(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=134من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=134من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا ) .
[ ص: 56 ] وفي تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان :
الأول : أنه تعالى لما ذكر أنه يغني كلا من سعته ، وأنه واسع أشار إلى ما هو كالتفسير ؛ لكونه واسعا ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131nindex.php?page=treesubj&link=28975ولله ما في السماوات وما في الأرض ) يعني : من كان كذلك فإنه لا بد وأن يكون واسع القدرة والعلم والجود والفضل والرحمة .
الثاني : أنه تعالى لما أمر بالعدل والإحسان إلى اليتامى والمساكين بين أنه ما أمر بهذه الأشياء لاحتياجه إلى أعمال العباد ؛ لأن مالك السماوات والأرض كيف يعقل أن يكون محتاجا إلى عمل الإنسان ، مع ما هو عليه من الضعف والقصور ، بل إنما أمر بها رعاية لما هو الأحسن لهم في دنياهم وأخراهم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131nindex.php?page=treesubj&link=19863_28975ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المراد بالآية أن الأمر بتقوى الله شريعة عامة لجميع الأمم لم يلحقها نسخ ولا تبديل ، بل هو وصية الله في الأولين والآخرين .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131من قبلكم ) فيه وجهان :
الأول : أنه متعلق بوصينا ، يعني : ولقد وصينا من قبلكم الذين أوتوا الكتاب .
والثاني : أنه متعلق بأوتوا ، يعني : الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وصيناهم بذلك . وقوله : ( وإياكم ) بالعطف على (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131الذين أوتوا الكتاب ) والكتاب اسم للجنس يتناول الكتب السماوية ، والمراد
اليهود والنصارى .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131أن اتقوا الله ) كقولك : أمرتك الخير ، قال
الكسائي : يقال أوصيتك أن افعل كذا ، وأن تفعل كذا ، ويقال : ألم آمرك أن ائت زيدا ، وأن تأتي زيدا ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14أمرت أن أكون أول من أسلم ) [الأنعام : 14] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة ) [النمل : 91] .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131nindex.php?page=treesubj&link=28975وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا ) ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131وإن تكفروا ) عطف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131اتقوا الله ) والمعنى : أمرناهم وأمرناكم بالتقوى ، وقلنا لهم ولكم : إن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض . وفيه وجهان :
الأول : أنه تعالى خالقهم ومالكهم والمنعم عليهم بأصناف النعم كلها ، فحق كل عاقل أن يكون منقادا لأوامره ونواهيه ، يرجو ثوابه ويخاف عقابه .
والثاني : أنكم إن تكفروا فإن لله ما في سماواته وما في أرضه من أصناف المخلوقات من يعبده ويتقيه ، وكان مع ذلك غنيا عن خلقهم وعن عبادتهم ، ومستحقا لأن يحمد ؛ لكثرة نعمه ، وإن لم يحمده أحد منهم فهو في ذاته محمود ، سواء حمدوه أو لم يحمدوه .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ) .
فإن قيل : ما
nindex.php?page=treesubj&link=28975_28900الفائدة في تكرير قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132ولله ما في السماوات وما في الأرض ) ؟ .
قلنا : إنه تعالى ذكر هذه الكلمات في هذه الآية ثلاث مرات لتقرير ثلاثة أمور :
فأولها : أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ) ، والمراد منه : كونه تعالى جوادا متفضلا ، فذكر عقيبه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132ولله ما في السماوات وما في الأرض ) والغرض تقرير كونه واسع الجود والكرم .
وثانيها : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض ) ، والمراد منه : أنه تعالى منزه عن طاعات المطيعين وعن ذنوب المذنبين ، فلا يزداد جلاله بالطاعات ، ولا ينقص بالمعاصي والسيئات ، فذكر عقيبه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131فإن لله ما في السماوات وما في الأرض )
[ ص: 57 ] والغرض منه تقرير كونه غنيا لذاته عن الكل .
