الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التواصل مع فتاة عبر إرسال فيديوهات دعوية..هل هو مقبول؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعرف فتاة وأرغب في التقدّم إليها، ولم نتحدث سوى أربعة أيام، ثم اتفقنا على التوقف عن الحديث؛ لأنه لا يجوز شرعًا، وأن نلتزم بالطريقة الشرعية، ولكن لن يكون ذلك قبل سبعة أشهر أو أكثر، وهي تحاول الالتزام في حياتها، وأنا كذلك.

فكرت في ألا أتحدث إليها مطلقًا، ولكن أن أشاركها بعض الفيديوهات الدينية التربوية القصيرة، التي تبين للفتاة أمورًا نافعة في الدين، وتعينها على الالتزام، فهل يجوز أن أرسل لها هذه المقاطع خلال الفترة التي لا يمكننا فيها التواصل، إلى أن يأذن الله لنا باللقاء في النظرة الشرعية؟

أعلم أنه لا يجوز التأثير على المفتي ليفتي بغير الحق، ولكنني أرى من حولي من الشباب من يتواصل ويتعارف ويلتقي، وأنا رفضت الحرام، وسألت الله أن يعوضني خيرًا، وهو على ذلك قدير.

إلا إنني أرجو منكم التحقق من الفتوى بدقة؛ لأن الزمان قد أصبح صعبًا علينا نحن الشباب، ولا نجد مخرجًا بالحلال يريح قلوبنا، فهل ما أود فعله يُعد مكروهًا، لكنه لا يصل إلى درجة التحريم؟ علمًا أنني لن أتحدث إليها مجددًا قبل أن أدخل بيتها خاطبًا، ولكنني أعلم أنها لن تتعرض لمثل هذه الفيديوهات إلا إذا أرسلتها لها، وهي ستساعدها على أن تكون أفضل، حتى وإن لم يكن بيننا نصيب أو قدر، فإن فيها خيرًا لها في دنياها وآخرتها.

أردت فقط أن يبقى بيننا شيء طيب وخيّر، وظننت أن الأمر يشبه من يشارك فيديوهات على صفحته فيراها الآخرون، ولم أجد فتوى مشابهة لهذا الأمر، فعزمت على التأكد، فإني لا أطيق الحرام، وأعلم أن ما لا يرضي الله لن ينتهي برضا العبد.

أفتوني، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نادر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أولًا أن يزيدك هدًى وصلاحًا، فقد سررنا جدًّا بما قرأناه من سؤالك، ومدى حرصك على معرفة الحلال والوقوف عند حدود الله تعالى، وأدبك الجم في عرض السؤال بصراحة ووضوح؛ وهذا كله من توفيق الله تعالى لك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك خيرًا إلى خير، وأن يُيَسِّر لك الأمر كله.

وما بدأته -أيها الحبيب- من قطع التواصل مع هذه الفتاة، هو خير لك ولها؛ فإن الشيطان حريص على إغواء الإنسان بفتنة النساء، وقد حذرنا الله تعالى في كتابه الكريم من فتنة الشيطان، وحذرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- من فتنته بالنساء على وجه الخصوص، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء».

ولهذا فالمؤمن العاقل هو الذي يُبالغ في الحذر من الوقوع في شبكة الشيطان، وأن يقع فريسة سهلة له، وكن على ثقة من أن آداب الشريعة الإسلامية وتوجيهاتها كلها تصب في هذا الاتجاه، وهو حفظ الإنسان -رجلًا كان أو امرأة- من هذه الفتنة العظيمة، وتجنيبه الوقوع فيما لا تُحمد عاقبته.

فالخير كل الخير في التزام هدي الشريعة الإسلامية وآدابها، ومن هذا الهدي: ألَّا يقع تواصل بين شابين في كل شيء من شأنه أن يُثير الشهوات والغرائز، ويكون بابًا لدخول الشيطان، فاحرص كل الحرص على هذا المنهج الذي اتبعته من قطع التواصل.

لكن التواصل الذي ليس فيه ارتكاب لمحرّم، وليس فيه نظر محرّم، وليس فيه صوت يُثير الشهوة، وليس فيه خلوة، فالتواصل الذي لا يشتمل على هذه المحرمات وأنواعها يبقى في دائرة الجواز والإباحة، ولكن مع ذلك أيضًا ينبغي الحذر منه، والتعامل معه بيقظة كبيرة.

وما تسأل عنه -أيها الحبيب- من إرسال فيديوهات نافعة إلى هذه الفتاة، فهذا داخل في دائرة الإباحة، فيجوز لك أن تُرسل لها ذلك، لكن احذر كل الحذر من أن يجرك الشيطان إلى ما بعده ووراءه.

ثم نذكّرك -أيها الحبيب- بأن المحرّمات بين الرجل الأجنبي والفتاة الأجنبية عنه، تبقى محرّمات عليه إلى أن يعقد عليها العقد الشرعي، وليس إلى مجرد الخطبة فقط، والخطبة إنما يباح له بسببها النظرة الشرعية، أي أن ينظر إليها بالقدر الذي يدعوه إلى نكاحها والزواج بها أو إلى تركها، فإذا قرر أحد الأمرين رجع الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وهو تحريم النظر إليها، امتثالًا لقول الله سبحانه وتعالى: {قُل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}.

كن على ثقة -أيها الحبيب- من أن منهجك هذا الذي تسير عليه من تحري الحلال والوقوف عنده، والحذر من الحرام والابتعاد عنه؛ هذا المنهج الذي وُفّقت إليه؛ كن على ثقة تامة بأنه سيفتح أمامك أبواب السعادة، ويُيَسِّر الله تعالى لك به كل عسير، فإن الله تعالى وعد بذلك في كتابه فقال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

فاحتسب أجرك ومجاهدتك لنفسك، واعلم أنك تسير في الطريق الصحيح الذي يرضي الله تعالى عنك.

نسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير، وأن يعفّك بالحلال عن الحرام.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً