قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون
nindex.php?page=treesubj&link=28977قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق فيه خمس مسائل
[ ص: 68 ] الأولى : روى
أبو داود قال : جاءت
اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه إلى آخر الآية . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
ابن عباس في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال : خاصمهم المشركون فقالوا : ما ذبح الله فلا تأكلوه وما ذبحتم أنتم أكلتموه ; فقال الله سبحانه لهم : لا تأكلوا ; فإنكم لم تذكروا اسم الله عليها . وتنشأ هنا مسألة أصولية ، وهي :
الثانية : وذلك أن اللفظ الوارد على سبب هل يقصر عليه أم لا ; فقال علماؤنا : لا إشكال في صحة دعوى العموم فيما يذكره الشارع ابتداء من صيغ ألفاظ العموم . أما ما ذكره جوابا لسؤال ففيه تفصيل ، على ما هو معروف في أصول الفقه ; إلا أنه إن أتى بلفظ مستقل دون السؤال لحق بالأول في صحة القصد إلى التعميم . فقوله : لا تأكلوا ظاهر في تناول الميتة ، ويدخل فيه ما ذكر عليه غير اسم الله بعموم أنه لم يذكر عليه اسم الله ، وبزيادة ذكر غير اسم الله سبحانه عليه الذي يقتضي تحريمه نصا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173وما أهل به لغير الله . وهل يدخل فيه ما ترك المسلم التسمية عمدا عليه من الذبح ، وعند إرسال الصيد . اختلف العلماء في ذلك على أقوال خمسة ، وهي المسألة :
الثالثة : القول الأول : إن تركها سهوا أكلا جميعا ، وهو قول
إسحاق ورواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل . فإن تركها عمدا لم يؤكلا ; وقاله في الكتاب
مالك وابن القاسم ، وهو قول
أبي حنيفة وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي وعيسى وأصبغ ، وقاله
سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، واختاره
النحاس وقال : هذا أحسن ، لأنه لا يسمى فاسقا إذا كان ناسيا .
الثاني : إن تركها عامدا أو ناسيا يأكلهما . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والحسن ، وروي ذلك عن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد وعكرمة وأبي عياض وأبي رافع nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16330وعبد الرحمن بن أبي ليلى وقتادة . وحكى
الزهراوي عن
مالك بن أنس أنه قال : تؤكل الذبيحة التي تركت التسمية عليها عمدا أو نسيانا . وروي عن
ربيعة أيضا . قال
عبد الوهاب : التسمية سنة ; فإذا تركها الذابح ناسيا أكلت الذبيحة في قول
مالك وأصحابه . الثالث : إن تركها عامدا أو ساهيا حرم أكلها ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين وعبد الله بن [ ص: 69 ] عياش بن أبي ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ونافع وعبد الله بن زيد الخطمي nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ; وبه قال
أبو ثور وداود بن علي وأحمد في رواية . الرابع : إن تركها عامدا كره أكلها ; قاله
القاضي أبو الحسن والشيخ أبو بكر من علمائنا . الخامس : قال
أشهب : تؤكل ذبيحة تارك التسمية عمدا إلا أن يكون مستخفا ، وقال نحوه
الطبري .
أدلة : قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه فبين الحالين وأوضح الحكمين . فقوله : لا تأكلوا نهي على التحريم لا يجوز حمله على الكراهة ; لتناوله في بعض مقتضياته الحرام المحض ، ولا يجوز أن يتبعض ، أي يراد به التحريم والكراهة معا ; وهذا من نفيس الأصول . وأما الناسي فلا خطاب توجه إليه إذ يستحيل خطابه ; فالشرط ليس بواجب عليه . وأما التارك للتسمية عمدا فلا يخلو من ثلاثة أحوال : إما أن يتركها إذا أضجع الذبيحة ويقول : قلبي مملوء من أسماء الله تعالى وتوحيده فلا أفتقر إلى ذكر بلساني ; فذلك يجزئه لأنه ذكر الله جل جلاله وعظمه . أو يقول : إن هذا ليس بموضع تسمية صريحة ، إذ ليست بقربة ; فهذا أيضا يجزئه . أو يقول : لا أسمي ، وأي قدر للتسمية ; فهذا متهاون فاسق لا تؤكل ذبيحته . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وأعجب لرأس المحققين
إمام الحرمين حيث قال : ذكر الله تعالى إنما شرع في القرب ، والذبح ليس بقربة . وهذا يعارض القرآن والسنة ; قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835928ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل . فإن قيل : المراد بذكر اسم الله بالقلب ; لأن الذكر يضاد النسيان ومحل النسيان القلب فمحل الذكر القلب ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب :
اسم الله على قلب كل مؤمن سمى أو لم يسم . قلنا : الذكر باللسان وبالقلب ، والذي كانت العرب تفعله تسمية الأصنام والنصب باللسان ، فنسخ الله ذلك بذكره في الألسنة ، واشتهر ذلك في الشريعة حتى قيل
لمالك : هل يسمي الله تعالى إذا توضأ فقال : أيريد أن يذبح . وأما الحديث الذي تعلقوا به من قوله :
اسم [ ص: 70 ] الله على قلب كل مؤمن فحديث ضعيف . وقد استدل جماعة من أهل العلم على أن التسمية على الذبيحة ليست بواجبة ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=835931لقوله عليه السلام لأناس سألوه ، قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سموا الله عليه وكلوا . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك مرسلا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه ، لم يختلف عليه في إرساله . وتأوله بأن قال في آخره : وذلك في أول الإسلام . يريد قبل أن ينزل عليه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه . قال
أبو عمر : وهذا ضعيف ، وفي الحديث نفسه ما يرده ، وذلك أنه أمرهم فيه بتسمية الله على الأكل ; فدل على أن الآية قد كانت نزلت عليه . ومما يدل على صحة ما قلناه أن هذا الحديث كان
بالمدينة ، ولا يختلف العلماء أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه نزل في سورة " الأنعام "
بمكة .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وإنه لفسق أي لمعصية ; عن
ابن عباس . والفسق : الخروج . وقد تقدم .
الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم أي يوسوسون فيلقون في قلوبهم الجدال بالباطل . روى
أبو داود عن
ابن عباس في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم يقولون : ما ذبح الله فلا تأكلوه ، وما ذبحتم أنتم فكلوه ، فأنزل الله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال
عكرمة : عنى بالشياطين في هذه الآية مردة الإنس من
مجوس فارس . وقال
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16456وعبد الله بن كثير : بل الشياطين : الجن ، وكفرة الجن أولياء
قريش . وروي عن
عبد الله بن الزبير أنه قيل له : إن المختار يقول : يوحى إلي ، فقال : صدق ، إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم .
وقوله : ليجادلوكم . يريد قولهم : ما قتل الله لم تأكلوه وما قتلتموه أكلتموه . والمجادلة : دفع القول على طريق الحجة بالقوة ; مأخوذ من الأجدل ،
[ ص: 71 ] طائر قوي . وقيل : هو مأخوذ من الجدالة ، وهي الأرض ; فكأنه يغلبه بالحجة ويقهره حتى يصير كالمجدول بالأرض . وقيل : هو مأخوذ من الجدل ، وهو شدة الفتل ; فكأن كل واحد منهما يفتل حجة صاحبه حتى يقطعها ، وتكون حقا في نصرة الحق وباطلا في نصرة الباطل .
الخامسة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وإن أطعتموهم أي في تحليل الميتة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121إنكم لمشركون فدلت الآية على أن من استحل شيئا مما حرم الله تعالى صار به مشركا . وقد حرم الله سبحانه الميتة نصا ; فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركا إذا أطاعه في الاعتقاد ; فأما إذا أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاص ; فافهموه . وقد مضى في المائدة .