والحدود زواجر وضعها الله - تعالى - للردع عن ارتكاب ما حظر وترك ما أمر
[ ص: 276 ] به لما في الطمع من مغالبة الشهوات الملهية عن وعيد الآخرة بعاجل اللذة ، فجعل الله - تعالى - من زواجر الحدود ما يردع به ذا الجهالة حذرا من ألم العقوبة وخيفة من نكال الفضيحة ليكون ما حظر من محارمه ممنوعا وما أمر به من فروضه متبوعا فتكون المصلحة أعم والتكليف أتم ، قال الله - تعالى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } : يعني في استنقاذهم من الجهالة ، وإرشادهم من الضلالة وكفهم عن المعاصي وبعثهم على الطاعة .
وإذا كان كذلك
nindex.php?page=treesubj&link=10568_10565_26686_26687فالزواجر ضربان : حد وتعزير : فأما
nindex.php?page=treesubj&link=10619_25715الحدود فضربان : أحدهما ما كان من حقوق الله تعالى .
والثاني : ما كان من حقوق الآدميين ، فأما
nindex.php?page=treesubj&link=28850_20551_20558المختصة بحقوق الله تعالى فضربان : أحدهما ما وجب في ترك مفروض .
والثاني : ما وجب في ارتكاب محظور .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=26724_2650ما وجب في ترك مفروض nindex.php?page=treesubj&link=23390كتارك الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها يسأل عن تركه لها ، فإن قال : لنسيان أمر بها قضاء في وقت ذكرها ولم ينتظر بها مثل وقتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37462من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها لا كفارة لها غير ذلك } .
وإن
nindex.php?page=treesubj&link=23390تركها لمرض صلاها بحسب طاقته من جلوس أو اضطجاع ، قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .
وإن
nindex.php?page=treesubj&link=23391تركها جاحدا لوجوبها كان كافرا ، حكمه حكم المرتد يقتل بالردة إذا
[ ص: 277 ] لم يتب ، وإن
nindex.php?page=treesubj&link=23392تركها استثقالا لفعلها مع اعترافه بوجوبها ، فقد اختلف الفقهاء في حكمه فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة إلى أنه يضرب في وقت كل صلاة ولا يقتل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وطائفة من أصحاب الحديث يصير بتركها كافرا يقتل بالردة .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى أنه لا يكفر بتركها ولا يقتل حدا ولا يصير مرتدا ، ولا يقتل إلا بعد الاستتابة ، فإن تاب وأجاب إلى فعلها ترك وأمر بها ، فإن قال أصليها في منزلي وكلت إلى أمانته ، ولم يجبر على فعلها بمشهد من الناس ، وإن
nindex.php?page=treesubj&link=26724امتنع من التوبة ولم يجب إلى فعل الصلاة قتل بتركها في الحال على أحد القولين وبعد ثلاثة أيام في القول الثاني ويقتله بسيف صبرا .
وقال
أبو العباس بن سريج يقتله ضربا بالخشب حتى يموت ويعدل عن السيف الموحى ليستدرك التوبة بتطاول المدى .
واختلف أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في وجوب قتله بترك الصلوات الفوائت إذا امتنع من قضائها ، فذهب بعضهم إلى أن قتله بها كالموقتات .
وذهب آخرون إلى أنه لا يقتل بها لاستقرارها في الذمة بالفوات ويصلى عليه بعد قتله ويدفن في مقابر المسلمين ; لأنه منهم ويكون ماله لورثته .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=27079تارك الصيام فلا يقتل بإجماع الفقهاء ويحبس عن الطعام والشراب مدة صيام شهر رمضان ، ويؤدب تعزيرا ، فإن أجاب إلى الصيام ترك ، ووكل إلى أمانته ، فإن شوهد آكلا عزر ، ولم يقتل .
وأما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=2650ترك الزكاة فلا يقتل بها وتؤخذ إجبارا من ماله ، ويعزر إن كتمها بغير شبهة ، وإن تعذر أخذها لامتناعه حورب عليها وإن أفضى الحرب إلى قتله حتى تؤخذ منه كما حارب
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق مانعي الزكاة .
وأما الحج ففرضه عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على التراخي ما بين الاستطاعة والموت ، فلا يتصور على مذهبه تأخيره عن وقته ، وهو عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة على الفور ،
[ ص: 278 ] فيتصور على مذهبه تأخيره عن وقته ولكنه لا يقتل به ولا يعزر عليه ; لأنه يفعله بعد الوقت أداء لا قضاء ، فإن مات قبل أدائه حج عنه من رأس ماله .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=25715_25451الممتنع من حقوق الآدميين من ديون وغيرها فتؤخذ منه جبرا إن أمكن ويحبس بها إذا تعذرت إلا أن يكون بها معسرا فينظر إلى ميسرة فهذا حكم ما وجب بترك المفروضات .
وَالْحُدُودُ زَوَاجِرُ وَضَعَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - لِلرَّدْعِ عَنْ ارْتِكَابِ مَا حَظَرَ وَتَرْكِ مَا أَمَرَ
[ ص: 276 ] بِهِ لِمَا فِي الطَّمَعِ مِنْ مُغَالَبَةِ الشَّهَوَاتِ الْمُلْهِيَةِ عَنْ وَعِيدِ الْآخِرَةِ بِعَاجِلِ اللَّذَّةِ ، فَجَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ زَوَاجِرِ الْحُدُودِ مَا يَرْدَعُ بِهِ ذَا الْجَهَالَةِ حَذَرًا مِنْ أَلَمِ الْعُقُوبَةِ وَخِيفَةً مِنْ نَكَالِ الْفَضِيحَةِ لِيَكُونَ مَا حَظَرَ مِنْ مَحَارِمِهِ مَمْنُوعًا وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ فُرُوضِهِ مَتْبُوعًا فَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ أَعَمَّ وَالتَّكْلِيفُ أَتَمَّ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } : يَعْنِي فِي اسْتِنْقَاذِهِمْ مِنْ الْجَهَالَةِ ، وَإِرْشَادِهِمْ مِنْ الضَّلَالَةِ وَكَفِّهِمْ عَنْ الْمَعَاصِي وَبَعْثِهِمْ عَلَى الطَّاعَةِ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=10568_10565_26686_26687فَالزَّوَاجِرُ ضَرْبَانِ : حَدٌّ وَتَعْزِيرٌ : فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10619_25715الْحُدُودُ فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالثَّانِي : مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ ، فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28850_20551_20558الْمُخْتَصَّةُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا مَا وَجَبَ فِي تَرْكِ مَفْرُوضٍ .
وَالثَّانِي : مَا وَجَبَ فِي ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=26724_2650مَا وَجَبَ فِي تَرْكِ مَفْرُوضٍ nindex.php?page=treesubj&link=23390كَتَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا يُسْأَلُ عَنْ تَرْكِهِ لَهَا ، فَإِنْ قَالَ : لِنِسْيَانٍ أُمِرَ بِهَا قَضَاءً فِي وَقْتِ ذِكْرِهَا وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِهَا مِثْلَ وَقْتِهَا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37462مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَذَلِكَ وَقْتُهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ } .
وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23390تَرَكَهَا لِمَرَضٍ صَلَّاهَا بِحَسَبِ طَاقَتِهِ مِنْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } .
وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23391تَرَكَهَا جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا كَانَ كَافِرًا ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ إذَا
[ ص: 277 ] لَمْ يَتُبْ ، وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23392تَرَكَهَا اسْتِثْقَالًا لِفِعْلِهَا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِوُجُوبِهَا ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ فَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يُضْرَبُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَا يُقْتَلُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَصِيرُ بِتَرْكِهَا كَافِرًا يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ .
وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِهَا وَلَا يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا ، وَلَا يُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ ، فَإِنْ تَابَ وَأَجَابَ إلَى فِعْلِهَا تُرِكَ وَأُمِرَ بِهَا ، فَإِنْ قَالَ أُصَلِّيهَا فِي مَنْزِلِي وُكِّلَتْ إلَى أَمَانَتِهِ ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى فِعْلِهَا بِمَشْهَدٍ مِنْ النَّاسِ ، وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26724امْتَنَعَ مِنْ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُجِبْ إلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ قُتِلَ بِتَرْكِهَا فِي الْحَالِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَيَقْتُلُهُ بِسَيْفٍ صَبْرًا .
وَقَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَقْتُلُهُ ضَرْبًا بِالْخَشَبِ حَتَّى يَمُوتَ وَيَعْدِلَ عَنْ السَّيْفِ الْمُوَحَّى لِيَسْتَدْرِكَ التَّوْبَةَ بِتَطَاوُلِ الْمَدَى .
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ بِتَرْكِ الصَّلَوَاتِ الْفَوَائِتِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَائِهَا ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ قَتْلَهُ بِهَا كَالْمُوَقَّتَاتِ .
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهَا لِاسْتِقْرَارِهَا فِي الذِّمَّةِ بِالْفَوَاتِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ قَتْلِهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ مِنْهُمْ وَيَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=27079تَارِكُ الصِّيَامِ فَلَا يُقْتَلُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَيُحْبَسُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مُدَّةَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَيُؤَدَّبُ تَعْزِيرًا ، فَإِنْ أَجَابَ إلَى الصِّيَامِ تُرِكَ ، وَوُكِّلَ إلَى أَمَانَتِهِ ، فَإِنْ شُوهِدَ آكِلًا عُزِّرَ ، وَلَمْ يُقْتَلْ .
وَأَمَّا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=2650تَرَكَ الزَّكَاةَ فَلَا يُقْتَلُ بِهَا وَتُؤْخَذُ إجْبَارًا مِنْ مَالِهِ ، وَيُعَزَّرُ إنْ كَتَمَهَا بِغَيْرِ شُبْهَةٍ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهَا لِامْتِنَاعِهِ حُورِبَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَفْضَى الْحَرْبُ إلَى قَتْلِهِ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ كَمَا حَارَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَانِعِي الزَّكَاةِ .
وَأَمَّا الْحَجُّ فَفَرْضُهُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ عَلَى التَّرَاخِي مَا بَيْنَ الِاسْتِطَاعَةِ وَالْمَوْتِ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ عَلَى مَذْهَبِهِ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ ، وَهُوَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْفَوْرِ ،
[ ص: 278 ] فَيُتَصَوَّرُ عَلَى مَذْهَبِهِ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ أَدَاءً لَا قَضَاءً ، فَإِنَّ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ حَجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=25715_25451الْمُمْتَنِعُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ دُيُونٍ وَغَيْرِهَا فَتُؤْخَذُ مِنْهُ جَبْرًا إنْ أَمْكَنَ وَيُحْبَسُ بِهَا إذَا تَعَذَّرَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا مُعْسِرًا فَيُنْظَرُ إلَى مَيْسَرَةٍ فَهَذَا حُكْمُ مَا وَجَبَ بِتَرْكِ الْمَفْرُوضَاتِ .