( قوله : ويتوضأ بماء السماء والعين والبحر ) يعني الطهارة جائزة بماء السماء كما صرح به
nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري وغيره والمشايخ تارة يطلقون الجواز بمعنى الحل وتارة بمعنى الصحة ، وهي لازمة للأول من غير عكس والغالب إرادة الأول في الأفعال والثاني في العقود ، والمراد هنا الأول ، ومن قال بعموم المشترك استعمل الجواز هنا بالمعنيين والماء هو الجسم اللطيف السيال الذي به حياة كل نام وأصله موه بالتحريك ، وهو أصل مرفوض فيما أبدل من الهاء إبدالا لازما ، فإن الهمزة فيه مبدلة عن الهاء في موضع اللام ويجمع على مياه جمع كثرة وجمع قلة على أمواه والعين لفظ مشترك بين الشمس والينبوع والذهب والدينار والمال والنقد والجاسوس والمطر وولد البقر الوحشي وخيار الشيء ونفس الشيء والناس القليل وحرف من حروف المعجم وما عن يمين قبلة
العراق وعين في الجلد وغير ذلك ، والمراد به هنا الينبوع بقرينة السياق ، وفي قوله والبحر عطفا على السماء أي وبماء البحر إشارة إلى رد قول من قال إن ماء البحر ليس بماء حتى حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال في ماء البحر التيمم أحب إلي منه كما نقله عنه في السراج الوهاج وقسم هذه المياه باعتبار ما يشاهد عادة ، وإلا فالكل من السماء لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=21ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } وقيل ليس في الآية أن جميع المياه تنزل من السماء ; لأن ما نكرة في الإثبات ومعلوم أنها لا تعم قلنا بل تعم بقرينة الامتنان به ، فإن الله ذكره في معرض الامتنان به
فلو لم تدل على العموم لفات المطلوب والنكرة في الإثبات تفيد العموم بقرينة تدل عليه كما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14علمت نفس ما أحضرت } أي كل نفس .
واعلم أن الماء نوعان : مطلق ، ومقيد فالمطلق هو ما يسبق إلى الأفهام بمطلق قولنا ماء ، ولم يقم به خبث ولا معنى يمنع جواز الصلاة فخرج الماء المقيد والماء المتنجس والماء المستعمل والمطلق في الأصول هو المتعرض للذات دون الصفات لا بالنفي ولا
[ ص: 70 ] بالإثبات كماء السماء والعين والبحر والإضافة فيه للتعريف بخلاف الماء المقيد ، فإن القيد لازم له لا يجوز إطلاق الماء عليه بدون القيد كماء الورد ، وقد أجمعوا على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=437الطهارة بماء السماء واستدلوا به بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وقد استدل جماعة بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وأنزلنا من السماء ماء طهورا } وبالحديث الصحيح الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الموطإ
وأبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12324سأل سائل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته } قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : في غير صحيحه هو حديث صحيح وقال
الترمذي : حديث حسن صحيح وأورد أن التمسك بالآية والحديث لا يصح إلا إذا كان الطهور بمعنى المطهر كما هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، وأما إذا كان بمعنى الطاهر كما هو مذهبنا فلا يمكن الاستدلال ، والدليل على أنه بمعنى الطاهر قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وسقاهم ربهم شرابا طهورا } وصفه بأنه طهور ، وإن لم يكن هناك ما يتطهر به
وقال
جرير عذاب الثنايا ريقهن طهور
ومعناه طاهر وأهل العربية على أن الطهور فعول من طهر ، وهو لازم والفعل إذا لم يكن متعديا لم يكن الفعول منه متعديا كقولهم نئوم من نام وضحوك من ضحك ، وإذا كان متعديا فالفعول منه كذلك كقولهم قتول من قتل وضروب من ضرب قلنا إنما تفيد هذه الصيغة التطهير من طريق المعنى ، وهو أن هذه الصيغة للمبالغة ، فإن في الشكور والغفور من المبالغة ما ليس في الغافر والشاكر فلا بد أن يكون في الطهور معنى زائد ليس في الطاهر ولا تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار التطهير ; لأن في نفس الطهارة كلتا الصفتين سواء فتكون صفة التطهير له بهذا الطريق لا أن الطهور بمعنى المطهر ، وإليه أشار في الكشاف والمغرب قال وما حكي عن
ثعلب أن الطهور ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره إن كان هذا زيادة بيان لبلاغته في الطهارة كان سديدا و يعضده قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وإلا فليس فعول من التفعيل في شيء وقياسه على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كقطوع ومنوع غير سديد والطهور يجيء صفة نحو : ماء طهورا واسما لما يتطهر به كالوضوء اسم لما يتوضأ به ومصدرا نحو تطهرت طهورا حسنا
ومنه قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30832لا صلاة إلا بطهور } أي طهارة فإذا كان بمعنى ما يتطهر به صح الاستدلال ولا يحتاج أن يجعل بمعنى المطهر حيث يلزم جعل اللازم متعديا كذا قرره بعض الشارحين ، وفيه بحث من وجوه :
الأول : أن الله تعالى وصف شراب أهل الجنة بأعلى الصفات ، وهو التطهير الثاني أن
جريرا قصد تفضيلهن على سائر النساء فوصف ريقهن بأنه مطهر يتطهر به لكمالهن وطيب ريقهن وامتيازه على غيره ولا يحمل على طاهر ; لأنه لا مزية لهن في ذلك ، فإن كل النساء ريقهن طاهر بل كل حيوان طاهر اللحم كذلك كالإبل والبقر الثالث أن قوله ولا تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار التطهير قد يمنع بأن المبالغة فيه باعتبار كثرته وجودته في نفسه لا باعتبار التطهير والمراد بماء
[ ص: 71 ] السماء ماء المطر والندى والثلج والبرد إذا كان متقاطرا وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يجوز ، وإن لم يكن متقاطرا والصحيح قولهما وقد استدل على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=439_438الطهارة بماء الثلج والبرد بما ثبت في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6154أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين تكبيرة الإحرام والقراءة سكتة يقول فيها أشياء منها اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد وفي رواية بماء الثلج والبرد } ولا يجوز بماء الملح ، وهو يجمد في الصيف ، ويذوب في الشتاء عكس الماء .
( قَوْلُهُ : وَيُتَوَضَّأُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ ) يَعْنِي الطَّهَارَةُ جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14972الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَشَايِخُ تَارَةً يُطْلِقُونَ الْجَوَازَ بِمَعْنَى الْحِلِّ وَتَارَةً بِمَعْنَى الصِّحَّةِ ، وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالْغَالِبُ إرَادَةُ الْأَوَّلِ فِي الْأَفْعَالِ وَالثَّانِي فِي الْعُقُودِ ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ ، وَمَنْ قَالَ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ اسْتَعْمَلَ الْجَوَازَ هُنَا بِالْمَعْنَيَيْنِ وَالْمَاءُ هُوَ الْجِسْمُ اللَّطِيفُ السَّيَّالُ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ كُلِّ نَامٍ وَأَصْلُهُ مَوَهَ بِالتَّحْرِيكِ ، وَهُوَ أَصْلٌ مَرْفُوضٌ فِيمَا أُبْدِلَ مِنْ الْهَاءِ إبْدَالًا لَازِمًا ، فَإِنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ مُبْدَلَةٌ عَنْ الْهَاءِ فِي مَوْضِعِ اللَّامِ وَيُجْمَعُ عَلَى مِيَاهٍ جَمْعَ كَثْرَةٍ وَجَمْعَ قِلَّةٍ عَلَى أَمْوَاهٍ وَالْعَيْنُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْيَنْبُوعِ وَالذَّهَبِ وَالدِّينَارِ وَالْمَالِ وَالنَّقْدِ وَالْجَاسُوسِ وَالْمَطَرِ وَوَلَدِ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ وَخِيَارِ الشَّيْءِ وَنَفْسِ الشَّيْءِ وَالنَّاسِ الْقَلِيلِ وَحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَمَا عَنْ يَمِينِ قِبْلَةِ
الْعِرَاقِ وَعَيْنٍ فِي الْجِلْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْيَنْبُوعُ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ ، وَفِي قَوْلِهِ وَالْبَحْرُ عَطْفًا عَلَى السَّمَاءِ أَيْ وَبِمَاءِ الْبَحْرِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَيْسَ بِمَاءٍ حَتَّى حُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَاءِ الْبَحْرِ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَسَّمَ هَذِهِ الْمِيَاهَ بِاعْتِبَارِ مَا يُشَاهَدُ عَادَةً ، وَإِلَّا فَالْكُلُّ مِنْ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=21أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ } وَقِيلَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ جَمِيعَ الْمِيَاهِ تَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ ; لِأَنَّ مَا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَعُمُّ قُلْنَا بَلْ تَعُمُّ بِقَرِينَةِ الِامْتِنَانِ بِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ بِهِ
فَلَوْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى الْعُمُومِ لَفَاتَ الْمَطْلُوبُ وَالنَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ تُفِيدُ الْعُمُومَ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } أَيْ كُلُّ نَفْسٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ نَوْعَانِ : مُطْلَقٌ ، وَمُقَيَّدٌ فَالْمُطْلَقُ هُوَ مَا يَسْبِقُ إلَى الْأَفْهَامِ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا مَاءٌ ، وَلَمْ يَقُمْ بِهِ خَبَثٌ وَلَا مَعْنَى يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ الْمَاءُ الْمُقَيَّدُ وَالْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَالْمُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ هُوَ الْمُتَعَرِّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا
[ ص: 70 ] بِالْإِثْبَاتِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلتَّعْرِيفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ ، فَإِنَّ الْقَيْدَ لَازِمٌ لَهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِدُونِ الْقَيْدِ كَمَاءِ الْوَرْدِ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=437الطَّهَارَةِ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } وَقَدْ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15395وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12324سَأَلَ سَائِلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : فِي غَيْرِ صَحِيحِهِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأُوِردَ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ الطَّهُورُ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } وَصَفَهُ بِأَنَّهُ طَهُورٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ
وَقَالَ
جَرِيرٌ عِذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ
وَمَعْنَاهُ طَاهِرٌ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ فَعُولٌ مِنْ طَهُرَ ، وَهُوَ لَازِمٌ وَالْفِعْلُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا لَمْ يَكُنْ الْفَعُولُ مِنْهُ مُتَعَدِّيًا كَقَوْلِهِمْ نَئُومٌ مِنْ نَامَ وَضَحُوكٌ مِنْ ضَحِكَ ، وَإِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فَالْفَعُولُ مِنْهُ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ قَتُولٌ مِنْ قَتَلَ وَضَرُوبٌ مِنْ ضَرَبَ قُلْنَا إنَّمَا تُفِيدُ هَذِهِ الصِّيغَةُ التَّطْهِيرَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلْمُبَالَغَةِ ، فَإِنَّ فِي الشَّكُورِ وَالْغَفُورِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي الْغَافِرِ وَالشَّاكِرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّهُورِ مَعْنًى زَائِدٌ لَيْسَ فِي الطَّاهِرِ وَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ ; لِأَنَّ فِي نَفْسِ الطَّهَارَةِ كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ سَوَاءٌ فَتَكُونُ صِفَةُ التَّطْهِيرِ لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا أَنَّ الطَّهُورَ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكَشَّافِ وَالْمُغْرِبِ قَالَ وَمَا حُكِيَ عَنْ
ثَعْلَبٍ أَنَّ الطَّهُورَ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ هَذَا زِيَادَةَ بَيَانٍ لِبَلَاغَتِهِ فِي الطَّهَارَةِ كَانَ سَدِيدًا وَ يُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } وَإِلَّا فَلَيْسَ فَعُولٌ مِنْ التَّفْعِيلِ فِي شَيْءٍ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ كَقَطُوعٍ وَمَنُوعٍ غَيْرُ سَدِيدٍ وَالطَّهُورُ يَجِيءُ صِفَةً نَحْوَ : مَاءً طَهُورًا وَاسْمًا لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالْوُضُوءِ اسْمٌ لِمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَمَصْدَرًا نَحْوُ تَطَهَّرْت طَهُورًا حَسَنًا
وَمِنْهُ قَوْلُهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30832لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ } أَيْ طَهَارَةٍ فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ صَحَّ الِاسْتِدْلَال وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ حَيْثُ يَلْزَمُ جَعْلُ اللَّازِمِ مُتَعَدِّيًا كَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَعْلَى الصِّفَاتِ ، وَهُوَ التَّطْهِيرُ الثَّانِي أَنَّ
جَرِيرًا قَصَدَ تَفْضِيلَهُنَّ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ فَوَصَفَ رِيقَهُنَّ بِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ يُتَطَهَّرُ بِهِ لِكَمَالِهِنَّ وَطِيبِ رِيقِهِنَّ وَامْتِيَازِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى طَاهِرٍ ; لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ كُلَّ النِّسَاءِ رِيقُهُنَّ طَاهِرٌ بَلْ كُلُّ حَيَوَانٍ طَاهِرِ اللَّحْمِ كَذَلِكَ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَتِهِ وَجَوْدَتِهِ فِي نَفْسِهِ لَا بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ وَالْمُرَادُ بِمَاءِ
[ ص: 71 ] السَّمَاءِ مَاءُ الْمَطَرِ وَالنَّدَى وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ إذَا كَانَ مُتَقَاطَرًا وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَاطِرًا وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=439_438الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6154أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْكُتُ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ سَكْتَةً يَقُولُ فِيهَا أَشْيَاءَ مِنْهَا اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَفِي رِوَايَةٍ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ } وَلَا يَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ ، وَهُوَ يَجْمُدُ فِي الصَّيْفِ ، وَيَذُوبُ فِي الشِّتَاءِ عَكْسُ الْمَاءِ .