فصل وقوله
nindex.php?page=treesubj&link=29067 { nindex.php?page=tafseer&surano=6205&ayano=96الأكرم } يقتضي اتصافه بالكرم في نفسه وأنه الأكرم وأنه محسن إلى عباده فهو مستحق للحمد لمحاسنه وإحسانه .
وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4983&ayano=55ذو الجلال والإكرام } . فيه ثلاثة أقوال . قيل : أهل أن يجل وأن يكرم . كما يقال إنه {
nindex.php?page=tafseer&surano=5625&ayano=74أهل التقوى } أي المستحق لأن
[ ص: 318 ] يتقى . وقيل : أهل أن يجل في نفسه [ و ] أن يكرم أهل ولايته وطاعته . وقيل : أهل أن يجل في نفسه وأهل أن يكرم .
ذكر
الخطابي الاحتمالات الثلاثة ونقل
ابن الجوزي كلامه فقال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان الخطابي : الجلال مصدر الجليل يقال : جليل بين الجلالة والجلال والإكرام مصدر أكرم يكرم إكراما . والمعنى أنه يكرم أهل ولايته وطاعته وأن الله يستحق أن يجل ويكرم ولا يجحد ولا يكفر به قال : ويحتمل أن يكون المعنى : يكرم أهل ولايته ويرفع درجاتهم .
( قلت : وهذا الذي ذكره
البغوي فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4983&ayano=55ذو الجلال } العظمة والكبرياء والإكرام يكرم أنبياءه وأولياءه بلطفه مع جلاله وعظمته .
قال
الخطابي : وقد يحتمل أن يكون أحد الأمرين وهو الجلال مضافا إلى الله بمعنى الصفة له والآخر مضافا إلى العبد بمعنى الفعل كقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5625&ayano=74هو أهل التقوى وأهل المغفرة } فانصرف أحد الأمرين إلى الله وهو المغفرة والآخر إلى العباد وهي التقوى .
قلت : القول الأول هو أقربها إلى المراد مع أن الجلال هنا
[ ص: 319 ] ليس مصدر جل جلالا بل هو اسم مصدر أجل إجلالا . كقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597867إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه و [ إكرام ] ذي السلطان المقسط } . فجعل إكرام هؤلاء من جلال الله أي من إجلال الله كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=5507&ayano=71والله أنبتكم من الأرض نباتا } . وكما يقال : كلمه كلاما وأعطاه عطاء والكلام والعطاء اسم مصدر التكليم والإعطاء .
والجلال قرن بالإكرام وهو مصدر المتعدي فكذلك الإكرام . ومن كلام
السلف : " أجلوا الله أن تقولوا كذا " . وفي حديث
موسى : يا رب إني أكون على الحال التي أجلك أن أذكرك عليها . قال : " اذكرني على كل حال " .
وإذا كان مستحقا للإجلال والإكرام لزم أن يكون متصفا في نفسه بما يوجب ذلك كما إذا قال : الإله هو المستحق لأن يؤله أي يعبد كان هو في نفسه مستحقا لما يوجب ذلك . وإذا قيل {
nindex.php?page=tafseer&surano=5625&ayano=74هو أهل التقوى } كان هو في نفسه متصفا بما يوجب أن يكون هو المتقى .
ومنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597868قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع بعد [ ص: 320 ] ما يقول ربنا ولك الحمد : ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد . اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد } . أي هو مستحق لأن يثنى عليه وتمجد نفسه .
والعباد لا يحصون ثناء عليه وهو كما أثنى على نفسه كذلك هو أهل أن يجل وأن يكرم . وهو سبحانه يجل نفسه ويكرم نفسه . والعباد لا يحصون إجلاله وإكرامه .
والإجلال من جنس التعظيم والإكرام من جنس الحب والحمد وهذا كقوله له الملك وله الحمد . فله الإجلال والملك وله الإكرام والحمد .
والصلاة مبناها على التسبيح في الركوع والسجود والتحميد والتوحيد في القيام والقعود والتكبير في الانتقالات كما قال
جابر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597869كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا علونا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا فوضعت الصلاة على ذلك } رواه
أبو داود .
وفي الركوع يقول " سبحان ربي العظيم " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 321 ] : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12872إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا . أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم } .
وإذا رفع رأسه حمد فقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=63873سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد } . فيحمده في هذا القيام كما يحمده في القيام الأول إذا قرأ أم القرآن .
فالتحميد والتوحيد مقدم على مجرد التعظيم . ولهذا اشتملت الفاتحة على هذا أولها تحميد وأوسطها تمجيد . ثم في الركوع تعظيم الرب . وفي القيام يحمده ويثني عليه ويمجده .
فدل على أن التعظيم المجرد تابع لكونه محمودا وكونه معبودا . فإنه يحب أن يحمد ويعبد ولا بد مع ذلك من التعظيم فإن التعظيم لازم لذلك .
وأما التعظيم فقد يتجرد على الحمد والعبادة على أصل
الجهمية . فليس ذلك بمأمور به ولا يصير العبد به لا مؤمنا ولا عابدا ولا مطيعا .
وأبو عبد الله ابن الخطيب الرازي يجعل الجلال للصفات السلبية والإكرام للصفات الثبوتية فيسمي هذه " صفات الجلال " وهذه " صفات الإكرام " وهذا اصطلاح له وليس المراد هذا في قوله
[ ص: 322 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=4983&ayano=55ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5034&ayano=55تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } وهو في مصحف
أهل الشام تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام وهي قراءة
ابن عامر فالاسم نفسه يذوى بالجلال والإكرام . وفي سائر المصاحف وفي قراءة الجمهور {
nindex.php?page=tafseer&surano=5034&ayano=55ذي الجلال } فيكون المسمى نفسه .
وفي الأولى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4983&ayano=55ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } . فالمذوى وجهه سبحانه وذلك يستلزم أنه هو ذو الجلال والإكرام . فإنه إذا كان وجهه ذا الجلال والإكرام كان هذا تنبيها كما أن اسمه إذا كان ذا الجلال والإكرام كان تنبيها على المسمى .
وهذا يبين أن المراد أنه يستحق أن يجل ويكرم .
فإن الاسم نفسه يسبح ويذكر ويراد بذلك المسمى والاسم نفسه لا يفعل شيئا لا إكراما ولا غيره . ولهذا ليس في القرآن إضافة شيء من الأفعال والنعم إلى الاسم .
ولكن يقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6036&ayano=87سبح اسم ربك الأعلى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5034&ayano=55تبارك اسم ربك } ونحو ذلك . فإن اسم الله مبارك تنال معه البركة والعبد يسبح اسم ربه الأعلى فيقول " سبحان ربي الأعلى " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597870ولما نزل قوله { nindex.php?page=tafseer&surano=6036&ayano=87سبح اسم ربك الأعلى } قال : اجعلوها في سجودكم ; فقالوا سبحان ربي الأعلى } .
فكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول " سبحان اسم ربي الأعلى " . لكن قوله " سبحان ربي الأعلى " هو تسبيح لاسمه يراد به تسبيح المسمى لا يراد به تسبيح مجرد الاسم كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=2156&ayano=17قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } .
فالداعي يقول " يا الله " " يا رحمن " ومراده المسمى . وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=2156&ayano=17أيا ما } أي الاسمين تدعو ودعاء الاسم هو دعاء مسماه .
وهذا هو الذي أراده من قال من أهل السنة : إن الاسم هو المسمى . أرادوا به أن الاسم إذا دعي وذكر يراد به المسمى . فإذا قال المصلي " الله أكبر " فقد ذكر اسم ربه ومراده المسمى .
لم يريدوا به أن نفس اللفظ هو الذات الموجودة في الخارج . فإن فساد هذا لا يخفى على من تصوره ولو كان كذلك كان من قال " نارا " احترق لسانه . وبسط هذا له موضع آخر .
والمقصود أن
nindex.php?page=treesubj&link=28720الجلال والإكرام مثل الملك والحمد كالمحبة والتعظيم . وهذا يكون في الصفات الثبوتية والسلبية . فإن كل سلب فهو متضمن
[ ص: 324 ] للثبوت . وأما السلب المحض فلا مدح فيه .
