الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في الماضي وأعاني من قلة الثقة بالنفس

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب مسلم، أحمد الله أنني أتابع حياتي على طريق مستقيم، بعيدًا عن المعاصي والمحرمات.

بدأت من الصفر، ومكافح في حياتي، وتمكنت من الحصول على تعليم جيد وشهادة علمية، ووظيفة، و-الحمد لله-، فأنا صادق، جاد، صريح، محب للخير، متواضع، لا أحب الغرور ولا الكذب، بارٌّ بوالديّ، أساعد الناس، وصابر وراضٍ بما قسمه الله.

كما أني سليم من الأمراض والمشاكل الصحية، و-الحمد لله-، وأثق بالله عز وجل، وأؤمن أنه سيأتي اليوم الذي تنفرج فيه كل الأزمات، وأن علينا الصبر.

في بعض المواقف أُدهش من حولي بكلامي أو أفعالي، حتى إنهم لا يتوقعون بأني قادر على حل مواقف معقدة أو تنفيذ أعمال معينة.

أحب العلم والثقافة واللغات والأعمال الخيرية، ومتابعة التكنولوجيا، وقراءة الكتب والقصص والبرامج المفيدة، وأمارس الرياضة والسباحة بانتظام، وأحرص دائمًا على التواصل مع الأقارب والأصدقاء، حتى إن لم يبادروا هم بالتواصل معي، وهذه لها إيجابيات.

أما السلبيات فإني أعاني من قلة الثقة بالنفس، والخوف من المسؤولية، خاصة تجاه العمل أو الأسرة، وغالبًا ما أتردد في اتخاذ القرارات المهمة، ثم أندم بعد فوات الأوان، وأخاف من المستقبل، وأفكر فيه كثيرًا، مع أنني مسلم أعلم أن الأرزاق والأعمار بيد الله.

لقد صرت كثير التفكير بالماضي، خاصة في الأمور السلبية، وأكرر الحديث عنها كثيرًا، حتى مع أشخاص جدد أو في مواضيع الخطبة، عندما أرتاح لفتاة وأطلب خطبتها وترفض، أتعلق بها، وأعيد طلبها من أهلها أكثر من مرة، رغم الرفض.

كذلك مقصّر في الأذكار اليومية، وأذكار ما بعد الصلاة، وأحيانًا أتأخر عن الصلاة، خاصة الفجر، وأهمل تلاوة القرآن، وأعاني من شرود ذهني وخمول في العمل، وعدم الالتزام بالبرامج والخطط، وأتمنى أن تنتهي الأمور بسرعة دون جهد.

إن تكرار الصدمات العاطفية أثر فيَّ بوضوح، حتى إن الناس لاحظوا ذلك، وقالوا إنني مصدوم عاطفيًا وقليل الثقة، وأكرر التفكير في مواقف معينة حصلت لي، خاصة عندما أكون وحدي، وأحدث نفسي كثيرًا، ولا أجد حلولًا أو تفسيرات لها، مع أني طيب القلب جدًا، أثق في الناس بسرعة، ما يسبب لي صدمات نفسية ومادية، وأشعر أحيانًا بأنني مستغَل.

أبدأ المشاريع بحماس، ثم أفقد الاهتمام فجأة، وأتركها رغم أن الناس يعلّقون عليها آمالًا؛ مما يسبب لي الحرج.

عند مقابلة الناس، أشعر بأفكار وأحاسيس غريبة عنهم، غالبًا ما تكون صحيحة، ولا أعلم إن كانت خبرة أم بصيرة من الله.

يقلقني تأخر الرواتب، ومشاكل العمل المتكررة، وأشعر أحيانًا أنني فاشل في العمل والدراسة، وهذا يُكرّره البعض عليّ.

عندما ترفضني فتاة، أظن دائمًا أنها ستعود لي، وأتعلق بفكرة الرجوع، وأطرح الكثير من الأسئلة التي يراها البعض تافهة، رغم أنها تؤرقني، وأحيانًا أعرف أن الحل بيدي، لكني أتجاهله.

في كثير من المواقف لا أحسن التصرف، وتضيع الفرص مني، وأظل أفكر في الأمر طويلًا دون حل، أؤجل المهام وأهملها عندما أواجه أزمة، سواء عاطفية أو في العمل أو العائلة، في موضوع الزواج، أحيانًا تتواصل معي فتاة وتطلب وقتًا للتعارف، ثم ترفض وتقول "لا نصيب"، وقد تقوم بحظري، وأبقى أفكر في السبب دون أن أجد له تفسيرًا.

ألتزم بالنصائح في البداية، ثم أتوقف، رغم أهميتها، والغريب أنني أنصح غيري، وينجحون في تجاوز ظروفهم، لا أنسى الموقف بعد تخرجي، حيث كنت الثالث على المعهد، وتم رفضي بسبب تغيير القوانين، ما سبب لي صدمتين قويتين أثّرتا على مسيرتي المهنية.

أعمل حالياً في مجال خارج تخصصي، ولا أشعر بالراحة، لكنني ألتزم الصمت حفاظًا على ما تبقى لي، والحمد لله على كل حال.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ Path حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أبارك لك وأهنئك ما حباك الله تعالى –أخي العزيز– من جميل الصفات الإيجابية المذكورة، الأمر الذي يستلزم شكر المولى تعالى والحرص على المحافظة على هذه النِعَم، إلا أنه من الملاحظ والمبشِّر في نفس الوقت أن هذه الصفات الإيجابية تتنافى مع صفاتك السلبية المذكورة السابقة، الأمر الذي يفتح المجال واسعاً للأمل والتفاؤل في إمكانية معالجة سلبياتك بسهولة بعامل الوقت والزمن؛ شريطة تحليك بالثقة والإرادة على التخلص من السلبيات والعيوب ما أمكن.

مما يسهم في التخلص من هذه السلبيات، ويعين على زيادة منسوب ومستوى الإيجابيات لديك، أن تدرك جوانب الخلل لديك – كما هو الواقع – الأمر الذي يسهم في الحل، وإدراك إمكانية مواجهة هذه المشكلة بسهولة بعامل الزمن والوقت والتجربة – بعون الله تعالى – شريطة عدم الاستسلام لهذه المشكلة وضرورة مواجهتها بضدها، وذلك بتوفير الثقة بالنفس وقوة الإرادة، وهي مهمة تبدأ وتنتهي من عندك بعد توفيق الله تعالى.

كما أنها تحتاج للآتي:
- ضرورة التحلي بالصبر والمجاهدة للنفس (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، ولا يخفى أن لفظة (جاهدوا) تستلزم بذل الجهد المقابل للوساوس والعوائق والتحديات، كما أن (معيّة الله للمحسنين) تستلزم حسن التعامل مع الله ومع عباده، وإتقان العمل، والنتيجة كما في الآية: تحصيل معيّته سبحانه وهدايته.

- ضرورة التحلي بقوة الإرادة والعزيمة والتصميم والإصرار، مع لزوم الثقة بالله تعالى، وحسن الظن به، والاستعانة به وتقواه وطاعته، والتوكل عليه في كل شؤون الحياة، قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه...).

- حسن الظن بالله تعالى، وتعزيز الثقة بالنفس، وبالقدرة على النجاح وتجاوز كل العوائق والتحديات، وكما يقال في الحكمة: "المرء حيث يضع نفسه" "وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعلِ"

- تقوية الدوافع الإيمانية والأخلاقية في تحصيل العون، والتوفيق من الرحمن، وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان، وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.

- الزم طريق تحقيق النجاح والتخلص من الأخطاء والذنوب، فعلى قدر همتك وطموحك وقناعتك –أخي العزيز– بالغاية التي تطلبها، فإن الإرادة تزداد وتعظم، وتسهل دونها كل العوائق والتحديات، وقد صح في الحديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى) متفق عليه، والمعنى أن كمال الأعمال، وكذا صحتها وقبولها بتوفُّر النية الصالحة والمقصد الحسن، وما أجمل وأحكم قول المتنبي:
"على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها ** وتصغر في عين العظيم العظائمُ"

"تريدين إدراك المعالي رخيصةً ** ولا بد دون الشهد من إبر النحلِ".
"لولا المـشـقّة سـاد النـاس كـلـهمُ ** الجـود يـفـقـر والإقـدام قتّالُ".

- لزوم الصحبة الصالحة والطيبة، لما لها من التأثير الحسن والإيجابي في التقويم والتغيير، والإصلاح والتصحيح إلى الأحسن، فالصديق الصالح مهم في حياة الإنسان؛ حيث إن الصديق الصالح يذكّرك إذا نسيت، وينبهك إذا غفلت، ويعلمك إذا جهلت، كما وهي تعينك وتساندك في أهدافك الطموحة والكريمة والتخلص من عيوبك وأخطائك، والصاحب الصالح العاقل خير عدّة لأوقات الرخاء والشدة، وفي المقابل ضرورة اجتناب وسائل وأصدقاء السوء ضعفاء التديُّن والجديّة والالتزام، وقد صح في الحديث: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).

- شغل الوقت والفراغ بما يعود عليك بالمنفعة والفائدة في دينك ودنياك، وذلك في تنمية الثقافة والمواهب والمعرفة لديك، بطلب العلم النافع والعمل الصالح، والأذكار والاستغفار وقراءة القرآن ومتابعة البرامج المفيدة والدروس والمحاضرات، والقراءة في السيرة النبوية وسير العظماء والصالحين، والتأمل والاعتبار في سِيَر الناجحين، والتأسي والاقتداء بهم.

- إعطاء النفس حقها من أخذ قسط من الراحة والاسترخاء؛ وذلك بالاشتراك في نادٍ رياضي وفي الأنشطة الاجتماعية والثقافية والخيرية؛ حيث -وإن ذلك- من شأنه توفير الثقة والإرادة والقدرة على التعامل، أو التخفيف من أو مع الضغوط والمواقف المحرجة، ومع الحياة عامة.

- الحذر من المبالغة في الحساسية والوساوس والشكوك، وعدم اليأس والإحباط والقنوط من الإخفاق والفشل والاستعجال في ثمرة التخلص من العيوب والتي لا ينفك عنها الإنسان، وفي الحديث (كل بني آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون)، فالكمال المطلق لله تعالى، وأما الإنسان فهو محل النقص والعجز، والضعف والجهل والعيب، فمن العبادة اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ).

- أما بخصوص الرغبة في الاقتران بالزوجة؛ فلا شك أن هذا منعطف مهم في حياة الإنسان، يستلزم منك التمهُّل وعدم التعجُّل، وضرورة مراعاة القدرة المادية، ومعايير الزوجة الصالحة المتحلية بالصفات المعتبرة، وأهمها الدين والأمانة والخلق الحسن، ولزوم الاستخارة والاستشارة.

- أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والهدى والرشاد، وأن يمنّ عليك بما يحب ويرضى، ويسعدك في الآخرة والأولى، والله الموفق والمستعان، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً