1134 - مسألة : ومن
nindex.php?page=treesubj&link=16465_16483حلف عامدا للكذب فيما يحلف ، فعليه الكفارة - وهو قول
الأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
وقالت طائفة : لا كفارة في ذلك - وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبي سليمان .
وروينا مثل قولنا عن السلف المتقدم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة قال : سألت
الحكم بن عتيبة [ ص: 289 ] عن الرجل يحلف بالحلف الكاذب ؟ أفيه كفارة ؟ قال : نعم .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح فيمن حلف على كذب يتعمد فيه الكذب ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : عليه الكفارة ، ولا يزيد بالكفارة إلا خيرا .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
ابن أبي نجيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال : بما تعمدتم .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
الحسن في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته } قال : بما تعمدتم فيه المأثم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : هي اليمين في المعصية .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر في الرجل يحلف على أمر يتعمده كاذبا يقول : والله لقد فعلت ، ولم يفعل ، أو والله ما فعلت ، وقد فعل ، قال : أحب إلي أن يكفر .
وروينا القول الثاني من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11873رفيع أبي العالية : أن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود كان يقول : كنا نعد من الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس أن
nindex.php?page=treesubj&link=26485_16465يحلف الرجل كاذبا على مال أخيه ليقتطعه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان : أن هذا اليمين أعظم من أن تكفر أو أنها كذبة ، لا كفارة فيها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : احتج من لم ير الكفارة في ذلك بالأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها - من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36258 : من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ، } فأنزل الله تعالى تصديق ذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=77إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم {
: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فذكر عليه السلام فيهم المنفق سلعته بالحلف الكاذب } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14756الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق [ ص: 290 ] الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس } .
ومن طريق
عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36263 : من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار } .
ومن طريق
الأشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50267 : من حلف على يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان } .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36255 : من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار } .
وزاد بعضهم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50268ولو كان سواكا أخضر } هذه كلها آثار صحاح .
وذكروا أيضا : خبرا صحيحا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50269 : من استلج في أهله بيمين فهو أعظم إثما ليس تغني الكفارة } .
وبخبر : روينا من طريق
ابن الجهم نا
يوسف بن الضحاك نا
nindex.php?page=showalam&ids=17173موسى بن إسماعيل نا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
ثابت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50270عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل : فعلت كذا وكذا ؟ قال : لا والذي لا إله إلا هو ما فعلت ، فجاء جبريل عليه السلام فقال : بلى قد فعل ، لكن الله غفر له بالإخلاص } .
ورواه
أبو داود من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17173موسى بن إسماعيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب عن
أبي يحيى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وهكذا رويناه أيضا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب عن
أبي يحيى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فإن لم يكن أخطأ فيه
يوسف بن الضحاك فهو حديث جيد ، وإلا فهو ضعيف ؟ قالوا : فلم يأمره عليه السلام بكفارة ؟ قالوا : إنما الكفارة فيما حلف فيه في المستأنف .
وموهوا في ذلك بذكر قول الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : واحفظوا أيمانكم } .
قالوا : وحفظها إنما يكون بعد مواقعتها .
هذا كل ما شغبوا به - وكله لا حجة لهم فيه .
[ ص: 291 ] أما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبي ذر ،
وعمران ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر ،
والأشعث ، وقول الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=77 : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم } فليس في شيء من ذلك إسقاط الكفارة ولا إيجابها ، كما ليس فيها ذكر لتوبة أصلا ، وإنما فيها كلها الوعيد الشديد بالنار والعقاب - .
فسقط تعلقهم بها في إسقاط الكفارة .
ثم العجب كله أنهم في هذه الأحاديث ، وفي هذه الآية على قسمين - :
قسم يقول : إنه ليس شيء مما ذكر في هذه الآية ، وفي هذه الأحاديث - : يقطع : بكونه ولا بد ، وقد يمكن أن يغفر الله عز وجل .