وهذا مما يظهر به فساد قول من جعل أحدهما للسلب والآخر للإثبات لا سيما إذا كان من الجهمية الذين ينكرون محبته ولا يثبتون له صفات توجب المحبة والحمد . بل إنما يثبتون ما يوجب القهر كالقدرة . فهؤلاء آمنوا ببعض وكفروا ببعض وألحدوا في أسمائه وآياته بقدر ما كذبوا به من الحق كما بسط هذا في غير هذا الموضع .
فَصْلٌ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29067 { nindex.php?page=tafseer&surano=6205&ayano=96الْأَكْرَمُ } يَقْتَضِي اتِّصَافَهُ بِالْكَرَمِ فِي نَفْسِهِ وَأَنَّهُ الْأَكْرَمُ وَأَنَّهُ مُحْسِنٌ إلَى عِبَادِهِ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ لِمَحَاسِنِهِ وَإِحْسَانِهِ .
وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4983&ayano=55ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } . فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . قِيلَ : أَهْلٌ أَنْ يُجِلَّ وَأَنْ يُكْرِمَ . كَمَا يُقَالُ إنَّهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5625&ayano=74أَهْلُ التَّقْوَى } أَيْ الْمُسْتَحِقُّ لِأَنْ
[ ص: 318 ] يُتَّقَى . وَقِيلَ : أَهْلٌ أَنْ يُجَلَّ فِي نَفْسِهِ [ و ] أَنْ يُكْرِمَ أَهْلَ وِلَايَتِهِ وَطَاعَتِهِ . وَقِيلَ : أَهْلٌ أَنْ يُجَلَّ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلٌ أَنْ يُكْرِمَ .
ذَكَرَ
الخطابي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ وَنَقَلَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ كَلَامَهُ فَقَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14228أَبُو سُلَيْمَانَ الخطابي : الْجَلَالُ مَصْدَرُ الْجَلِيلِ يُقَالُ : جَلِيلٌ بَيْنَ الْجَلَالَةِ وَالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ مَصْدَرُ أَكْرَمَ يُكْرِمُ إكْرَامًا . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُكْرِمُ أَهْلَ وِلَايَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَأَنَّ اللَّهَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُجَلَّ وَيُكْرَمَ وَلَا يُجْحَدَ وَلَا يُكْفَرَ بِهِ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : يُكْرِمُ أَهْلَ وِلَايَتِهِ وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِهِمْ .
( قُلْت : وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
البغوي فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4983&ayano=55ذُو الْجَلَالِ } الْعَظْمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْإِكْرَامِ يُكْرِمُ أَنْبِيَاءَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ بِلُطْفِهِ مَعَ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ .
قَالَ
الخطابي : وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْجَلَالُ مُضَافًا إلَى اللَّهِ بِمَعْنَى الصِّفَةِ لَهُ وَالْآخَرُ مُضَافًا إلَى الْعَبْدِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5625&ayano=74هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } فَانْصَرَفَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إلَى اللَّهِ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ وَالْآخَرُ إلَى الْعِبَادِ وَهِيَ التَّقْوَى .
قُلْت : الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ أَقْرَبُهَا إلَى الْمُرَادِ مَعَ أَنَّ الْجَلَالَ هُنَا
[ ص: 319 ] لَيْسَ مَصْدَرَ جَلَّ جَلَالًا بَلْ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ أَجَلَّ إجْلَالًا . كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597867إنَّ مِنْ إجْلَالِ اللَّهِ إكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ و [ إكْرَامِ ] ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ } . فَجَعَلَ إكْرَامَ هَؤُلَاءِ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ أَيْ مِنْ إجْلَالِ اللَّهِ كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5507&ayano=71وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } . وَكَمَا يُقَالُ : كَلَّمَهُ كَلَامًا وَأَعْطَاهُ عَطَاءً وَالْكَلَامُ وَالْعَطَاءُ اسْمُ مَصْدَرِ التَّكْلِيمِ وَالْإِعْطَاءِ .
وَالْجَلَالُ قُرِنَ بِالْإِكْرَامِ وَهُوَ مَصْدَرُ الْمُتَعَدِّي فَكَذَلِكَ الْإِكْرَامُ . وَمِنْ كَلَامِ
السَّلَفِ : " أَجِلُّوا اللَّهَ أَنْ تَقُولُوا كَذَا " . وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى : يَا رَبِّ إنِّي أَكُونُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أُجِلُّك أَنْ أَذْكُرَك عَلَيْهَا . قَالَ : " اُذْكُرْنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ " .
وَإِذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا فِي نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ : الْإِلَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِأَنْ يُؤَلَّهَ أَيْ يُعْبَدُ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ مُسْتَحِقًّا لِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ . وَإِذَا قِيلَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5625&ayano=74هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى } كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ مُتَّصِفًا بِمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَّقَى .
وَمِنْهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597868قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ بَعْدَ [ ص: 320 ] مَا يَقُولُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ : مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ . اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ } . أَيْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لَأَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ وَتُمَجَّدُ نَفْسُهُ .
وَالْعِبَادُ لَا يُحْصُونَ ثَنَاءً عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ كَذَلِكَ هُوَ أَهْلُ أَنْ يُجَلَّ وَأَنْ يُكْرَمَ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُجِلُّ نَفْسَهُ وَيُكْرِمُ نَفْسَهُ . وَالْعِبَادُ لَا يُحْصُونَ إجْلَالَهُ وَإِكْرَامَهُ .
وَالْإِجْلَالُ مِنْ جِنْسِ التَّعْظِيمِ وَالْإِكْرَامِ مِنْ جِنْسِ الْحُبِّ وَالْحَمْدِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ . فَلَهُ الْإِجْلَالُ وَالْمُلْكُ وَلَهُ الْإِكْرَامُ وَالْحَمْدُ .
وَالصَّلَاةُ مَبْنَاهَا عَلَى التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّوْحِيدِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الِانْتِقَالَاتِ كَمَا قَالَ
جَابِرٌ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597869كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا هَبَطْنَا سَبَّحْنَا فَوُضِعَتْ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ } رَوَاهُ
أَبُو داود .
وَفِي الرُّكُوعِ يَقُولُ " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ " . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 321 ] : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12872إنِّي نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا . أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنَ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ } .
وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَمِدَ فَقَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=63873سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ } . فَيَحْمَدُهُ فِي هَذَا الْقِيَامِ كَمَا يَحْمَدُهُ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ إذَا قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ .
فَالتَّحْمِيدُ وَالتَّوْحِيدُ مُقَدَّمٌ عَلَى مُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ . وَلِهَذَا اشْتَمَلَتْ الْفَاتِحَةُ عَلَى هَذَا أَوَّلُهَا تَحْمِيدٌ وَأَوْسَطُهَا تَمْجِيدٌ . ثُمَّ فِي الرُّكُوعِ تَعْظِيمُ الرَّبِّ . وَفِي الْقِيَامِ يَحْمَدُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُمَجِّدُهُ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّعْظِيمَ الْمُجَرَّدَ تَابِعٌ لِكَوْنِهِ مَحْمُودًا وَكَوْنِهِ مَعْبُودًا . فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ وَيُعْبَدَ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْظِيمِ فَإِنَّ التَّعْظِيمَ لَازِمٌ لِذَلِكَ .
وَأَمَّا التَّعْظِيمُ فَقَدْ يَتَجَرَّدُ عَلَى الْحَمْدِ وَالْعِبَادَةِ عَلَى أَصْلِ
الجهمية . فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَأْمُورِ بِهِ وَلَا يَصِيرُ الْعَبْدُ بِهِ لَا مُؤْمِنًا وَلَا عَابِدًا وَلَا مُطِيعًا .
وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْخَطِيبِ الرازي يَجْعَلُ الْجَلَالَ لِلصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَالْإِكْرَامَ لِلصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ فَيُسَمِّي هَذِهِ " صِفَاتِ الْجَلَالِ " وَهَذِهِ " صِفَاتِ الْإِكْرَامِ " وَهَذَا اصْطِلَاحٌ لَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا فِي قَوْلِهِ
[ ص: 322 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=4983&ayano=55وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5034&ayano=55تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } وَهُوَ فِي مُصْحَفِ
أَهْلِ الشَّامِ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّك ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَهِيَ قِرَاءَةُ
ابْنِ عَامِرٍ فَالِاسْمُ نَفْسُهُ يُذْوَى بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ . وَفِي سَائِرِ الْمَصَاحِفِ وَفِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5034&ayano=55ذِي الْجَلَالِ } فَيَكُونُ الْمُسَمَّى نَفْسَهُ .
وَفِي الْأُولَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4983&ayano=55وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } . فَالْمُذْوَى وَجْهُهُ سُبْحَانَهُ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ هُوَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ . فَإِنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ كَانَ هَذَا تَنْبِيهًا كَمَا أَنَّ اسْمَهُ إذَا كَانَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ كَانَ تَنْبِيهًا عَلَى الْمُسَمَّى .
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُجَلَّ وَيُكْرَمَ .
فَإِنَّ الِاسْمَ نَفْسَهُ يُسَبِّحُ وَيَذْكُرُ وَيُرَادُ بِذَلِكَ الْمُسَمَّى وَالِاسْمُ نَفْسُهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لَا إكْرَامًا وَلَا غَيْرَهُ . وَلِهَذَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إضَافَةُ شَيْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالنِّعَمِ إلَى الِاسْمِ .
وَلَكِنْ يُقَالُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6036&ayano=87سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5034&ayano=55تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ } وَنَحْوُ ذَلِكَ . فَإِنَّ اسْمَ اللَّهِ مُبَارَكٌ تُنَالُ مَعَهُ الْبَرَكَةُ وَالْعَبْدُ يُسَبِّحُ اسْمَ رَبِّهِ الْأَعْلَى فَيَقُولُ " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597870وَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ { nindex.php?page=tafseer&surano=6036&ayano=87سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } قَالَ : اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ ; فَقَالُوا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى } .
فَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ " سُبْحَانَ اسْمِ رَبِّي الْأَعْلَى " . لَكِنَّ قَوْلَهُ " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " هُوَ تَسْبِيحٌ لِاسْمِهِ يُرَادُ بِهِ تَسْبِيحُ الْمُسَمَّى لَا يُرَادُ بِهِ تَسْبِيحُ مُجَرَّدِ الِاسْمِ كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2156&ayano=17قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } .
فَالدَّاعِي يَقُولُ " يَا اللَّهُ " " يَا رَحْمَنُ " وَمُرَادُهُ الْمُسَمَّى . وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2156&ayano=17أَيَّا مَا } أَيُّ الِاسْمَيْنِ تَدْعُو وَدُعَاءُ الِاسْمِ هُوَ دُعَاءُ مُسَمَّاهُ .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ : إنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى . أَرَادُوا بِهِ أَنَّ الِاسْمَ إذَا دُعِيَ وَذُكِرَ يُرَادُ بِهِ الْمُسَمَّى . فَإِذَا قَالَ الْمُصَلِّي " اللَّهُ أَكْبَرُ " فَقَدْ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ وَمُرَادَهُ الْمُسَمَّى .
لَمْ يُرِيدُوا بِهِ أَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ هُوَ الذَّاتُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ . فَإِنَّ فَسَادَ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَصَوَّرَهُ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَنْ قَالَ " نَارًا " احْتَرَقَ لِسَانُهُ . وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28720الْجَلَالَ وَالْإِكْرَامَ مِثْلُ الْمُلْكِ وَالْحَمْدِ كَالْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ . وَهَذَا يَكُونُ فِي الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ . فَإِنَّ كُلَّ سَلْبٍ فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ
[ ص: 324 ] لِلثُّبُوتِ . وَأَمَّا السَّلْبُ الْمَحْضُ فَلَا مَدْحَ فِيهِ .
وَهَذَا مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا لِلسَّلْبِ وَالْآخِرَ لِلْإِثْبَاتِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ الجهمية الَّذِينَ يُنْكِرُونَ مَحَبَّتَهُ وَلَا يُثْبِتُونَ لَهُ صِفَاتٍ تُوجِبُ الْمَحَبَّةَ وَالْحَمْدَ . بَلْ إنَّمَا يُثْبِتُونَ مَا يُوجِبُ الْقَهْرَ كَالْقُدْرَةِ . فَهَؤُلَاءِ آمَنُوا بِبَعْضِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِ وَأَلْحَدُوا فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ بِقَدْرِ مَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ الْحَقِّ كَمَا بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .