الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 96 ] قال ( nindex.php?page=treesubj&link=26809_26895وشعر الميتة وعظمها طاهر ) وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : نجس لأنه من أجزاء الميتة ، ولنا أنه لا حياة فيهما ولهذا لا يتألم بقطعهما فلا يحلهما الموت ، إذ الموت زوال الحياة .
( قوله وشعر الميتة ) كل ما لا تحله الحياة من أجزاء الهوية محكوم بطهارته بعد موت ما هي جزؤه كالشعر والريش والمنقار والعظم والعصب والحافر والظلف واللبن والبيض الضعيف القشر والإنفحة ، لا خلاف بين أصحابنا في ذلك ، وإنما الخلاف بينهم في nindex.php?page=treesubj&link=26406_26981الإنفحة واللبن هل هما متنجسان ؟ فقالا نعم لمجاورتهما الغشاء النجس ، فإن كانت الإنفحة [ ص: 97 ] جامدة تطهر بالغسل وإلا تعذر طهرهما وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : ليسا بمتنجسين ، وعلى قياسهما قالوا في nindex.php?page=treesubj&link=531السخلة إذا سقطت من أمها وهي رطبة فيبست ثم وقعت في الماء لا ينجس لأنها كانت في معدنها ، فهاتان خلافيتان مذهبية وخارجة .
لنا فيها أن المعهود فيها حالة الحياة الطهارة ، وإنما يؤثر الموت النجاسة فيما تحله ولا تحلها الحياة فلا يحلها الموت ، وإذا لم يحلها وجب الحكم ببقاء الوصف الشرعي المعهود لعدم المزيل ، وفي السنة أيضا ما يدل عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=81957في شاة مولاة ميمونة حين مر بها ميتة إنما حرم أكلها } في الصحيحين . وفي لفظ { nindex.php?page=hadith&LINKID=63106إنما حرم عليكم لحمها ورخص لكم في مسكها } وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس { nindex.php?page=hadith&LINKID=63112إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميتة لحمها ، فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به } وأعله بتضعيف عبد الجبار بن مسلم وهو ممنوع ، فقد ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات فلا ينزل الحديث عن الحسن . ثم أخرجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11939أبي بكر الهذلي عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس قال : سمعت صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=81958 { nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } ، ألا كل شيء من الميتة حلال إلا ما أكل منها } فأما nindex.php?page=treesubj&link=26809_26895_26981الجلد والقرون والشعر والصوف والسن والعظم فكله حلال لأنه لا يذكى ، وأعله بأن أبا بكر هذا متروك . وأخرج أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عنه صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=81959لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ، ولا بأس بصوفها ولا شعرها وقرونها إذا غسل بالماء } وضعفه بأن يوسف بن أبي السفر بالسين المهملة المفتوحة وسكون الفاء متروك .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=15550بقية عن nindex.php?page=showalam&ids=16704عمرو بن خالد عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس { nindex.php?page=hadith&LINKID=63119أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتشط بمشط من عاج } قال : ورواية nindex.php?page=showalam&ids=15550بقية عن شيوخه المجهولين ضعيفة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : قال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : العاج الذبل وهو ظهر السلحفاة . وأما العاج الذي تعرفه العامة عظم أنياب الفيل فهو ميتة لا يجوز استعماله انتهى . وفيه أمران : أحدهما أنه أوهم أن الواسطي مجهول وليس كذلك ، والآخر إيهامه بقوله الذي تعرفه العامة أنه ليس من اللغة وليس كذلك . قال في المحكم : العاج أنياب الفيلة ، ولا يسمى غير الناب عاجا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري : العاج عظم الفيل الواحدة عاجة
فبهذا يكون إن صح ما عن nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي تأويلا للمراد لما اعتقد نجاسة nindex.php?page=treesubj&link=573عظم الفيل . فهذه عدة أحاديث لو كانت ضعيفة حسن المتن فكيف ومنها ما لا ينزل عن الحسن وله الشاهد الأول من الصحيحين ، ثم في هذا الحديث ما يبطل قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد من نجاسة عين الفيل ، ووجه قولهما في المذهبية التنجس بالمجاورة .
وله أنه لا أثر [ ص: 98 ] للتنجس شرعا ما دامت في الباطن النجاسة فضلا عن غيرها ، والحكم الثابت شرعا حالة الحياة لا يزول بالموت إلا إذا ثبت شرعا أن الموت يزيله ، لكن الثابت للموت ليس إلا عمله في تنجس ما يحله فيستلزم تنجس غشائهما وبقاؤهما على طهارتهما بحكم عدم إعطاء حكم النجاسة ما دام في الباطن ، ولا يزول هذا البقاء إلا بمزيل ولم يوجد . فرع
الأصح في nindex.php?page=treesubj&link=567قميص الحية الطهارة ، وكذا في نافجة المسك مطلقا . وقيل إذا كانت بحيث لو ابتلت لا تفسد .
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، الإمام ، عالم العصر ، ناصر الحديث ، فقيه [ ص: 6 ] الملة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي ، الغزي المولد ، نسيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وابن عمه ، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب .
اتفق مولد الإمام بغزة ، ومات أبوه إدريس شابا ، فنشأ محمد يتيما في حجر أمه ، فخافت عليه الضيعة ، فتحولت به إلى محتده وهو ابن عامين ، فنشأ بمكة ، وأقبل على الرمي ، حتى فاق فيه الأقران ، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة ، ثم أقبل على العربية والشعر ، فبرع في ذلك وتقدم . ثم حبب إليه الفقه ، فساد أهل زمانه .
وأخذ العلم ببلده عن : مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة ، وداود بن عبد الرحمن العطار ، وعمه محمد بن علي بن شافع ، فهو ابن عم العباس جد الشافعي ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، وسعيد بن سالم ، وفضيل بن عياض ، وعدة . ولم أر له شيئا عن نافع بن عمر الجمحي ونحوه ، وكان معه بمكة .
وارتحل -وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة- إلى [ ص: 7 ] المدينة ، فحمل عن مالك بن أنس " الموطأ " عرضه من حفظه ، -وقيل : من حفظه لأكثره- وحمل عن : إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر ، وعبد العزيز الدراوردي ، وعطاف بن خالد ، وإسماعيل بن جعفر ، وإبراهيم بن سعد وطبقتهم .
وأخذ باليمن عن : مطرف بن مازن ، وهشام بن يوسف القاضي ، وطائفة ، وببغداد عن : محمد بن الحسن ، فقيه العراق ، ولازمه ، وحمل عنه وقر بعير ، وعن إسماعيل ابن علية ، وعبد الوهاب الثقفي وخلق .
وصنف التصانيف ، ودون العلم ، ورد على الأئمة متبعا الأثر ، وصنف في أصول الفقه وفروعه ، وبعد صيته ، وتكاثر عليه الطلبة .
حدث عنه : الحميدي ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وأحمد بن حنبل ، وسليمان بن داود الهاشمي ، وأبو يعقوب يوسف البويطي ، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي ، وحرملة بن يحيى ، وموسى بن أبي الجارود المكي ، وعبد العزيز المكي صاحب " الحيدة " وحسين بن علي [ ص: 8 ] الكرابيسي ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، والحسن بن محمد الزعفراني ، وأحمد بن محمد الأزرقي ، وأحمد بن سعيد الهمداني ، وأحمد بن أبي شريح الرازي ، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري ، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي ، وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي ، وإسحاق بن راهويه ، وإسحاق بن بهلول ، وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم ، والحارث بن سريج النقال ، وحامد بن يحيى البلخي ، وسليمان بن داود المهري ، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص ، وعلي بن معبد الرقي . وعلي بن سلمة اللبقي ، وعمرو بن سواد ، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني ، ومحمد بن يحيى العدني ، ومسعود بن سهل المصري ، وهارون بن سعيد الأيلي ، وأحمد بن سنان القطان ، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ، ويونس بن عبد الأعلى ، والربيع بن سليمان المرادي ، والربيع بن سليمان الجيزي ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وبحر بن نصر الخولاني ، وخلق سواهم .
وقد أفرد الدارقطني كتاب من له رواية عن الشافعي في جزأين ، وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديما وحديثا ونال بعض الناس [ ص: 9 ] منه غضا ، فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة ، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى ، وقل من برز في الإمامة ورد على من خالفه إلا وعودي ، نعوذ بالله من الهوى ، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد .
فأما جدهم السائب المطلبي ، فكان من كبراء من حضر بدرا مع الجاهلية ، فأسر يومئذ ، وكان يشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ، ووالدته هي الشفاء بنت أرقم بن نضلة ، ونضلة هو أخو عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فيقال : إنه بعد أن فدى نفسه ، أسلم .
وابنه شافع له رؤية ، وهو معدود في صغار الصحابة .
وولده عثمان تابعي ، لا أعلم له كبير رواية .
وكان أخوال الشافعي من الأزد .
عن ابن عبد الحكم قال : لما حملت والدة الشافعي به ، رأت كأن [ ص: 10 ] المشتري خرج من فرجها ، حتى انقض بمصر ، ثم وقع في كل بلدة منه شظية ، فتأوله المعبرون أنها تلد عالما ، يخص علمه أهل مصر ، ثم يتفرق في البلدان .
هذه رواية منقطعة .
وعن أبي عبد الله الشافعي ، فيما نقله ابن أبي حاتم ، عن ابن أخي ابن وهب عنه ، قال : ولدت باليمن -يعني القبيلة ، فإن أمه أزدية- قال : فخافت أمي علي الضيعة ، وقالت : الحق بأهلك ، فتكون مثلهم ، فإني أخاف عليك أن تغلب على نسبك ، فجهزتني إلى مكة ، فقدمتها يومئذ وأنا ابن عشر سنين ، فصرت إلى نسيب لي ، وجعلت أطلب العلم ، فيقول لي : لا تشتغل بهذا ، وأقبل على ما ينفعك ، فجعلت لذتي في العلم .
قال ابن أبي حاتم : سمعت عمرو بن سواد : قال لي الشافعي : ولدت بعسقلان ، فلما أتى علي سنتان ، حملتني أمي إلى مكة .
وقال ابن عبد الحكم : قال لي الشافعي : ولدت بغزة سنة خمسين ومائة وحملت إلى مكة ابن سنتين . [ ص: 11 ]
قال المزني : ما رأيت أحسن وجها من الشافعي -رحمه الله- وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته .
قال الربيع المؤذن : سمعت الشافعي يقول : كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي : أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر ، قال : وكنت أصيب من العشرة تسعة .
قال الحميدي : سمعت الشافعي يقول : كنت يتيما في حجر أمي ، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم ، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب ، وأخفف عنه .
وعن الشافعي قال : كنت أكتب في الأكتاف والعظام ، وكنت أذهب إلى الديوان ، فأستوهب الظهور ، فأكتب فيها .
قال عمرو بن سواد : قال لي الشافعي : كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم ، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة ، وسكت عن العلم ، فقلت : أنت والله في العلم أكبر منك في الرمي .
قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع : حدثنا المزني ، سمع الشافعي يقول : حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين ، وحفظت " الموطأ " وأنا ابن عشر . [ ص: 12 ]
الأقطع مجهول .
وفي " مناقب الشافعي " للآبري سمعت الزبير بن عبد الواحد الهمذاني ، أخبرنا علي بن محمد بن عيسى ، سمعت الربيع بن سليمان يقول : ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة -رحمهما الله تعالى .
وعن الشافعي قال : أتيت مالكا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة -كذا قال ، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة - قال : فأتيت ابن عم لي والي المدينة ، فكلم مالكا ، فقال : اطلب من يقرأ لك . قلت : أنا أقرأ ، فقرأت عليه ، فكان ربما قال لي لشيء قد مر : أعده ، فأعيده حفظا ، فكأنه أعجبه ، ثم سألته عن مسألة ، فأجابني ، ثم أخرى ، فقال : أنت تحب أن تكون قاضيا .
ويروى عن الشافعي : أقمت في بطون العرب عشرين سنة ، آخذ أشعارها ولغاتها ، وحفظت القرآن ، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد [ ص: 13 ] علمت المعنى فيه والمراد ، ما خلا حرفين ، أحدهما : دساها .
إسنادها فيه مجهول .
قال ابن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : قرأت القرآن على إسماعيل بن قسطنطين ، وقال : قرأت على شبل ، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير ، وقرأ على مجاهد ، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس . قال الشافعي : وكان إسماعيل يقول : القرآن اسم ليس بمهموز ، ولم يؤخذ من : " قرأت " ولو أخذ من " قرأت " كان كل ما قرئ قرآنا ، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل . [ ص: 14 ] الأصم وابن أبي حاتم : حدثنا الربيع : سمعت الشافعي يقول : قدمت على مالك ، وقد حفظت " الموطأ " ظاهرا ، فقلت : أريد سماعه ، قال : اطلب من يقرأ لك . فقلت : لا عليك أن تسمع قراءتي ، فإن سهل عليك قرأت لنفسي . أحمد بن الحسن الحماني : حدثنا أبو عبيد ، قال : رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن ، وقد دفع إليه خمسين دينارا ، وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما ، وقال : إن اشتهيت العلم ، فالزم . قال أبو عبيد : فسمعت الشافعي يقول : كتبت عن محمد وقر بعير ، ولما أعطاه محمد ، قال له : لا تحتشم . قال : لو كنت عندي ممن أحشمك ما قبلت برك . ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي . [ ص: 15 ]
قال أحمد بن أبي سريج : سمعت الشافعي يقول : قد أنفقت على كتب محمد ستين دينارا ، ثم تدبرتها ، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا -يعني : رد عليه .
قال هارون بن سعيد : قال لي الشافعي : أخذت اللبان سنة للحفظ ، فأعقبني صب الدم سنة .
قال أبو عبيد : ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي ، وكذا قال يونس بن عبد الأعلى ، حتى إنه قال : لو جمعت أمة لوسعهم عقله .
قلت : هذا على سبيل المبالغة ، فإن الكامل العقل لو نقص من عقله نحو الربع ، لبان عليه نقص ما ، ولبقي له نظراء ، فلو ذهب نصف ذلك العقل منه ، لظهر عليه النقص ، فكيف به لو ذهب ثلثا عقله ! فلو أنك أخذت عقول ثلاثة أنفس مثلا ، وصيرتها عقل واحد ، لجاء منه كامل العقل وزيادة .
جماعة : حدثنا الربيع ، سمعت الحميدي ، سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول للشافعي : أفت يا أبا عبد الله ، فقد والله آن لك أن تفتي - [ ص: 16 ] وهو ابن خمس عشرة سنة . وقد رواها محمد بن بشر الزنبري ، وأبو نعيم الإسترآباذي ، عن الربيع ، عن الحميدي قال : قال الزنجي . وهذا أشبه ، فإن الحميدي يصغر عن السماع من مسلم ، وما رأينا له في " مسنده " عنه رواية .
جماعة : حدثنا الربيع ، قال الشافعي : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء . الزبير الإسترآباذي : حدثني محمد بن يحيى بن آدم بمصر ، حدثنا ابن عبد الحكم ، سمعت الشافعي يقول : لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء ، لفروا منه كما يفرون من الأسد .
قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوما في مسألة ، ثم افترقنا ، ولقيني ، فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة . [ ص: 17 ]
قلت : هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ، وفقه نفسه ، فما زال النظراء يختلفون .