الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تركي للعمل لما فيه من المخالفات، يعد هروبًا من المسؤولية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عزباء، تخرجت حديثًا مهندسة معمارية، وبعد الاستخارة قُبِلت في عمل جيد يوفر خبرة مهمة، لكن هناك بعض الأمور التي تشغلني:

- أحيانًا أضطر للخروج إلى وِرَش البناء، مما يستلزم ارتداء سروال لأسباب أمنية (ارتداء الحجاب الطويل خطير هناك).

- أتعامل باستمرار مع رجال (زبائن، بنائين، سباكين...) مع حرصي الدائم على الالتزام بالحدود الشرعية، لكن أحيانًا تغيب زميلتي فأجد نفسي وحيدة مع المهندس المسؤول.

- ضغط العمل جعلني أقصر في مراجعة وحفظ القرآن، رغم أن هدفي قبل العمل كان الختم.

- أعمل تحت إشراف مهندس مسيحي يطرح أحيانًا أفكارًا مخالفة لديننا، مما يزعجني، رغم أنني لا أتأثر بها.

- دعوت الله كثيرًا قبل العمل واستخرت وعاهدت أن أرضى بما يكتبه لي، فهل إن تركت عملي أكون قد أخلفت عهدي؟

أحيانًا أخشى أن يكون تركي للعمل هروبًا من المسؤولية، وفي المقابل أخشى أن يضيع مني هدفي في ختم القرآن.

أنا الآن مترددة: هل أترك العمل وأتفرغ للقرآن، أم أواصل فيه لعلّ الله وضعني في هذا المنصب لحكمة يعلمها، خصوصًا أنه فرصة مهنية جيدة وخبرة مهمة؟

أعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فريزة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نحن سعداء بتواصلك مع الموقع، ونسأل الله تعالى أن يُقدِّر لكِ الخير ويُيَسِّره لكِ.

أولًا، نهنئكِ -أيتها البنت الفاضلة- بما مَنَّ الله تعالى به عليك من حب للقرآن الكريم، وحرص على ختمه وتعاهده وقراءته، هذا فضل عظيم ينبغي أن تشكري الله تعالى عليه، ومن مظاهر شكر الله تعالى على هذه النعمة المجاهدة للنفس في الاستمرار على هذا العمل، وعدم الإهمال له، فنسأل الله أن يوفقكِ لكل خير.

ونشكرك ثانيًا -ابنتنا الكريمة- لحرصك على الالتزام بالحدود الشرعية، وهذا من توفيق الله تعالى لكِ.

وأمَّا بخصوص ما تسألين عنه من ترك هذا العمل أو الاستمرار فيه، فهذا التردد -أيتها البنت الكريمة- ينبغي أن يُحسم بمعرفة المصلحة الشرعية المترتبة على الاستمرار، أو على الترك، وهنا نضع بين يديكِ مجموعة من الملاحظات الشرعية:

أولًا: ارتداؤك لهذه الملابس أثناء العمل الميداني فيه مخالفة واضحة للشريعة، فإن هدي الشريعة الإسلامية جاء بستر المرأة، والابتعاد بها عن لُبس كل ما فيه فتنة وإثارة، وإن كنتِ محتاجة لهذا العمل ولا بد، فلا أقل من أن تلبسي فوق لباس البنطال والقميص شيئًا آخر، وإن كان أقصر قليلًا من الحجاب الطويل أو العباءة الطويلة، فتُستر باقي الساق مع الأقدام بالبنطال والحذاء، وتكون البالطو أو الجبة -أو نحو ذلك- إلى ما هو أعلى من الكعب بقليل، حتى تتمكني من الحركة، هذا إذا كنت بحاجة إلى هذه الزيارات، وبحاجة إلى هذا العمل.

المحذور الثاني هو: الخلوة بالرجل الأجنبي، فهذه الخلوة محرمة، وقد حذر النبي ﷺ منها أشد التحذير، وقد أخبر في أحاديث كثيرة بأن الشيطان ثالثهما، والإنسان ليس فيه من القوة والجلد ما يستطيع أن يدفع عن نفسه فتنة الشيطان، ولهذا حذره النبي ﷺ من التعرض لهذه الفتنة، فالسلامة لا يعدلها شيء، فيجب الامتثال لما أمر الله به، أو أمر به رسوله ﷺ وترك هذه الخلوة.

وإذا كنت لا تقدرين على ذلك فهذا مرجح يُرجح لك ترك هذا العمل، وأنك تقعين في مخالفة شرعية، وربما ندم الإنسان على مخالفاته الشريعة في وقتٍ لاحقٍ حين لا ينفعه الندم.

أمَّا تعاملك مع الرجال الأجانب في غير خلوة، ومع الالتزام بالضوابط الشرعية من عدم إلانة القول، وعدم الكلام بما فيه إثارة، وعدم خلوة، والتزام الحجاب؛ فهذا جائز أباحه الله تعالى للحاجة، فيجوز للمرأة أن تُبايع الرجل وتتعامل معه، ما دام الأمر منضبطًا بالضوابط الشرعية.

وبالالتفات إلى هذه الجوانب يسهل عليكِ -أيتها البنت الكريمة- المقارنة بين البقاء والاستمرار في هذا العمل أو تركه لوجود مخالفات شرعية، وكوني على ثقة من أنك إذا تركته تجنُّبًا للمخالفات الشرعية والمعاصي؛ فالله تعالى سيعوضك بخير منه، فـمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.

وليس في خروجك من هذا العمل هروبًا من المسؤولية ولا إخلافًا للعهد، بل الأمر على العكس من ذلك، تركك لهذا العمل لتسلمي وليسلم دينك هو رأس المسؤولية، وهو غاية الوفاء بعهد الله تعالى، والحفاظ على الأمانة، فإن ديننا أمانة، ونحن مأمورون بأداء الأمانات، وعبادة الله تعالى والقيام بتكاليفه واجتناب محرماته على رأس هذه الأمانات.

كما أن اهتمامك بالقرآن ينبغي أن يستمر، فننصحك بتخصيص وقتٍ من يومك وليلتك للقرآن الكريم، حتى على فرض استمرارك في العمل مع عدم وجود مخالفات، فينبغي ألَّا تضيعي وردك من القرآن الكريم، مراجعة لما تحفظين، واستزادة في الحفظ ولو بشيء يسير من الزيادة، فمع الاستمرار ستجدين نفسك قد أنجزت عملًا عظيمًا.

نسأل الله تعالى أن يُقدِّر لك الخير حيث كان ويُرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات