الخامسة : لم يزل العلماء يستدلون بهذه الآية على الاستثناء . وفي الدلالة بها غموض . فلهذا قال
القرافي في قواعده : اتفق الفقهاء على
nindex.php?page=treesubj&link=20818_21184الاستدلال بقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } . ووجه الدليل منه في غاية الإشكال . فإن " إلا " ليست للتعليق ، و " أن " المفتوحة ليست للتعليق . فما بقي في الآية شيء يدل على التعليق مطابقة ولا التزاما . فكيف يصح الاستدلال بشيء لا يدل على ذلك ؟ وطول الأيام يحاولون الاستدلال بهذه الآية ، ولا يكاد يتفطن لوجه الدليل منها . وليس فيها إلا الاستثناء ، و " أن " الناصبة لا الشرطية . ولا يفطنون لهذا الاستثناء من أي شيء هو ؟ وما هو المستثنى منه ؟ فتأمله . فهو في غاية الإشكال . وهو أصل في اشتراط المشيئة عند النطق بالأفعال .
[ ص: 153 ] والجواب ، أنا نقول : هذا استثناء من الأحوال . والمستثنى حالة من الأحوال . وهي محذوفة قبل " أن " الناصبة . وعاملة فيها أعني الحال عاملة في " أن " الناصبة . وتقريره : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } في حالة من الأحوال إلا معلقا بأن يشاء الله ، ثم حذفت " معلقا " والباء من " أن " فيكون النهي المتقدم مع " إلا " المتأخرة قد حصرت القول في هذه الحال دون سائر الأحوال . فتختص هذه الحال بالإباحة ، وغيرها بالتحريم . وترك المحرم واجب وليس شيء هناك يترك به الحرام إلا هذه . فتكون واجبة . فهذا مدرك الوجوب . وأما مدرك التعليق : فهو قولنا " معلقا " فإنه يدل على أنه تعليق في تلك الحالة كما إذا قال " لا تخرج إلا ضاحكا " فإنه يفيد الأمر بالضحك للخروج . وانتظم " معلقا " مع " أن " بالباء المحذوفة ، واتجه الأمر بالتعليق على المشيئة من هذه الصيغة عند الوعد بالأفعال . انتهى .
الْخَامِسَةُ : لَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ . وَفِي الدَّلَالَةِ بِهَا غُمُوضٌ . فَلِهَذَا قَالَ
الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ : اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=20818_21184الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } . وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ . فَإِنَّ " إلَّا " لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ ، وَ " أَنْ " الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ . فَمَا بَقِيَ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ مُطَابَقَةً وَلَا الْتِزَامًا . فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِشَيْءٍ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؟ وَطُولُ الْأَيَّامِ يُحَاوِلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَلَا يَكَادُ يُتَفَطَّنُ لِوَجْهِ الدَّلِيلِ مِنْهَا . وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ ، وَ " أَنْ " النَّاصِبَةُ لَا الشَّرْطِيَّةُ . وَلَا يَفْطِنُونَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ ؟ وَمَا هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ؟ فَتَأَمَّلْهُ . فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ . وَهُوَ أَصْلٌ فِي اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ .
[ ص: 153 ] وَالْجَوَابُ ، أَنَّا نَقُولُ : هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ . وَالْمُسْتَثْنَى حَالَةٌ مِنْ الْأَحْوَالِ . وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ قَبْلَ " أَنْ " النَّاصِبَةِ . وَعَامِلَةٌ فِيهَا أَعْنِي الْحَالُ عَامِلَةٌ فِي " أَنْ " النَّاصِبَةِ . وَتَقْرِيرُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا } فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مُعَلَّقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ حُذِفَتْ " مُعَلَّقًا " وَالْبَاءُ مِنْ " أَنْ " فَيَكُونُ النَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ " إلَّا " الْمُتَأَخِّرَةِ قَدْ حَصَرَتْ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْوَالِ . فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْحَالُ بِالْإِبَاحَةِ ، وَغَيْرُهَا بِالتَّحْرِيمِ . وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ هُنَاكَ يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ . فَتَكُونُ وَاجِبَةً . فَهَذَا مُدْرَكُ الْوُجُوبِ . وَأَمَّا مُدْرَكُ التَّعْلِيقِ : فَهُوَ قَوْلُنَا " مُعَلَّقًا " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا إذَا قَالَ " لَا تَخْرُجُ إلَّا ضَاحِكًا " فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ لِلْخُرُوجِ . وَانْتَظَمَ " مُعَلَّقًا " مَعَ " أَنْ " بِالْبَاءِ الْمَحْذُوفَةِ ، وَاتُّجِهَ الْأَمْرُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ عِنْدَ الْوَعْدِ بِالْأَفْعَالِ . انْتَهَى .