وثالثها : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا ) والمراد منه : أنه تعالى قادر على الإفناء والإيجاد ، فإن عصيتموه فهو قادر على إعدامكم وإفنائكم بالكلية ، وعلى أن يوجد قوما آخرين يشتغلون بعبوديته وتعظيمه ، فالغرض ههنا تقدير كونه سبحانه وتعالى قادرا على جميع المقدورات ، وإذا كان الدليل الواحد دليلا على مدلولات كثيرة فإنه يحسن ذكر ذلك الدليل ؛ ليستدل به على أحد تلك المدلولات ، ثم يذكره مرة أخرى ليستدل به على الثاني ، ثم يذكره ثالثا ليستدل به على المدلول الثالث .
وهذه الإعادة أحسن وأولى من الاكتفاء بذكر الدليل مرة واحدة ؛ لأن عند إعادة ذكر الدليل يخطر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول ، فكان العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجلى ، فظهر أن هذا التكرير في غاية الحسن والكمال .
وأيضا فإذا أعدته ثلاث مرات ، وفرعت عليه في كل مرة إثبات صفة أخرى من صفات جلال الله تنبه الذهن حينئذ ؛ لكون تخليق السماوات والأرض دالا على أسرار شريفة ، ومطالب جليلة ، فعند ذلك يجتهد الإنسان في التفكر فيها ، والاستدلال بأحوالها وصفاتها على صفات الخالق سبحانه وتعالى ، ولما كان الغرض الكلي من هذا الكتاب الكريم صرف العقول والأفهام عن الاشتغال بغير الله إلى الاستغراق في معرفة الله ، وكان هذا التكرير مما يفيد حصول هذا المطلوب ويؤكده ، لا جرم كان في غاية الحسن والكمال .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133وكان الله على ذلك قديرا ) معناه :
nindex.php?page=treesubj&link=33679أنه تعالى لم يزل ولا يزال موصوفا بالقدرة على جميع المقدورات ، فإن قدرته على الأشياء لو كانت حادثة لافتقر حدوث تلك القدرة إلى قدرة أخرى ولزم التسلسل .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=134من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ) والمعنى : أن هؤلاء الذين يريدون بجهادهم الغنيمة فقط مخطئون ؛ وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29703عند الله ثواب الدنيا والآخرة ، فلم اكتفى بطلب ثواب الدنيا مع أنه كان كالعدم بالنسبة إلى ثواب الآخرة ، ولو كان عاقلا لطلب ثواب الآخرة حتى يحصل له ذلك ويحصل له ثواب الدنيا على سبيل التبع ؟ .
فإن قيل : كيف دخل الفاء في جواب الشرط ، وعنده تعالى ثواب الدنيا والآخرة سواء حصلت هذه الإرادة أو لم تحصل ؟ .
قلنا : تقرير الكلام : فعند الله ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده الله تعالى ، وعلى هذا التقدير يتعلق الجزاء بالشرط .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=134nindex.php?page=treesubj&link=29717_29718_28975وكان الله سميعا بصيرا ) يعني : يسمع كلامهم أنهم لا يطلبون من الجهاد سوى الغنيمة ، ويرى أنهم لا يسعون في الجهاد ولا يجتهدون فيه إلا عند توقع الفوز بالغنيمة ، وهذا كالزجر منه تعالى لهم عن هذه الأعمال .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=134مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=134مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) .
[ ص: 56 ] وَفِي تَعَلُّقِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُغْنِي كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ، وَأَنَّهُ وَاسِعٌ أَشَارَ إِلَى مَا هُوَ كَالتَّفْسِيرِ ؛ لِكَوْنِهِ وَاسِعًا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131nindex.php?page=treesubj&link=28975وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) يَعْنِي : مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ وَاسِعَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْجُودِ وَالْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ بَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَمَرَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ ؛ لِأَنَّ مَالِكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَى عَمَلِ الْإِنْسَانِ ، مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الضَّعْفِ وَالْقُصُورِ ، بَلْ إِنَّمَا أَمَرَ بِهَا رِعَايَةً لِمَا هُوَ الْأَحْسَنُ لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131nindex.php?page=treesubj&link=19863_28975وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِتَقْوَى اللَّهِ شَرِيعَةٌ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ لَمْ يَلْحَقْهَا نَسْخٌ وَلَا تَبْدِيلٌ ، بَلْ هُوَ وَصِيَّةُ اللَّهِ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131مِنْ قَبْلِكُمْ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِوَصَّيْنَا ، يَعْنِي : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا مَنْ قَبْلَكُمُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِأُوتُوا ، يَعْنِي : الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَصَّيْنَاهُمْ بِذَلِكَ . وَقَوْلُهُ : ( وَإِيَّاكُمْ ) بِالْعَطْفِ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) وَالْكِتَابُ اسْمٌ لِلْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الْكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ ، وَالْمُرَادُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) كَقَوْلِكَ : أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ ، قَالَ
الْكِسَائِيُّ : يُقَالُ أَوْصَيْتُكَ أَنِ افْعَلْ كَذَا ، وَأَنْ تَفْعَلَ كَذَا ، وَيُقَالُ : أَلَمْ آمُرْكَ أَنِ ائْتِ زَيْدًا ، وَأَنْ تَأْتِيَ زَيْدًا ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ) [الْأَنْعَامِ : 14] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ ) [النَّمْلِ : 91] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131nindex.php?page=treesubj&link=28975وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ) ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131وَإِنْ تَكْفُرُوا ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131اتَّقُوا اللَّهَ ) وَالْمَعْنَى : أَمَرْنَاهُمْ وَأَمَرْنَاكُمْ بِالتَّقْوَى ، وَقُلْنَا لَهُمْ وَلَكُمْ : إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ . وَفِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقُهُمْ وَمَالِكُهُمْ وَالْمُنْعِمُ عَلَيْهِمْ بِأَصْنَافِ النِّعَمِ كُلِّهَا ، فَحَقُّ كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَكُونَ مُنْقَادًا لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، يَرْجُو ثَوَابَهُ وَيَخَافُ عِقَابَهُ .
وَالثَّانِي : أَنَّكُمْ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي سَمَاوَاتِهِ وَمَا فِي أَرْضِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ يَعْبُدُهُ وَيَتَّقِيهِ ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ غَنِيًّا عَنْ خَلْقِهِمْ وَعَنْ عِبَادَتِهِمْ ، وَمُسْتَحِقًّا لِأَنْ يُحْمَدَ ؛ لِكَثْرَةِ نِعَمِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْمَدْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَهُوَ فِي ذَاتِهِ مَحْمُودٌ ، سَوَاءٌ حَمِدُوهُ أَوْ لَمْ يَحْمَدُوهُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ) .
فَإِنْ قِيلَ : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=28975_28900الْفَائِدَةُ فِي تَكْرِيرِ قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) ؟ .
قُلْنَا : إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِتَقْرِيرِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ :
فَأَوَّلُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ) ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ : كَوْنُهُ تَعَالَى جَوَادًا مُتَفَضِّلًا ، فَذَكَرَ عَقِيبَهُ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) وَالْغَرَضُ تَقْرِيرُ كَوْنِهِ وَاسِعَ الْجُودِ وَالْكَرَمِ .
وَثَانِيهَا : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ : أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ طَاعَاتِ الْمُطِيعِينَ وَعَنْ ذُنُوبِ الْمُذْنِبِينَ ، فَلَا يَزْدَادُ جَلَالُهُ بِالطَّاعَاتِ ، وَلَا يَنْقُصُ بِالْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ ، فَذَكَرَ عَقِيبَهُ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )
[ ص: 57 ] وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَقْرِيرُ كَوْنِهِ غَنِيًّا لِذَاتِهِ عَنِ الْكُلِّ .
وَثَالِثُهَا : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=132وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى الْإِفْنَاءِ وَالْإِيجَادِ ، فَإِنْ عَصَيْتُمُوهُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِعْدَامِكُمْ وَإِفْنَائِكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَعَلَى أَنْ يُوجِدَ قَوْمًا آخَرِينَ يَشْتَغِلُونَ بِعُبُودِيَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ ، فَالْغَرَضُ هَهُنَا تَقْدِيرُ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرًا عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ ، وَإِذَا كَانَ الدَّلِيلُ الْوَاحِدُ دَلِيلًا عَلَى مَدْلُولَاتٍ كَثِيرَةٍ فَإِنَّهُ يَحْسُنُ ذِكْرُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ ؛ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَحَدِ تِلْكَ الْمَدْلُولَاتِ ، ثُمَّ يَذْكُرُهُ مَرَّةً أُخْرَى لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الثَّانِي ، ثُمَّ يَذْكُرُهُ ثَالِثًا لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْمَدْلُولِ الثَّالِثِ .
وَهَذِهِ الْإِعَادَةُ أَحْسَنُ وَأَوْلَى مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الدَّلِيلِ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ عِنْدَ إِعَادَةِ ذِكْرِ الدَّلِيلِ يَخْطُرُ فِي الذِّهْنِ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالْمَدْلُولِ ، فَكَانَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ الْمَدْلُولِ أَقْوَى وَأَجْلَى ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا التَّكْرِيرَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْكَمَالِ .
وَأَيْضًا فَإِذَا أَعَدْتَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَفَرَّعْتَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إِثْبَاتَ صِفَةٍ أُخْرَى مِنْ صِفَاتِ جَلَالِ اللَّهِ تَنَبَّهَ الذِّهْنُ حِينَئِذٍ ؛ لِكَوْنِ تَخْلِيقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ دَالًّا عَلَى أَسْرَارٍ شَرِيفَةٍ ، وَمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَجْتَهِدُ الْإِنْسَانُ فِي التَّفَكُّرِ فِيهَا ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالِهَا وَصِفَاتِهَا عَلَى صِفَاتِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَلَمَّا كَانَ الْغَرَضُ الْكُلِّيُّ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْكَرِيمِ صَرْفَ الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ اللَّهِ إِلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ ، وَكَانَ هَذَا التَّكْرِيرُ مِمَّا يُفِيدُ حُصُولَ هَذَا الْمَطْلُوبِ وَيُؤَكِّدُهُ ، لَا جَرَمَ كَانَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْكَمَالِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ) مَعْنَاهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=33679أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِالْقُدْرَةِ عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ ، فَإِنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ لَوْ كَانَتْ حَادِثَةً لَافْتَقَرَ حُدُوثُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ إِلَى قُدْرَةٍ أُخْرَى وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=134مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) وَالْمَعْنَى : أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ بِجِهَادِهِمُ الْغَنِيمَةَ فَقَطْ مُخْطِئُونَ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29703عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَلِمَ اكْتَفَى بِطَلَبِ ثَوَابِ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ كَالْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ ، وَلَوْ كَانَ عَاقِلًا لَطَلَبَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ ذَلِكَ وَيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ ؟ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ دَخَلَ الْفَاءُ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ ، وَعِنْدَهُ تَعَالَى ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ سَوَاءٌ حَصَلَتْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ ؟ .
قُلْنَا : تَقْرِيرُ الْكَلَامِ : فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَهُ إِنْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=134nindex.php?page=treesubj&link=29717_29718_28975وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) يَعْنِي : يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ مِنَ الْجِهَادِ سِوَى الْغَنِيمَةِ ، وَيَرَى أَنَّهُمْ لَا يَسْعَوْنَ فِي الْجِهَادِ وَلَا يَجْتَهِدُونَ فِيهِ إِلَّا عِنْدَ تَوَقُّعِ الْفَوْزِ بِالْغَنِيمَةِ ، وَهَذَا كَالزَّجْرِ مِنْهُ تَعَالَى لَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ .