ومن المعلوم بما أرانا الله من آياته في الآفاق وفي أنفسنا وبما شهد به في كتابه : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29494_19801_19614المعاصي سبب المصائب ; فسيئات المصائب والجزاء من سيئات الأعمال وأن
nindex.php?page=treesubj&link=19801_19614الطاعة سبب النعمة فإحسان العمل سبب لإحسان الله قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4344&ayano=42وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } " وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=451&ayano=3إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=461&ayano=3أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } " وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4348&ayano=42أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4362&ayano=42وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1201&ayano=8وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } .
[ ص: 139 ] وقد
nindex.php?page=treesubj&link=29494أخبر سبحانه بما عاقب به أهل السيئات من الأمم ;
كقوم نوح ;
وعاد ;
وثمود ;
وقوم لوط ;
وأصحاب مدين ;
وقوم فرعون : في الدنيا . وأخبر بما يعاقبهم به في الآخرة ; ولهذا قال مؤمن آل
فرعون : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4203&ayano=40يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4204&ayano=40مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4205&ayano=40ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4206&ayano=40يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5372&ayano=68كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1345&ayano=9سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3556&ayano=32ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4468&ayano=44فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } . إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4474&ayano=44يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } .
ولهذا يذكر الله في عامة سور الإنذار ما عاقب به أهل السيئات في الدنيا وما أعده لهم في الآخرة وقد يذكر في السورة وعد الآخرة فقط ; إذ عذاب الآخرة أعظم ; وثوابها أعظم ; وهي دار القرار . وإنما يذكر ما يذكره من الثواب والعذاب في الدنيا تبعا ; كقوله في قصة
يوسف : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1664&ayano=12وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1665&ayano=12ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=444&ayano=3فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1958&ayano=16والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1959&ayano=16الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } وقال عن
إبراهيم عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=3396&ayano=29وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } .
وأما ذكره لعقوبة الدنيا والآخرة ففي سورة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5792&ayano=79والنازعات غرقا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5793&ayano=79والناشطات نشطا } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5797&ayano=79يوم ترجف الراجفة } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5798&ayano=79تتبعها الرادفة } فذكر القيامة مطلقا ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5806&ayano=79هل أتاك حديث موسى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5807&ayano=79إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5808&ayano=20اذهب إلى فرعون إنه طغى } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5817&ayano=79إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } ثم ذكر المبدأ والمعاد مفصلا فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5818&ayano=79أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها } . إلى قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5825&ayano=79فإذا جاءت الطامة الكبرى } . إلى قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5828&ayano=79فأما من طغى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5829&ayano=79وآثر الحياة الدنيا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5830&ayano=79فإن الجحيم هي المأوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5831&ayano=79وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5832&ayano=79فإن الجنة هي المأوى } إلى آخر السورة .
وكذلك في " المزمل " ذكر قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5559&ayano=73وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5560&ayano=73إن لدينا أنكالا وجحيما } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5561&ayano=73وطعاما ذا غصة وعذابا أليما } إلى قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5563&ayano=73كما أرسلنا إلى فرعون رسولا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5564&ayano=73فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا } .
كذلك في " سورة الحاقة " ذكر قصص الأمم ;
كثمود وعاد وفرعون [ ص: 141 ] ثم قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5405&ayano=69فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5406&ayano=69وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } إلى تمام ما ذكره من أمر الجنة والنار . وكذلك في سورة ن والقلم ; ذكر قصة أهل البستان الذين منعوا حق أموالهم وما عاقبهم به ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5372&ayano=68كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } .
كذلك في " سورة التغابن " قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5268&ayano=64ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5269&ayano=64ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5270&ayano=64زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن } .
وكذلك في سورة " ق " ذكر حال المخالفين للرسل ; وذكر الوعد والوعيد في الآخرة .
وكذلك في " سورة القمر " ذكر هذا وهذا .
كذلك في " آل حم " مثل حم غافر ; والسجدة ; والزخرف ; والدخان وغير ذلك . إلى غير ذلك مما لا يحصى .
فإن التوحيد والوعد والوعيد هو أول ما أنزل ; كما في صحيح
[ ص: 142 ] البخاري عن {
nindex.php?page=showalam&ids=17408يوسف بن ماهك قال : إني عند
عائشة أم المؤمنين إذ جاءها عراقي فقال : أي الكفن خير ؟ قالت : ويحك وما يضرك ؟ قال : يا أم المؤمنين أريني مصحفك . قالت : لم ؟ قال : لعلي أؤلف القرآن عليه . فإنه يقرأ غير مؤلف قالت : وما يضرك أيه قرأت قبل إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا : لا ندع الزنا أبدا لقد نزل
بمكة على
محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4946&ayano=54بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } وما نزلت سورة البقرة و النساء إلا وأنا عنده قال : فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور .
} وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن الأمر والنهي فيكون ذلك من ذنوبهم وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم ; فيحصل التفرق والاختلاف والشر وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا ; إذ الإنسان ظلوم جهول والظلم والجهل أنواع فيكون ظلم الأول وجهله من نوع وظلم كل من الثاني والثالث وجهلهما من نوع آخر وآخر .
[ ص: 143 ] ومن تدبر الفتن الواقعة رأى سببها ذلك ورأى أن ما وقع بين أمراء الأمة وعلمائها ومن دخل في ذلك من ملوكها ومشايخها ; ومن تبعهم من العامة من الفتن : هذا أصلها ; يدخل في ذلك أسباب الضلال والغي : التي هي الأهواء الدينية والشهوانية ; وهي البدع في الدين والفجور في الدنيا وذلك أن أسباب الضلال والغي البدع في الدين والفجور في الدنيا وهي مشتركة : تعم بني
آدم ; لما فيهم من الظلم والجهل ; فبذنب بعض الناس يظلم نفسه وغيره ; كالزنا بلواط وغيره ; أو شرب خمر ; أو ظلم في المال بخيانة أو سرقة أو غصب ; أو نحو ذلك .
ومعلوم أن هذه المعاصي وإن كانت مستقبحة مذمومة في العقل والدين فهي مشتهاة أيضا ومن شأن النفوس أنها لا تحب اختصاص غيرها بها ; لكن تريد أن يحصل لها ما حصل له وهذا هو الغبطة التي هي أدنى نوعي الحسد . فهي تريد الاستعلاء على الغير والاستئثار دونه ; أو تحسده وتتمنى زوال النعمة عنه وإن لم يحصل ; ففيها من إرادة العلو والفساد والاستكبار والحسد ما مقتضاه أنها تختص عن غيرها بالشهوات ; فكيف إذا رأت الغير قد استأثر عليها بذلك واختص بها دونها ؟ فالمعتدل منهم في ذلك الذي يحب الاشتراك والتساوي وأما الآخر فظلوم حسود .
وهذان يقعان في الأمور المباحة والأمور المحرمة لحق الله فما كان
[ ص: 144 ] جنسه مباحا من أكل وشرب ونكاح ولباس وركوب وأموال : إذا وقع فيها الاختصاص حصل الظلم ; والبخل والحسد . وأصلهما الشح كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=60230إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم : أمرهم بالبخل فبخلوا ; وأمرهم بالظلم فظلموا ; وأمرهم بالقطيعة فقطعوا } .
ولهذا قال الله تعالى في وصف
الأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5194&ayano=59ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا } أي : لا يجدون الحسد مما أوتي إخوانهم من المهاجرين ; {
nindex.php?page=tafseer&surano=5194&ayano=59ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5194&ayano=59ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } . ورئي
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف يطوف
بالبيت ويقول : رب قني شح نفسي رب قني شح نفسي فقيل له في ذلك فقال : إذا وقيت شح نفسي فقد وقيت البخل والظلم والقطيعة أو كما قال .
فهذا الشح الذي هو شدة حرص النفس يوجب البخل بمنع ما هو عليه ; والظلم بأخذ مال الغير . ويوجب قطيعة الرحم ; ويوجب الحسد ; وهو : كراهة ما أختص به الغير والحسد فيه بخل وظلم ; فإنه بخل بما أعطيه غيره ; وظلمه بطلب زوال ذلك عنه .
فإذا كان هذا في جنس الشهوات المباحة ; فكيف بالمحرمة :
[ ص: 145 ] كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك ؟ وإذا وقع فيها اختصاص فإنه يصير فيها نوعان : أحدهما : بغضها لما في ذلك من الاختصاص والظلم ; كما يقع في الأمور المباحة الجنس .
والثاني : بغضها لما في ذلك من حق الله .
ولهذا كانت
nindex.php?page=treesubj&link=21480الذنوب ثلاثة أقسام : أحدها : ما فيها ظلم الناس ; كالظلم بأخذ الأموال ومنع الحقوق ; والحسد ونحو ذلك .
والثاني : ما فيه ظلم الناس فقط ; كشرب الخمر والزنا ; إذا لم يتعد ضررهما .
والثالث : ما يجتمع فيه الأمران ; مثل أن يأخذ المتولي أموال الناس يزني بها ويشرب بها الخمر ; ومثل أن يزني بمن يرفعه على الناس بذلك السبب ويضرهم ; كما يقع ممن يحب بعض النساء والصبيان وقد قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=994&ayano=7قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } .
[ ص: 146 ] وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم : أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم ; ولهذا قيل : إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ; ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة . ويقال : الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69793ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم } فالباغي يصرع في الدنيا وإن كان مغفورا له مرحوما في الآخرة وذلك أن العدل نظام كل شيء ; فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة ; فالنفس فيها داعي الظلم لغيرها بالعلو عليه والحسد له ; والتعدي عليه في حقه . وداعي الظلم لنفسها بتناول الشهوات القبيحة كالزنا وأكل الخبائث . فهي قد تظلم من لا يظلمها ; وتؤثر هذه الشهوات وإن لم تفعلها ; فإذا رأت نظراءها قد ظلموا وتناولوا هذه الشهوات صار داعي هذه الشهوات أو الظلم فيها أعظم بكثير وقد تصبر ; ويهيج ذلك لها من بغض ذلك الغير وحسده وطلب عقابه وزوال الخير عنه ما لم يكن فيها قبل ذلك ولها حجة عند نفسها من جهة العقل والدين ; يكون ذلك الغير قد ظلم نفسه والمسلمين ; وإن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر واجب ; والجهاد على ذلك من الدين .
وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِمَا أَرَانَا اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِنَا وَبِمَا شَهِدَ بِهِ فِي كِتَابِهِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29494_19801_19614الْمَعَاصِيَ سَبَبُ الْمَصَائِبِ ; فَسَيِّئَاتُ الْمَصَائِبِ وَالْجَزَاءُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْأَعْمَالِ وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19801_19614الطَّاعَةَ سَبَبُ النِّعْمَةِ فَإِحْسَانُ الْعَمَلِ سَبَبٌ لِإِحْسَانِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4344&ayano=42وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } " وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=451&ayano=3إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=461&ayano=3أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } " وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4348&ayano=42أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4362&ayano=42وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1201&ayano=8وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } .
[ ص: 139 ] وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=29494أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِمَا عَاقَبَ بِهِ أَهْلَ السَّيِّئَاتِ مِنْ الْأُمَمِ ;
كَقَوْمِ نُوحٍ ;
وَعَادٍ ;
وَثَمُودَ ;
وَقَوْمِ لُوطٍ ;
وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ ;
وَقَوْمِ فِرْعَوْنَ : فِي الدُّنْيَا . وَأَخْبَرَ بِمَا يُعَاقِبُهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ ; وَلِهَذَا قَالَ مُؤْمِنُ آلِ
فِرْعَوْنَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4203&ayano=40يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4204&ayano=40مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4205&ayano=40وَيَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4206&ayano=40يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5372&ayano=68كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1345&ayano=9سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3556&ayano=32وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4468&ayano=44فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } . إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4474&ayano=44يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إنَّا مُنْتَقِمُونَ } .
وَلِهَذَا يَذْكُرُ اللَّهُ فِي عَامَّةِ سُوَرِ الْإِنْذَارِ مَا عَاقَبَ بِهِ أَهْلَ السَّيِّئَاتِ فِي الدُّنْيَا وَمَا أَعَدَّهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ يَذْكُرُ فِي السُّورَةِ وَعْدَ الْآخِرَةِ فَقَطْ ; إذْ عَذَابُ الْآخِرَةِ أَعْظَمُ ; وَثَوَابُهَا أَعْظَمُ ; وَهِيَ دَارُ الْقَرَارِ . وَإِنَّمَا يَذْكُرُ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ الثَّوَابِ وَالْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا تَبَعًا ; كَقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ
يُوسُفَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1664&ayano=12وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1665&ayano=12وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=444&ayano=3فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1958&ayano=16وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1959&ayano=16الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } وَقَالَ عَنْ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3396&ayano=29وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } .
وَأَمَّا ذِكْرُهُ لِعُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَفِي سُورَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5792&ayano=79وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5793&ayano=79وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5797&ayano=79يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5798&ayano=79تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ } فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5806&ayano=79هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5807&ayano=79إذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5808&ayano=20اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5817&ayano=79إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى } ثُمَّ ذَكَرَ الْمُبْدَأَ وَالْمَعَادَ مُفَصَّلًا فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5818&ayano=79أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا } . إلَى قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5825&ayano=79فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى } . إلَى قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5828&ayano=79فَأَمَّا مَنْ طَغَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5829&ayano=79وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5830&ayano=79فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5831&ayano=79وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5832&ayano=79فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } إلَى آخِرِ السُّورَةِ .
وَكَذَلِكَ فِي " الْمُزَّمِّلِ " ذَكَرَ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5559&ayano=73وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5560&ayano=73إنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5561&ayano=73وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا } إلَى قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5563&ayano=73كَمَا أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5564&ayano=73فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا } .
كَذَلِكَ فِي " سُورَةِ الْحَاقَّةِ " ذَكَرَ قِصَصَ الْأُمَمِ ;
كثمود وَعَادٍ وَفِرْعَوْنَ [ ص: 141 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5405&ayano=69فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5406&ayano=69وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } إلَى تَمَامِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ . وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ ن وَالْقَلَمِ ; ذَكَرَ قِصَّةَ أَهْلِ الْبُسْتَانِ الَّذِينَ مَنَعُوا حَقَّ أَمْوَالِهِمْ وَمَا عَاقَبَهُمْ بِهِ ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5372&ayano=68كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } .
كَذَلِكَ فِي " سُورَةِ التَّغَابُنِ " قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5268&ayano=64أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5269&ayano=64ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5270&ayano=64زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ } .
وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ " ق " ذَكَرَ حَالَ الْمُخَالِفِينَ لِلرُّسُلِ ; وَذَكَرَ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ فِي الْآخِرَةِ .
وَكَذَلِكَ فِي " سُورَةِ الْقَمَرِ " ذَكَرَ هَذَا وَهَذَا .
كَذَلِكَ فِي " آلِ حم " مَثَلُ حم غَافِرٌ ; وَالسَّجْدَةُ ; وَالزُّخْرُفُ ; وَالدُّخَانُ وَغَيْرُ ذَلِكَ . إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى .
فَإِنَّ التَّوْحِيدَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ هُوَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ ; كَمَا فِي صَحِيحِ
[ ص: 142 ] الْبُخَارِيِّ عَنْ {
nindex.php?page=showalam&ids=17408يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ : إنِّي عِنْدَ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ : أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ ؟ قَالَتْ : وَيْحك وَمَا يَضُرُّك ؟ قَالَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَك . قَالَتْ : لِمَ ؟ قَالَ : لَعَلِّي أُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ . فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ قَالَتْ : وَمَا يَضُرُّك أَيَّه قَرَأْت قَبْلُ إنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إذَا ثَابَ النَّاسُ إلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا : لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا : لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا لَقَدْ نَزَلَ
بِمَكَّةَ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4946&ayano=54بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَ النِّسَاءُ إلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ قَالَ : فَأَخْرَجْت لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ .
} وَإِذَا كَانَ الْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ سَبَبَ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ فَقَدْ يُذْنِبُ الرَّجُلُ أَوْ الطَّائِفَةُ وَيَسْكُتُ آخَرُونَ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَيُنْكِرُ عَلَيْهِمْ آخَرُونَ إنْكَارًا مَنْهِيًّا عَنْهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ ; فَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ وَالِاخْتِلَافُ وَالشَّرُّ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفِتَنِ وَالشُّرُورِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ; إذْ الْإِنْسَانُ ظَلُومٌ جَهُولٌ وَالظُّلْمُ وَالْجَهْلُ أَنْوَاعٌ فَيَكُونُ ظُلْمُ الْأَوَّلِ وَجَهْلُهُ مِنْ نَوْعٍ وَظُلْمُ كُلٍّ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَجَهْلِهِمَا مَنْ نَوْعٍ آخَرَ وَآخَرَ .
[ ص: 143 ] وَمَنْ تَدَبَّرَ الْفِتَنَ الْوَاقِعَةَ رَأَى سَبَبَهَا ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ مَا وَقَعَ بَيْنَ أُمَرَاءِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا وَمَنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ مُلُوكِهَا وَمَشَايِخِهَا ; وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْعَامَّةِ مِنْ الْفِتَنِ : هَذَا أَصْلُهَا ; يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَسْبَابُ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ : الَّتِي هِيَ الْأَهْوَاءُ الدِّينِيَّةُ والشهوانية ; وَهِيَ الْبِدَعُ فِي الدِّينِ وَالْفُجُورُ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ الْبِدَعُ فِي الدِّينِ وَالْفُجُورُ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ : تَعُمُّ بَنِي
آدَمَ ; لِمَا فِيهِمْ مِنْ الظُّلْمِ وَالْجَهْلِ ; فَبِذَنْبِ بَعْضِ النَّاسِ يَظْلِمُ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ ; كَالزِّنَا بِلِوَاطِ وَغَيْرِهِ ; أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ ; أَوْ ظُلْمٍ فِي الْمَالِ بِخِيَانَةِ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ ; أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَاصِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَقْبَحَةً مَذْمُومَةً فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ فَهِيَ مُشْتَهَاةٌ أَيْضًا وَمِنْ شَأْنِ النُّفُوسِ أَنَّهَا لَا تُحِبُّ اخْتِصَاصَ غَيْرِهَا بِهَا ; لَكِنْ تُرِيدُ أَنْ يَحْصُلَ لَهَا مَا حَصَلَ لَهُ وَهَذَا هُوَ الْغِبْطَةُ الَّتِي هِيَ أَدْنَى نَوْعَيْ الْحَسَدِ . فَهِيَ تُرِيدُ الِاسْتِعْلَاءَ عَلَى الْغَيْرِ وَالِاسْتِئْثَارَ دُونَهُ ; أَوْ تَحْسُدُهُ وَتَتَمَنَّى زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ; فَفِيهَا مِنْ إرَادَةِ الْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَالْحَسَدِ مَا مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تَخْتَصُّ عَنْ غَيْرِهَا بِالشَّهَوَاتِ ; فَكَيْفَ إذَا رَأَتْ الْغَيْرَ قَدْ اسْتَأْثَرَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ وَاخْتَصَّ بِهَا دُونَهَا ؟ فَالْمُعْتَدِلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الَّذِي يُحِبُّ الِاشْتِرَاكَ والتساوي وَأَمَّا الْآخَرُ فَظَلُومٌ حَسُودٌ .
وَهَذَانِ يَقَعَانِ فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ وَالْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ لِحَقِّ اللَّهِ فَمَا كَانَ
[ ص: 144 ] جِنْسُهُ مُبَاحًا مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنِكَاحٍ وَلِبَاسٍ وَرُكُوبٍ وَأَمْوَالٍ : إذَا وَقَعَ فِيهَا الِاخْتِصَاصُ حَصَلَ الظُّلْمُ ; وَالْبُخْلُ وَالْحَسَدُ . وَأَصْلُهُمَا الشُّحُّ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=60230إيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ : أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا ; وَأَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا ; وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا } .
وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ
الْأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ الْمُهَاجِرِينَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5194&ayano=59وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا } أَيْ : لَا يَجِدُونَ الْحَسَدَ مِمَّا أُوتِيَ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ; {
nindex.php?page=tafseer&surano=5194&ayano=59وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5194&ayano=59وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . وَرُئِيَ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَطُوفُ
بِالْبَيْتِ وَيَقُولُ : رَبِّ قِنِي شُحَّ نَفْسِي رَبِّ قِنِي شُحَّ نَفْسِي فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : إذَا وُقِيت شُحَّ نَفْسِي فَقَدْ وُقِيت الْبُخْلَ وَالظُّلْمَ وَالْقَطِيعَةَ أَوْ كَمَا قَالَ .
فَهَذَا الشُّحُّ الَّذِي هُوَ شِدَّةُ حِرْصِ النَّفْسِ يُوجِبُ الْبُخْلَ بِمَنْعِ مَا هُوَ عَلَيْهِ ; وَالظُّلْمِ بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ . وَيُوجِبُ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ ; وَيُوجِبُ الْحَسَدَ ; وَهُوَ : كَرَاهَةُ مَا أَخْتَصَّ بِهِ الْغَيْرُ وَالْحَسَدُ فِيهِ بُخْلٌ وَظُلْمٌ ; فَإِنَّهُ بُخْلٌ بِمَا أُعْطِيهِ غَيْرُهُ ; وَظُلْمُهُ بِطَلَبِ زَوَالِ ذَلِكَ عَنْهُ .
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي جِنْسِ الشَّهَوَاتِ الْمُبَاحَةِ ; فَكَيْفَ بِالْمُحَرَّمَةِ :
[ ص: 145 ] كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؟ وَإِذَا وَقَعَ فِيهَا اخْتِصَاصٌ فَإِنَّهُ يَصِيرُ فِيهَا نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : بُغْضُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَالظُّلْمِ ; كَمَا يَقَعُ فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ الْجِنْسُ .
وَالثَّانِي : بُغْضُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ .
وَلِهَذَا كَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=21480الذُّنُوبُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا فِيهَا ظُلْمُ النَّاسِ ; كَالظُّلْمِ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَمَنْعِ الْحُقُوقِ ; وَالْحَسَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَالثَّانِي : مَا فِيهِ ظُلْمُ النَّاسِ فَقَطْ ; كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا ; إذَا لَمْ يَتَعَدَّ ضَرَرُهُمَا .
وَالثَّالِثُ : مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَمْرَانِ ; مِثْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُتَوَلِّي أَمْوَالَ النَّاسِ يَزْنِي بِهَا وَيَشْرَبُ بِهَا الْخَمْرَ ; وَمِثْلَ أَنْ يَزْنِيَ بِمَنْ يَرْفَعُهُ عَلَى النَّاسِ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَيَضُرُّهُمْ ; كَمَا يَقَعُ مِمَّنْ يُحِبُّ بَعْضَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=994&ayano=7قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } .
[ ص: 146 ] وَأُمُورُ النَّاسِ تَسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْعَدْلِ الَّذِي فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي أَنْوَاعِ الْإِثْمِ : أَكْثَرُ مِمَّا تَسْتَقِيمُ مَعَ الظُّلْمِ فِي الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِكْ فِي إثْمٍ ; وَلِهَذَا قِيلَ : إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً ; وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً . وَيُقَالُ : الدُّنْيَا تَدُومُ مَعَ الْعَدْلِ وَالْكُفْرِ وَلَا تَدُومُ مَعَ الظُّلْمِ وَالْإِسْلَامِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69793لَيْسَ ذَنْبٌ أَسْرَعَ عُقُوبَةً مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ } فَالْبَاغِي يُصْرَعُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ مَغْفُورًا لَهُ مَرْحُومًا فِي الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ نِظَامُ كُلِّ شَيْءٍ ; فَإِذَا أُقِيمَ أَمْرُ الدُّنْيَا بِعَدْلِ قَامَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمَتَى لَمْ تَقُمْ بِعَدْلِ لَمْ تَقُمْ وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِهَا مِنْ الْإِيمَانِ مَا يُجْزَى بِهِ فِي الْآخِرَةِ ; فَالنَّفْسُ فِيهَا دَاعِي الظُّلْمِ لِغَيْرِهَا بِالْعُلُوِّ عَلَيْهِ وَالْحَسَدِ لَهُ ; وَالتَّعَدِّي عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ . وَدَاعِي الظُّلْمِ لِنَفْسِهَا بِتَنَاوُلِ الشَّهَوَاتِ الْقَبِيحَةِ كَالزِّنَا وَأَكْلِ الْخَبَائِثِ . فَهِيَ قَدْ تَظْلِمُ مَنْ لَا يَظْلِمُهَا ; وَتُؤْثِرُ هَذِهِ الشَّهَوَاتِ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْهَا ; فَإِذَا رَأَتْ نُظَرَاءَهَا قَدْ ظَلَمُوا وَتَنَاوَلُوا هَذِهِ الشَّهَوَاتِ صَارَ دَاعِي هَذِهِ الشَّهَوَاتِ أَوْ الظُّلْمِ فِيهَا أَعْظَمَ بِكَثِيرِ وَقَدْ تَصْبِرُ ; وَيَهِيجُ ذَلِكَ لَهَا مِنْ بُغْضِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَحَسَدِهِ وَطَلَبِ عِقَابِهِ وَزَوَالِ الْخَيْرِ عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَهَا حُجَّةٌ عِنْدَ نَفْسِهَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ; يَكُونُ ذَلِكَ الْغَيْرُ قَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَالْمُسْلِمِينَ ; وَإِنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ ; وَالْجِهَادُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ .