nindex.php?page=treesubj&link=30179الإيمان بما بعد الموت
ومنها الإيمان ب ( ما ) الذي ( من بعده ) أي من بعد الموت ( على العباد حتما ) من
nindex.php?page=treesubj&link=28760_1979أحوال الاحتضار إلى البعث والنشور إلى أن يقضي الله بين عباده ويستقر كل
[ ص: 713 ] من الفريقين فريق في الجنة وفريق في السعير . ونذكر ما تيسر من التقدير على كل أمر منها في محله من هذه الأبيات الآتية إن شاء الله تعالى ، هذا أولها :
وإن كل مقعد مسؤول ما الرب ما الدين وما الرسول وعند ذا يثبت المهيمن
بثابت القول الذين آمنوا ويوقن المرتاب عند ذلك
بأنما مورده المهالك
إثبات عذاب القبر في هذه الأبيات إثبات المسألة العظيمة ، وهي إثبات سؤال القبر وفتنته وعذابه ونعيمه ، وقد تظاهرت بذلك نصوص الشريعة كتابا وسنة وأجمع على ذلك أئمة السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أهل السنة والجماعة وإن أنكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر المريسي وأضرابه وأتباعهم من
المعتزلة وحملوا على فاسد فهمهم قول الله عز وجل (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) ( الدخان : 56 ) وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=22وما أنت بمسمع من في القبور ) ( فاطر : 22 ) .
قالوا في الآية الأولى : لو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين لا موتة واحدة . وقالوا في الآية الثانية : إن الغرض من سياقها تشبيه الكفرة بأهل القبور في عدم الإسماع ، ولو كان الميت حيا في قبره أو حاسا لم يستقم التشبيه .
قالوا : وأما من جهة العقل فإنا نرى شخصا يصلب ويبقى مصلوبا إلى أن تذهب أجزاؤه ولا نشاهد فيه إحياء ومسألة ، والقول لهم بهما مع المشاهدة سفسطة ظاهرة ، وأبلغ منه من أكلته السباع والطيور وتفرقت أجزاؤه في بطونها وحواصلها ، وأبلغ منه من أحرق حتى يفتت وذري أجزاؤه المتفتتة في الرياح العاصفة شمالا وجنوبا وقبولا ودبورا فإنا نعلم عدم إحيائه ومسألته وعذابه ضرورة .
هذه خلاصة شبههم الداحضة ، ومحصلة آرائهم الكاسدة ، وأفهامهم الفاسدة وأذهانهم البائدة ولا عجب ولا استغراب ممن ألحد في أسماء الله وصفاته وجحد ما صرح به تعالى في محكم آياته ورد ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم
[ ص: 714 ] من أقواله وأفعاله وتقريراته ، وحكم العقل في الشرع ، وعارض الوحي الرحماني بالحدس الشيطاني ، وقدم الآراء السقيمة على السنن المستقيمة ، وآثر الأهواء الذميمة على المحجة القويمة ، فليس بعجيب ولا غريب ممن هذا شأنه أن ينكر عذاب القبر وغيره من أنباء الغيب التي لا يشاهدها ، وما له لا ينكر ذلك وهو لا يعرف الإنسان إلا هذا الجسم الذي هو الجلد واللحم والعظم والعروق والأعصاب والشرايين ونحوها مما يمتلئ بكثرة الطعام والشراب فيه ويخلو بقتلهما عليه وما له لا ينكر ذلك وهو لا يقر بموجود إلا مسموعا متكلما به مبصرا مشموما ملموسا ، وما له لا ينكر ذلك وطريقته في النصوص أبدا تأويل الصريح وتضعيف الصحيح ، وأنها آحاد ظنية لا تفيد اليقين وليست بأصل بزعمه عند المحققين . ولا ذنب للنصوص وما نقم منها إلا أنها خالفت هواه وصرحت بنقض دعواه ، وسدت عليه باب مغزاه وأوجبت عليه نبذ أقوال شيوخه وهدمت عليه ما قد بناه وألزمته باطراح كل قول غير ما قاله الله أو رسوله ونادت عليه بأبلغ صوت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) ( الشورى : 21 ) .
والجواب عن الشبهة الأولى : أن الآية لا تدل على مدعاهم بوجه ، فإنها في صفة أهل الجنة وما لهم فيها من كمال النعيم والخلد المقيم ، وأنهم لا يذوقون فيها الموت بل ينعمون ولا يبأسون ويخلدون فلا يموتون وأين هذا من نفي عذاب القبر الذي ادعوه وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56إلا الموتة الأولى ) ( الدخان : 56 ) تأكيد لنفي الموت عنهم في الجنة ، وما المانع من كون الروح تتصل بالجسد في البرزخ اتصالا خاصا ليتألم الجسد بما يتألم به من دون أن تكون حياته كالحياة الدنيوية ، بل ما المانع من كونها حياة مستقرة لا تشبه الحياة الدنيا وهي أعظم منها ، فحجب الله تعالى رؤية ذلك عن عباده رحمة منه بهم كما يدل عليه ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الآتية من الإقعاد والمخاطبة والسؤال والجواب كفاحا كما يشاء الله عز وجل والفتح لباب الجنة للمؤمن وفرشه منها وفتح باب النار للمرتاب وقمعه بالمطارق والمرازب وغير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى بسطه .
وأيضا فأهل الجنة المشار إليهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى )
[ ص: 715 ] ( الدخان : 56 ) قد وردت فيهم الأحاديث الصحيحة
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024956أن أرواحهم تسرح في الجنة في حواصل طيور خضر كما روى الإمام
أحمد عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790محمد بن إدريس الشافعي عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12300محمد بن شهاب الزهري عن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024957إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم يبعثه " ، وفيهم الشهداء الذين قال الله تعالى فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) ( البقرة : 154 ) يقول الله تعالى لنبيه وأصحابه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154ولكن لا تشعرون ) فهل شعرتم بذلك يا معاشر الزنادقة دونهم ؟ ويقول تعالى فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ( آل عمران : 169 ) الآيات . وذلك بخلاف الذين كفروا فإنهم كما قال الله تعالى فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=11قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) ( غافر : 11 ) والموتة الثانية على أحد التفسيرين هي موتتهم بعد فتنة القبر وتفسير الجمهور لا ينافي ذلك ، فإنهم حملوا الموتة الأولى على العدم الذي قبل وجودهم ، والثانية على الخروج من الدنيا ولم يعدوا نومتهم بعد الفتنة في القبر موتة مستقلة لأن حال البرزخ من الموتة الثانية وليس هو من دار الدنيا ولا دار الآخرة بل هو حاجز بينهما ، والتفسير أول محمول على موتتين بعد الوجود خلا حالة العدم المحض قبل إيجادهم .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : إذا وضع - يعني الكافر - في قبره فيرى مقعده من النار ، قال فيقول : رب ارجعون أتوب وأعمل صالحا . قال فيقال : قد عمرت ما كنت معمرا . قال فيضيق عليه قبره ويلتئم فهو كالمنهوش ينام ويفزع تهوي إليه هوام الأرض وحياتها وعقاربها .
[ ص: 716 ] وعن الشبهة الثانية الجواب من وجهين :
الأول : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=22وما أنت بمسمع من في القبور ) ( فاطر : 22 ) نفي لاستطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسمعهم ، وليس ذلك بمحال في قدرة الله أن يسمعهم كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024958أسمع أهل القليب تبكيته صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم : " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا " الحديث سيأتي إن شاء الله ، وهذا إذا حمل على نفي مطلق السماع بالكلية .
الوجه الثاني : أنه لم ينف مطلق السماع ، وإنما نفى سماع الاستجابة كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث القليب : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024959ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يجيبون " وبهذا يتضح تشبيه الكفار بهم فإن الكفار كانوا يسمعون كلام النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون منه كلام الله تعالى وهو يتلوه عليهم ولكن ليس ذلك بسماع استجابة ، ولهذا أثبت تعالى هذا السماع الظاهر لهم في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=8يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ) ( الجاثية : 8 ) ولو كان الكفار لم يسمعوا مطلقا لا سماع استجابة ولا مطلقا لم يكن القرآن حجة عليه ولم يكن الرسول بلغهم ؛ لأنهم ما سمعوه منه ولا أفسد من قول هذا لازمه .
وأما شبهتهم العقلية فهي لا تليق إلا بعقولهم السخيفة ، فإن الروح التي عليها العذاب أو النعيم المتصل بالجسم ألمه ليس بمدرك في الدنيا ولا يعلمه إلا الله ، فمن كان لا يدرك روح من يمشي معه ويكلمه ويأتمنه ويعامله فكيف يدركه إذا صار عن عالم الآخرة ليس من عالم الدنيا ؟ وأيضا فاحتجاب ذلك عن أهل الدنيا من حكمة الله تعالى البالغة ورحمته بهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024960لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع " . وأيضا فأكثر أمور الإيمان اعتقادات باطنة منا لأمور غائبة عنا وهي أعلى صفات أهل الإيمان (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الذين يؤمنون بالغيب ) ( البقرة : 3 ) وذلك غائب عنا في الحياة الدنيا ونحن نعلمه عن الله علم اليقين ، فإذا خرجنا من هذه الدار صار الغيب شهادة
[ ص: 717 ] ورأينا ذلك عين اليقين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) ( يونس : 39 ) والذي أحرقت أعضاؤه وتفرقت أجزاؤه يجمعه الذي أبدأه من لا أجزاء ولا أعضاء وسيأتي الحديث فيه إن شاء الله . ولا فرق بين من كذب بجمع هذا وبين من كذب بجمع الناس ليوم لا ريب فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ) ( الأعراف : 53 ) الآية . فيا أيها الطالب الحق المتحري الإنصاف ، إليك نصوص الآيات المحكمة والسنن القائمة فألق لها سمعك وأحضر قلبك ، وانظر بماذا عارضها الذين في قلوبهم زيغ ، وكيف تتبعوا ما تشابه وأعرضوا عن المحكم ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله كما أخبر الله تعالى عنهم فردوا المحكم بالمتشابه ولم يردوا علم ما غرب عنهم علمه إلى عالمه ، وأحمد الله تعالى إذ هداك لما اختلفوا فيه ووفقك لما انحرفوا عنه من الحق المبين ، وقل كما قال الراسخون في العلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آمنا به كل من عند ربنا ) ( آل عمران : 7 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ( آل عمران : 8 ) .
قال الله تبارك وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون ) ( الأنعام : 93 ) الآية . قال أئمة التفسير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93والملائكة باسطو أيديهم ) ( الأنعام : 93 ) أي إليهم بالضرب والنكال وأنواع العذاب حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم ، ولهذا يقولون لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93أخرجوا أنفسكم ) ( الأنعام : 93 ) وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم ، فتفرق روحه في جسده وتعصي وتأبى الخروج فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ) ( الأنعام : 93 ) أي اليوم تهانون غاية الإهانة كما كنتم تكذبون على الله وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله .
[ ص: 718 ] وسيأتي في الأحاديث كيفية احتضار المؤمن والكافر قريبا إن شاء الله .
ووجه الدلالة من هذه الآية أنه إذا كان يفعل به هذا وهو محتضر بين ظهراني أهله صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم وهم لا يرون شيئا من ذلك ولا يسمعون شيئا من ذلك التقريع والتوبيخ ولا يدرون بشيء من ذلك الضرب ، غير أنهم يرون مجرد احتضاره وسياق نفسه لا يعلمون بشيء مما يقاسون الشدائد فلأن يفعل به في قبره ذلك وأعظم منه ولا يعلمه من كشف عنه أولى وأظهر لأنهم لم يطلعوا على ما يناله بين أظهرهم فكيف وقد انتقل إلى عالم غير عالمهم ودار غير دارهم ، فلا بد للمخالف من أحد أمرين ؛ إما أن يقر بما أخبر الله تعالى به في المحتضر فيلزمهم ما ورد في عذاب القبر أو يجحد هذا وهذا فيكفر بتكذيبه الله ورسوله فبشره بتأويل هذه الآية إذا صار إلى ما صار إليه المكذبون .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=27يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) ( إبراهيم : 27 ) وهذه الآية نصها في عذاب القبر بصريح الأحاديث الآتية وباتفاق أئمة التفسير من الصحابة فالتابعين فمن بعدهم ، وإن المراد بالتثبيت هو عند السؤال في القبر حقيقة وأن من أنكر ذاك اعتمادا على كونه لا يراه ولا يسمعه فقد أنكر أن يكون الله يفعل ما يشاء .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) ( المؤمنون : 99 ) . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم بسنده عن
عائشة رضي الله عنه أنها قالت : ويل لأهل المعاصي من أهل القبور ، تدخل عليهم في قبورهم حيات سود - أو دهم - حية عند رأسه وحية عند رجليه يقرصانه حتى يلتقيا في وسطه ، فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) ( المؤمنون : 99 ) وتقدم حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه في ذلك قريبا ، وسيأتي الأحاديث فيه .
[ ص: 719 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=11قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) ( غافر : 11 ) ذكر
العيني هذه الآية في شرح هذا الباب من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وقال : فإن الله تعالى ذكر الموتة مرتين وهما لا تتحققان إلا أن يكون في القبر حياة وموت حتى تكون إحدى الموتتين ما يتحصل عقيب الحياة في الدنيا ، والأخرى ما يتحصل عقيب الحياة التي في القبر أه .
قلت : وهذا هو تفسير السدي في هذه الآية حيث قال : أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا ، ثم أميتوا فأحيوا يوم القيامة أه .
والآية تحتمله ، لكن المشهور عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم أن هذه الآية كقوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ) ( البقرة : 28 ) وقد قدمنا الجمع بين هذين التفسيرين ولله الحمد والمنة .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=101سنعذبهم مرتين ) ( التوبة : 101 ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وأبو مالك nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري وسعيد وقتادة وابن إسحاق ما حاصله أن المراد بذلك عذاب الدنيا وعذاب القبر ثم يردون إلى عذاب عظيم هو عذاب النار .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=21ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) ( السجدة : 21 ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة : يعني به عذاب القبر . وقال تعالى في قوم
نوح : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) ( نوح : 25 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) ( غافر : 49 ) .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن
nindex.php?page=treesubj&link=25561أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاءوا ، وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت فتأوي إلى قناديل معلقة في
[ ص: 720 ] العرش ، وإن أرواح
آل فرعون في أجواف طيور سود تغدو على جهنم وتروح عليها ، فذلك عرضها .
وفي حديث الإسراء الطويل الذي أخرجه
البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم من رواية
أبي هارون العبدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه : "
ثم انطلق بي إلى خلق كثير من خلق الله عز وجل رجال ، كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم مصفدون على سابلة آل فرعون ، وآل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، وآل فرعون كالإبل المسومة يخطبون الحجارة والشجر ولا يعقلون .
وفي حديث
عائشة في
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024962قصة اليهودية التي قالت لها وقاك الله من عذاب القبر ، فأنكرت عائشة رضي الله عنها ذلك ، فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم قالت له فقال صلى الله عليه وسلم : " لا " قالت عائشة رضي الله عنها : ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : nindex.php?page=hadith&LINKID=1024963وإنه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم " وسيأتي إن شاء الله قريبا .
قال
ابن كثير رحمه الله تعالى : فيقال ما الجمع بين هذا وبين كون الآية مكية وفيها الدلالة على عذاب البرزخ ؟
والجواب : أن الآية دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا في البرزخ وليس فيها دلالة - يعني تامة - على اتصال تألمها بأجسادها في القبور إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ وتألمه بسببه فلم يدل عليه إلا السنة في الأحاديث المرضية . وقد يقال : إن هذه الآية إنما دلت على عذاب الكفار في البرزخ ولا يلزم من ذلك أن يعذب المؤمن في قبره بذنبه . وهذا الجواب هو الراجح عندي لما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024964إنما يفتن [ ص: 721 ] يهود " ، وذلك قبل أن يوحى إليه أن أمته تفتن . والجواب الأول مرجح ؛ لأن الآيات أيضا صريحة في اتصال عذاب القبر بالروح والجسد وما ليس صريحا منها فمحتمل يحمل على الصريح إذ لم يجيء في آية تخصيصه بالروح دون الجسد ونفيه عن الجسد ، وقال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ) ( النحل : 28 - 29 ) وقال
ابن كثير رحمه الله تعالى : وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم ، وينال أجسادهم في قبورها من حرها وسمومها ، فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم وخلدت في نار جهنم (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) ( فاطر : 36 ) وكذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) ( النحل 32 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يا أيتها النفس المطمئنة nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارجعي إلى ربك راضية مرضية nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=29فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) ( الفجر : 28 )
nindex.php?page=treesubj&link=30179الْإِيمَانُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ
وَمِنْهَا الْإِيمَانُ بِ ( مَا ) الَّذِي ( مِنْ بَعْدِهِ ) أَيْ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ ( عَلَى الْعِبَادِ حَتْمًا ) مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28760_1979أَحْوَالِ الِاحْتِضَارِ إِلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ وَيَسْتَقِرَّ كُلٌّ
[ ص: 713 ] مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ . وَنَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ التَّقْدِيرِ عَلَى كُلِّ أَمْرِ مِنْهَا فِي مَحَلِّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْآتِيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، هَذَا أَوَّلُهَا :
وَإِنَّ كُلَّ مُقْعَدٍ مَسْؤُولٌ مَا الرَّبُّ مَا الدِّينُ وَمَا الرَّسُولُ وَعِنْدَ ذَا يُثَبِّتُ الْمُهَيْمِنُ
بِثَابِتِ الْقَوْلِ الَّذِينَ آمَنُوا وَيُوقِنُ الْمُرْتَابُ عِنْدَ ذَلِكَ
بِأَنَّمَا مَوْرِدُهُ الْمَهَالِكُ
إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ إِثْبَاتُ الْمَسْأَلَةِ الْعَظِيمَةِ ، وَهِيَ إِثْبَاتُ سُؤَالِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ وَعَذَابِهِ وَنَعِيمِهِ ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ بِذَلِكَ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ كِتَابًا وَسُنَّةً وَأَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=15211بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ وَأَضْرَابُهُ وَأَتْبَاعُهُمْ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَحَمَلُوا عَلَى فَاسِدِ فَهْمِهِمْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ) ( الدُّخَانِ : 56 ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=22وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) ( فَاطِرٍ : 22 ) .
قَالُوا فِي الْآيَةِ الْأُولَى : لَوْ صَارُوا أَحْيَاءً فِي الْقُبُورِ لَذَاقُوا الْمَوْتَ مَرَّتَيْنِ لَا مَوْتَةً وَاحِدَةً . وَقَالُوا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ : إِنَّ الْغَرَضَ مِنْ سِيَاقِهَا تَشْبِيهُ الْكَفَرَةِ بِأَهْلِ الْقُبُورِ فِي عَدَمِ الْإِسْمَاعِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ حَيًّا فِي قَبْرِهِ أَوْ حَاسًّا لَمْ يَسْتَقِمِ التَّشْبِيهُ .
قَالُوا : وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَإِنَّا نَرَى شَخْصًا يُصْلَبُ وَيَبْقَى مَصْلُوبًا إِلَى أَنْ تَذْهَبَ أَجْزَاؤُهُ وَلَا نُشَاهِدُ فِيهِ إِحْيَاءً وَمَسْأَلَةً ، وَالْقَوْلُ لَهُمْ بِهِمَا مَعَ الْمُشَاهَدَةِ سَفْسَطَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَأَبْلَغُ مِنْهُ مَنْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَالطُّيُورُ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي بُطُونِهَا وَحَوَاصِلِهَا ، وَأَبْلَغُ مِنْهُ مَنْ أُحْرِقَ حَتَّى يُفَتَّتَ وَذُرِيَ أَجْزَاؤُهُ الْمُتَفَتِّتَةُ فِي الرِّيَاحِ الْعَاصِفَةِ شَمَالًا وَجَنُوبًا وَقُبُولًا وَدُبُورًا فَإِنَّا نَعْلَمُ عَدَمَ إِحْيَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ وَعَذَابِهِ ضَرُورَةً .
هَذِهِ خُلَاصَةُ شُبَهِهِمِ الدَّاحِضَةِ ، وَمُحَصِّلَةُ آرَائِهِمُ الْكَاسِدَةِ ، وَأَفْهَامِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَأَذْهَانِهِمُ الْبَائِدَةِ وَلَا عَجَبَ وَلَا اسْتِغْرَابَ مِمَّنْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَجَحَدَ مَا صَرَّحَ بِهِ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ آيَاتِهِ وَرَدَّ مَا صَحَّ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 714 ] مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَتَقْرِيرَاتِهِ ، وَحَكَّمَ الْعَقْلَ فِي الشَّرْعِ ، وَعَارَضَ الْوَحْيَ الرَّحْمَانِيَّ بِالْحَدْسِ الشَّيْطَانِيِّ ، وَقَدَّمَ الْآرَاءَ السَّقِيمَةَ عَلَى السُّنَنِ الْمُسْتَقِيمَةِ ، وَآثَرَ الْأَهْوَاءَ الذَّمِيمَةَ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْقَوِيمَةِ ، فَلَيْسَ بِعَجِيبٍ وَلَا غَرِيبٍ مِمَّنْ هَذَا شَأْنُهُ أَنْ يُنْكِرَ عَذَابَ الْقَبْرِ وَغَيْرَهُ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ الَّتِي لَا يُشَاهِدُهَا ، وَمَا لَهُ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْإِنْسَانَ إِلَّا هَذَا الْجِسْمَ الَّذِي هُوَ الْجِلْدُ وَاللَّحْمُ وَالْعَظْمُ وَالْعُرُوقُ وَالْأَعْصَابُ وَالشَّرَايِينُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَمْتَلِئُ بِكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِيهِ وَيَخْلُو بِقَتْلِهِمَا عَلَيْهِ وَمَا لَهُ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يُقِرُّ بِمَوْجُودٍ إِلَّا مَسْمُوعًا مُتَكَلِّمًا بِهِ مُبْصِرًا مَشْمُومًا مَلْمُوسًا ، وَمَا لَهُ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ وَطَرِيقَتُهُ فِي النُّصُوصِ أَبَدًا تَأْوِيلُ الصَّرِيحِ وَتَضْعِيفُ الصَّحِيحِ ، وَأَنَّهَا آحَادٌ ظَنِّيَّةٌ لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ وَلَيْسَتْ بِأَصْلٍ بِزَعْمِهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ . وَلَا ذَنْبَ لِلنُّصُوصِ وَمَا نَقَمَ مِنْهَا إِلَّا أَنَّهَا خَالَفَتْ هَوَاهُ وَصَرَّحَتْ بِنَقْضِ دَعْوَاهُ ، وَسَدَّتْ عَلَيْهِ بَابَ مَغْزَاهُ وَأَوْجَبَتْ عَلَيْهِ نَبْذَ أَقْوَالِ شُيُوخِهِ وَهَدَمَتْ عَلَيْهِ مَا قَدْ بَنَاهُ وَأَلْزَمَتْهُ بِاطِّرَاحِ كُلِّ قَوْلٍ غَيْرِ مَا قَالَهُ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ وَنَادَتْ عَلَيْهِ بِأَبْلَغِ صَوْتٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) ( الشُّورَى : 21 ) .
وَالْجَوَابُ عَنِ الشُّبْهَةِ الْأُولَى : أَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُمْ بِوَجْهٍ ، فَإِنَّهَا فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا لَهُمْ فِيهَا مِنْ كَمَالِ النَّعِيمِ وَالْخُلْدِ الْمُقِيمِ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ بَلْ يَنْعَمُونَ وَلَا يَبْأَسُونَ وَيُخَلَّدُونَ فَلَا يَمُوتُونَ وَأَيْنَ هَذَا مِنْ نَفْيِ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي ادَّعَوْهُ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ) ( الدُّخَانِ : 56 ) تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ الْمَوْتِ عَنْهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِ الرُّوحِ تَتَّصِلُ بِالْجَسَدِ فِي الْبَرْزَخِ اتِّصَالًا خَاصًّا لِيَتَأَلَّمَ الْجَسَدُ بِمَا يَتَأَلَّمُ بِهِ مِنْ دُونِ أَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُ كَالْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، بَلْ مَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِهَا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لَا تُشْبِهُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا ، فَحَجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رُؤْيَةَ ذَلِكَ عَنْ عِبَادِهِ رَحْمَةً مِنْهُ بِهِمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ مِنَ الْإِقْعَادِ وَالْمُخَاطَبَةِ وَالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ كِفَاحًا كَمَا يَشَاءُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْفَتْحِ لِبَابِ الْجَنَّةِ لِلْمُؤْمِنِ وَفُرُشِهِ مِنْهَا وَفَتْحِ بَابِ النَّارِ لِلْمُرْتَابِ وَقَمْعِهِ بِالْمَطَارِقِ وَالْمَرَازِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَسْطُهُ .
وَأَيْضًا فَأَهْلُ الْجَنَّةِ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى )
[ ص: 715 ] ( الدُّخَانِ : 56 ) قَدْ وَرَدَتْ فِيهِمُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024956أَنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ كَمَا رَوَى الْإِمَامُ
أَحْمَدُ عَنِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ عَنِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024957إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ " ، وَفِيهِمُ الشُّهَدَاءُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ) ( الْبَقَرَةِ : 154 ) يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَأَصْحَابِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ) فَهَلْ شَعَرْتُمْ بِذَلِكَ يَا مُعَاشِرَ الزَّنَادِقَةِ دُونَهُمْ ؟ وَيَقُولُ تَعَالَى فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 169 ) الْآيَاتِ . وَذَلِكَ بِخِلَافِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَإِنَّهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=11قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) ( غَافِرٍ : 11 ) وَالْمَوْتَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ هِيَ مَوْتَتُهُمْ بَعْدَ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَتَفْسِيرُ الْجُمْهُورِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُمْ حَمَلُوا الْمَوْتَةَ الْأُولَى عَلَى الْعَدَمِ الَّذِي قَبْلَ وُجُودِهِمْ ، وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَعُدُّوا نَوْمَتَهُمْ بَعْدَ الْفِتْنَةِ فِي الْقَبْرِ مَوْتَةً مُسْتَقِلَّةً لِأَنَّ حَالَ الْبَرْزَخِ مِنَ الْمَوْتَةِ الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا وَلَا دَارِ الْآخِرَةِ بَلْ هُوَ حَاجِزٌ بَيْنَهُمَا ، وَالتَّفْسِيرُ أَوَّلُ مَحْمُولٍ عَلَى مَوْتَتَيْنِ بَعْدَ الْوُجُودِ خَلَا حَالَةِ الْعَدَمِ الْمَحْضِ قَبْلَ إِيجَادِهِمْ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : إِذَا وُضِعَ - يَعْنِي الْكَافِرَ - فِي قَبْرِهِ فَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، قَالَ فَيَقُولُ : رَبِّ ارْجِعُونِ أَتُوبُ وَأَعْمَلُ صَالِحًا . قَالَ فَيُقَالُ : قَدْ عُمِّرْتَ مَا كُنْتَ مُعَمَّرًا . قَالَ فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ وَيَلْتَئِمُ فَهُوَ كَالْمَنْهُوشِ يَنَامُ وَيَفْزَعُ تَهْوِي إِلَيْهِ هَوَامُّ الْأَرْضِ وَحَيَّاتُهَا وَعَقَارِبُهَا .
[ ص: 716 ] وَعَنِ الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=22وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) ( فَاطِرٍ : 22 ) نَفْيٌ لِاسْتِطَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْمِعَهُمْ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُحَالٍ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ أَنْ يُسْمِعَهُمْ كَمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024958أَسْمَعَ أَهْلَ الْقَلِيبِ تَبْكِيتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا " الْحَدِيثَ سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَهَذَا إِذَا حُمِلَ عَلَى نَفْيِ مُطْلَقِ السَّمَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَنْفِ مُطْلَقَ السَّمَاعِ ، وَإِنَّمَا نَفَى سَمَاعَ الِاسْتِجَابَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْقَلِيبِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024959مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يُجِيبُونَ " وَبِهَذَا يَتَّضِحُ تَشْبِيهُ الْكُفَّارِ بِهِمْ فَإِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَسْمَعُونَ كَلَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْمَعُونَ مِنْهُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِسَمَاعِ اسْتِجَابَةٍ ، وَلِهَذَا أَثْبَتَ تَعَالَى هَذَا السَّمَاعَ الظَّاهِرَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=8يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ) ( الْجَاثِيَةِ : 8 ) وَلَوْ كَانَ الْكُفَّارُ لَمْ يَسْمَعُوا مُطْلَقًا لَا سَمَاعَ اسْتِجَابَةٍ وَلَا مُطْلَقًا لَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنِ الرَّسُولُ بَلَّغَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ مَا سَمِعُوهُ مِنْهُ وَلَا أَفْسَدَ مِنْ قَوْلٍ هَذَا لَازِمُهُ .
وَأَمَّا شُبْهَتُهُمُ الْعَقْلِيَّةُ فَهِيَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِعُقُولِهِمُ السَّخِيفَةِ ، فَإِنَّ الرُّوحَ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَذَابُ أَوِ النَّعِيمُ الْمُتَّصِلُ بِالْجِسْمِ أَلَمُهُ لَيْسَ بِمُدْرَكٍ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، فَمَنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ رُوحَ مَنْ يَمْشِي مَعَهُ وَيُكَلِّمُهُ وَيَأْتَمِنُهُ وَيُعَامِلُهُ فَكَيْفَ يُدْرِكُهُ إِذَا صَارَ عَنْ عَالَمِ الْآخِرَةِ لَيْسَ مِنْ عَالَمِ الدُّنْيَا ؟ وَأَيْضًا فَاحْتِجَابُ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْبَالِغَةِ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024960لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ " . وَأَيْضًا فَأَكْثَرُ أُمُورِ الْإِيمَانِ اعْتِقَادَاتٌ بَاطِنَةٌ مِنَّا لِأُمُورٍ غَائِبَةٍ عَنَّا وَهِيَ أَعْلَى صِفَاتِ أَهْلِ الْإِيمَانِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) ( الْبَقَرَةِ : 3 ) وَذَلِكَ غَائِبٌ عَنَّا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَنَحْنُ نَعْلَمُهُ عَنِ اللَّهِ عِلْمَ الْيَقِينِ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ صَارَ الْغَيْبُ شَهَادَةً
[ ص: 717 ] وَرَأَيْنَا ذَلِكَ عَيْنَ الْيَقِينِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) ( يُونُسَ : 39 ) وَالَّذِي أُحْرِقَتْ أَعْضَاؤُهُ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ يَجْمَعُهُ الَّذِي أَبْدَأَهُ مَنْ لَا أَجْزَاءَ وَلَا أَعْضَاءَ وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ كَذَّبَ بِجَمْعِ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ كَذَّبَ بِجَمْعِ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) ( الْأَعْرَافِ : 53 ) الْآيَةَ . فَيَا أَيُّهَا الطَّالِبُ الْحَقَّ الْمُتَحَرِّي الْإِنْصَافَ ، إِلَيْكَ نُصُوصَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ وَالسُّنَنِ الْقَائِمَةِ فَأَلْقِ لَهَا سَمْعَكَ وَأَحْضِرْ قَلْبَكَ ، وَانْظُرْ بِمَاذَا عَارَضَهَا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ، وَكَيْفَ تَتَبَّعُوا مَا تَشَابَهَ وَأَعْرَضُوا عَنِ الْمُحْكَمِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَرَدُّوا الْمُحْكَمَ بِالْمُتَشَابِهِ وَلَمْ يَرُدُّوا عِلْمَ مَا غَرِبَ عَنْهُمْ عِلْمُهُ إِلَى عَالِمِهِ ، وَأَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إِذْ هَدَاكَ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَوَفَّقَكَ لِمَا انْحَرَفُوا عَنْهُ مِنَ الْحَقِّ الْمُبِينِ ، وَقُلْ كَمَا قَالَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ) ( آلِ عِمْرَانَ : 7 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 8 ) .
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) ( الْأَنْعَامِ : 93 ) الْآيَةَ . قَالَ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ) ( الْأَنْعَامِ : 93 ) أَيْ إِلَيْهِمْ بِالضَّرْبِ وَالنَّكَالِ وَأَنْوَاعِ الْعَذَابِ حَتَّى تَخْرُجَ أَنْفُسُهُمْ مِنْ أَجْسَادِهِمْ ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) ( الْأَنْعَامِ : 93 ) وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتَضَرَ بَشَرَّتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالْأَغْلَالِ وَالسَّلَاسِلِ وَالْجَحِيمِ وَالْحَمِيمِ وَغَضَبِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَتُفَرَّقُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَتَعْصِي وَتَأْبَى الْخُرُوجَ فَتَضْرِبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَخْرُجَ أَرْوَاحُهُمْ مِنْ أَجْسَادِهِمْ قَائِلِينَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ) ( الْأَنْعَامِ : 93 ) أَيِ الْيَوْمِ تُهَانُونَ غَايَةَ الْإِهَانَةِ كَمَا كُنْتُمْ تَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ وَتَسْتَكْبِرُونَ عَنِ اتِّبَاعِ آيَاتِهِ وَالِانْقِيَادِ لِرُسُلِهِ .
[ ص: 718 ] وَسَيَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ كَيْفِيَّةُ احْتِضَارِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَفْعَلُ بِهِ هَذَا وَهُوَ مُحْتَضِرٌ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ أَهْلِهِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ وَهُمْ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ وَلَا يَدْرُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ مُجَرَّدَ احْتِضَارِهِ وَسِيَاقِ نَفْسِهِ لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِمَّا يُقَاسُونَ الشَّدَائِدَ فَلِأَنْ يُفْعَلَ بِهِ فِي قَبْرِهِ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ مِنْهُ وَلَا يَعْلَمُهُ مَنْ كَشَفَ عَنْهُ أَوْلَى وَأَظْهَرُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَا يَنَالُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَكَيْفَ وَقَدِ انْتَقَلَ إِلَى عَالَمٍ غَيْرِ عَالَمِهِمْ وَدَارٍ غَيْرِ دَارِهِمْ ، فَلَا بُدَّ لِلْمُخَالِفِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ ؛ إِمَّا أَنْ يُقِرَّ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْمُحْتَضِرِ فَيُلْزِمُهُمْ مَا وَرَدَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ يَجْحَدُ هَذَا وَهَذَا فَيَكْفُرُ بِتَكْذِيبِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَبَشَّرَهُ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا صَارَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ الْمُكَذِّبُونَ .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=27يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) ( إِبْرَاهِيمَ : 27 ) وَهَذِهِ الْآيَةُ نَصُّهَا فِي عَذَابِ الْقَبْرِ بِصَرِيحِ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ وَبِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّثْبِيتِ هُوَ عِنْدَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ حَقِيقَةً وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَاكَ اعْتِمَادًا عَلَى كَوْنِهِ لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ فَقَدْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ( الْمُؤْمِنُونَ : 99 ) . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا قَالَتْ : وَيْلٌ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ ، تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي قُبُورِهِمْ حَيَّاتٌ سُودٌ - أَوْ دُهْمٌ - حَيَّةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ وَحَيَّةٌ عِنْدَ رِجْلَيْهِ يَقْرُصَانِهِ حَتَّى يَلْتَقِيَا فِي وَسَطِهِ ، فَذَلِكَ الْعَذَابُ فِي الْبَرْزَخِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ( الْمُؤْمِنُونَ : 99 ) وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا ، وَسَيَأْتِي الْأَحَادِيثُ فِيهِ .
[ ص: 719 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=11قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) ( غَافِرٍ : 11 ) ذَكَرَ
الْعَيْنِيُّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي شَرْحِ هَذَا الْبَابِ مِنْ صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَقَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْمَوْتَةَ مَرَّتَيْنِ وَهُمَا لَا تَتَحَقَّقَانِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْقَبْرِ حَيَاةٌ وَمَوْتٌ حَتَّى تَكُونَ إِحْدَى الْمَوْتَتَيْنِ مَا يَتَحَصَّلُ عَقِيبَ الْحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا ، وَالْأُخْرَى مَا يَتَحَصَّلُ عَقِيبَ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي الْقَبْرِ أه .
قُلْتُ : وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَيْثُ قَالَ : أُمِيتُوا فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أُحْيُوا فِي قُبُورِهِمْ فَخُوطِبُوا ، ثُمَّ أُمِيتُوا فَأُحْيُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أه .
وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُهُ ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) ( الْبَقَرَةِ : 28 ) وَقَدْ قَدَّمْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=101سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ) ( التَّوْبَةِ : 101 ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْقَبْرِ ثُمَّ يَرُدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ هُوَ عَذَابُ النَّارِ .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=21وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ) ( السَّجْدَةِ : 21 ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ : يَعْنِي بِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ . وَقَالَ تَعَالَى فِي قَوْمِ
نُوحٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا ) ( نُوحٍ : 25 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) ( غَافِرٍ : 49 ) .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25561أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ بِهِمْ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا ، وَإِنَّ أَرْوَاحَ وِلْدَانِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَجْوَافِ عَصَافِيرَ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ فَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ فِي
[ ص: 720 ] الْعَرْشِ ، وَإِنَّ أَرْوَاحَ
آلِ فِرْعَوْنَ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ سُودٍ تَغْدُو عَلَى جَهَنَّمَ وَتَرُوحُ عَلَيْهَا ، فَذَلِكَ عَرْضُهَا .
وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ
أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ : "
ثُمَّ انْطَلَقَ بِي إِلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رِجَالٍ ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَطْنُهُ مِثْلُ الْبَيْتِ الضَّخْمِ مُصَفَّدُونَ عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ ، وَآلُ فِرْعَوْنَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ، وَآلُ فِرْعَوْنَ كَالْإِبِلِ الْمُسَوَّمَةِ يَخْطُبُونَ الْحِجَارَةَ وَالشَّجَرَ وَلَا يَعْقِلُونَ .
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ فِي
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024962قِصَّةِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِي قَالَتْ لَهَا وَقَاكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، فَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَلِكَ ، فَلَمَّا رَأَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا " قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ثُمَّ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=1024963وَإِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ " وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا .
قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : فَيُقَالُ مَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَوْنِ الْآيَةِ مَكِّيَّةً وَفِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَذَابِ الْبَرْزَخِ ؟
وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى عَرْضِ الْأَرْوَاحِ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا فِي الْبَرْزَخِ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ - يَعْنِي تَامَّةً - عَلَى اتِّصَالِ تَأَلُّمِهَا بِأَجْسَادِهَا فِي الْقُبُورِ إِذْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِالرُّوحِ فَأَمَّا حُصُولُ ذَلِكَ لِلْجَسَدِ فِي الْبَرْزَخِ وَتَأَلُّمُهُ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ إِلَّا السُّنَّةُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْضِيَّةِ . وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى عَذَابِ الْكُفَّارِ فِي الْبَرْزَخِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَذِّبَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ بِذَنْبِهِ . وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024964إِنَّمَا يُفْتَنُ [ ص: 721 ] يَهُودُ " ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّ أُمَّتَهُ تُفْتَنُ . وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ مُرَجَّحٌ ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ أَيْضًا صَرِيحَةٌ فِي اتِّصَالِ عَذَابِ الْقَبْرِ بِالرُّوحِ وَالْجَسَدِ وَمَا لَيْسَ صَرِيحًا مِنْهَا فَمُحْتَمَلٌ يُحْمَلُ عَلَى الصَّرِيحِ إِذْ لَمْ يَجِيءْ فِي آيَةٍ تَخْصِيصُهُ بِالرُّوحِ دُونَ الْجَسَدِ وَنَفْيُهُ عَنِ الْجَسَدِ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) ( النَّحْلِ : 28 - 29 ) وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَهُمْ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ مِنْ يَوْمِ مَمَاتِهِمْ بِأَرْوَاحِهِمْ ، وَيَنَالُ أَجْسَادُهُمْ فِي قُبُورِهَا مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سَلَكَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ وَخَلَدَتْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ) ( فَاطِرٍ : 36 ) وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( النَّحْلِ 32 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=29فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) ( الْفَجْرِ : 28 )