لم أعد أحتمل مشاعر الإحباط الدائم التي تسيطر عليّ، فما الحل؟

2025-05-05 01:41:06 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بدأت معاناتي منذ أكثر من أربعة عشر عامًا، وكانت تتطور مع مرور الوقت بشكل مختلف، في كل مرة أحاول فيها السيطرة على حالتي، كانت تظهر لي أعراض جديدة تجعلني أبدأ من جديد.

تخرجت في الجامعة وأنا مليئة بالطموح لإكمال دراستي العليا، وقد استعددت نفسيًا لذلك، لكنني اصطدمت برفض عائلتي المتحفظة، التي لم تكن تسمح لي بالسفر خارج المنطقة، فقررت ألا أحاول حتى لا أرهق نفسي.

بعد التخرج تقدمتُ لوظيفة معلِّمة، لكن والدي رفض أن أُعين خارج منطقتنا ولو بكيلومتر واحد، والغريب أنه وافق أن أسافر لمسافة 900 كيلومتر بشرط أن أكون بالقرب من منزل أخوالي، وذلك في مدرسة بجانبهم مباشرة.

لم أشعر بالفرح رغم ذلك، فقد كنت مخطوبة في تلك الفترة، وكنتُ قد قضيت عمري كله في المدينة، وانتقلت فجأة إلى بيئة القرية.

هناك بدأتْ أولى النوبات: صحوت ذات يوم من النوم أصرخ بصوت مرتفع دون ألم أو سبب واضح، وفقدت السيطرة على نفسي، وبعد أن أهدأ أشعر بإرهاق شديد يمنعني من بذل أي مجهود، ولم أعد أستطيع النوم إلَّا باستخدام الحبوب المنومة، وبدأت هذه الحالة تتكرر يوميًا، وكنت مذهولة ومكتئبة، وخائفة من الخروج، وخائفة من الناس، وبدأتُ أبتعد عنهم، وأكثرتُ من التحصين والذكر.

عندما انتقلت إلى بيت زوجي، استمرت هذه النوبات يوميًا، وذهب بي زوجي إلى عدد من الشيوخ، وخفَّت الحالة قليلاً لتصبح أسبوعيةً، ثم شهريةً، لكن الغريب أنها لم تكن تصيبني إلَّا عندما أزور تلك المنطقة، أمَّا حين أكون في مدينتي الأصلية -حيث نشأت وعشت- أشعر بالراحة والسعادة.

مرت السنوات وخفّت حدة هذه الحالة بعد تسع سنوات، حتى أصبحت نادرة، ولكن بعد ولادتي لابنتي الثالثة بشهرين، عادت الحالة فجأة، وبعد أسبوع من عودتي للعمل انتابتني نوبة خوف شديد بدون سبب، وشعرت باختناق، وركضتُ داخل المنزل مرعوبة، وطلبتُ من زوجي أخذي إلى الطبيب، وشخص حالتي بهبوط بسيط، لكنني لم أقتنع.

تطورت حالتي إلى خوف مزمن، وبكاء مستمر، واكتئاب وفقدان شهية، وكان زوجي يحاول تهدئتي ويحثني على الدعاء وقراءة القرآن، وكنت أحاول، لكنني لم أستطع حتى لمس المصحف، بدأت أكرهه دون سبب، وطلبت منه الطلاق أكثر من مرة، علّي أجد راحة، فقد أصبحتُ لا أحتمل الضيق الذي يملأ صدري.

ذهبتُ إلى عملي كأنني في عالم آخر، مشحونة بمشاعر مختلطة على وشك الانفجار، وكنت أخاف أن يلاحظ أحد ذلك.

حاولت التغلُّب على ذلك بالمواظبة على قيام الليل والقراءة، ورغم صعوبة ذلك شعرت أنني بدأت أفقد عقلي، وطلبت من زوجي أن يصحبني إلى طبيب نفسي لكنه رفض، وطلب مني الصبر والثبات على الدعاء.

استمرت معاناتي لسنوات، حتى استقرت حالتي على شعور دائم بعدم الرغبة، وعصبية مفرطة، وانزعاج من الأصوات العالية، أغلق باب غرفتي لأتجنب أصوات أطفالي، وأبكي باستمرار دون سبب، وفقدت القدرة على الاستمتاع بتربية أبنائي، وصرت أعد الأيام التي أشعر فيها بشيء من الراحة، وأراقب نفسي دون جدوى.

أظنُّ أحيانًا أن السبب هو اكتئاب ما قبل الدورة، لكنني لم أجد تفسيرًا واضحًا، وأكثر ما يؤلمني الآن هو أن أطفالي بحاجة إليّ، وقد بدأوا يشعرون بمعاناتي، وأنا لا أريد أن أؤثر عليهم، وحتى زوجي بدأتْ نفسيته بالتدهور، ولم يعد يعرف ما يفعل، لكنه لا يزال يرفض فكرة العلاج النفسي، رغم أنني جربت الأعشاب ولم تنفع، ورفض أن أتناول دواء مثل الـ(بروزاك).

في الوقت الحالي أعاني من شرود ذهني، نسيان، ملل، وخوف شديد من المستقبل. أشعر بالحزن والهم دون سبب واضح، وأؤدي واجباتي اليومية على مضض، بلا معنى. حتى عملي أصبحت أتهرب منه، ولا أرغب في تطوير نفسي، رغم أنني لا أحب أن أكون بهذه الصورة.

أحاول الهروب من هذه الحالة إمَّا بالعزلة، أو بالخروج لتأدية بعض الحوائج، لكنني أشعر بالضيق في كل الأحوال، وحاولت تغيير نمط حياتي، لكن قواي خارت تمامًا.

أعتذر عن الإطالة، لكنني لم أعد أحتمل، وأتمنى منكم التوجيه.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عفاف .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك الصحة والعافية.

من خلال العرض التفصيلي لحالتك أستطيع أن أستنتج وأقول لك بأن حالتك بسيطة -بإذن الله تعالى- رغم ما تسببه لك من ألم نفسي وانزعاج شديد، فالنوبات التي كانت تنتابك هي نوبات خوف شديد وقلق وتوتر، وإحساس بالموت الوشيك؛ وتسمى هذه الحالة بنوبات الهرع أو الفزع، أو إن شئتِ سمِّيها "اضطراب فزع"، وهي حالات مفاجئة من القلق والتوتر، قد يصاحبها تسارع في ضربات القلب، وشعور بفقدان السيطرة على النفس، وأحيانًا شعور قوي بدنو الموت.

ورغم الإزعاج الكبير الذي تسببه هذه الحالة للمريض، إلَّا أنها ليست بالخطورة التي قد يتصورها البعض، وهي تُدرج ضمن اضطرابات القلق النفسي، ولم تُعرف أسبابها بدقة حتى الآن، لكن يبدو أن بعض الأشخاص ذوي الشخصيات الحساسة يكونون أكثر عرضة لها.

لاحقًا ظهرت لديك أعراض اكتئابية واضحة، وأعتقد أن هذا هو وضعك الحالي، وهذا الأمر غير مستبعد؛ فالعلاقة بين الاضطراب الفزعي والاكتئاب علاقة وثيقة، وكلاهما يُعد من الاضطرابات الوجدانية، وهي -إن شاء الله- حالات بسيطة قابلة للعلاج.

ولا شك أن حالتك لا علاقة لها إطلاقًا بالأمراض العقلية، وحتى من الناحية النفسية تُعتبر من الحالات البسيطة إلى المتوسطة، والتي يمكن علاجها بإذن الله تعالى.

أوضح لك هذا الشرح لأنني أريدك أن تفهمي طبيعة حالتك جيدًا، كما أرجو أن تنقلي هذه المعلومات إلى زوجك الكريم، إذ سيساعده ذلك على إدراك أنك بحاجة إلى مساعدة طبية نفسية، فالطب النفسي اليوم لا يختلف عن سائر فروع الطب الأخرى، وما يُشاع من وصمة حوله أصبحت أفكارًا قديمة وخاطئة.

قدّمي لنفسك فرصة العلاج، وإن شاء الله حينما يعرف زوجك طبيعة حالتك سيساعدك ويدعمك، ويمكنك عرض هذه الرسالة عليه أو تلخيص محتواها له.

أمَّا بالنسبة للعلاج: فالعلاج الدوائي ضروري لحالتك؛ إذ يُعتقد أن نوبات القلق والاكتئاب والوساوس والرهاب والاضطراب الفزعي تنتج بدرجة كبيرة عن اضطراب بعض المواد الكيميائية في الدماغ.

من أهم هذه المواد "السيروتونين"، وهو ناقل عصبي رئيسي يتحكم في المشاعر والمزاج. عندما يحدث خلل أو نقص في هذه المادة، تظهر أعراض مثل التي تعانين منها. وبما أنه لا يمكن فحص السيروتونين بشكل دقيق أثناء الحياة، فإن العلاج يعتمد على هذه الفرضية.

ولله الحمد توجد أدوية فعالة وآمنة لعلاج هذه الحالات، ومن أفضل الأدوية التي ننصح بها دواء يعرف تجاريًا باسم (سيبراليكس، cipralex)، ويعرف علميًا باسم (اسيتالوبرام escitalopram)، وهو دواء فعال جدًا لعلاج نوبات الخوف، والاكتئاب، والاضطراب الفزعي، وكذلك الوساوس. يقارب في تأثيره دواء (بروزاك، prozac)، لكنه يتميز بأنه أفضل في علاج القلق.

طريقة الاستخدام:
- ابدئي بتناول خمسة مليجرام يوميًا -أي نصف حبة من فئة عشرة مليجرام- لمدة عشرة أيام.
- ثم ارفعي الجرعة إلى عشرة مليجرام يوميًا (حبة كاملة) واستمرّي عليها لمدة شهر.
- بعدها ارفعي الجرعة إلى عشرين مليجرام ليلاً، وهي الجرعة العلاجية الصحيحة، واستمرّي عليها لمدة ستة أشهر.
- بعد ذلك خففي الجرعة إلى عشرة مليجرام ليلاً لمدة عام.
- ثم إلى خمسة مليجرام ليلاً لمدة شهر.
- وأخيرًا: تناولي خمسة مليجرام يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

دواء (سيبراليكس) غير إدماني وغير تعودي، ولا يؤثر على الهرمونات النسوية، ولكنه كمعظم الأدوية، لا ينصح بتناوله أثناء الحمل، خاصة في الأشهر الأربعة الأولى.

قد يؤدي إلى زيادة بسيطة في الشهية وبالتالي في الوزن، ولكن يمكن التغلب على ذلك بممارسة الرياضة مثل المشي، والتحكم المعقول في النظام الغذائي.

نصائح إضافية مهمة:
- حافظي على التفكير الإيجابي تجاه نفسك؛ فأنتِ بحمد الله لديك زوج وأبناء وعمل، وهذه نعم عظيمة.
- اجعلي الأمل والرجاء حافزك نحو حياة أفضل.
- تمسكي بدينك، فهو الركيزة الأساسية لحياة سعيدة متزنة.
- مارسي الرياضة بانتظام (مثل المشي أو الدراجة الثابتة في المنزل).
- تدربي على تمارين الاسترخاء، وهناك كتيبات وأشرطة ووسائط تساعد على تعلمها بسهولة.

الخلاصة:
* حالتك -بإذن الله- بسيطة وواضحة، ويمكن علاجها بسهولة. آمل أن تساعدك هذه الرسالة في إقناع زوجك الكريم بأهمية العلاج.
* الأدوية الحديثة فعالة وآمنة إذا استُعملت بالشكل الصحيح، ولا تسبب ضررًا.

نسأل الله لك الشفاء العاجل والتوفيق والسداد.

www.islamweb.net