فإن قلت :
nindex.php?page=treesubj&link=20191_18246فلو ترك الوعاظ الوعظ إلا عند نيل هذه الدرجة لخلت الدنيا عن الوعظ ، وخربت القلوب فأقول قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« حب الدنيا رأس كل خطيئة » . .
ولو لم يحب الناس الدنيا لهلك العالم ، وبطلت المعايش وهلكت القلوب والأبدان جميعا ، إلا أنه صلى الله عليه وسلم علم أن حب الدنيا مهلك ، وأن ذكر كونه مهلكا لا ينزع الحب من قلوب الأكثرين لا الأقلين الذين لا تخرب الدنيا بتركهم فلم يترك النصح ، وذكر ما في حب الدنيا من الخطر ولم يترك ذكره خوفا من أن يترك نفسه بالشهوات المهلكة التي سلطها الله على عباده ليسوقهم بها إلى جهنم تصديقا لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فكذلك لا تزال ألسنة الوعاظ مطلقة لحب الرياسة ولا يدعونها بقول من يقول : إن الوعظ لحب الرياسة حرام ، كما لا يدع الخلق الشرب والزنا والسرقة والرياء والظلم وسائر المعاصي يقول الله تعالى ورسوله إن ذلك حرام ، فانظر لنفسك ، وكن فارغ القلب من حديث الناس فإن الله تعالى يصلح خلقا كثيرا بإفساد شخص واحد وأشخاص
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض nindex.php?page=hadith&LINKID=908716وإن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم .
فإنما يخشى أن يفسد طريق الاتعاظ فأما أن تخرس ألسنة الوعاظ ووراءهم باعث الرياسة وحب الدنيا ، فلا يكون ذلك أبدا .
فإن قلت : فإن علم المريد هذه المكيدة من الشيطان فاشتغل بنفسه وترك النصح أو
nindex.php?page=treesubj&link=27212_19702نصح وراعى شرط الصدق والإخلاص فيه فما الذي يخاف عليه ، وما الذي بقي بين يديه من الأخطار وحبائل الاغترار فاعلم أنه بقي عليه أعظمه ، وهو أن الشيطان يقول له : قد أعجزتني وأفلت مني بذكائك وكمال عقلك وقد قدرت على جملة من الأولياء والكبراء وما قدرت عليك فما أصبرك وما أعظم عند الله قدرك ومحلك إذ قواك على قهري ، ومكنك من التفطن لجميع مداخل غروري فيصغي إليه ويصدقه
nindex.php?page=treesubj&link=18880_18866ويعجب بنفسه من فراره في الغرور كله ، فيكون إعجابه بنفسه غاية الغرور ، وهو المهلك الأكبر ، فالعجب أعظم من كل ذنب ولذلك قال الشيطان يا ابن آدم إذا ظننت أنك بعلمك تخلصت مني فبجهلك قد وقعت في حبائلي .
فَإِنْ قُلْتَ :
nindex.php?page=treesubj&link=20191_18246فَلَوْ تَرَكَ الْوُعَّاظُ الْوَعْظَ إِلَّا عِنْدَ نَيْلِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ لَخَلَتِ الدُّنْيَا عَنِ الْوَعْظِ ، وَخَرِبَتِ الْقُلُوبُ فَأَقُولُ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ » . .
وَلَوْ لَمْ يُحِبَّ النَّاسُ الدُّنْيَا لَهَلَكَ الْعَالَمُ ، وَبَطَلَتِ الْمَعَايِشُ وَهَلَكَتِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْدَانُ جَمِيعًا ، إِلَّا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا مُهْلِكٌ ، وَأَنَّ ذِكْرَ كَوْنِهِ مُهْلِكًا لَا يَنْزِعُ الْحُبَّ مِنْ قُلُوبِ الْأَكْثَرِينَ لَا الْأَقَلِّينَ الَّذِينَ لَا تَخْرُبُ الدُّنْيَا بِتَرْكِهِمْ فَلَمْ يَتْرُكِ النُّصْحَ ، وَذَكَرَ مَا فِي حُبِّ الدُّنْيَا مِنَ الْخَطَرِ وَلَمْ يَتْرُكْ ذِكْرَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتْرُكَ نَفْسَهُ بِالشَّهَوَاتِ الْمُهْلِكَةِ الَّتِي سَلَّطَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ لِيَسُوقَهُمْ بِهَا إِلَى جَهَنَّمَ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَكَذَلِكَ لَا تَزَالُ أَلْسِنَةُ الْوُعَّاظِ مُطْلَقَةً لِحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَلَا يَدَعُونَهَا بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الْوَعْظَ لِحُبِّ الرِّيَاسَةِ حَرَامٌ ، كَمَا لَا يَدَعُ الْخُلْقُ الشُّرْبَ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةَ وَالرِّيَاءَ وَالظُّلْمَ وَسَائِرَ الْمَعَاصِي يَقُولُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ إِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ ، وَكُنْ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ حَدِيثِ النَّاسِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصْلِحُ خَلْقًا كَثِيرًا بِإِفْسَادِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَأَشْخَاصٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ nindex.php?page=hadith&LINKID=908716وَإِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ .
فَإِنَّمَا يُخْشَى أَنْ يَفْسُدَ طَرِيقُ الِاتِّعَاظِ فَأَمَّا أَنْ تَخْرُسَ أَلْسِنَةُ الْوُعَّاظِ وَوَرَاءَهُمْ بَاعِثُ الرِّيَاسَةِ وَحُبُّ الدُّنْيَا ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا .
فَإِنْ قُلْتَ : فَإِنْ عَلِمَ الْمُرِيدُ هَذِهِ الْمَكِيدَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَاشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ النُّصْحَ أَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=27212_19702نَصَحَ وَرَاعَى شَرْطَ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهِ فَمَا الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ ، وَمَا الَّذِي بَقِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْأَخْطَارِ وَحَبَائِلِ الِاغْتِرَارِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ أَعْظَمُهُ ، وَهُوَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَقُولُ لَهُ : قَدْ أَعْجَزْتَنِي وَأَفْلَتَّ مِنِّي بِذَكَائِكَ وَكَمَالِ عَقْلِكَ وَقَدْ قَدَرْتَ عَلَى جُمْلَةٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْكُبَرَاءِ وَمَا قَدَرَتْ عَلَيْكَ فَمَا أَصْبَرَكَ وَمَا أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرَكَ وَمَحَلَّكَ إِذْ قَوَّاكَ عَلَى قَهْرِي ، وَمَكَّنَكَ مِنَ التَّفَطُّنِ لِجَمِيعِ مَدَاخِلِ غُرُورِي فَيَصْغِي إِلَيْهِ وَيُصَدِّقُهُ
nindex.php?page=treesubj&link=18880_18866وَيُعْجَبُ بِنَفْسِهِ مِنْ فِرَارِهِ فِي الْغُرُورِ كُلِّهِ ، فَيَكُونُ إِعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ غَايَةَ الْغُرُورِ ، وَهُوَ الْمَهْلَكُ الْأَكْبَرُ ، فَالْعُجْبُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا ظَنَنْتَ أَنَّكَ بِعِلْمِكَ تَخَلَّصْتَ مِنِّي فَبِجَهْلِكَ قَدْ وَقَعْتَ فِي حَبَائِلِي .