وكما تأولوا الاستواء بالاستيلاء ، واستشهدوا ببيت مجهول مروي على خلاف وجهه ، وهو ما ينسب إلى
الأخطل النصراني :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
.
فعدلوا عن أكثر من ألف دليل من التنزيل إلى بيت ينسب إلى بعض العلوج ، ليس على دين الإسلام ، ولا على لغة العرب ، فطفق أهل الأهواء يفسرون به كلام الله - عز وجل - ويحملونه عليه مع إنكار عامة أهل اللغة لذلك ، وأن الاستواء لا يكون بمعنى الاستيلاء بوجه من الوجوه البتة .
وقد سئل
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي ، وهو إمام أهل اللغة في زمانه ، فقال : العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد ، فأيهما غلب قيل استولى ، والله سبحانه لا مغالب له . اهـ . وقد
nindex.php?page=treesubj&link=28728فسر السلف الاستواء بعدة معان بحسب أداته المقترنة به ، وبحسب تجريده عن الأداء ، ولم يذكر أحد منهم أنه يأتي بمعنى الاستيلاء حتى
[ ص: 360 ] انتحل ذلك أهل الأهواء والبدع ، لا باشتقاق صغير ولا كبير ، بل باستنباط مختلق وافق الهوى المتبع .
وقد بسط القول في رد ذلك
ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في كتابه الصواعق ، وبين بطلانه من نيف وأربعين وجها ، فليراجع . وكما أولوا
nindex.php?page=treesubj&link=29639_28731_28712أحاديث النزول إلى سماء الدنيا بأنه ينزل أمره ، فيقال لهم : أليس أمر الله - تعالى - نازلا في كل وقت وحين ، فماذا يخص السحر بذلك ؟ وقال آخرون : ينزل ملك بأمره ، فنسب النزول إليه - تعالى - مجازا . فيقال لهم : فهل يجوز على الله - تعالى - أن يرسل من يدعو ربوبيته ؟ وهل يمكن للملك أن يقول : لا أسأل عن عبادي غيري ؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ وهل قصرت عبارة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يقول : ينزل ملك بأمر الله ، فيقول : إن الله - تعالى - يقول لكم كذا ، أو أمرني أن أقول لكم كذا ، حتى جاء بلفظ مجمل يوهم بزعمكم ربوبية الملك ، لقد ظننتم بالله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ظن السوء ، وكنتم قوما بورا .
وكما أولوا المجيء لفصل القضاء بالمجاز ، فقالوا : يجيء أمره ، واستدلوا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك ) ، ( النحل : 33 ) ، فقالوا في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ) ، ( البقرة : 210 ) ، فقالوا : هو من مجاز الحذف ، والتقدير : يأتي أمر الله . فيقال لهم : أليس قد اتضح ذلك غاية الاتضاح أن مجيء ربنا - عز وجل - غير مجيء أمره وملائكته ، وأنه يجيء حقيقة ، ومجيء أمره حقيقة ، ومجيء ملائكته حقيقة ، وقد فصل - تعالى - ذلك ، وقسمه ونوعه تنويعا يمتنع معه الحمل على المجاز ، فذكر - تعالى - في آية البقرة مجيئه ومجيء الملائكة ، وكذا في آية الفجر ، وذكر في النحل مجيء ملائكته ومجيء أمره ، وذكر في آية الأنعام إتيانه ، وإتيان ملائكته ، وإتيان بعض آياته التي هي من أمره ، ثم يقال : ما الذي يخص إتيان أمره بيوم القيامة ؟ أليس أمره آتيا في كل وقت ، متنزلا بين السماء والأرض بتدبير أمور خلقه في كل نفس ولحظة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=29يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) ، ( الرحمن : 29 ) ؟ .
وتأولوا
nindex.php?page=treesubj&link=28725_28712النظر إلى الله - عز وجل - في الدار الآخرة بالانتظار ، قالوا : إنه كقوله
[ ص: 361 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=13انظرونا نقتبس من نوركم ) ، ( الحديد : 13 ) ، فيقال لهم : أليس إذا كان بمعنى الانتظار تعدى بنفسه لا يحتاج إلى أداة ، كما في قوله : انظرونا ، ألم يضف الله - تعالى - النظر إلى الوجوه التي فيها الإبصار ، ويعده بإلى التي تفيد المعاينة بالبصر عند جميع أهل اللغة (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140قل أأنتم أعلم أم الله ) ، أولم يفسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرؤية الجلية عيانا بالأبصار في أكثر من خمسين حديثا صحيحا ، حتى شبه تلك الرؤية برؤيتنا الشمس صحوا ، ليس دونها سحاب ، تشبيها للرؤية بالرؤية ، لا للمرئي بالمرئي ، ولم يزل الصحابة مؤمنين بذلك ، ويحدثون به من بعدهم من التابعين ، وينقله التابعون إلى من بعدهم ، وهلم جرا ، فنحن أخذنا ديننا عن حملة الشريعة ، عن الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنتم عمن أخذتم ؟ ! ومن شبهاتهم في نفي الرؤية استدلالهم بقوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار ) ، ( الأنعام : 113 ) ، وهذه الآية فيها عن الصحابة تفسيران :
أولهما : لا يرى في الدنيا ، وهو مروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024419عن عائشة - رضي الله عنها ، وبذلك نفت أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه ليلة المعراج .
ثانيهما : تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه ) أي لا تحيط به ، فالنفي للإحاطة لا للرؤية ، وهذا عام في الدنيا والآخرة ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة من طريق صحيح ، ولا ضعيف أنه أراد بذلك نفي الرؤية في الآخرة ، فهذا تفسير الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الكتاب ، هل بينهم من أحد فسر الآية بما افتريتموه ؟ ومن إفكهم ادعاؤهم معنى التأبيد في نفي (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني ) ، ( الأعراف : 143 ) حتى كذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا مختلقا لفظه : لن تراني في الدنيا ولا في الآخرة . وهو موضوع مكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق أئمة الحديث والسنة ، ولم يقل أحد من أئمة اللغة العربية إن نفي " لن " للتأبيد مطلقا إلا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من المتأخرين ، قال ذلك ترويجا لمذهبه في الاعتزال وجحود صفات الخالق ، جل وعلا .
وقد رده عليه أئمة التفسير
كابن كثير ، وغيره ، ورده
ابن مالك في الكافية حيث قال :
[ ص: 362 ] ومن يرى النفي بلن مؤبدا فقوله اردد وسواه فاعضدا
والقائل
لموسى (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني ) هو المتجلي للجبل حتى اندك ، وهو الذي وعد المؤمنين (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26الحسنى وزيادة ) ، وهو الذي قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إلى ربها ناظرة ) فاتضح بذلك أن قوله
لموسى صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني ) إنما أراد عدم استطاعته رؤية الله - تعالى - في هذه الدار ; لضعف القوى البشرية فيها عن ذلك كما قرر - تعالى - ذلك بقوله - جل جلاله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) ، ( الأعراف : 143 ) الآية ، فإذا لم يثبت الجبل لتجلي الله - تعالى - فكيف يثبت
موسى لذلك ، وهو بشر خلق من ضعف ؟ وأما في الآخرة فيخلق الله - تعالى - في أوليائه قوة مستعدة للنظر إلى وجهه عز وجل .
وبهذا تجتمع نصوص الكتاب والسنة ، وتأتلف كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وأما من اتبع هواه بغير هدى من الله ، ونصب الخصام أو الجدال والمعارضة بين نصوص الكتاب والسنة ، واتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله ، وضرب كتاب الله بعضه ببعض ، وآمن ببعض وكفر ببعض ، وشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ، واتبع غير سبيل المؤمنين ، وأضله الله على علم ، وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، فمن يهديه من بعد الله ؟ أعاذنا الله وجميع المؤمنين من ذلك .
ولا يتأتى لأحد من أهل التأويل مراده ، ولا يستقيم له تأويله إلا بدفع النصوص بعضها ببعض لا محالة ولا بد ، فإن كتاب الله - تعالى - يصدق بعضه بعضا ، لا يكذبه كما هو مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه ، وكذلك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين الكتاب وتوضحه وتفسره ، وتدل عليه وترشد إليه ، ولا يشك في ذلك ولا يرتاب فيه إلا من اتخذ إلهه هواه ، وأدلى بشبهاته لغرض شهواته (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=19بل الذين كفروا في تكذيب nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=20والله من ورائهم محيط ) ، ( البروج : 19 - 20 ) ، وهذا دأبهم في جميع نصوص الأسماء والصفات ، وإنما ذكرنا هذه الجملة مثالا وتنبيها على ما وراء ذلك ، فمن عوفي فليحمد الله ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، ( وتعطيل ) أي للنصوص بنفي ما اقتضته من صفات كمال الله - تعالى -
[ ص: 363 ] ونعوت جلاله ، فإن نفي ذلك من لازمه نفي الذات ، ووصفه بالعدم المحض ، إذ ما لا يوصف بصفة هو العدم ، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ، ولهذا قال السلف الصالح رحمهم الله - تعالى - في
الجهمية : إنهم يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله يعبد ، وذلك لجحودهم صفات كماله ، ونعوت جلاله التي وصف بها نفسه ، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك يتضمن التكذيب بالكتاب والسنة ، والافتراء على الله كذبا (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ) ، ( الزمر : 32 - 35 ) .
( وغير تكييف ) تفسير لكنه شيء من صفات ربنا - تعالى - كأن يقال استوى على هيئة كذا ، أو ينزل إلى السماء بصفة كذا ، أو تكلم بالقرآن على كيفية كذا ، ونحو ذلك من الغلو في الدين ، والافتراء على الله عز وجل ، واعتقاد ما لم يأذن به الله ، ولا يليق بجلاله وعظمته ، ولم ينطق به كتاب ولا سنة ، ولو كان ذلك مطلوبا من العباد في الشريعة لبينه الله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يدع ما بالمسلمين إليه حاجة إلا بينه ووضحه ، والعباد لا يعلمون عن الله - تعالى - إلا ما علمهم كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) ، ( البقرة : 255 ) ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=110يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ) ، ( طه : 110 ) فليؤمن العبد بما علمه الله تعالى ، وليقف معه كهذه الصفات الثابتة في الكتاب والسنة ، وليمسك عما جهله ، وليكل معناه إلى عالمه ككيفيتها (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ، ( الحشر : 7 ) .
( ولا تمثيل ) أي ومن غير تشبيه لشيء من صفات الله بصفات خلقه ، فكما أنا نثبت له ذاتا لا تشبه الذوات ، فكذلك نثبت له ما أثبت لنفسه من الأسماء والصفات ، ونعتقد تنزهه وتقدسه عن مماثلة المخلوقات (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ، ( الشورى : 11 ) ، وإذا كان القول على الله بلا علم في أحكام
[ ص: 364 ] الشريعة ، هو أقبح المحرمات كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ، ( الأعراف : 33 ) فكيف
nindex.php?page=treesubj&link=28716_28718_30540بالقول على الله بلا علم في إلهيته وربوبيته ، وأسمائه وصفاته من تشبيه خلقه به أو تشبيهه لخلقه في اتخاذ الأنداد معه ، وصرف العبادة لهم ، وإن اعتقاد تصرفهم في شيء من ملكوته تشبيه للمخلوق بالخالق ، كما أن تمثيل صفاته - تعالى - بصفات خلقه تشبيه للخالق بالمخلوق ، وكلا التشبيهين كفر بالله - عز وجل - أقبح الكفر ، وقد نزه الله - تعالى - نفسه عن ذلك كله في كتابه ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قل هو الله أحد nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=2الله الصمد nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لم يلد ولم يولد nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد ) ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) ، ( مريم : 65 ) ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ) ، ( النحل : 60 ) ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ، ( النحل : 74 ) ، وغير ذلك من الآيات ، بل جميع القرآن من أوله إلى خاتمته في هذا المعنى ، بل لم يرسل الله - تعالى - رسله ، ولم ينزل كتبه إلا بذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) ، ( الأحزاب : 4 ) .
( بل قولنا ) الذي نقوله ونعتقده ، وندين الله به هو ( قول أئمة الهدى ) من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الأئمة
كأبي حنيفة ،
ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وابن عيينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ، وأصحاب الأمهات الست ، وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف وبلا تشبيه ولا تعطيل ، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن
[ ص: 365 ] الله عز وجل ، فإن الله - تعالى - لا يشبهه شيء من خلقه ، وليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، بل الأمر كما قال الأئمة : تفسيرها قراءتها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17211نعيم بن حماد الخزاعي شيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمهما الله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=28717_30540من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28718_30540جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت لله - تعالى - ما أثبته لنفسه مما وردت به الآيات الصريحة ، ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما ورد في الأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله وعظمته ، ونفى عن الله النقائض ، فقد سلك سبيل الهدى .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنا برسول الله ، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم . وقال أيضا - رحمه الله : لله - تعالى - أسماء وصفات ، جاء بها كتابه ، وأخبر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمته ، لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها ; لأن القرآن نزل بها ، وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القول بها ، فيما روى عنه العدول ، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه ، فهو كافر ، أما قبل ثبوت الحجة عليه ، فمعذور بالجهل ; لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر ، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها ، وتثبت هذه الصفات وينفي عنها التشبيه كما نفى التشبيه عن نفسه - تعالى - فقال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد - رحمه الله : ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه ، قد أجمل الله الصفة ، فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء ، وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه ، قال : فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ، ولا يبلغ الواصفون صفته ، ولا نتعدى القرآن والحديث ، فنقول كما قال ، ونصف بما وصف به نفسه ، ولا نتعدى ذلك ، ولا يبلغ صفته الواصفون ، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ، ولا نزيل عنه صفة من صفاته بشناعة شنعت ، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ، ووضعه كنفه عليه ، فهذا كله يدل على أن الله - سبحانه وتعالى - يرى في الآخرة ، والتحديد في هذا كله بدعة ، والتسليم فيه بغير صفة ، ولا حد إلا ما وصف به نفسه : سميع ، بصير ، لم يزل متكلما ، عالما ، غفورا ، عالم الغيب والشهادة ، علام الغيوب .
فهذه صفات وصف بها نفسه ، لا تدفع ولا ترد ، وهو
[ ص: 366 ] على العرش بلا حد كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ثم استوى على العرش ) كيف شاء المشيئة إليه ، والاستطاعة إليه ليس كمثله شيء ، وهو خالق كل شيء ، وهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ، لا نتعدى القرآن والحديث ، تعالى الله عما يقول
الجهمية والمشبهة . قلت له : والمشبه ما يقول ؟ قال : من قال بصر كبصري ، ويد كيدي ، وقدم كقدمي ، فقد شبه الله - تعالى - بخلقه ، انتهى .
وكلام أئمة السنة في هذا الباب يطول ، وقد تقدم كثير منه في الاستواء ، والكلام ، والنزول ، والرؤية ، وغير ذلك .
( طوبى لمن بهديهم قد اهتدى ) إذ هم خير القرون ، وأعلم الأمة بشريعة الإسلام ، وأولاهم باتباع الكتاب والسنة ، واقتفاء آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبهم حفظ الله الدين على من بعدهم ، فرحمهم الله ، ورضي عنهم وأرضاهم ، وألحقنا بهم سالمين غير مفتونين ، إنه سميع الدعاء .
وَكَمَا تَأَوَّلُوا الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ ، وَاسْتَشْهَدُوا بِبَيْتٍ مَجْهُولٍ مَرْوِيٍّ عَلَى خِلَافِ وَجْهِهِ ، وَهُوَ مَا يُنْسَبُ إِلَى
الْأَخْطَلِ النَّصْرَانِيِّ :
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ
.
فَعَدَلُوا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دَلِيلٍ مِنَ التَّنْزِيلِ إِلَى بَيْتٍ يُنْسَبُ إِلَى بَعْضِ الْعُلُوجِ ، لَيْسَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ ، فَطَفِقَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ يُفَسِّرُونَ بِهِ كَلَامَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيَحْمِلُونَهُ عَلَيْهِ مَعَ إِنْكَارِ عَامَّةِ أَهْلِ اللُّغَةِ لِذَلِكَ ، وَأَنَّ الِاسْتِوَاءَ لَا يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْبَتَّةَ .
وَقَدْ سُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي زَمَانِهِ ، فَقَالَ : الْعَرَبُ لَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ مُضَادٌّ ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ قِيلَ اسْتَوْلَى ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا مُغَالِبَ لَهُ . اهـ . وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=28728فَسَّرَ السَّلَفُ الِاسْتِوَاءَ بِعِدَّةِ مَعَانٍ بِحَسَبِ أَدَاتِهِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهِ ، وَبِحَسَبِ تَجْرِيدِهِ عَنِ الْأَدَاءِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ حَتَّى
[ ص: 360 ] انْتَحَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ ، لَا بِاشْتِقَاقٍ صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ ، بَلْ بِاسْتِنْبَاطٍ مُخْتَلَقٍ وَافَقَ الْهَوَى الْمُتَّبَعَ .
وَقَدْ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي رَدِّ ذَلِكَ
ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ الصَّوَاعِقِ ، وَبَيَّنَ بُطْلَانَهُ مِنْ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ وَجْهًا ، فَلْيُرَاجَعْ . وَكَمَا أَوَّلُوا
nindex.php?page=treesubj&link=29639_28731_28712أَحَادِيثَ النُّزُولِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا بِأَنَّهُ يَنْزِلُ أَمْرُهُ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَلَيْسَ أَمْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - نَازِلًا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ ، فَمَاذَا يَخُصُّ السَّحَرَ بِذَلِكَ ؟ وَقَالَ آخَرُونَ : يَنْزِلُ مَلَكٌ بِأَمْرِهِ ، فَنَسَبَ النُّزُولَ إِلَيْهِ - تَعَالَى - مَجَازًا . فَيُقَالُ لَهُمْ : فَهَلْ يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يَدْعُو رُبُوبِيَّتَهُ ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ لِلْمَلِكِ أَنْ يَقُولَ : لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي غَيْرِي ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ وَهَلْ قَصُرَتْ عِبَارَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يَقُولَ : يَنْزِلُ مَلَكٌ بِأَمْرِ اللَّهِ ، فَيَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ لَكُمْ كَذَا ، أَوْ أَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ لَكُمْ كَذَا ، حَتَّى جَاءَ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ يُوهِمُ بِزَعْمِكُمْ رُبُوبِيَّةَ الْمَلَكِ ، لَقَدْ ظَنَنْتُمْ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَنَّ السَّوْءِ ، وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا .
وَكَمَا أَوَّلُوا الْمَجِيءَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَجَازِ ، فَقَالُوا : يَجِيءُ أَمْرُهُ ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ) ، ( النَّحْلِ : 33 ) ، فَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ) ، ( الْبَقَرَةِ : 210 ) ، فَقَالُوا : هُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ ، وَالتَّقْدِيرُ : يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ . فَيُقَالُ لَهُمْ : أَلَيْسَ قَدِ اتَّضَحَ ذَلِكَ غَايَةَ الِاتِّضَاحِ أَنَّ مَجِيءَ رَبِّنَا - عَزَّ وَجَلَّ - غَيْرُ مَجِيءِ أَمْرِهِ وَمَلَائِكَتِهِ ، وَأَنَّهُ يَجِيءُ حَقِيقَةً ، وَمَجِيءُ أَمْرِهِ حَقِيقَةٌ ، وَمَجِيءُ مَلَائِكَتِهِ حَقِيقَةٌ ، وَقَدْ فَصَلَ - تَعَالَى - ذَلِكَ ، وَقَسَّمَهُ وَنَوَّعَهُ تَنْوِيعًا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ ، فَذَكَرَ - تَعَالَى - فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ مَجِيئَهُ وَمَجِيءَ الْمَلَائِكَةِ ، وَكَذَا فِي آيَةٍ الْفَجْرِ ، وَذَكَرَ فِي النَّحْلِ مَجِيءَ مَلَائِكَتِهِ وَمَجِيءَ أَمْرِهِ ، وَذَكَرَ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ إِتْيَانَهُ ، وَإِتْيَانَ مَلَائِكَتِهِ ، وَإِتْيَانَ بَعْضِ آيَاتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَمْرِهِ ، ثُمَّ يُقَالُ : مَا الَّذِي يَخُصُّ إِتْيَانَ أَمْرِهِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ؟ أَلَيْسَ أَمْرُهُ آتِيًا فِي كُلِّ وَقْتٍ ، مُتَنَزِّلًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِتَدْبِيرِ أُمُورِ خَلْقِهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَحْظَةٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=29يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) ، ( الرَّحْمَنِ : 29 ) ؟ .
وَتَأَوَّلُوا
nindex.php?page=treesubj&link=28725_28712النَّظَرَ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِالِانْتِظَارِ ، قَالُوا : إِنَّهُ كَقَوْلِهِ
[ ص: 361 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=13انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ) ، ( الْحَدِيدِ : 13 ) ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَلَيْسَ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ تَعَدَّى بِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَدَاةٍ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : انْظُرُونَا ، أَلَمْ يُضِفِ اللَّهُ - تَعَالَى - النَّظَرَ إِلَى الْوُجُوهِ الَّتِي فِيهَا الْإِبْصَارُ ، وَيُعَدِّهِ بِإِلَى الَّتِي تُفِيدُ الْمُعَايَنَةَ بِالْبَصَرِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ) ، أَوَلَمْ يُفَسِّرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرُّؤْيَةِ الْجَلِيَّةِ عِيَانًا بِالْأَبْصَارِ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ حَدِيثًا صَحِيحًا ، حَتَّى شَبَّهَ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ بِرُؤْيَتِنَا الشَّمْسَ صَحْوًا ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ، تَشْبِيهًا لِلرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ ، لَا لِلْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ ، وَلَمْ يَزَلِ الصَّحَابَةُ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ ، وَيُحَدِّثُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَيَنْقُلُهُ التَّابِعُونَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَهَلُمَّ جَرًّا ، فَنَحْنُ أَخَذْنَا دِينَنَا عَنْ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْتُمْ عَمَّنْ أَخَذْتُمْ ؟ ! وَمِنْ شُبُهَاتِهِمْ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) ، ( الْأَنْعَامِ : 113 ) ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا عَنِ الصَّحَابَةِ تَفْسِيرَانِ :
أَوَّلُهُمَا : لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024419عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَبِذَلِكَ نَفَتْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ .
ثَانِيهُمَا : تَفْسِيرُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ ) أَيْ لَا تُحِيطُ بِهِ ، فَالنَّفْيُ لِلْإِحَاطَةِ لَا لِلرُّؤْيَةِ ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ ، وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ ، فَهَذَا تَفْسِيرُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْكِتَابِ ، هَلْ بَيْنَهُمْ مِنْ أَحَدٍ فَسَّرَ الْآيَةَ بِمَا افْتَرَيْتُمُوهُ ؟ وَمِنْ إِفْكِهِمُ ادِّعَاؤُهُمْ مَعْنَى التَّأْبِيدِ فِي نَفْيِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي ) ، ( الْأَعْرَافِ : 143 ) حَتَّى كَذَبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا مُخْتَلَقًا لَفْظُهُ : لَنْ تَرَانِي فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ . وَهُوَ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ إِنَّ نَفْيَ " لَنْ " لِلتَّأْبِيدِ مُطْلَقًا إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، قَالَ ذَلِكَ تَرْوِيجًا لِمَذْهَبِهِ فِي الِاعْتِزَالِ وَجُحُودِ صِفَاتِ الْخَالِقِ ، جَلَّ وَعَلَا .
وَقَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ
كَابْنِ كَثِيرٍ ، وَغَيْرِهِ ، وَرَدَّهُ
ابْنُ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ حَيْثُ قَالَ :
[ ص: 362 ] وَمَنْ يَرَى النَّفْيَ بِلَنْ مُؤَبَّدًا فَقَوْلَهُ ارْدُدْ وَسِوَاهُ فَاعْضُدَا
وَالْقَائِلُ
لِمُوسَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي ) هُوَ الْمُتَجَلِّي لِلْجَبَلِ حَتَّى انْدَكَّ ، وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ
لِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي ) إِنَّمَا أَرَادَ عَدَمَ اسْتِطَاعَتِهِ رُؤْيَةَ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الدَّارِ ; لِضَعْفِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ فِيهَا عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَ - تَعَالَى - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - جَلَّ جَلَالُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ) ، ( الْأَعْرَافِ : 143 ) الْآيَةَ ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْجَبَلُ لِتَجَلِّي اللَّهِ - تَعَالَى - فَكَيْفَ يَثْبُتُ
مُوسَى لِذَلِكَ ، وَهُوَ بَشَرٌ خُلِقَ مِنْ ضَعْفٍ ؟ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي أَوْلِيَائِهِ قُوَّةً مُسْتَعِدَّةً لِلنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَتَأْتَلِفُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَأَمَّا مَنِ اتَّبِعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ، وَنَصَبَ الْخِصَامَ أَوِ الْجِدَالَ وَالْمُعَارَضَةَ بَيْنَ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَاتَّبَعَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ، وَضَرَبَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، وَآمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ ، وَشَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ، وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ، وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ، فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ؟ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ .
وَلَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مُرَادُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ تَأْوِيلُهُ إِلَّا بِدَفْعِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لَا مَحَالَةَ وَلَا بُدَّ ، فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ - تَعَالَى - يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، لَا يُكَذِّبُهُ كَمَا هُوَ مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنٌ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُبَيِّنُ الْكِتَابَ وَتُوَضِّحُهُ وَتُفَسِّرُهُ ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُرْشِدُ إِلَيْهِ ، وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ وَلَا يَرْتَابُ فِيهِ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ، وَأَدْلَى بِشُبُهَاتِهِ لِغَرَضِ شَهَوَاتِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=19بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=20وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ) ، ( الْبُرُوجِ : 19 - 20 ) ، وَهَذَا دَأْبُهُمْ فِي جَمِيعِ نُصُوصِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِثَالًا وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَمَنْ عُوفِيَ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ، ( وَتَعْطِيلٍ ) أَيْ لِلنُّصُوصِ بِنَفْيِ مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِ اللَّهِ - تَعَالَى -
[ ص: 363 ] وَنُعُوتِ جَلَالِهِ ، فَإِنَّ نَفْيَ ذَلِكَ مِنْ لَازِمِهِ نَفْيُ الذَّاتِ ، وَوَصْفُهُ بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ ، إِذْ مَا لَا يُوصَفُ بِصِفَةٍ هُوَ الْعَدَمُ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي
الْجَهْمِيَّةِ : إِنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ ، وَذَلِكَ لِجُحُودِهِمْ صِفَاتِ كَمَالِهِ ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، وَوَصَفَهُ بِهَا رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّكْذِيبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَالِافْتِرَاءَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهِمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ، ( الزُّمَرِ : 32 - 35 ) .
( وَغَيْرِ تَكْيِيفٍ ) تَفْسِيرٍ لَكِنَّهُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ رَبِّنَا - تَعَالَى - كَأَنْ يُقَالَ اسْتَوَى عَلَى هَيْئَةِ كَذَا ، أَوْ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ بِصِفَةِ كَذَا ، أَوْ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ عَلَى كَيْفِيَّةِ كَذَا ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ ، وَالِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاعْتِقَادِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ، وَلَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ ، وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَطْلُوبًا مِنَ الْعِبَادِ فِي الشَّرِيعَةِ لَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَدَعْ مَا بِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ إِلَّا بَيَّنَهُ وَوَضَّحَهُ ، وَالْعِبَادُ لَا يَعْلَمُونَ عَنِ اللَّهِ - تَعَالَى - إِلَّا مَا عَلَّمَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) ، ( الْبَقَرَةِ : 255 ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=110يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ، ( طه : 110 ) فَلْيُؤْمِنِ الْعَبْدُ بِمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلْيَقِفْ مَعَهُ كَهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلِيُمْسِكْ عَمَّا جَهِلَهُ ، وَلِيَكِلْ مَعْنَاهُ إِلَى عَالِمِهِ كَكَيْفِيَّتِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ، ( الْحَشْرِ : 7 ) .
( وَلَا تَمْثِيلِ ) أَيْ وَمِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ لِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ ، فَكَمَا أَنَّا نُثْبِتُ لَهُ ذَاتًا لَا تُشْبِهُ الذَّوَاتِ ، فَكَذَلِكَ نُثْبِتُ لَهُ مَا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ، وَنَعْتَقِدُ تَنَزُّهَهُ وَتُقَدَّسَهُ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، ( الشُّورَى : 11 ) ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ فِي أَحْكَامِ
[ ص: 364 ] الشَّرِيعَةِ ، هُوَ أَقْبَحَ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ، ( الْأَعْرَافِ : 33 ) فَكَيْفَ
nindex.php?page=treesubj&link=28716_28718_30540بِالْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ فِي إِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ ، وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ تَشْبِيهِ خَلْقِهِ بِهِ أَوْ تَشْبِيهِهِ لِخَلْقِهِ فِي اتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ مَعَهُ ، وَصَرْفِ الْعِبَادَةِ لَهُمْ ، وَإِنَّ اعْتِقَادَ تَصَرُّفِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ مَلَكُوتِهِ تَشْبِيهٌ لِلْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ ، كَمَا أَنَّ تَمْثِيلَ صِفَاتِهِ - تَعَالَى - بِصِفَاتِ خَلْقِهِ تَشْبِيهٌ لِلْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ ، وَكِلَا التَّشْبِيهَيْنِ كُفْرٌ بِاللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَقْبَحَ الْكُفْرِ ، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ - تَعَالَى - نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=2اللَّهُ الصَّمَدُ nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) ، ( مَرْيَمَ : 65 ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، ( النَّحْلِ : 60 ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ، ( النَّحْلِ : 74 ) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، بَلْ جَمِيعُ الْقُرْآنِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، بَلْ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ - تَعَالَى - رُسُلَهُ ، وَلَمْ يُنَزِّلْ كُتُبَهُ إِلَّا بِذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) ، ( الْأَحْزَابِ : 4 ) .
( بَلْ قَوْلُنَا ) الَّذِي نَقُولُهُ وَنَعْتَقِدُهُ ، وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ هُوَ ( قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى ) مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ
كَأَبِي حَنِيفَةَ ،
وَمَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وَابْنِ عُيَيْنَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15743وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15744وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ ،
وَأَحْمَدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ ، وَأَصْحَابِ الْأُمَّهَاتِ السِّتِّ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا الَّذِينَ قَضَوْا بِالْحَقِّ وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ ، وَهُوَ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَبِلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ ، وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ إِلَى أَذْهَانِ الْمُشَبِّهِينَ مَنْفِيٌّ عَنِ
[ ص: 365 ] اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، بَلِ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ : تَفْسِيرُهَا قِرَاءَتُهَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17211نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28717_30540مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ ، وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28718_30540جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ ، وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُولُهُ تَشْبِيهٌ ، فَمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ - تَعَالَى - مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِمَّا وَرَدَتْ بِهِ الْآيَاتُ الصَّرِيحَةُ ، وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ ، وَنَفَى عَنِ اللَّهِ النَّقَائِضَ ، فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْهُدَى .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ ، وَآمَنَّا بِرَسُولِ اللَّهِ ، وَبِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ : لِلَّهِ - تَعَالَى - أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ ، جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ ، وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ ، لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ رَدُّهَا ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهَا ، وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَوْلُ بِهَا ، فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْعُدُولُ ، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ كَافِرٌ ، أَمَّا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، فَمَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ ; لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَلَا بِالرُّؤْيَةِ وَالْفِكْرِ ، وَلَا يَكْفُرُ بِالْجَهْلِ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ بِهَا ، وَتُثْبَتُ هَذِهِ الصِّفَاتُ وَيَنْفِي عَنْهَا التَّشْبِيهَ كَمَا نَفَى التَّشْبِيهَ عَنْ نَفْسِهِ - تَعَالَى - فَقَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي ذَاتِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ ، قَدْ أَجْمَلَ اللَّهُ الصِّفَةَ ، فَحَدَّ لِنَفْسِهِ صِفَةً لَيْسَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَصِفَاتُهُ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ وَلَا مَعْلُومَةٍ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، قَالَ : فَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِلَا حَدٍّ وَلَا تَقْدِيرٍ ، وَلَا يَبْلُغُ الْوَاصِفُونَ صِفَتَهُ ، وَلَا نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ ، فَنَقُولُ كَمَا قَالَ ، وَنَصِفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَلَا نَتَعَدَّى ذَلِكَ ، وَلَا يَبْلُغُ صِفَتَهُ الْوَاصِفُونَ ، نُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ ، وَلَا نُزِيلُ عَنْهُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ بِشَنَاعَةٍ شَنُعَتْ ، وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَلَامٍ وَنُزُولٍ وَخَلْوَةٍ بِعَبْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَوَضْعِهِ كَنَفَهُ عَلَيْهِ ، فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يُرَى فِي الْآخِرَةِ ، وَالتَّحْدِيدُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِدْعَةٌ ، وَالتَّسْلِيمُ فِيهِ بِغَيْرِ صِفَةٍ ، وَلَا حَدٍّ إِلَّا مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ : سَمِيعٌ ، بَصِيرٌ ، لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا ، عَالِمًا ، غَفُورًا ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، عَلَّامَ الْغُيُوبِ .
فَهَذِهِ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، لَا تُدْفَعُ وَلَا تُرَدُّ ، وَهُوَ
[ ص: 366 ] عَلَى الْعَرْشِ بِلَا حَدٍّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) كَيْفَ شَاءَ الْمَشِيئَةَ إِلَيْهِ ، وَالِاسْتِطَاعَةَ إِلَيْهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِلَا حَدٍّ وَلَا تَقْدِيرٍ ، لَا نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ
الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُشَبِّهَةُ . قُلْتُ لَهُ : وَالْمُشَبِّهُ مَا يَقُولُ ؟ قَالَ : مَنْ قَالَ بَصَرٌ كَبَصَرِي ، وَيَدٌ كَيَدِي ، وَقَدَمٌ كَقَدَمِي ، فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ - تَعَالَى - بِخَلْقِهِ ، انْتَهَى .
وَكَلَامُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَطُولُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهُ فِي الِاسْتِوَاءِ ، وَالْكَلَامِ ، وَالنُّزُولِ ، وَالرُّؤْيَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
( طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى ) إِذْ هُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ ، وَأَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ ، وَأَوْلَاهُمْ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَاقْتِفَاءِ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِهِمْ حَفِظَ اللَّهُ الدِّينَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ ، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ ، وَأَلْحَقَنَا بِهِمْ سَالِمِينَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ ، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ .