبؤ بفشو السمنة في آخر الزمان:
في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» - قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن».
وقوله "ويظهر فيهم السمن" ليس فيه ذم للسِّمَن مطلقا، قال النوويّ في شرحه على صحيح مسلم: السَّمانة بفتح السين هي السِّمَن، قال جمهور العلماء في معنى هذا الحديث: المراد بالسمن هنا كثرة اللحم، ومعناه أنه يكثُر ذلك فيهم، وليس معناه أن يتمحّضوا سمانًا، قالوا: والمذموم منه من يستكسبه، وأما من هو فيه خلقَة، فلا يدخل في هذا، والمتكسب له هو المتوسّع في المأكول، والمشروب زائدًا على المعتاد.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: هو كناية عن رغبتهم في الدنيا، وإيثارهم شهواتها على الآخرة وما أعد الله فيها لأوليائه من الشهوات التي تنفد، والنعيم الذي لا يبيد، فهم يأكلون في الدنيا كما تأكل الأنعام، ولا يقتدون بمن كان قبلهم من السلف الذين كانت همتهم من الدنيا في أخذ القوت والبلغة، وتوفير الشهوات إلى الآخرة.
المعالجات الوقائية من السمنة في السنة النبوية من خلال الهدي النبوي:
يمكننا أن نجمل الهدي النبوي في التعامل مع الطعام والشراب من خلال بعض الروايات التي يمكن أن يستفاد منها في الوقاية من السمنة بالآتي:
-الهدي النبوي القائم على الحركة، وتقوية البدن، قال ابن القيم عندما تحدث عن هديه في الرياضة: وأنت إذا تأملت هديه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وجدته أكمل هدي حافظ للصحة والقوى، ونافع في المعاش والمعاد.
-ذم الشبع المؤدي إلى تراكم الدهون والشحوم المضرة بالبدن، ففي صحيح ابن حبان عن المقدام بن معدي كرب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسبك يا ابن آدم لقيمات يقمن صلبك، فإن كان لا بد فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث نفس».
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها. وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في " كتاب " أبي خيثمة، قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات، سلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت المارستانات ودكاكين الصيادلة، وإنما قال هذا؛ لأن أصل كل داء التخم.
وفي التعبير النبوي بقوله: "وعاء شراً من بطنه" قال الطيبي: جعل البطن وعاء كالأوعية المتخذة ظروفاً لحوائج البيت توهيناً لشأنه، ثم جعله شرّ الأوعية لأنها تستعمل فيما هي له، والبطن خلق لأن يتقوم به الصلب بالطعام، وامتلاؤه يفضي إلى الفساد ديناً أو دنيا فيكون شراً منها.
والملاحظ أن الإسراف في الأكل يجعل النفس تواقة إلى الأكل من غير جوع حقيقي، ولذل مثل النبي صلى الله عليه وسلم حال من يأخذ المال باستشراف نفس بقوله في الصحيحين: «وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ، وَلَا يَشْبَعُ» أي لا ينقطع اشتهاؤه، فيبقى في حيرة الطلب على الدوام، ولا يقضي شهواته التي لأجلها طلبُهُ، فكان كمن به الجوع الكاذب، المسمَّى بجوع الكلب، كلما ازداد أكلًا ازداد جوعًا؛ لأنه يأكل من سقم، وكلما أكل زاد سقمًا، ولا يجد شبعًا، ويزعم أهل الطبّ أن ذلك من غلبة السوداء، ويسمّونها الشهوة الكلبية، وهي صفة لمن يأكل، ولا يشبع. انتهى من كتاب: ذخيرة العقبى في شرح المجتبى.
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد».
وللشراح كلام عن هذا الحديث أن المؤمن الذي كمل إيمانه يحصل معه بركة في القليل من الطعام، فهو يسمي الله عند أكله، ويمنعه كمال إيمانه عن استيفاء شهواته، وخوفه من الله يحمله على الورع عن كثير من المآكل خوف الحرام، وهذا كله بخلاف الكافر.
ومما يدل على ذم الشبع ما رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمر، قال: تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كف جشاءك، فإن أطولكم شبعا في الدنيا أطولكم جوعا يوم القيامة». وهذا الرجل صرح به في روايات بأنه أبو جحيفة، فما أكل بعد ذلك ملء بطنه حتى فارق الدنيا. كان إذا تعشى لا يتغدى، وإذا تغدى لا يتعشى.
قال ابن الهمام في فيض القدير: والنهي عن الجشاء نهي عن سببه وهو الشبع، وهو مذموم طبا وشرعا؛ كيف وهو يقرب الشيطان ويهيج النفس إلى الطغيان.
-الحث على التقليل من الطعام كما في الصحيحين عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة».
وأخرج الطبراني بسند جيد «أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا عظيم البطن، فقال بأصبعه لو كان في غير هذا لكان خيرا لك».
وقد كانت البطنة عيبا عند العرب، كما يذكر أهل التراجم والطبقات أن المقداد بن الأسود وعبد الرحمن بن عوف كانا جالسين، فقال ابن عوف للمقداد: مالك لا تتزوج؟ فقال: زوِّجني ابنتك، فغضب عبد الرحمن وأغلظ له، فشكاه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا أزوجك، فزوجه بنت عمه ضُباعة، وكان المقداد عظيم البطن، وكان له غلام، روميٌّ، فقال له: أشُقُّ بطنك فأُخرج من شحمه حتى تلطف؟ فشق بطنه ثم خاطه، فمات المقداد، وهرب الغلام.
-في السنة النبوية حث على الجوع والتقلل من الطعام، فقد بوب الإمام النووي في رياض الصالحين فضل الجوع وخشونة العيش، وأورد حديثا عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض صلى الله عليه وسلم» متفق عليه.
وقد كان هذا هو شأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله له، ولا يختار الله لنبيه إلا الأكمل دينا ودنيا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. رواه الترمذي
وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه فأبى أن يأكل. وقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. رواه البخاري.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ذات ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟» قالا: الجوع يا رسول الله. قال: «وأنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، قوما».
واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه وآل بيته الاقتصار على القوت، يجوعون ويشبعون، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا». متفق عليه.
قال أهل اللغة والغريب: معنى «قوتا» أي: ما يسد الرمق. معنى الحديث: طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن، ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر.
-الهدي النبوي في الصوم والحث عليه، فهذا مما يتوافق مع التعليمات الصحية التي يعالج بها مرضى السمنة في العالم اليوم، فالصوم تقنية من تقنيات علاج السمنة المفرطة، وهو يطبق هذه الأيام لدى الكثير من المراهقين، كما ذكرته الدكتورة كارلا ياردميان أخصائية التغذية في كتاب الريجيم السريع، وقد أنشئت المصحات العالمية الطبية لعلاج كثير من الأمراض المزمنة بما يعرف بالصيام الطبي، والتي يحرم فيها المريض أو الصائم بهذا الصيام من كل أنواع الطعام والشراب ما عدا الماء القراح.
وخلايا الجسم أثناء الصوم تعمل بشكل طبيعي؛ لأن الله تعالى قد زود هذا الجسم بمخزون يغطي هذا الاحتياج، ويقوم بالتخلص من الكتل الدهنية الضارة به، مما يجعل الصوم حلا رئيسيا لمعالجة أمراض السمنة، وغيرها من الأمراض الأخرى.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة