(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) . وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا معطوف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك ) وعلى هذا القول فهذا الكلام إنما يذكره
لعيسى يوم القيامة ، ومنهم من قال : إنه تعالى قال هذا الكلام
لعيسى عليه السلام حين رفعه إليه ، وتعلق بظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله ) و (إذ) تستعمل للماضي ، والقول الأول أصح ؛ لأن الله تعالى عقب هذه القصة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) [المائدة : 119] والمراد به يوم القيامة ، وأما التمسك بكلمة (إذ) فقد سبق الجواب عنه .
المسألة الثانية : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) سؤالان ، أحدهما : أن الاستفهام كيف يليق بعلام الغيوب ؟ وثانيهما : أنه كان عالما بأن
عيسى عليه السلام لم يقل ذلك فلم خاطبه به ؟ فإن قلتم : الغرض منه
nindex.php?page=treesubj&link=31994_32430_29434توبيخ النصارى وتقريعهم ، فنقول : إن أحدا من
النصارى لم يذهب إلى القول بإلهية
عيسى ومريم مع القول بنفي إلهية الله تعالى ، فكيف يجوز أن ينسب هذا القول إليهم مع أن أحدا منهم لم يقل به .
والجواب عن السؤال الأول أنه استفهام على سبيل الإنكار .
والجواب عن السؤال الثاني : أن الإله هو الخالق ،
nindex.php?page=treesubj&link=29434_32430_31994والنصارى يعتقدون أن خالق المعجزات التي ظهرت على يد عيسى ومريم هو عيسى عليه السلام ومريم ، والله تعالى ما خلقها البتة ، وإذا كان كذلك
فالنصارى قد قالوا : إن خالق تلك المعجزات هو
عيسى ومريم ، والله تعالى ليس خالقها ، فصح أنهم أثبتوا في حق بعض
[ ص: 112 ] الأشياء كون
عيسى ومريم إلهين له مع أن الله تعالى ليس إلها له ، فصح بهذا التأويل هذه الحكاية والرواية .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) أما قوله : ( سبحانك ) فقد فسرناه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32سبحانك لا علم لنا ) [البقرة : 32] .
واعلم أن الله تعالى لما سأل
عيسى أنك هل قلت كذا ؟ لم يقل
عيسى بأني قلت أو ما قلت ، بل قال : ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ، وهذا ليس بحق ; ينتج أنه ما يكون لي أن أقول هذا الكلام ، ولما بين أنه ليس له أن يقول هذا الكلام شرع في بيان أنه هل وقع هذا القول منه أم لا ؟ فلم يقل بأني ما قلت هذا الكلام ; لأن هذا يجري مجرى دعوى الطهارة والنزاهة ، والمقام مقام الخضوع والتواضع ، ولم يقل بأني قلته ، بل فوض ذلك إلى علمه المحيط بالكل .
فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إن كنت قلته فقد علمته ) وهذا مبالغة في الأدب وفي
nindex.php?page=treesubj&link=28685_32498إظهار الذل والمسكنة في حضرة الجلال ، وتفويض الأمور بالكلية إلى الحق سبحانه .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : المفسرون ذكروا فيه عبارات : تعلم ما أخفي ولا أعلم ما تخفي ، وقيل : تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك ، وقيل : تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك ، وقيل : تعلم ما كان مني في الدنيا ولا أعلم ما كان منك في الآخرة ، وقيل : تعلم ما أقول وأفعل ، ولا أعلم ما تقول وتفعل .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=28730_28729_33677تمسكت المجسمة بهذه الآية وقالوا : النفس هو الشخص ، وذلك يقتضي كونه تعالى جسما .
والجواب من وجهين :
الأول : أن النفس عبارة عن الذات ، يقال : نفس الشيء وذاته ، بمعنى واحد .
والثاني : أن المراد تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ، ولكنه ذكر هذا الكلام على طريق المطابقة والمشاكلة وهو من فصيح الكلام .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إنك أنت علام الغيوب ) وهذا تأكيد للجملتين المتقدمتين ، أعني قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إن كنت قلته فقد علمته ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) . وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ ) وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهَذَا الْكَلَامُ إِنَّمَا يَذْكُرُهُ
لِعِيسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ هَذَا الْكَلَامَ
لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ رَفَعَهُ إِلَيْهِ ، وَتَعَلَّقَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ ) وَ (إِذْ) تُسْتَعْمَلُ لِلْمَاضِي ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَقَّبَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) [الْمَائِدَةِ : 119] وَالْمُرَادُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِكَلِمَةِ (إِذْ) فَقَدَ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) سُؤَالَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ كَيْفَ يَلِيقُ بِعَلَّامِ الْغُيُوبِ ؟ وَثَانِيهِمَا : أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلِمَ خَاطَبَهُ بِهِ ؟ فَإِنْ قُلْتُمُ : الْغَرَضُ مِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=31994_32430_29434تَوْبِيخُ النَّصَارَى وَتَقْرِيعُهُمْ ، فَنَقُولُ : إِنَّ أَحَدًا مِنَ
النَّصَارَى لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْقَوْلِ بِإِلَهِيَّةِ
عِيسَى وَمَرْيَمَ مَعَ الْقَوْلِ بِنَفْيِ إِلَهِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَقُلْ بِهِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي : أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْخَالِقُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29434_32430_31994وَالنَّصَارَى يَعْتَقِدُونَ أَنَّ خَالِقَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدِ عِيسَى وَمَرْيَمَ هُوَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَرْيَمُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى مَا خَلَقَهَا الْبَتَّةَ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ
فَالنَّصَارَى قَدْ قَالُوا : إِنَّ خَالِقَ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ هُوَ
عِيسَى وَمَرْيَمُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ خَالِقَهَا ، فَصَحَّ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا فِي حَقِّ بَعْضِ
[ ص: 112 ] الْأَشْيَاءِ كَوْنَ
عِيسَى وَمَرْيَمَ إِلَهَيْنِ لَهُ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ إِلَهًا لَهُ ، فَصَحَّ بِهَذَا التَّأْوِيلِ هَذِهِ الْحِكَايَةُ وَالرِّوَايَةُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) أَمَّا قَوْلُهُ : ( سُبْحَانَكَ ) فَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا ) [الْبَقَرَةِ : 32] .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا سَأَلَ
عِيسَى أَنَّكَ هَلْ قُلْتَ كَذَا ؟ لَمْ يَقُلْ
عِيسَى بِأَنِّي قُلْتُ أَوْ مَا قُلْتُ ، بَلْ قَالَ : مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ، وَهَذَا لَيْسَ بِحَقٍّ ; يُنْتِجُ أَنَّهُ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ ، وَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنَّهُ هَلْ وَقَعَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ أَمْ لَا ؟ فَلَمْ يَقُلْ بِأَنِّي مَا قُلْتُ هَذَا الْكَلَامَ ; لِأَنَّ هَذَا يَجْرِي مَجْرَى دَعْوَى الطَّهَارَةِ وَالنَّزَاهَةِ ، وَالْمَقَامُ مَقَامُ الْخُضُوعِ وَالتَّوَاضُعِ ، وَلَمْ يَقُلْ بِأَنِّي قُلْتُهُ ، بَلْ فَوَّضَ ذَلِكَ إِلَى عِلْمِهِ الْمُحِيطِ بِالْكُلِّ .
فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ) وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْأَدَبِ وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=28685_32498إِظْهَارِ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ فِي حَضْرَةِ الْجَلَالِ ، وَتَفْوِيضِ الْأُمُورِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِيهِ عِبَارَاتِ : تَعْلَمُ مَا أُخْفِي وَلَا أَعْلَمُ مَا تُخْفِي ، وَقِيلَ : تَعْلَمُ مَا عِنْدِي وَلَا أَعْلَمُ مَا عِنْدَكَ ، وَقِيلَ : تَعْلَمُ مَا فِي غَيْبِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي غَيْبِكَ ، وَقِيلَ : تَعْلَمُ مَا كَانَ مِنِّي فِي الدُّنْيَا وَلَا أَعْلَمُ مَا كَانَ مِنْكَ فِي الْآخِرَةِ ، وَقِيلَ : تَعْلَمُ مَا أَقُولُ وَأَفْعَلُ ، وَلَا أَعْلَمُ مَا تَقُولُ وَتَفْعَلُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28730_28729_33677تَمَسَّكَتِ الْمُجَسِّمَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالُوا : النَّفْسُ هُوَ الشَّخْصُ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَعَالَى جِسْمًا .
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ النَّفْسَ عِبَارَةٌ عَنِ الذَّاتِ ، يُقَالُ : نَفْسُ الشَّيْءِ وَذَاتُهُ ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ تَعْلَمُ مَعْلُومِي وَلَا أَعْلَمُ مَعْلُومَكَ ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى طَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ وَالْمُشَاكَلَةِ وَهُوَ مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ ، أَعْنِي قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ) وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) .