وقسم قالوا : هو نافذ ما لم يتب - فمن أعجب شأنا ممن احتج بآية وأخبار صحاح في إسقاط كفارة يمين ليس فيها من ذلك ذكر أصلا ، وهم قد خالفوا كل ما فيها علانية - وهذا عجب جدا ؟ وأما قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50269من استلج في أهله بيمين فهو أعظم إثما ليس تغني الكفارة } فلا حجة لهم فيه أصلا ; لأن الأيمان عندنا وعندهم ، منها لغو لا إثم فيه ، ولم يرد هذا الصنف في هذا الخبر بلا شك .
ومنها - ما يكون المرء بها حالفا على ما غيره خير منه ولا خلاف عندنا وعندهم في أن الكفارة تغني في هذا .
وبه جاء النص عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى .
ومنها - اليمين الغموس التي اختلفنا فيها ، وبالحس والمشاهدة ندري نحن وهم أن الحالف بها لا يسمى مستلجا في أهله ، فبطل أن يراد بهذا الخبر هذا القسم ، وبطل احتجاجهم به في إسقاطهم الكفارة في اليمين الغموس .
فإن قيل : فما معنى هذا الخبر عندكم وهو صحيح ؟ قلنا : نعم ، معناه - ولله الحمد - بين على ظاهر لفظه دون تبديل ولا إحالة ولا زيادة ولا نقص ، وهو أن يحلف المرء أن يحسن إلى أهله ، أو أن لا يضر بهم ، ثم لج في أن يحنث ، فيضر بهم ، ولا يحسن إليهم ويكفر عن يمينه - فهذا بلا شك مستلج بيمينه في أهله أن لا يفي بها ، وهو أعظم إثما بلا شك - والكفارة لا تغني عنه ، ولا تحط إثم
[ ص: 292 ] إساءته إليهم وإن كانت واجبة عليه - لا يحتمل ألبتة هذا الخبر معنى غير هذا .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ،
وسفيان ، فطريق
سفيان لا تصح ، فإن صحت طريق
حماد فليس فيه لإسقاط الكفارة ذكر ، وإنما فيه : أن الله تعالى غفر له بالإخلاص فقط ، وليس كل شريعة توجد في كل حديث - ولا شك في أنه مأمور بالتوبة من تعمد الحلف على الكذب ، وليس في هذا الخبر لها ذكر ، فإن كان سكوته عليه السلام عن ذكر الكفارة حجة في سقوطها فسكوته عن ذكر التوبة حجة في سقوطها ولا بد ، وهم لا يقولون بهذا .
فإن قالوا : قد أمر بالتوبة في نصوص أخر ؟ قلنا : وقد أمر بالكفارة في نصوص أخر نذكرها إن شاء الله تعالى .
ونقول لهم : إن كان سكوته عليه السلام عن ذكر الكفارة في هذه الأخبار كلها حجة في إسقاطها فسكوته عليه السلام عن ذكر سقوطها حجة في إيجابها ولا فرق - وهي دعوى كدعوى ; فالواجب طلب حكم الكفارة في نص غير هذه ؟ وأما قول الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : واحفظوا أيمانكم } فحق .
وأما قولهم : إن الحفظ لا يكون إلا بعد مواقعة اليمين فكذب ، وافتراء ، وبهت ، وضلال محض ، بل حفظ الأيمان واجب قبل الحلف بها ، وفي الحلف بها ، وبعد الحلف بها ، فلا يحلف في كل ذلك إلا على حق .
ثم هبك أن الأمر كما قالوا ، وأن قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89واحفظوا أيمانكم } إنما هو بعد أن يحلف ، فأي دليل في هذا على أن لا كفارة على من تعمد الحلف كاذبا ؟ وهل هذا منهم إلا المباهتة والتمويه ، وتحريف كلام الله عن مواضعه وما يشك كل ذي مسكة تمييز في أن من تعمد الحلف كاذبا فما حفظ يمينه - فظهر فساد كل ما يمخرقون به .
وأما قولهم : إن الكفارة إنما تجب عليه فيما حلف عليه في المستأنف فباطل ، ودعوى بلا برهان ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع .
فإن ذكروا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50271قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه لا يحلف على يمين فيرى غيرها خيرا منها إلا أتى الذي هو خير وكفر عن يمينه } .
فلا حجة لهم فيه ; لأن الكفارة عندهم وعندنا تجب في غير هذه الصفة ، وهي :
[ ص: 293 ] من
nindex.php?page=treesubj&link=16540_16477حلف على يمين ورأى غيرها شرا منها ففعل الذي هو شر ، فإن الكفارة عندهم وعندنا واجبة عليه في ذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وأما قولهم : هي أعظم من أن تكفر فمن أين لهم هذا ؟ وأين وجدوه ؟ وهل هو إلا حكم منهم لا من عند الله تعالى ؟ ويعارضون بأن يقال لهم : دعوى أحسن من دعواهم ، بل كلما عظم الذنب كان صاحبه أحوج إلى الكفارة ، وكانت أوجب عليه منها فيما ليس ذنبا أصلا ، وفيما هو صغير من الذنوب ، وهذا المتعمد للفطر في رمضان نحن وهم متفقون على أن الكفارة عليه ، ولعله أعظم إثما من
nindex.php?page=treesubj&link=2525حالف على يمين غموس ، أو مثله وهم يرون الكفارة على من تعمد إفساد حجه بالهدي بآرائهم ، ولعله أعظم إثما من حالف يمين غموس أو مثله .
وأعجب من هذا كله قولهم فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=16478_16540حلف أن لا يقتل مؤمنا متعمدا ، وأن يصلي اليوم الصلوات المفروضة ، وأن لا يزني بحريمة وأن لا يعمل بالربا ، ثم لم يصل من يومه ذلك ، وقتل النفس التي حرم الله ، وزنى ، وأربى فإن عليه الكفارة في أيمانه تلك فيا لله ويا للمسلمين أيما أعظم إثما : من حلف عامدا للكذب أنه ما رأى زيدا اليوم ، وهو قد رآه فأسقطوا فيه الكفارة لعظمه .
أو من حنث بأن لا يصلي الخمس صلوات ، وبأن قتل النفس ، وبأن زنى بابنته أو بأمه ، وبأن عمل بالربا - ثم لا يرون عظم حنثه في إتيانه هذه الكبائر العظيمة التي هي والله قطعا عند كل من له علم بالدين أعظم إثما من ألف يمين تعمد فيها الكذب ، لا تجب فيه كفارة ; لأنه أعظم من أن يكفر ؟ فهل تجري أقوال هؤلاء القوم على اتباع نص أو على التزام قياس ؟ وأما تمويههم بأنه روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، فهي رواية منقطعة لا تصح ; لأن
أبا العالية لم يلق
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ولا أمثاله من الصحابة رضي الله عنهم إنما أدرك أصاغر الصحابة
nindex.php?page=showalam&ids=11كابن عباس ، ومثله ، رضي الله عن جميعهم .
وقد خالفوا
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في قوله : إن من حلف بالقرآن ، أو بسورة منه ، فعليه بكل آية كفارة ، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة ;
nindex.php?page=showalam&ids=10فابن مسعود حجة إذا اشتهوا ،
[ ص: 294 ] وغير حجة إذا لم يشتهوا أن يكون حجة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فإذ قد سقط كل ما شغبوا به فلنأت بالبرهان على صحة قولنا - : فنقول وبالله تعالى التوفيق .
قال الله عز وجل {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة } إلى قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم } .
فظاهر القرآن إيجاب الكفارة في كل يمين ، فلا يجوز أن تسقط كفارة عن يمين أصلا إلا حيث أسقطها نص قرآن ، أو سنة ، ولا نص قرآن ، ولا سنة ، أصلا في إسقاط الكفارة عن الحالف يمينا غموسا ; فهي واجبة عليه بنص القرآن .
والعجب كله ممن أسقطها عنه والقرآن يوجبها ، ثم يوجبونها على من حنث ناسيا مخطئا والقرآن والسنة قد أسقطاها عنه .
وأوجبوها على من لم يتعمد اليمين ولا نواها والقرآن والسنة يسقطانها عنه ; وهذه كما ترى .
فإن قالوا : إن هذه الآية فيها حذف بلا شك ، ولولا ذلك لوجبت الكفارة على كل من حلف ساعة حلف بر أو حنث ؟ قلنا : نعم لا شك في ذلك إلا أن ذلك الحذف لا يصدق أحد في تعيينه له إلا بنص صحيح ، أو إجماع متيقن ، على أنه هو الذي أراد الله تعالى لا ما سواه ، وأما بالدعوى المفتراة فلا - : فوجدنا الحذف المذكور في الآية قد صح الإجماع المتيقن والنص على أنه فحنثتم ، وإذ لا شك في هذا فالمتعمد لليمين على الكذب عالما بأنه كذب حانث بيقين حكم الشريعة ، وحكم اللغة .
فصح إذ هو حانث أن عليه الكفارة ، وهذا في غاية الوضوح - وبالله تعالى التوفيق - والقوم أصحاب قياس بزعمهم ، وقد قاسوا حالق رأسه لغير ضرورة محرما غير عاص لله تعالى .
[ ص: 295 ] فهلا قاسوا الحالف عامدا للكذب حانثا عاصيا على الحالف أن لا يعصي ، فحنث عاصيا ، أو على من حلف أن لا يبر فبر : غير عاص في إيجاب الكفارة في كل ذلك ؟ ولكن هذا مقدار علمهم وقياسهم - وبالله تعالى التوفيق .
1134 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16465_16483حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فِيمَا يَحْلِفُ ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ - وَهُوَ قَوْلُ
الْأَوْزَاعِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14117وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وَأَبِي سُلَيْمَانَ .
وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16102شُعْبَةَ قَالَ : سَأَلْت
الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ [ ص: 289 ] عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ؟ أَفِيه كَفَّارَةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=17249هُشَيْمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى كَذِبٍ يَتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٌ : عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَلَا يَزِيدُ بِالْكَفَّارَةِ إلَّا خَيْرًا .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } قَالَ : بِمَا تَعَمَّدْتُمْ .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ عَنْ
الْحَسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } قَالَ : بِمَا تَعَمَّدْتُمْ فِيهِ الْمَأْثَمَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : هِيَ الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17124مَعْمَرٍ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَتَعَمَّدُهُ كَاذِبًا يَقُولُ : وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت ، وَلَمْ يَفْعَلْ ، أَوْ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت ، وَقَدْ فَعَلَ ، قَالَ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ .
وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=11873رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ : كُنَّا نَعُدُّ مِنْ الذَّنْبِ الَّذِي لَا كَفَّارَةَ لَهُ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26485_16465يَحْلِفَ الرَّجُلُ كَاذِبًا عَلَى مَالِ أَخِيهِ لِيَقْتَطِعَهُ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ،
وَالْحَسَنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15741وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ : أَنَّ هَذَا الْيَمِينَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ أَوْ أَنَّهَا كِذْبَةٌ ، لَا كَفَّارَةَ فِيهَا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدٍ : احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ بِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36258 : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ، } فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=77إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَذَكَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهِمْ الْمُنْفِقَ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ } .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14756الْكَبَائِرُ : الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ [ ص: 290 ] الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ } .
وَمِنْ طَرِيقِ
عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36263 : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَمِنْ طَرِيقِ
الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50267 : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36255 : مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَزَادَ بَعْضُهُمْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50268وَلَوْ كَانَ سِوَاكًا أَخْضَرَ } هَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ صِحَاحٌ .
وَذَكَرُوا أَيْضًا : خَبَرًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50269 : مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ } .
وَبِخَبَرٍ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
ابْنِ الْجَهْمِ نا
يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ نا
nindex.php?page=showalam&ids=17173مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
ثَابِتٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50270عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلِ : فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : لَا وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا فَعَلْتُ ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ : بَلَى قَدْ فَعَلَ ، لَكِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ بِالْإِخْلَاصِ } .
وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=17173مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15744حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16571عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ
أَبِي يَحْيَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16571عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ
أَبِي يَحْيَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْطَأَ فِيهِ
يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ فَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ ، وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ ؟ قَالُوا : فَلَمْ يَأْمُرْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِكَفَّارَةٍ ؟ قَالُوا : إنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِيمَا حَلَفَ فِيهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ .
وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِذَكَرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } .
قَالُوا : وَحِفْظُهَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُوَاقَعَتِهَا .
هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ - وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ .
[ ص: 291 ] أَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=1584وَأَبِي ذَرٍّ ،
وَعِمْرَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرٍ ،
وَالْأَشْعَثِ ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=77 : إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ } فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ وَلَا إيجَابُهَا ، كَمَا لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِتَوْبَةٍ أَصْلًا ، وَإِنَّمَا فِيهَا كُلِّهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ بِالنَّارِ وَالْعِقَابِ - .
فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ .
ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ - :
قِسْمٌ يَقُولُ : إنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ - : يَقْطَعُ : بِكَوْنِهِ وَلَا بُدَّ ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
وَقِسْمٌ قَالُوا : هُوَ نَافِذٌ مَا لَمْ يَتُبْ - فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ احْتَجَّ بِآيَةٍ وَأَخْبَارٍ صِحَاحٍ فِي إسْقَاطِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ لَيْسَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ ذِكْرٌ أَصْلًا ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا كُلَّ مَا فِيهَا عَلَانِيَةً - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50269مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ } فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا ; لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ ، مِنْهَا لَغْوٌ لَا إثْمَ فِيهِ ، وَلَمْ يَرِدْ هَذَا الصِّنْفُ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِلَا شَكٍّ .
وَمِنْهَا - مَا يَكُونُ الْمَرْءُ بِهَا حَالِفًا عَلَى مَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُغْنِي فِي هَذَا .
وَبِهِ جَاءَ النَّصُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَمِنْهَا - الْيَمِينُ الْغَمُوسُ الَّتِي اخْتَلَفْنَا فِيهَا ، وَبِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي نَحْنُ وَهُمْ أَنَّ الْحَالِفَ بِهَا لَا يُسَمَّى مُسْتَلِجًا فِي أَهْلِهِ ، فَبَطَلَ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْخَبَرِ هَذَا الْقَسَمَ ، وَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي إسْقَاطِهِمْ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ ، مَعْنَاهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - بَيِّنٌ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ دُونَ تَبْدِيلٍ وَلَا إحَالَةٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَرْءُ أَنْ يُحْسِنَ إلَى أَهْلِهِ ، أَوْ أَنْ لَا يَضُرَّ بِهِمْ ، ثُمَّ لَجَّ فِي أَنْ يَحْنَثَ ، فَيَضُرَّ بِهِمْ ، وَلَا يُحْسِنَ إلَيْهِمْ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ - فَهَذَا بِلَا شَكٍّ مُسْتَلِجٌ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ أَنْ لَا يَفِيَ بِهَا ، وَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا بِلَا شَكٍّ - وَالْكَفَّارَةُ لَا تُغْنِي عَنْهُ ، وَلَا تَحُطُّ إثْمَ
[ ص: 292 ] إسَاءَتِهِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ - لَا يَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ هَذَا الْخَبَرُ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا .
وَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=15744حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ،
وَسُفْيَانَ ، فَطَرِيقُ
سُفْيَانَ لَا تَصِحُّ ، فَإِنْ صَحَّتْ طَرِيقُ
حَمَّادٍ فَلَيْسَ فِيهِ لِإِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ ذِكْرٌ ، وَإِنَّمَا فِيهِ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لَهُ بِالْإِخْلَاصِ فَقَطْ ، وَلَيْسَ كُلُّ شَرِيعَةٍ تُوجَدُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ - وَلَا شَكٍّ فِي أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوْبَةِ مِنْ تَعَمُّدِ الْحَلِفِ عَلَى الْكَذِبِ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَهَا ذِكْرٌ ، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ حُجَّةً فِي سُقُوطِهَا فَسُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ التَّوْبَةِ حُجَّةٌ فِي سُقُوطِهَا وَلَا بُدَّ ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا .
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ أَمَرَ بِالتَّوْبَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ ؟ قُلْنَا : وَقَدْ أَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَنَقُولُ لَهُمْ : إنْ كَانَ سُكُوتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا حُجَّةً فِي إسْقَاطِهَا فَسُكُوتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ذِكْرِ سُقُوطِهَا حَجَّةٌ فِي إيجَابِهَا وَلَا فَرْقَ - وَهِيَ دَعْوَى كَدَعْوَى ; فَالْوَاجِبُ طَلَبُ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي نَصٍّ غَيْرِ هَذِهِ ؟ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } فَحَقٌّ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْحِفْظَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُوَاقَعَةِ الْيَمِينِ فَكَذِبٌ ، وَافْتِرَاءٌ ، وَبُهْت ، وَضَلَالٌ مَحْضٌ ، بَلْ حِفْظُ الْأَيْمَانِ وَاجِبٌ قَبْلَ الْحَلِفِ بِهَا ، وَفِي الْحَلِفِ بِهَا ، وَبَعْدَ الْحَلِفِ بِهَا ، فَلَا يَحْلِفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا عَلَى حَقٍّ .
ثُمَّ هَبْكَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالُوا ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } إنَّمَا هُوَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ، فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا ؟ وَهَلْ هَذَا مِنْهُمْ إلَّا الْمُبَاهَتَةَ وَالتَّمْوِيهَ ، وَتَحْرِيفَ كَلَامِ اللَّهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَمَا يَشُكُّ كُلُّ ذِي مَسْكَةِ تَمْيِيزٍ فِي أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا فَمَا حَفِظَ يَمِينَهُ - فَظَهَرَ فَسَادُ كُلِّ مَا يُمَخْرِقُونَ بِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَبَاطِلٌ ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ ، لَا مِنْ قُرْآنٍ ، وَلَا سُنَّةٍ ، وَلَا إجْمَاعٍ .
فَإِنْ ذَكَرُوا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50271قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ } .
فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا تَجِبُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ ، وَهِيَ :
[ ص: 293 ] مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16540_16477حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا شَرًّا مِنْهَا فَفَعَلَ الَّذِي هُوَ شَرٌّ ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدٍ : وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : هِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ هَذَا ؟ وَأَيْنَ وَجَدُوهُ ؟ وَهَلْ هُوَ إلَّا حُكْمٌ مِنْهُمْ لَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ؟ وَيُعَارَضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ : دَعْوَى أَحْسَنُ مِنْ دَعْوَاهُمْ ، بَلْ كُلَّمَا عَظُمَ الذَّنْبُ كَانَ صَاحِبُهُ أَحْوَجَ إلَى الْكَفَّارَةِ ، وَكَانَتْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْهَا فِيمَا لَيْسَ ذَنْبًا أَصْلًا ، وَفِيمَا هُوَ صَغِيرٌ مِنْ الذُّنُوبِ ، وَهَذَا الْمُتَعَمِّدُ لِلْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ نَحْنُ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَلَعَلَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=2525حَالِفٍ عَلَى يَمِينٍ غَمُوسٍ ، أَوْ مِثْلِهِ وَهُمْ يَرَوْنَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ إفْسَادَ حَجِّهِ بِالْهَدْيِ بِآرَائِهِمْ ، وَلَعَلَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ حَالِفِ يَمِينٍ غَمُوسٍ أَوْ مِثْلِهِ .
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16478_16540حَلَفَ أَنْ لَا يَقْتُلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ، وَأَنْ يُصَلِّيَ الْيَوْمَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ ، وَأَنْ لَا يَزْنِيَ بِحَرِيمَةٍ وَأَنْ لَا يَعْمَلَ بِالرِّبَا ، ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ ، وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ، وَزَنَى ، وَأَرْبَى فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي أَيْمَانِهِ تِلْكَ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُّمَا أَعْظَمُ إثْمًا : مَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ أَنَّهُ مَا رَأَى زَيْدًا الْيَوْمَ ، وَهُوَ قَدْ رَآهُ فَأَسْقَطُوا فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِعَظْمِهِ .
أَوْ مَنْ حَنِثَ بِأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ ، وَبِأَنْ قَتَلَ النَّفْسَ ، وَبِأَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ أَوْ بِأُمِّهِ ، وَبِأَنْ عَمِلَ بِالرِّبَا - ثُمَّ لَا يَرَوْنَ عِظَمَ حِنْثِهِ فِي إتْيَانِهِ هَذِهِ الْكَبَائِرِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ وَاَللَّهِ قَطْعًا عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالدِّينِ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ أَلْفِ يَمِينٍ تَعَمَّدَ فِيهَا الْكَذِبَ ، لَا تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ ; لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفِّرَ ؟ فَهَلْ تَجْرِي أَقْوَالُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى اتِّبَاعِ نَصٍّ أَوْ عَلَى الْتِزَامِ قِيَاسٍ ؟ وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِأَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَهِيَ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ لَا تَصِحُّ ; لِأَنَّ
أَبَا الْعَالِيَةِ لَمْ يَلْقَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنَ مَسْعُودٍ وَلَا أَمْثَالَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّمَا أَدْرَكَ أَصَاغِرَ الصَّحَابَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11كَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمِثْلِهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ .
وَقَدْ خَالَفُوا
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنَ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ : إنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ ، أَوْ بِسُورَةٍ مِنْهُ ، فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ;
nindex.php?page=showalam&ids=10فَابْنُ مَسْعُودٍ حُجَّةٌ إذَا اُشْتُهُوا ،
[ ص: 294 ] وَغَيْرُ حُجَّةٍ إذَا لَمْ يَشْتَهُوا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدٍ : فَإِذْ قَدْ سَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فَلْنَأْتِ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا - : فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } إلَى قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } .
فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ يَمِينٍ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسْقَطَ كَفَّارَةٌ عَنْ يَمِينٍ أَصْلًا إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَهَا نَصُّ قُرْآنٍ ، أَوْ سُنَّةٍ ، وَلَا نَصَّ قُرْآنٍ ، وَلَا سُنَّةَ ، أَصْلًا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ عَنْ الْحَالِفِ يَمِينًا غَمُوسًا ; فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ .
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ وَالْقُرْآنُ يُوجِبُهَا ، ثُمَّ يُوجِبُونَهَا عَلَى مَنْ حَنِثَ نَاسِيًا مُخْطِئًا وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ قَدْ أَسْقَطَاهَا عَنْهُ .
وَأَوْجَبُوهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْيَمِينَ وَلَا نَوَاهَا وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ يَسْقُطَانِهَا عَنْهُ ; وَهَذِهِ كَمَا تَرَى .
فَإِنْ قَالُوا : إنَّ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا حَذْفٌ بِلَا شَكٍّ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَلَفَ سَاعَةَ حَلَفَ بَرَّ أَوْ حَنِثَ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْحَذْفَ لَا يَصْدُقُ أَحَدٌ فِي تَعْيِينِهِ لَهُ إلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ ، أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ ، عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى لَا مَا سِوَاهُ ، وَأَمَّا بِالدَّعْوَى الْمُفْتَرَاةِ فَلَا - : فَوَجَدْنَا الْحَذْفَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ وَالنَّصُّ عَلَى أَنَّهُ فَحَنِثْتُمْ ، وَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَالْمُتَعَمِّدُ لِلْيَمِينِ عَلَى الْكَذِبِ عَالِمًا بِأَنَّهُ كَذِبٌ حَانِثٌ بِيَقِينِ حُكْمِ الشَّرِيعَةِ ، وَحُكْمِ اللُّغَةِ .
فَصَحَّ إذْ هُوَ حَانِثٌ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ ، وَقَدْ قَاسُوا حَالِقَ رَأْسِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مُحْرِمًا غَيْرَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى .
[ ص: 295 ] فَهَلَّا قَاسُوا الْحَالِفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ حَانِثًا عَاصِيًا عَلَى الْحَالِفِ أَنْ لَا يَعْصِيَ ، فَحَنِثَ عَاصِيًا ، أَوْ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبَرَّ فَبَرَّ : غَيْرَ عَاصٍ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ ؟ وَلَكِنَّ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ وَقِيَاسِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .