الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أرضي الله، وأستفيد من أوقات فراغي؟

السؤال

السلام عليكم

عندي سؤال لا أجد له إجابة، ولكني أطمح أن أجدها هنا.

سؤالي هو: أعلم أن إهدار الوقت حرام، فمثلًا من يشاهدون الأفلام، أو يؤلفون القصص والروايات أو يقرؤونها، أو يلعبون الشطرنج وغيره، قرأت أن هذه الأفعال محرّمة؛ لأنها تضيع الوقت، وهذه ما أفعله للترفيه عن نفسي، إن تركت كل هذا، كيف لي أن أوازن بين الجد والراحة؟ أنا أعلم أنه يجب أن أعبد الله في وقت فراغي، لكنني لست في مرحلة أستمتع فيها بقراءة القرآن، والأمر أشبه بمجاهدة النفس، فأنا آخذ الأمر خطوة خطوة، ولا أفرضه على نفسي الأمر دفعة واحدة.

فهل يمكن أن تعطوني بعض الأمثلة على الأشياء التي يمكنني أن أرفّه بها عن نفسي وتكون حلالًا؟ ويُستحسن أن تكون أشياء أستطيع فعلها في المنزل، أو وحدي.

لدي سؤال آخر: أنا أشعر أنني مقصّر مع الله، وهذا يرعبني، لا أعلم إن كنت أفعل شيئًا من المحرّمات دون علم، أو أنني ناسٍ لبعض واجبات المسلم، وأشعر بالخجل من نفسي، فأنا أعلم أن الله هو الرحيم، لكن كيف لي أن أطلب منه وأنا أعصيه؟ وأنا لا أعبده بأفضل ما أستطيع، وأنساه وأدعوه فقط وقت الحاجة، ثم تلهيني الدنيا بعد ذلك.

أرجو الرد بلغة بسيطة، وعدم الإيجاز إن تكرمتم، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى لك مزيدًا من التوفيق والسداد، فقد سُررنا بقراءة أسئلتك، وهي تُوحي باهتمامك بدينك ومحاولتك أن تترقى فيه، وأن تبلغ فيه مراتب عالية، فنسأل الله تعالى أن يزيدك عُلوًا في الهمة، ويتولى عونك على الخير، وييسره لك.

وابتداءً نقول -أيها الحبيب- إن ما قلته عن اغتنام الوقت وأهمية ذلك، نقول: إن هذا أمرٌ في غاية الأهمية بالنسبة للإنسان المسلم، وقد وُفّقت لهذا التصور الجميل، أن الوقت ثمين، وأن إهداره لا ينبغي أن يكون للمسلم، لكن إهداره إذا تضمن الوقوع في المعصية، كأن ضَيَّع الإنسان فريضة من فرائض الله تعالى عليه، أو وقع في شيء من المحرمات، فحينها يكون تضييع الوقت وإهداره في ذلك حرامًا.

أمَّا إذا أدى الإنسان فرائض الله تعالى عليه، وتجنب المحرمات الشرعية، فما بعد ذلك يكون استغلال هذا الوقت في الشيء النافع في أمر الدين أو في أمر الدنيا، هو المطلب الأعلى الأسمى الذي ينبغي للمسلم أن يُشمِّر إليه، ويسعى في تحصيله، ولا ينبغي له أن يُضِيع وقته فيما لا منفعة فيه.

والله تعالى قد وصف المؤمنين في أول سورة المؤمنين، وصفهم بأنهم (عن اللغو معرضون) واللغوُ هو الذي لا فائدة منه، ولكن التنزُّه والترفيه عن النفس في المباحات أمرٌ جائز، وقد يكون عبادةً من العبادات فيما لو نوى الإنسان التقوِّي بهذه الساعات التي يبذلها بالترفيه عن نفسه، ليستعين بها على ابتداء وقتٍ جديدٍ من الجد والمثابرة والتشمير، فتصبح هذه العادة أو هذا المباح، يصير بذلك عبادةً وقربةً إلى الله تعالى، ولو لم ينو الإنسان هذه النية، فإنه يُحرم الأجر، ولكنه لا يزال في دائرة المباح.

والرسول ﷺ قد أقر الصحابة على تغيُّر أحوالهم بين الساعات التي يكونون فيها في مجلس الرسول ﷺ، وحالهم لما يخالطون أموالهم وأولادهم وزوجاتهم، فقال لهم النبي ﷺ: (ساعة وساعة).

فالترفيه أمرٌ مطلوب، والنفس من طبيعتها أنها تُحب الراحة، ولا تنشط للجد على طول الطريق، ولهذا شرع الله تعالى لنا وسنَّ في خلقه النوم، ليكون محطة راحة، وبعده يستأنف الإنسان حياةً جديدة، فهذه طبيعة الإنسان، فلا ينبغي للإنسان أن يُصادم هذه الفطرة ويمنع النفس حظوظها من المباحات، لكن يحرص على أن يبقى في دائرة المباحات، وألَّا يرتكب شيئًا من الترفيه بالمحرم.

ومعرفة الألعاب، وما يجوز منها، وما لا يجوز، يمكنك معرفته من خلال موقعنا في موقع الفتاوى، ومراجعة الفتاوى الكثيرة في هذا الشأن.

ويكفي لأن نضبط هذا كله بأنه لا يتضمن شيئًا حرامًا، ولا يُؤدي إلى تضييع فريضة من فرائض الله تعالى، سواء كانت هذه المباحات في المنزل عن طريق الألعاب، أو عن طريق التفسُّح واللعب في الألعاب الإلكترونية، أو غير ذلك من وسائل الترفيه، فما دام بهذه الضوابط التي قلناها فهي مباحة، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومن أنفعها بلا شك الألعاب والترفيه الذي يكون فيه منفعة دنيوية بجانب الترفيه، كالرياضات البدنية، والرياضات الذهنية، وغير ذلك.

وأمَّا السؤال الثاني وهو أنك تشعر بأنك مُقصِّر مع الله تعالى، وتزداد رعبًا كلما تذكرت ذلك، فهذا أمرٌ حسن ومطلوبٌ من الإنسان، أن يستشعر دائمًا أنه في حال تقصير مع الله تعالى، فإن الله تعالى لا نستطيع أن نؤدي حقه علينا كما ينبغي.

ولكن هذا الشعور بالتقصير والشعور بالخير من الله تعالى ينبغي أن يُستَغل استغلالًا صحيحًا، فلا يكون مانعًا لنا من العبادات التي تُقربنا من الله تعالى، كعبادة الدعاء والطلب من الله تعالى، فإن الله تعالى يحب أن يُسأل، ويحب عبده السائل، ويحب من يكثر الدعاء، ويحب -سبحانه وتعالى- أن يسأله العبد كل شيء، وأن يسأله وإن كان مقصِّرًا أو عاصيًا، فهذه الأحوال كلها لا تمنع دعاء الله تعالى.

فاحذر من أن يقنطك الشيطان من رحمة الله وفضله، ففضل الله تعالى واسعٌ، وهو -سبحانه وتعالى- يُعطينا تكرّمًا منه، وتفضّلًا منه علينا، وإلَّا فإننا لا نستحق شيئًا عليه بسبب طاعتنا، فطاعتُنا -مهما بلغت- فإنها لا تكافئ شيئًا بسيطًا من نعمه علينا، فإذا أعطانا فإنما يُعطينا بفضله وكرمه وجوده.

احرص على أن تكون مُحسنًا في عبادة ربك، واحرص في الوقت نفسه على كثرة سؤال الله ودعائه، حتى وإن كنت تشعر بالتقصير، بل اعلم جيدًا أنه أوسع الأبواب التي تُرضي الله تعالى عنك، هو الشعور بالذل والافتقار والمسكنة بين يدي الله، والحاجة، فإن الله تعالى قد يُجيبك بسبب هذا الشعور بما لا يجيب به غيرك.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً