nindex.php?page=treesubj&link=28988قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها فيه خمس مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37ولا تمش في الأرض مرحا هذا
nindex.php?page=treesubj&link=18459_32633نهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع . والمرح : شدة الفرح . وقيل : التكبر في المشي . وقيل : تجاوز الإنسان قدره . وقال
قتادة : هو الخيلاء في المشي . وقيل : هو البطر والأشر . وقيل : هو النشاط وهذه الأقوال متقاربة ولكنها منقسمة قسمين : أحدهما مذموم والآخر محمود ; فالتكبر والبطر والخيلاء وتجاوز الإنسان قدره مذموم والفرح والنشاط محمود . وقد وصف الله - تعالى - نفسه بأحدهما ; ففي الحديث الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=835520لله أفرح بتوبة العبد من رجل . . . الحديث . والكسل مذموم
[ ص: 235 ] شرعا والنشاط ضده .
nindex.php?page=treesubj&link=18688وقد يكون التكبر وما في معناه محمودا ، وذلك على أعداء الله والظلمة . أسند
nindex.php?page=showalam&ids=13053أبو حاتم بن حبان عن
ابن جابر بن عتيك عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839706من الغيرة ما يبغض الله - عز وجل - ومنها ما يحب الله - عز وجل - ومن الخيلاء ما يحب الله - عز وجل - ومنها ما يبغض الله فأما الغيرة التي يحب الله الغيرة في الدين والغيرة التي يبغض الله الغيرة في غير دينه والخيلاء التي يحب الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة والاختيال الذي يبغض الله الخيلاء في الباطل وأخرجه
أبو داود في مصنفه وغيره . وأنشدوا :
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا فكم تحتها قوم همو منك أرفع وإن كنت في عز وحرز ومنعة
فكم مات من قوم همو منك أمنع
الثانية : إقبال الإنسان على الصيد ونحوه ترفعا دون حاجة إلى ذلك داخل في هذه الآية ، وفيه تعذيب الحيوان وإجراؤه لغير معنى . وأما الرجل يستريح في اليوم النادر والساعة من يومه ، ويجم فيها نفسه في التطرح والراحة ليستعين بذلك على شغل من البر ، كقراءة علم أو صلاة ، فليس بداخل في هذه الآية .
قوله تعالى : مرحا قراءة الجمهور بفتح الراء . وقراءة فرقة فيما حكى
يعقوب بكسر الراء على بناء اسم الفاعل . والأول أبلغ ، فإن قولك : جاء زيد ركضا أبلغ من قولك : جاء زيد راكضا ; فكذلك قولك مرحا . والمرح المصدر أبلغ من أن يقال مرحا .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37إنك لن تخرق الأرض يعني لن تتولج باطنها فتعلم ما فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37ولن تبلغ الجبال طولا أي لن تساوي الجبال بطولك ولا تطاولك . ويقال : خرق الثوب أي شقه ، وخرق الأرض قطعها . والخرق : الواسع من الأرض . أي لن تخرق الأرض بكبرك ومشيك عليها . ولن تبلغ الجبال طولا بعظمتك ، أي بقدرتك لا تبلغ هذا المبلغ ، بل أنت عبد ذليل ، محاط بك من تحتك ومن فوقك ، والمحاط محصور ضعيف ، فلا يليق بك التكبر .
والمراد بخرق الأرض هنا نقبها لا قطعها بالمسافة ; والله أعلم . وقال
الأزهري : معناه لن تقطعها .
النحاس : وهذا أبين ; لأنه مأخوذ من الخرق وهي الصحراء الواسعة . ويقال : فلان
[ ص: 236 ] أخرق من فلان ، أي أكثر سفرا وعزة ومنعة . ويروى أن
سبأ دوخ الأرض بأجناده شرقا وغربا وسهلا وجبلا ، وقتل سادة وسبى - وبه سمي
سبأ - ودان له الخلق ، فلما رأى ذلك انفرد عن أصحابه ثلاثة أيام ثم خرج إليهم فقال : إني لما نلت ما لم ينل أحد رأيت الابتداء بشكر هذه النعم ، فلم أر أوقع في ذلك من السجود للشمس إذا أشرقت ، فسجدوا لها ، وكان ذلك أول عبادة الشمس ; فهذه عاقبة الخيلاء والتكبر والمرح ; نعوذ بالله من ذلك .
الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك إشارة إلى جملة ما تقدم ذكره مما أمر به ونهى عنه . ذلك يصلح للواحد والجمع والمؤنث والمذكر . وقرأ
عاصم وابن عامر وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ومسروق سيئه على إضافة سيئ إلى الضمير ، ولذلك قال : مكروها نصب على خبر كان . والسيء : هو المكروه ، وهو الذي لا يرضاه الله - عز وجل - ولا يأمر به . وقد ذكر الله - سبحانه وتعالى - في هذه الآي من قوله : وقضى ربك - إلى قوله - " كان سيئه " مأمورات بها ومنهيات عنها ، فلا يخبر عن الجميع بأنه سيئة فيدخل المأمور به في المنهي عنه . واختار هذه القراءة
أبو عبيد . ولأن في قراءة
أبي " كل ذلك كان سيئاته " فهذه لا تكون إلا للإضافة . وقرأ
ابن كثير ونافع وأبو عمرو سيئة بالتنوين ; أي
nindex.php?page=treesubj&link=28097كل ما نهى الله ورسوله عنه سيئة . وعلى هذا انقطع الكلام عند قوله : وأحسن تأويلا ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم ، ولا تمش ، ثم قال : كل ذلك كان سيئة بالتنوين . وقيل : إن قوله ولا تقتلوا أولادكم إلى هذه الآية كان سيئة لا حسنة فيه ، فجعلوا كلا محيطا بالمنهي عنه دون غيره . وقوله : مكروها ليس نعتا لسيئة ، بل هو بدل منه ; والتقدير : كان سيئة وكان مكروها . وقد قيل : إن مكروها خبر ثان لكان حمل على لفظه كل ، و " سيئة " محمول على المعنى في جميع هذه الأشياء المذكورة قبل . وقال بعضهم : وهو نعت لسيئة ; لأنه لما كان تأنيثها غير حقيقي جاز أن توصف بمذكر . وضعف
أبو علي الفارسي هذا وقال : إن المؤنث إذا ذكر فإنما ينبغي أن يكون ما بعده مذكرا ، وإنما التساهل أن يتقدم الفعل المسند إلى المؤنث وهو في صيغة ما يسند إلى المذكر ; ألا ترى قول الشاعر :
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
مستقبح عندهم . ولو قال قائل : أبقل أرض لم يكن قبيحا . قال
أبو علي : ولكن يجوز في قوله مكروها أن يكون بدلا من " سيئة " . ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في عند ربك ويكون عند ربك في موضع الصفة لسيئة .
[ ص: 237 ] الخامسة : استدل العلماء بهذه الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=24427ذم الرقص وتعاطيه . قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13372أبو الوفاء ابن عقيل : قد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37ولا تمش في الأرض مرحا وذم المختال . والرقص أشد المرح والبطر . أولسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسكر ، فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما . فما أقبح من ذي لحية ، وكيف إذا كان شيبة ، يرقص ويصفق على إيقاع الألحان والقضبان ، وخصوصا إن كانت أصوات لنسوان ومردان ، وهل يحسن لمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط ، ثم هو إلى إحدى الدارين ، يشمس بالرقص شمس البهائم ، ويصفق تصفيق النسوان ، ولقد رأيت مشايخ في عمري ما بان لهم سن من التبسم فضلا عن الضحك مع إدمان مخالطتي لهم وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله - : ولقد حدثني بعض المشايخ عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي - رضي الله عنه - أنه قال : الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا باللعب . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في [ الكهف ] وغيرها إن شاء الله - تعالى - .
nindex.php?page=treesubj&link=28988قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=18459_32633نَهْيٌ عَنِ الْخُيَلَاءِ وَأَمْرٌ بِالتَّوَاضُعِ . وَالْمَرَحُ : شِدَّةُ الْفَرَحِ . وَقِيلَ : التَّكَبُّرُ فِي الْمَشْيِ . وَقِيلَ : تَجَاوُزُ الْإِنْسَانِ قَدْرَهُ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : هُوَ الْخُيَلَاءُ فِي الْمَشْيِ . وَقِيلَ : هُوَ الْبَطَرُ وَالْأَشَرُ . وَقِيلَ : هُوَ النَّشَاطُ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ وَلَكِنْهَا مُنْقَسِمَةٌ قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَذْمُومٌ وَالْآخَرُ مَحْمُودٌ ; فَالتَّكَبُّرُ وَالْبَطَرُ وَالْخُيَلَاءُ وَتَجَاوُزُ الْإِنْسَانِ قَدْرَهُ مَذْمُومٌ وَالْفَرَحُ وَالنَّشَاطُ مَحْمُودٌ . وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ - تَعَالَى - نَفْسَهُ بِأَحَدِهِمَا ; فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=835520لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ رَجُلٍ . . . الْحَدِيثَ . وَالْكَسَلُ مَذْمُومٌ
[ ص: 235 ] شَرْعًا وَالنَّشَاطُ ضِدُّهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=18688وَقَدْ يَكُونُ التَّكَبُّرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مَحْمُودًا ، وَذَلِكَ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَالظَّلَمَةِ . أَسْنَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13053أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانٍ عَنِ
ابْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839706مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمِنْهَا مَا يُحِبُّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمِنَ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ الْغَيْرَةُ فِي الدِّينِ وَالْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ الْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ دِينِهِ وَالْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُبْغِضُ اللَّهُ الْخُيَلَاءُ فِي الْبَاطِلِ وَأَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ فِي مُصَنَّفِهِ وَغَيْرِهِ . وَأَنْشَدُوا :
وَلَا تَمْشِ فَوْقَ الْأَرْضِ إِلَّا تَوَاضُعًا فَكَمْ تَحْتَهَا قَوْمٌ هُمُو مِنْكَ أَرْفَعُ وَإِنْ كُنْتَ فِي عِزٍّ وَحِرْزٍ وَمَنْعَةٍ
فَكَمْ مَاتَ مِنْ قَوْمٍ هُمُو مِنْكَ أَمْنَعُ
الثَّانِيَةُ : إِقْبَالُ الْإِنْسَانِ عَلَى الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ تَرَفُّعًا دُونَ حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَفِيهِ تَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ وَإِجْرَاؤُهُ لِغَيْرِ مَعْنًى . وَأَمَّا الرَّجُلُ يَسْتَرِيحُ فِي الْيَوْمِ النَّادِرِ وَالسَّاعَةِ مِنْ يَوْمِهِ ، وَيُجِمُّ فِيهَا نَفْسَهُ فِي التَّطَرُّحِ وَالرَّاحَةِ لِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى شُغْلٍ مِنَ الْبِرِّ ، كَقِرَاءَةِ عِلْمٍ أَوْ صَلَاةٍ ، فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : مَرَحًا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ الرَّاءِ . وَقِرَاءَةُ فِرْقَةٍ فِيمَا حَكَى
يَعْقُوبُ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى بِنَاءِ اسْمِ الْفَاعِلِ . وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ ، فَإِنَّ قَوْلَكَ : جَاءَ زَيْدٌ رَكْضًا أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِكَ : جَاءَ زَيْدٌ رَاكِضًا ; فَكَذَلِكَ قَوْلُكَ مَرَحًا . وَالْمَرَحُ الْمَصْدَرُ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ مَرِحًا .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ يَعْنِي لَنْ تَتَوَلَّجَ بَاطِنَهَا فَتَعْلَمَ مَا فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا أَيْ لَنْ تُسَاوِيَ الْجِبَالَ بِطُولِكَ وَلَا تَطَاوُلِكَ . وَيُقَالُ : خَرَقَ الثَّوْبَ أَيْ شَقَّهُ ، وَخَرَقَ الْأَرْضَ قَطَعَهَا . وَالْخَرْقُ : الْوَاسِعُ مِنَ الْأَرْضِ . أَيْ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بِكِبْرِكَ وَمَشْيِكَ عَلَيْهَا . وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا بِعَظَمَتِكَ ، أَيْ بِقُدْرَتِكَ لَا تَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ ، بَلْ أَنْتَ عَبْدٌ ذَلِيلٌ ، مُحَاطٌ بِكَ مِنْ تَحْتِكَ وَمِنْ فَوْقِكَ ، وَالْمُحَاطُ مَحْصُورٌ ضَعِيفٌ ، فَلَا يَلِيقُ بِكَ التَّكَبُّرُ .
وَالْمُرَادُ بِخَرْقِ الْأَرْضِ هُنَا نَقْبُهَا لَا قَطْعُهَا بِالْمَسَافَةِ ; وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَالَ
الْأَزْهَرِيُّ : مَعْنَاهُ لَنْ تَقْطَعَهَا .
النَّحَّاسُ : وَهَذَا أَبْيَنُ ; لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَرْقِ وَهِيَ الصَّحْرَاءُ الْوَاسِعَةُ . وَيُقَالُ : فُلَانٌ
[ ص: 236 ] أَخْرَقُ مِنْ فُلَانٍ ، أَيْ أَكْثَرُ سَفَرًا وَعِزَّةً وَمَنَعَةً . وَيُرْوَى أَنَّ
سَبَأً دَوَّخَ الْأَرْضَ بِأَجْنَادِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا وَسَهْلًا وَجَبَلًا ، وَقَتَلَ سَادَةً وَسَبَى - وَبِهِ سُمِّيَ
سَبَأٌ - وَدَانَ لَهُ الْخَلْقُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْفَرَدَ عَنْ أَصْحَابِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : إِنِّي لَمَّا نِلْتُ مَا لَمْ يَنَلْ أَحَدٌ رَأَيْتُ الِابْتِدَاءَ بِشُكْرِ هَذِهِ النِّعَمِ ، فَلَمْ أَرَ أَوْقَعَ فِي ذَلِكَ مِنَ السُّجُودِ لِلشَّمْسِ إِذَا أَشْرَقَتْ ، فَسَجَدُوا لَهَا ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ عِبَادَةِ الشَّمْسِ ; فَهَذِهِ عَاقِبَةُ الْخُيَلَاءِ وَالتَّكَبُّرِ وَالْمَرَحِ ; نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ . ذَلِكَ يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ . وَقَرَأَ
عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَمَسْرُوقٌ سَيِّئُهُ عَلَى إِضَافَةِ سَيِّئٍ إِلَى الضَّمِيرِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : مَكْرُوهًا نُصِبَ عَلَى خَبَرِ كَانَ . وَالسَّيِّءُ : هُوَ الْمَكْرُوهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَا يَأْمُرُ بِهِ . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيِ مِنْ قَوْلِهِ : وَقَضَى رَبُّكَ - إِلَى قَوْلِهِ - " كَانَ سَيِّئُهُ " مَأْمُورَاتٌ بِهَا وَمُنْهَيَاتٌ عَنْهَا ، فَلَا يُخْبِرُ عَنِ الْجَمِيعِ بِأَنَّهُ سَيِّئَةٌ فَيَدْخُلُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ . وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ
أَبُو عُبَيْدٍ . وَلِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ
أُبَيٍّ " كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَاتُهُ " فَهَذِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْإِضَافَةِ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو سَيِّئَةً بِالتَّنْوِينِ ; أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=28097كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ سَيِّئَةٌ . وَعَلَى هَذَا انْقَطَعَ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ : وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، وَلَا تَمْشِ ، ثُمَّ قَالَ : كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَةً بِالتَّنْوِينِ . وَقِيلَ : إِنَّ قَوْلَهُ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ سَيِّئَةً لَا حَسَنَةَ فِيهِ ، فَجَعَلُوا كُلًّا مُحِيطًا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ . وَقَوْلُهُ : مَكْرُوهًا لَيْسَ نَعْتًا لِسَيِّئَةٍ ، بَلْ هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ ; وَالتَّقْدِيرُ : كَانَ سَيِّئَةً وَكَانَ مَكْرُوهًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَكْرُوهًا خَبَرٌ ثَانٍ لِكَانَ حُمِلَ عَلَى لَفْظِهِ كُلُّ ، وَ " سَيِّئَةٌ " مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ نَعْتٌ لِسَيِّئَةٍ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَأْنِيثُهَا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ جَازَ أَنْ تُوصَفَ بِمُذَكَّرٍ . وَضَعَّفَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ هَذَا وَقَالَ : إِنَّ الْمُؤَنَّثَ إِذَا ذُكِّرَ فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ مُذَكَّرًا ، وَإِنَّمَا التَّسَاهُلُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إِلَى الْمُؤَنَّثِ وَهُوَ فِي صِيغَةِ مَا يُسْنَدُ إِلَى الْمُذَكَّرِ ; أَلَا تَرَى قَوْلَ الشَّاعِرِ :
فَلَا مُزْنَةَ وَدَقَتْ وَدْقَهَا وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا
مُسْتَقْبَحٌ عِنْدَهُمْ . وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : أَبْقَلَ أَرْضٌ لَمْ يَكُنْ قَبِيحًا . قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : وَلَكِنْ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ مَكْرُوهًا أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ " سَيِّئَةٍ " . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي عِنْدَ رَبِّكَ وَيَكُونُ عِنْدَ رَبِّكَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِسَيِّئَةٍ .
[ ص: 237 ] الْخَامِسَةُ : اسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=24427ذَمِّ الرَّقْصِ وَتَعَاطِيهِ . قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13372أَبُو الْوَفَاءِ ابْنُ عَقِيلٍ : قَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الرَّقْصِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا وَذَمَّ الْمُخْتَالَ . وَالرَّقْصُ أَشَدُّ الْمَرَحِ وَالْبَطَرِ . أَوَلَسْنَا الَّذِينَ قِسْنَا النَّبِيذَ عَلَى الْخَمْرِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْإِطْرَابِ وَالسُّكْرِ ، فَمَا بَالُنَا لَا نَقِيسُ الْقَضِيبَ وَتَلْحِينَ الشِّعْرِ مَعَهُ عَلَى الطُّنْبُورِ وَالْمِزْمَارِ وَالطَّبْلِ لِاجْتِمَاعِهِمَا . فَمَا أَقْبَحَ مِنْ ذِي لِحْيَةٍ ، وَكَيْفَ إِذَا كَانَ شَيْبَةً ، يَرْقُصُ وَيُصَفِّقُ عَلَى إِيقَاعِ الْأَلْحَانِ وَالْقُضْبَانِ ، وَخُصُوصًا إِنْ كَانَتْ أَصْوَاتٌ لِنِسْوَانٍ وَمُرْدَانٍ ، وَهَلْ يَحْسُنُ لِمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَوْتُ وَالسُّؤَالُ وَالْحَشْرُ وَالصِّرَاطُ ، ثُمَّ هُوَ إِلَى إِحْدَى الدَّارَيْنِ ، يَشْمُسُ بِالرَّقْصِ شَمْسَ الْبَهَائِمِ ، وَيُصَفِّقُ تَصْفِيقَ النِّسْوَانِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَشَايِخَ فِي عُمْرِي مَا بَانَ لَهُمْ سِنٌّ مِنَ التَّبَسُّمِ فَضْلًا عَنِ الضَّحِكِ مَعَ إِدْمَانِ مُخَالَطَتِي لَهُمْ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَلَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : الرَّقْصُ حَمَاقَةٌ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ لَا تَزُولُ إِلَّا بِاللَّعِبِ . وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَابِ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي [ الْكَهْفِ ] وَغَيْرِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - .