الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب انفصال والديّ في طفولتي نشأت عدوانيًا، ساعدوني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبلغ من العمر 19 عامًا، ولديّ مشكلات كثيرة نتيجة لمشكلة أسرية سببُها انفصال والديَّ وطلاقهما، فقد مررتُ بمراحل صعبة ومؤلمة، مرحلة تلو أخرى.

لجأتْ والدتي – وكان عمرها آنذاك 18 عامًا – إلى بيت أخيها، وسكنت معه، وكنتُ حينها في عامي الأول، ومضت الأيام والأسابيع حتى اشتدَّ عودي، وصرتُ متعطشًا للحياة ولحلاوتها، لكن لم يكن هناك من أستند إليه.

كنتُ أتعرض للتسلط والكراهية، وكان يُقال إنني وقحٌ ومتطفل، ولم أجد من يُهذّب شخصيتي أو يوجّهني بتربيةٍ ورعايةٍ أبويةٍ سليمة.

واستمر بي هذا الحال حتى بلغتُ مبلغَ الرجال، فصرتُ أعتمد على نفسي، وبدأت أفتعل المشكلات مع مَن أساؤوا إليَّ سابقًا، وأصبحتُ شخصًا عدوانيًّا لأنني نشأت على هذا المنطق.

كان أبي يتواصل معي بين الحين والآخر، وكان ذلك يمنحني شيئًا من الدعم والراحة النفسية، لكنني مع ذلك لم أعش دور الابن الحقيقي، واستمر بي هذا الحال حتى بلغت 15 من عمري، حين ازداد التواصل بيني وبين أبي، حتى زرتُه في بيته، واستمرت العلاقة بيننا بعد ذلك، ومع ذلك ما زلتُ أرى في حياتي كثيرًا من النقائص، مثل: ضعف الشخصية، والأسلوب العدواني، وهي نتائج واضحة للبيئة التي نشأتُ فيها.

فما الحل؟ أرجو منكم المساعدة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عقيل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك –أخي الكريم– في إسلام ويب، وردًّا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:

أولًا: اعترافك بما تعانيه، وإدراكك أن ذلك نقص في شخصيتك، وطلبك للمساعدة أمر إيجابي، وهو أول خطوة في طريق التغيير والخروج مما أنت فيه، فالمريض الذي لا يعترف بمرضه، ولا يستعمل ما يوصف له من العلاج، لا يمكن أن يتماثل للشفاء، وإدراكك أن شخصيتك وسلوكك كانا نتاج بيئة وظروف قاسية يعني أنك واعٍ، ولست ضائعًا، وهذا في حدّ ذاته قوة.

ثانيًا: العدوانية ليست جزءًا أصيلًا منك، ولا هي من سلوكك الطبيعي، بل هي وسيلةُ دفاع مكتسبة لجأتَ إليها لتحمي نفسك من الألم والتسلط، وها أنت اليوم -وقد بلغت هذه السن- تشعر بالحاجة إلى استبدالها بصفات قويمة وصحية وقوية في الوقت نفسه؛ كالحوار، وضبط النفس، واستخدام القوة في مواضعها الصحيحة.

وما تشكو منه من ضعف الشخصية ليس صفةً ثابتة، بل هو ناتج عن نقص في الدعم والتربية، وإليك بعض الموجِّهات التي نسأل الله أن يجعلها نافعة:

• طوّر مهاراتك في التعبير عن نفسك دون عصبية، ويمكن اكتساب ذلك من خلال بعض المراكز المتخصصة في تطوير المهارات الشخصية، أو عبر الدورات التدريبية المتاحة على الإنترنت، واحرص أن تكون لمنهجيين معروفين باستقامتهم وحسن خلقهم.

• لا تستجلب الماضي بآلامه، فالماضي لا يمكن تغييره، لكن يمكن أن يكون منطلقًا للتغيير ونقطة تحول نحو الأفضل. كلما تذكّرت الماضي، انظر إلى نفسك بعطف ورحمة، وذكّرها بأن ما حدث لم يكن ذنبك، بل نتيجة بيئة قاسية لم تُعطِك ما تستحق من الحب والرعاية.

• ابحث عن مرشد اجتماعي أو نفسي تتحدث إليه بصراحة؛ فذلك يساعدك كثيرًا في فهم ذاتك وتخفيف الضغوط الداخلية، وإن احتجت إلى علاج لدى طبيب مختصّ فلا تتردد، لكن الأفضل أن تبدأ بالدعم والإرشاد قبل اللجوء إلى الأدوية.

• تذكّر أن انفصال والديك أمر مقدّر من الله، كما قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} [القمر:49]، وقال النبي ﷺ: «قَدَّرَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» [رواه مسلم].

• ما مررتَ به من معاناة هو نتيجة طبيعية لتلك الظروف، فلا تلم نفسك، وابدأ اليوم صفحةً جديدةً من حياتك.

• حافظ على تواصلك مع والدك، واطلب منه التوجيه والنصح، وحاول أن تتناس الماضي؛ فاستحضاره المتكرر يجلب الهم والحزن. وكلما تذكّرته، استعذ بالله من الشيطان، فإنه حريص على أن يُحزنك ويُضعفك.

• ابتعد عن الرفقة السيئة؛ فإنها تُفسد السلوك وتغرس الصفات السلبية، وصاحب الأخيار الصالحين، كما قال النبي ﷺ: «إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ...» [متفق عليه]، وقال ﷺ: «المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» [رواه أبو داود والترمذي].

• التحق بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم؛ فإن القرآن يهدي للتي هي أقوم، وستجد في معلميه وطلابه قدوةً حسنةً ومعينًا على الاستقامة وتغيير السلوك -بإذن الله-.

• استفد من القنوات الهادفة على اليوتيوب التي تقدم دروسًا ومقاطع توجيهية؛ فذلك مما يعين على غرس القيم الصحيحة وتنمية الفكر السوي.

• عوّد نفسك على الصفح عمن أساء إليك؛ فالعفو يورث سكينة القلب ورفعة المنزلة، قال النبي ﷺ: «اعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَصِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وَقُلِ الحَقَّ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ» [رواه البيهقي].

• حافظ على الصلوات في أوقاتها، وأكثر من النوافل وقراءة القرآن، وصيام الأيام الفاضلة، وأكثِر من الدعاء وأنت ساجد، وسل الله أن يصلح حالك، ويهديك لأحسن الأخلاق، ويصرف عنك سيئها، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97].

• داوم على الاستغفار والصلاة على النبي ﷺ، فهما من أعظم أسباب تفريج الكروب، كما قال ﷺ: «مَن لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِن كُلِّ ضِيق مَخْرَجًا، وَمِن كُلِّ هَمّ فَرَجًا...» [رواه أبو داود].

• احرص على أذكار الصباح والمساء؛ فهي حصن وطمأنينة، ويمكنك الاستفادة من كتاب حصن المسلم للقحطاني، أو تطبيق أذكار المسلم في هاتفك.

نسأل الله تعالى أن يوفقك، ويكتب لك الأجر والمثوبة، ويمنّ عليك بالطمأنينة والقوة، ويبدّل ضعفك قوة، وحزنك سكينة، ونسعد بتواصلك متى ما استجدّ أمر جديد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً