الآية الثالثة
قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } .
فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : في
nindex.php?page=treesubj&link=26107وجه نزولها :
فيه ستة أقوال :
الأول : {
أنها نزلت مخصوصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح امرأة يقال لها أم مهزول ، كانت من بغايا الزانيات ، وشرطت له أن تنفق عليه ، فأنزل الله هذه الآية } ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد .
الثاني : أنها نزلت في شأن رجل يقال له
مرثد بن أبي مرثد ، وكان رجلا يحمل الأسرى من
مكة حتى يأتي بهم
المدينة قال : وكانت امرأة بغي
بمكة يقال لها
عناق ، وكانت صديقة له ، وأنه كان وعد رجلا من أسارى
مكة يحمله قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط
مكة في ليلة مقمرة .
قال : فجاءت
عناق فأبصرت
[ ص: 337 ] سواد ظلي بجنب الحائط ، فلما انتهت إلي عرفتني ، فقالت :
مرثد ، فقلت :
مرثد ، فقالت : مرحبا وأهلا . هلم ، فبت عندنا الليلة ، فقلت : يا
عناق ; إن الله حرم الزنا قالت : يا أهل الخيام ; هذا الرجل يحمل أسراكم ، فتبعني ثمانية ، وسلكت الخندمة ، فانتهيت إلى غار ، فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي ، فبالوا فتطاير بولهم على رأسي ، وعماهم الله عني . قال : ثم رجعوا ، ورجعت إلى صاحبي فحملته ، وكان رجلا ثقيلا ، حتى انتهيت إلى الإذخر ، ففككت عنه كبله ، فجعلت أحمله ، ويعينني ، حتى قدمت
المدينة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنكح
عناقا ، فأمسك رسول الله فلم يرد شيئا حتى نزلت : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14329يا مرثد ، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك إلى آخر الآية ، فلا تنكحها } .
الثالث : أنها نزلت في
أهل الصفة ، وكانوا قوما من
المهاجرين لم يكن لهم
بالمدينة مساكن ولا عشائر ، فنزلوا صفة المسجد ، وكانوا أربعمائة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ، ويأوون إلى الصفة بالليل ، وكان
بالمدينة بغايا متعالنات بالفجور ، مخاصيب بالكسوة والطعام ، فهم
أهل الصفة أن يتزوجوهن ، فيأووا إلى مساكنهن ، ويأكلوا من طعامهن وكسوتهن ، فنزلت فيهم هذه الآية ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12509ابن أبي صالح .
وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، وزاد : أنهن كن يدعين الجهنميات ، نسبة إلى جهنم .
الرابع : معناه الزاني لا يزني إلا بزانية ، والزانية لا تزني إلا بزان وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
الخامس : أنها مخصوصة في الزاني لا ينكح إلا زانية محدودة ، ولا ينكح الزانية المحدودة إلا زان روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=35والحسن وغيرهما .
السادس : أنه عام في تحريم
nindex.php?page=treesubj&link=26107نكاح الزانية على العفيف ، والعفيف على الزانية .
[ ص: 338 ] المسألة الثانية :
هذه الآية من مشكلات القرآن من وجهين :
أحدهما : أن هذه صيغة الخبر ، وهو على معناه ، كما بيناه في غير موضع وشرحناه ، ردا على من يقول : إن الخبر يرد بمعنى الأمر ; وذلك أن الله أخبر أن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة . ونحن نرى الزاني ينكح العفيفة .
وقال أيضا : والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ، ونحن نرى الزانية ينكحها العفيف ، فكيف يوجد خلاف ما أخبر الله به عنه ؟ وخبره صدق ، وقوله حق لا يجوز أن يوجد مخبره بخلاف خبره ; ولهذا أخذ العلماء فيها مآخذ متباينة ، ولم أسمع
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك فيها كلاما . وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود يرى أن الرجل إذا زنى بالمرأة ثم نكحها أنهما زانيان ، ما عاشا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " أوله سفاح وآخره نكاح " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مثله . وقال : " هذا مثل رجل سرق ثمرة ثم اشتراها " ، وأخذ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بقول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، فرأى أنه لا ينكحها حتى يستبرئها من مائه الفاسد .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة أن ذلك الماء لا حرمة له ، ورأى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن
nindex.php?page=treesubj&link=26704_11000ماء الزنا وإن كان لا حرمة له ، فماء النكاح له حرمة ، ومن حرمته ألا يصب على ماء السفاح ، فيخلط الحرام بالحلال ، ويمزج ماء المهانة بماء العزة ; فكان نظر
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أشد من نظر سائر فقهاء الأمصار .
المسألة الثالثة : في التنقيح :
وأما من قال : إنها نزلت في البغايا فظاهر في الرواية . وأما من قال : إن الزاني المحدود وهو الذي ثبت زناه لا ينكح إلا زانية محدودة ، فكذلك روي عن
الحسن ، وأسنده قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا . وهل يصح أن يوقف نكاح من حد من الرجال على نكاح من حد من النساء ; فبأي أثر يكون ذلك أو على أي أصل يقاس من الشريعة ؟
[ ص: 339 ] والذي عندي أن النكاح لا يخلو من أن يراد به الوطء ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أو العقد ؟ فإن أريد به الوطء فإن معناه لا يكون زنا إلا بزانية ، وذلك عبارة عن أن الوطأين من الرجل والمرأة زنا من الجهتين ، ويكون تقدير الآية وطء الزنا لا يقع إلا من زان أو مشرك ، وهذا يؤثر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ; وهو معنى صحيح .
فإن قيل : وأي فائدة فيه ؟ وكذلك هو .
قلنا : علمناه كذلك من هذا القول ، فهو أحد أدلته .
فإن قيل : فإذا بالغ زنى بصبية أو عاقل بمجنونة ، أو مستيقظ بنائمة ، فإن ذلك من جهة الرجل زنا ، ولا يكون ذلك من جهة المرأة زنا ، فهذا زان ينكح غير زانية ، فيخرج المراد عن بابه الذي تقدم .
قلنا : هو زنا من كل جهة ، إلا أن أحدهما سقط فيه الحد ، والآخر ثبت فيه الحد ، وإن أردنا به العقد كان معناه أن يتزوج الزانية زان ، أو يتزوج زان الزانية ، وتزويج الزانية يكون على وجهين : أحدهما : ورحمها مشغول بالماء الفاسد .
الثاني : أن تكون قد استبرئت .
فإن كان رحمها مشغولا بالماء فلا يجوز نكاحها ، فإن فعل فهو زنا ، لكن لا حد عليه ، لاختلاف العلماء فيه . وأما إن استبرئت فذلك جائز إجماعا .
وقد ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : بينما
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق في المسجد إذ جاء رجل فلاث عليه لوثا من كلام وهو دهش ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر : " قم فانظر في شأنه ، فإن له شأنا " . فقام إليه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فقال : " إن ضيفا ضافه فزنى بابنته " فضرب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في صدره . وقال : " قبحك الله ، ألا سترت على ابنتك " ، فأمر بهما
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر فضربا الحد ، ثم زوج أحدهما الآخر ، ثم أمر بهما أن يغربا حولا .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع أن رجلا استكره جارية فافتضها ، فجلده
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر ، ولم يجلدها ، ونفاه سنة ، ثم جاء فزوجه إياها بعد ذلك ، وجلده
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ونفى أحدهما إلى
خيبر ، والآخر إلى
فدك .
[ ص: 340 ]
وروى
الزهري أن رجلا فجر بامرأة وهما بكران ، فجلدهما
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر ، ونفاهما ، ثم زوجه إياها من بعد الحول . وهذا أقرب إلى الصواب وأشبه بالنظر ، وهو أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=26107الزواج بعد تمام التغريب وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك . قال : نسخت هذه الآية الآية التي بعدها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم }
، وقد بينا في القسم الثاني من الناسخ والمنسوخ من علوم القرآن أن هذا ليس بنسخ ، وإنما هو تخصيص عام وبيان لمحتمل ، كما تقتضيه الألفاظ وتوجيه لأصول ، من فسر النكاح بالوطء أو بالعقد وتركيب المعنى عليه . والله أعلم .
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ
قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26107وَجْهِ نُزُولِهَا :
فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : {
أَنَّهَا نَزَلَتْ مَخْصُوصَةً فِي رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ مَهْزُولٍ ، كَانَتْ مِنْ بَغَايَا الزَّانِيَاتِ ، وَشَرَطَتْ لَهُ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ } ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ .
الثَّانِي : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ
مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ ، وَكَانَ رَجُلًا يَحْمِلُ الْأَسْرَى مِنْ
مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمْ
الْمَدِينَةَ قَالَ : وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ
بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا
عَنَاقُ ، وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ ، وَأَنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلًا مِنْ أَسَارَى
مَكَّةَ يَحْمِلُهُ قَالَ : فَجِئْت حَتَّى انْتَهَيْت إلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ
مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ .
قَالَ : فَجَاءَتْ
عَنَاقُ فَأَبْصَرْت
[ ص: 337 ] سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ ، فَلَمَّا انْتَهَتْ إلَيَّ عَرَفَتْنِي ، فَقَالَتْ :
مَرْثَدٌ ، فَقُلْت :
مَرْثَدٌ ، فَقَالَتْ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا . هَلُمَّ ، فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ ، فَقُلْت : يَا
عَنَاقُ ; إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا قَالَتْ : يَا أَهْلَ الْخِيَامِ ; هَذَا الرَّجُلُ يَحْمِلُ أَسْرَاكُمْ ، فَتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ ، وَسَلَكْت الْخَنْدَمَةَ ، فَانْتَهَيْت إلَى غَارٍ ، فَدَخَلْت فَجَاءُوا حَتَّى قَامُوا عَلَى رَأْسِي ، فَبَالُوا فَتَطَايَرَ بَوْلُهُمْ عَلَى رَأْسِي ، وَعَمَّاهُمْ اللَّهُ عَنِّي . قَالَ : ثُمَّ رَجَعُوا ، وَرَجَعْت إلَى صَاحِبِي فَحَمَلْتُهُ ، وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا ، حَتَّى انْتَهَيْت إلَى الْإِذْخِرِ ، فَفَكَكْت عَنْهُ كَبْلَهُ ، فَجَعَلْت أَحْمِلَهُ ، وَيُعِينُنِي ، حَتَّى قَدِمْت
الْمَدِينَةَ ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْكِحُ
عَنَاقًا ، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14329يَا مَرْثَدُ ، الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ إلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَلَا تَنْكِحْهَا } .
الثَّالِثُ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
أَهْلِ الصُّفَّةِ ، وَكَانُوا قَوْمًا مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ
بِالْمَدِينَةِ مَسَاكِنُ وَلَا عَشَائِرُ ، فَنَزَلُوا صُفَّةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ يَلْتَمِسُونَ الرِّزْقَ بِالنَّهَارِ ، وَيَأْوُونَ إلَى الصُّفَّةِ بِاللَّيْلِ ، وَكَانَ
بِالْمَدِينَةِ بَغَايَا مُتَعَالِنَاتٌ بِالْفُجُورِ ، مَخَاصِيبُ بِالْكِسْوَةِ وَالطَّعَامِ ، فَهَمَّ
أَهْلُ الصُّفَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجُوهُنَّ ، فَيَأْوُوا إلَى مَسَاكِنِهِنَّ ، وَيَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِهِنَّ وَكِسْوَتِهِنَّ ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12509ابْنُ أَبِي صَالِحٍ .
وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ ، وَزَادَ : أَنَّهُنَّ كُنَّ يُدْعَيْنَ الْجَهَنَّمِيَّاتُ ، نِسْبَةً إلَى جَهَنَّمَ .
الرَّابِعُ : مَعْنَاهُ الزَّانِي لَا يَزْنِي إلَّا بِزَانِيَةٍ ، وَالزَّانِيَةُ لَا تَزْنِي إلَّا بِزَانٍ وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
الْخَامِسُ : أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً مَحْدُودَةً ، وَلَا يَنْكِحُ الزَّانِيَةَ الْمَحْدُودَةَ إلَّا زَانٍ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=35وَالْحَسَنِ وَغَيْرهمَا .
السَّادِسُ : أَنَّهُ عَامٌّ فِي تَحْرِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=26107نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى الْعَفِيفِ ، وَالْعَفِيفِ عَلَى الزَّانِيَةِ .
[ ص: 338 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْقُرْآنِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذِهِ صِيغَةُ الْخَبَرِ ، وَهُوَ عَلَى مَعْنَاهُ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَشَرَحْنَاهُ ، رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ : إنَّ الْخَبَرَ يَرِدُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً . وَنَحْنُ نَرَى الزَّانِيَ يَنْكِحُ الْعَفِيفَةَ .
وَقَالَ أَيْضًا : وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ، وَنَحْنُ نَرَى الزَّانِيَةَ يَنْكِحُهَا الْعَفِيفُ ، فَكَيْفَ يُوجَدُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ ؟ وَخَبَرُهُ صِدْقٌ ، وَقَوْلُهُ حَقٌّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ مُخْبِرُهُ بِخِلَافِ خَبَرِهِ ; وَلِهَذَا أَخَذَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا مَآخِذَ مُتَبَايِنَةً ، وَلَمْ أَسْمَعْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867لِمَالِكٍ فِيهَا كَلَامًا . وَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا زَنَى بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ نَكَحَهَا أَنَّهُمَا زَانِيَانِ ، مَا عَاشَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : " أَوَّلُهُ سِفَاحٌ وَآخِرُهُ نِكَاحٌ " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ مِثْلَهُ . وَقَالَ : " هَذَا مِثْلُ رَجُلٍ سَرَقَ ثَمَرَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا " ، وَأَخَذَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَرَأَى أَنَّهُ لَا يَنْكِحُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ لَا حُرْمَةَ لَهُ ، وَرَأَى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26704_11000مَاءَ الزِّنَا وَإِنْ كَانَ لَا حُرْمَةَ لَهُ ، فَمَاءُ النِّكَاحِ لَهُ حُرْمَةٌ ، وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يُصَبَّ عَلَى مَاءِ السِّفَاحِ ، فَيُخْلَطُ الْحَرَامُ بِالْحَلَالِ ، وَيُمْزَجُ مَاءُ الْمَهَانَةِ بِمَاءِ الْعِزَّةِ ; فَكَانَ نَظَرُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ أَشَدَّ مِنْ نَظَرِ سَائِرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي التَّنْقِيحِ :
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْبَغَايَا فَظَاهِرٌ فِي الرِّوَايَةِ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ الزَّانِيَ الْمَحْدُودَ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ زِنَاهُ لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً مَحْدُودَةً ، فَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ
الْحَسَنِ ، وَأَسْنَدَهُ قَوْمٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا مَعْنًى لَا يَصِحُّ نَظَرًا كَمَا لَمْ يَثْبُتْ نَقْلًا . وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُوقَفَ نِكَاحُ مَنْ حُدَّ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى نِكَاحِ مَنْ حُدَّ مِنْ النِّسَاءِ ; فَبِأَيِّ أَثَرٍ يَكُونُ ذَلِكَ أَوْ عَلَى أَيِّ أَصْلٍ يُقَاسُ مِنْ الشَّرِيعَةِ ؟
[ ص: 339 ] وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْوَطْءُ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، أَوْ الْعَقْدُ ؟ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَطْءُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا يَكُونُ زِنًا إلَّا بِزَانِيَةٍ ، وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنَّ الْوَطْأَيْنِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ زِنًا مِنْ الْجِهَتَيْنِ ، وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ وَطْءَ الزِّنَا لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ ، وَهَذَا يُؤْثَرُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ; وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ .
فَإِنْ قِيلَ : وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِيهِ ؟ وَكَذَلِكَ هُوَ .
قُلْنَا : عَلِمْنَاهُ كَذَلِكَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ ، فَهُوَ أَحَدُ أَدِلَّتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا بَالِغٌ زَنَى بِصَبِيَّةٍ أَوْ عَاقِلٌ بِمَجْنُونَةٍ ، أَوْ مُسْتَيْقِظٌ بِنَائِمَةٍ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ زِنًا ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ زِنًا ، فَهَذَا زَانٍ يَنْكِحُ غَيْرَ زَانِيَةٍ ، فَيَخْرُجُ الْمُرَادُ عَنْ بَابِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ .
قُلْنَا : هُوَ زِنًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ ، وَالْآخَرُ ثَبَتَ فِيهِ الْحَدُّ ، وَإِنْ أَرَدْنَا بِهِ الْعَقْدَ كَانَ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الزَّانِيَةَ زَانٍ ، أَوْ يَتَزَوَّجَ زَانٍ الزَّانِيَةَ ، وَتَزْوِيجُ الزَّانِيَةِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَرَحِمُهَا مَشْغُولٌ بِالْمَاءِ الْفَاسِدِ .
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ قَدْ اُسْتُبْرِئَتْ .
فَإِنْ كَانَ رَحِمُهَا مَشْغُولًا بِالْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ زِنًا ، لَكِنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ . وَأَمَّا إنْ اُسْتُبْرِئَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ إجْمَاعًا .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : بَيْنَمَا
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْمَسْجِدِ إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَاثَ عَلَيْهِ لَوْثًا مِنْ كَلَامٍ وَهُوَ دَهِشٌ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2لِعُمَرَ : " قُمْ فَانْظُرْ فِي شَأْنِهِ ، فَإِنَّ لَهُ شَأْنًا " . فَقَامَ إلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ ، فَقَالَ : " إنَّ ضَيْفًا ضَافَهُ فَزَنَى بِابْنَتِهِ " فَضَرَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ فِي صَدْرِهِ . وَقَالَ : " قَبَّحَكَ اللَّهُ ، أَلَا سَتَرْتَ عَلَى ابْنَتِكَ " ، فَأَمَرَ بِهِمَا
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ فَضُرِبَا الْحَدَّ ، ثُمَّ زَوَّجَ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمَا أَنْ يُغَرَّبَا حَوْلًا .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً فَافْتَضَّهَا ، فَجَلَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ ، وَلَمْ يَجْلِدْهَا ، وَنَفَاهُ سَنَةً ، ثُمَّ جَاءَ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بَعْد ذَلِكَ ، وَجَلَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ وَنَفَى أَحَدَهُمَا إلَى
خَيْبَرَ ، وَالْآخَرُ إلَى
فَدَكَ .
[ ص: 340 ]
وَرَوَى
الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَجُلًا فَجَرَ بِامْرَأَةٍ وَهُمَا بِكْرَانِ ، فَجَلَدَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ ، وَنَفَاهُمَا ، ثُمَّ زَوَّجَهُ إيَّاهَا مِنْ بَعْدِ الْحَوْلِ . وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَأَشْبَهُ بِالنَّظَرِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=26107الزَّوَاجُ بَعْدَ تَمَامِ التَّغْرِيبِ وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ . قَالَ : نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ }
، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْصِيصٌ عَامٌّ وَبَيَانٌ لِمُحْتَمَلٍ ، كَمَا تَقْتَضِيهِ الْأَلْفَاظُ وَتَوْجِيهٌ لِأُصُولٍ ، مَنْ فَسَّرَ النِّكَاحَ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْعَقْدِ وَتَرْكِيبُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .