[ ص: 289 ] nindex.php?page=treesubj&link=32417قصة شمويل ، وفيها بدأ أمر
داود ، عليهما السلام
هو
شمويل - ويقال :
أشمويل - بن بالى بن علقمة بن يرخام بن أليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا . قال
مقاتل : هو من ذرية
هارون . وقال
مجاهد : هو
أشمويل بن هلفاقا . ولم يرفع في نسبه أكثر من هذا ، فالله أعلم .
حكى
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي بإسناده ، عن
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وأناس من الصحابة -
والثعلبي - وغيرهم; أنه لما غلبت العمالقة من أرض
غزة وعسقلان على
بني إسرائيل ، وقتلوا منهم خلقا كثيرا ، وسبوا من أبنائهم جمعا كثيرا ، وانقطعت النبوة من سبط
لاوي ، ولم يبق فيهم إلا امرأة حبلى ، فجعلت تدعو الله عز وجل أن يرزقها ولدا ذكرا ، فولدت غلاما فسمته
أشمويل ، ومعناه بالعبرانية
إسماعيل; أي سمع الله دعائي ، فلما
[ ص: 290 ] ترعرع بعثته إلى المسجد ، وأسلمته عند رجل صالح فيه; يكون عنده ليتعلم من خيره وعبادته ، فكان عنده ، فلما بلغ أشده بينما هو ذات ليلة نائم ، إذا صوت يأتيه من ناحية المسجد ، فانتبه مذعورا فظنه الشيخ يدعوه فسأله : أدعوتني؟ فكره أن يفزعه فقال : نعم ، نم . فنام . ثم ناداه الثانية ، فكذلك ثم الثالثة ، فإذا
جبريل يدعوه ، فجاءه فقال : إن ربك قد بعثك إلى قومك . فكان من أمره معهم ما قص الله في كتابه ، قال الله تعالى في كتابه العزيز :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=250ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين [ البقرة : 246 - 251 ] .
[ ص: 291 ] قال أكثر المفسرين : كان نبي هؤلاء القوم المذكورين في هذه القصة ، هو
شمويل . وقيل :
شمعون . وقيل : هما واحد . وقيل :
يوشع . وهذا بعيد; لما ذكره الإمام
أبو جعفر بن جرير في " تاريخه " ، أن بين موت
يوشع وبعثة
شمويل أربعمائة سنة وستين سنة . فالله أعلم .
والمقصود أن هؤلاء القوم لما أنهكتهم الحروب ، وقهرهم الأعداء ، سألوا نبي الله في ذلك الزمان ، وطلبوا منه أن ينصب لهم ملكا يكونون تحت طاعته; ليقاتلوا من ورائه ومعه ، وبين يديه الأعداء ، فقال لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله أي : وأي شيء يمنعنا من القتال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا [ ص: 292 ] يقولون : نحن محروبون موتورون ، فحقيق لنا أن نقاتل عن أبنائنا المنهوبين المستضعفين فيهم ، المأسورين في قبضتهم . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين كما ذكر في آخر القصة ، أنه لم يجاوز النهر مع الملك إلا القليل ، والباقون رجعوا ونكلوا عن القتال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قال الثعلبي : وهو
طالوت بن قيس بن أفيل بن صارو بن نحورت بن أفيح بن أنيس بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل . قال
عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : كان سقاء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه كان دباغا . وقيل غير ذلك . فالله أعلم . ولهذا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال .
وقد ذكروا أن النبوة كانت في سبط لاوي ، وأن الملك كان في سبط
يهوذا ، فلما كان هذا من سبط
بنيامين ، نفروا منه ، وطعنوا في إمارته عليهم وقالوا : نحن أحق بالملك منه . وذكروا أنه فقير لا سعة من المال معه ، فكيف يكون مثل هذا ملكا؟
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم [ ص: 293 ] قيل : كان الله قد أوحى إلى
شمويل ، أن أي
بني إسرائيل كان طوله على طول هذه العصا ، وإذا حضر عندك يفور هذا القرن الذي فيه من دهن القدس ، فهو ملكهم . فجعلوا يدخلون ويقيسون أنفسهم بتلك العصا ، فلم يكن أحد منهم على طولها سوى
طالوت ، ولما حضر عند
شمويل فار ذلك القرن فدهنه منه وعينه الملك عليهم ، وقال لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم ; قيل : في أمر الحروب . وقيل : بل مطلقا . " والجسم " ; قيل : الطول . وقيل : الجمال . والظاهر من السياق أنه كان أجملهم وأعلمهم بعد نبيهم عليه السلام .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247والله يؤتي ملكه من يشاء فله الحكم ، وله الخلق والأمر
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247والله واسع عليم وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين وهذا أيضا من بركة ولاية هذا الرجل الصالح عليهم ويمنه عليهم; أن يرد الله عليهم التابوت الذي كان سلب منهم ، وقهرهم الأعداء عليه ، وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248فيه سكينة من ربكم ، قيل : طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء . وقيل : السكينة مثل الريح الخجوج . وقيل : صورتها مثل الهرة ، إذا صرخت في حال الحرب ، أيقن
بنو إسرائيل بالنصر .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون [ ص: 294 ] قيل : كان فيه رضاض الألواح وشيء من المن الذي كان ينزل عليهم بالتيه .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248تحمله الملائكة أي; تأتيكم به الملائكة يحملونه وأنتم ترون ذلك عيانا; ليكون آية لله عليكم وحجة باهرة على صدق ما أقوله لكم ، وعلى صحة ولاية هذا الملك الصالح عليكم ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين وقيل : إنه لما غلب العمالقة على هذا التابوت ، وكان فيه ما ذكر من السكينة والبقية المباركة - وقيل : كان فيه التوراة أيضا - فلما استقر في أيديهم وضعوه تحت صنم لهم بأرضهم ، فلما أصبحوا إذا التابوت على رأس الصنم فوضعوه تحته ، فلما كان اليوم الثاني إذا التابوت فوق الصنم ، فلما تكرر هذا علموا أن هذا أمر من الله تعالى فأخرجوه من بلدهم ، وجعلوه في قرية من قراهم ، فأخذهم داء في رقابهم ، فلما طال عليهم هذا جعلوه في عجلة وربطوها في بقرتين وأرسلوهما ، فيقال : إن الملائكة ساقتهما حتى جاءوا بهما ملأ
بني إسرائيل وهم ينظرون ، كما أخبرهم نبيهم بذلك . فالله أعلم على أي صفة جاءت به الملائكة ، والظاهر أن الملائكة كانت تحمله بأنفسهم ، كما هو المفهوم من الآية . والله أعلم . وإن كان الأول قد ذكره كثير من المفسرين أو أكثرهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده قال
[ ص: 295 ] ابن عباس وكثير من المفسرين : هذا النهر هو نهر
الأردن . وهو المسمى بالشريعة ، فكان من أمر
طالوت بجنوده عند هذا النهر ، عن أمر نبي الله له ، عن أمر الله له ، اختبارا وامتحانا; أن من شرب من هذا النهر اليوم فلا يصحبني في هذه الغزوة ، ولا يصحبني إلا من لم يطعمه ، إلا غرفة في يده .
nindex.php?page=treesubj&link=28973قال الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فشربوا منه إلا قليلا منهم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : كان الجيش ثمانين ألفا ، فشرب منه ستة وسبعون ألفا ، وتبقىمعه أربعة آلاف . كذا قال .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " ، من حديث
إسرائيل وزهير nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، عن
أبي إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ، قال : كنا أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم ، نتحدث أن عدة أصحاب
بدر على عدة أصحاب طالوت - الذين جاوزوا معه النهر ، ولم يجاوز معه إلا مؤمن - بضعة عشر وثلاثمائة مؤمن وقول
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن عدة الجيش كانوا ثمانين ألفا ، فيه نظر; لأن أرض
بيت المقدس لا تحتمل أن يجتمع فيها جيش مقاتلة يبلغون ثمانين ألفا . والله أعلم . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده أي; استقلوا أنفسهم واستضعفوها عن مقاومة أعدائهم بالنسبة إلى قلتهم وكثرة عدد عدوهم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين [ ص: 296 ] ; يعني : ثبتهم الشجعان منهم والفرسان أهل الإيمان والإيقان ، الصابرون على الجلاد والجدال والطعان .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=250ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين طلبوا من الله أن يفرغ عليهم الصبر; أي يغمرهم به من فوقهم ، فتستقر قلوبهم ولا تقلق ، وأن يثبت أقدامهم في مجال الحرب ، ومعترك الأبطال ، وحومة الوغى ، والدعاء إلى النزال ، فسألوا التثبت الظاهر والباطن ، وأن ينزل عليهم النصر على أعدائهم وأعدائه ، من الكافرين الجاحدين بآياته وآلائه ، فأجابهم العظيم القدير السميع البصير الحكيم الخبير إلى ما سألوا وأنالهم ما إليه فيه رغبوا ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251فهزموهم بإذن الله أي; بحول الله لا بحولهم ، وبقوة الله ونصره لا بقوتهم وعددهم ، مع كثرة أعدائهم وكمال عددهم ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء فيه دلالة على شجاعة
داود ، عليه السلام ، وأنه قتله قتلا أذل به جنده وكسر جيشه ، ولا أعظم من غزوة يقتل فيها ملك عدوه ، فيغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة ، ويأسر الأبطال
[ ص: 297 ] والشجعان والأقران ، وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان ، ويدال لأولياء الله على أعدائه ، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه . وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي فيما يرويه أن
داود ، عليه السلام ، كان أصغر أولاد أبيه ، وكانوا ثلاثة عشر ذكرا ، كان سمع
طالوت ملك
بني إسرائيل وهو يحرض
بني إسرائيل على قتل
جالوت وجنوده ، وهو يقول : من قتل
جالوت زوجته بابنتي ، وأشركته في ملكي . وكان
داود ، عليه السلام ، يرمي بالقذافة - وهو المقلاع - رميا عظيما ، فبينا هو سائر مع
بني إسرائيل إذ ناداه حجر ، أن خذني فإن بي تقتل
جالوت . فأخذه ، ثم حجر آخر كذلك ، ثم آخر كذلك ، فأخذ الثلاثة في مخلاته ، فلما تواجه الصفان ،
nindex.php?page=treesubj&link=31965برز جالوت ودعا إلى نفسه ، فتقدم إليه داود ، فقال له : ارجع ، فإني أكره قتلك . فقال : لكني أحب قتلك . وأخذ تلك الأحجار الثلاثة من مخلاته فوضعها في القذافة ثم أدارها ، فصارت الثلاثة حجرا واحدا ، ثم رمى بها جالوت ففلق رأسه ، وفر جيشه منهزما ، فوفى له
طالوت بما وعده; فزوجه ابنته وأجرى حكمه في ملكه ، وعظم
داود ، عليه السلام ، عند
بني إسرائيل ، وأحبوه ومالوا إليه أكثر من
طالوت ، فذكروا أن
طالوت حسده وأراد قتله ، واحتال على ذلك ، فلم يصل إليه ، وجعل العلماء ينهون
طالوت عن قتل
داود ، فتسلط عليهم فقتلهم ، حتى لم يبق منهم إلا القليل ، ثم حصل له توبة وندم وإقلاع عما سلف منه ، وجعل يكثر من البكاء ،
[ ص: 298 ] ويخرج إلى الجبانة فيبكي حتى يبل الثرى بدموعه ، فنودي ذات يوم من الجبانة : أن يا
طالوت ، قتلتنا ونحن أحياء ، وآذيتنا ونحن أموات . فازداد لذلك بكاؤه وخوفه ، واشتد وجله ، ثم جعل يسأل عن عالم يسأله عن أمره ، وهل له من توبة ، فقيل له : وهل أبقيت عالما؟ حتى دل على امرأة من العابدات ، فأخذته فذهبت به إلى قبر
يوشع ، عليه السلام ، قالوا : فدعت الله فقام
يوشع من قبره ، فقال : أقامت القيامة؟ فقالت : لا ولكن هذا
طالوت يسألك : هل له من توبة؟ فقال : نعم ، ينخلع من الملك ، ويذهب فيقاتل في سبيل الله حتى يقتل . ثم عاد ميتا . فترك الملك
لداود ، عليه السلام ، وذهب ومعه ثلاثة عشر من أولاده ، فقاتلوا في سبيل الله حتى قتلوا . قالوا : فذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء هكذا ذكره
ابن جرير في " تاريخه " من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي بإسناده . وفي بعض هذا نظر ونكارة . والله أعلم .
وقال
محمد بن إسحاق : النبي الذي بعث فأخبر
طالوت بتوبته ، هو
اليسع بن أخطوب . حكاه
ابن جرير أيضا . وذكر
الثعلبي أنها أتت به إلى قبر
أشمويل ، فعاتبه على ما صنع بعده من الأمور . وهذا أنسب . ولعله إنما رآه في النوم ، لا أنه قام من القبر حيا; فإن هذا إنما يكون معجزة لنبي ، وتلك المرأة لم
[ ص: 299 ] تكن نبية . والله أعلم . قال
ابن جرير : وزعم أهل التوراة أن مدة ملك
طالوت إلى أن قتل مع أولاده ، كانت أربعين سنة . فالله أعلم .
[ ص: 289 ] nindex.php?page=treesubj&link=32417قِصَّةُ شَمْوِيلَ ، وَفِيهَا بَدَأَ أَمْرُ
دَاوُدَ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ
هُوَ
شَمْوِيلُ - وَيُقَالُ :
أَشْمَوِيلُ - بْنُ بَالَى بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ يَرْخَامَ بْنِ أَلْيَهْوَ بْنِ تَهْوِ بْنِ صُوفَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ مَاحِثَ بْنِ عَمُوصَا بْنِ عِزْرِيَا . قَالَ
مُقَاتِلٌ : هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ
هَارُونَ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : هُوَ
أَشْمَوِيلُ بْنُ هَلْفَاقَا . وَلَمْ يَرْفَعْ فِي نَسَبِهِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ بِإِسْنَادِهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأُنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ -
وَالثَّعْلَبِيِّ - وَغَيْرِهِمْ; أَنَّهُ لَمَّا غَلَبَتِ الْعَمَالِقَةُ مِنْ أَرْضِ
غَزَّةَ وَعَسْقَلَانَ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا ، وَسَبَوْا مِنْ أَبْنَائِهِمْ جَمْعًا كَثِيرًا ، وَانْقَطَعَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ سِبْطِ
لَاوِي ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِمْ إِلَّا امْرَأَةٌ حُبْلَى ، فَجَعَلَتْ تَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَهَا وَلَدًا ذَكَرًا ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ
أَشْمَوِيلَ ، وَمَعْنَاهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ
إِسْمَاعِيلُ; أَيْ سَمْعِ اللَّهُ دُعَائِي ، فَلَمَّا
[ ص: 290 ] تَرَعْرَعَ بَعَثَتْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، وَأَسْلَمَتْهُ عِنْدَ رَجُلٍ صَالِحٍ فِيهِ; يَكُونُ عِنْدَهُ لِيَتَعَلَّمَ مِنْ خَيْرِهِ وَعِبَادَتِهِ ، فَكَانَ عِنْدَهُ ، فَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ بَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ ، إِذَا صَوْتٌ يَأْتِيهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، فَانْتَبَهَ مَذْعُورًا فَظَنَّهُ الشَّيْخُ يَدْعُوهُ فَسَأَلَهُ : أَدَعَوْتَنِي؟ فَكَرِهَ أَنْ يُفْزِعَهُ فَقَالَ : نَعَمْ ، نَمْ . فَنَامَ . ثُمَّ نَادَاهُ الثَّانِيَةَ ، فَكَذَلِكَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ ، فَإِذَا
جِبْرِيلُ يَدْعُوهُ ، فَجَاءَهُ فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ قَدْ بَعَثَكَ إِلَى قَوْمِكَ . فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=250وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [ الْبَقَرَةِ : 246 - 251 ] .
[ ص: 291 ] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : كَانَ نَبِيُّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ، هُوَ
شَمْوِيلَ . وَقِيلَ :
شَمْعُونُ . وَقِيلَ : هُمَا وَاحِدٌ . وَقِيلَ :
يُوشَعُ . وَهَذَا بَعِيدٌ; لِمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي " تَارِيخِهِ " ، أَنَّ بَيْنَ مَوْتِ
يُوشَعَ وَبَعْثَةِ
شَمْوِيلَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَمَّا أَنْهَكَتْهُمُ الْحُرُوبُ ، وَقَهْرَهُمُ الْأَعْدَاءُ ، سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُنَصِّبَ لَهُمْ مَلِكًا يَكُونُونَ تَحْتَ طَاعَتِهِ; لِيُقَاتِلُوا مِنْ وَرَائِهِ وَمَعَهُ ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْأَعْدَاءَ ، فَقَالَ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ : وَأَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُنَا مِنَ الْقِتَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [ ص: 292 ] يَقُولُونَ : نَحْنُ مَحْرُوبُونَ مَوْتُورُونَ ، فَحَقِيقٌ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَ عَنْ أَبْنَائِنَا الْمَنْهُوبِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِيهِمْ ، الْمَأْسُورِينَ فِي قَبْضَتِهِمْ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ ، أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزِ النَّهْرَ مَعَ الْمَلِكِ إِلَّا الْقَلِيلُ ، وَالْبَاقُونَ رَجَعُوا وَنَكَلُوا عَنِ الْقِتَالِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالَ الثَّعْلَبِيُّ : وَهُوَ
طَالُوتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَفِيلَ بْنِ صَارُو بْنِ نَحُورَتَ بْنِ أَفِيحَ بْنِ أَنِيسَ بْنِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ . قَالَ
عِكْرِمَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ : كَانَ سَقَّاءً . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ دَبَّاغًا . وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَلِهَذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ .
وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ النُّبُوَّةَ كَانَتْ فِي سِبْطِ لَاوِي ، وَأَنَّ الْمُلْكَ كَانَ فِي سِبْطِ
يَهُوذَا ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ سِبْطِ
بِنْيَامِينَ ، نَفَرُوا مِنْهُ ، وَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا : نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ . وَذَكَرُوا أَنَّهُ فَقِيرٌ لَا سِعَةَ مِنَ الْمَالِ مَعَهُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا مَلِكًا؟
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [ ص: 293 ] قِيلَ : كَانَ اللَّهُ قَدْ أَوْحَى إِلَى
شَمْوِيلَ ، أَنَّ أَيَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ طُولُهُ عَلَى طُولِ هَذِهِ الْعَصَا ، وَإِذَا حَضَرَ عِنْدَكَ يَفُورُ هَذَا الْقَرْنُ الَّذِي فِيهِ مِنْ دُهْنِ الْقُدْسِ ، فَهُوَ مِلْكُهُمْ . فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ وَيَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ بِتِلْكَ الْعَصَا ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى طُولِهَا سِوَى
طَالُوتَ ، وَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَ
شَمْوِيلَ فَارَ ذَلِكَ الْقَرْنُ فَدَهَنَهُ مِنْهُ وَعَيَّنَهُ الْمَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ ; قِيلَ : فِي أَمْرِ الْحُرُوبِ . وَقِيلَ : بَلْ مُطْلَقًا . " وَالْجِسْمِ " ; قِيلَ : الطُّولُ . وَقِيلَ : الْجَمَالُ . وَالظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّهُ كَانَ أَجْمَلَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ فَلَهُ الْحُكْمُ ، وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ بَرَكَةِ وِلَايَةِ هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ عَلَيْهِمْ وَيُمْنِهِ عَلَيْهِمْ; أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمُ التَّابُوتَ الَّذِي كَانَ سُلِبَ مِنْهُمْ ، وَقَهْرَهُمُ الْأَعْدَاءُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ كَانُوا يُنْصَرُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ بِسَبَبِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، قِيلَ : طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ كَانَ يُغْسَلُ فِيهِ صُدُورُ الْأَنْبِيَاءِ . وَقِيلَ : السِّكِّينَةُ مِثْلُ الرِّيحِ الْخَجُوجِ . وَقِيلَ : صُورَتُهَا مِثْلُ الْهِرَّةِ ، إِذَا صَرَخَتْ فِي حَالِ الْحَرْبِ ، أَيْقَنَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالنَّصْرِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ [ ص: 294 ] قِيلَ : كَانَ فِيهِ رُضَاضُ الْأَلْوَاحِ وَشَيْءٌ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ بِالتِّيهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ أَيْ; تَأْتِيكُمْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ يَحْمِلُونَهُ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ ذَلِكَ عِيَانًا; لِيَكُونَ آيَةً لِلَّهِ عَلَيْكُمْ وَحُجَّةً بَاهِرَةً عَلَى صِدْقِ مَا أَقُولُهُ لَكُمْ ، وَعَلَى صِحَّةِ وِلَايَةِ هَذَا الْمَلِكِ الصَّالِحِ عَلَيْكُمْ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمَّا غَلَبَ الْعَمَالِقَةُ عَلَى هَذَا التَّابُوتِ ، وَكَانَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنَ السِّكِّينَةِ وَالْبَقِيَّةِ الْمُبَارَكَةِ - وَقِيلَ : كَانَ فِيهِ التَّوْرَاةُ أَيْضًا - فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ وَضَعُوهُ تَحْتَ صَنَمٍ لَهُمْ بِأَرْضِهِمْ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا إِذَا التَّابُوتُ عَلَى رَأْسِ الصَّنَمِ فَوَضَعُوهُ تَحْتَهُ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي إِذَا التَّابُوتُ فَوْقَ الصَّنَمِ ، فَلَمَّا تَكَرَّرَ هَذَا عَلِمُوا أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَلَدِهِمْ ، وَجَعَلُوهُ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ ، فَأَخَذَهُمْ دَاءٌ فِي رِقَابِهِمْ ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ هَذَا جَعَلُوهُ فِي عَجَلَةٍ وَرَبَطُوهَا فِي بَقَرَتَيْنِ وَأَرْسَلُوهُمَا ، فَيُقَالُ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ سَاقَتْهُمَا حَتَّى جَاءُوا بِهِمَا مَلَأَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ، كَمَا أَخْبَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ بِذَلِكَ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ جَاءَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ بِأَنْفُسِهِمْ ، كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنَ الْآيَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ قَالَ
[ ص: 295 ] ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : هَذَا النَّهْرُ هُوَ نَهْرُ
الْأُرْدُنِّ . وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّرِيعَةِ ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِ
طَالُوتَ بِجُنُودِهِ عِنْدَ هَذَا النَّهْرِ ، عَنْ أَمْرِ نَبِيِّ اللَّهِ لَهُ ، عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ ، اخْتِبَارًا وَامْتِحَانًا; أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْ هَذَا النَّهْرِ الْيَوْمَ فَلَا يَصْحَبُنِي فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ ، وَلَا يَصْحَبُنِي إِلَّا مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ، إِلَّا غُرْفَةً فِي يَدِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28973قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : كَانَ الْجَيْشُ ثَمَانِينَ أَلْفًا ، فَشَرِبَ مِنْهُ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا ، وَتَبَقَّىمَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ . كَذَا قَالَ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " ، مِنْ حَدِيثِ
إِسْرَائِيلَ وَزُهَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : كُنَّا أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ
بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ - الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ - بِضْعَةَ عَشْرَ وَثَلَاثُمِائَةِ مُؤْمِنٍ وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ أَنَّ عِدَّةَ الْجَيْشِ كَانُوا ثَمَانِينَ أَلْفًا ، فِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّ أَرْضَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا تَحْتَمِلُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا جَيْشُ مُقَاتِلَةٍ يَبْلُغُونَ ثَمَانِينَ أَلْفًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ أَيِ; اسْتَقَلُّوا أَنْفُسَهُمْ وَاسْتَضْعَفُوهَا عَنْ مُقَاوَمَةِ أَعْدَائِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِ عَدُوِّهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [ ص: 296 ] ; يَعْنِي : ثَبَّتَهُمُ الشُّجْعَانُ مِنْهُمْ وَالْفُرْسَانُ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْإِيقَانِ ، الصَّابِرُونَ عَلَى الْجِلَادِ وَالْجِدَالِ وَالطِّعَانِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=250وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ طَلَبُوا مِنَ اللَّهِ أَنْ يُفْرِغَ عَلَيْهِمُ الصَّبْرَ; أَيْ يَغْمُرَهُمْ بِهِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، فَتَسْتَقِرَّ قُلُوبُهُمْ وَلَا تَقْلَقَ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ أَقْدَامَهُمْ فِي مَجَالِ الْحَرْبِ ، وَمُعْتَرَكِ الْأَبْطَالِ ، وَحَوْمَةِ الْوَغَى ، وَالدُّعَاءِ إِلَى النِّزَالِ ، فَسَأَلُوا التَّثَبُّتَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ ، وَأَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَائِهِ ، مِنَ الْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ بِآيَاتِهِ وَآلَائِهِ ، فَأَجَابَهُمُ الْعَظِيمُ الْقَدِيرُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إِلَى مَا سَأَلُوا وَأَنَالَهُمْ مَا إِلَيْهِ فِيهِ رَغِبُوا وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ; بِحَوْلِ اللَّهِ لَا بِحَوْلِهِمْ ، وَبِقُوَّةِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ لَا بِقُوَّتِهِمْ وَعَدَدِهِمْ ، مَعَ كَثْرَةِ أَعْدَائِهِمْ وَكَمَالِ عَدَدِهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى شَجَاعَةِ
دَاوُدَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهُ قَتَلَهُ قَتْلًا أَذَلَّ بِهِ جُنْدَهُ وَكَسَّرَ جَيْشَهُ ، وَلَا أَعْظَمَ مِنْ غَزْوَةٍ يَقْتُلُ فِيهَا مَلِكٌ عَدُوَّهُ ، فَيَغْنَمُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ ، وَيَأْسِرُ الْأَبْطَالَ
[ ص: 297 ] وَالشُّجْعَانَ وَالْأَقْرَانَ ، وَتَعْلُو كَلِمَةُ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَوْثَانِ ، وَيُدَالُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِ ، وَيَظْهَرُ الدِّينُ الْحَقُّ عَلَى الْبَاطِلِ وَأَوْلِيَائِهِ . وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ فِيمَا يَرْوِيهِ أَنَّ
دَاوُدَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَانَ أَصْغَرَ أَوْلَادِ أَبِيهِ ، وَكَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ ذَكَرًا ، كَانَ سَمِعَ
طَالُوتُ مَلِكَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ يُحَرِّضُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى قَتْلِ
جَالُوتَ وَجُنُودِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ : مَنْ قَتَلَ
جَالُوتَ زَوَّجْتُهُ بِابْنَتِي ، وَأَشْرَكْتُهُ فِي مُلْكِي . وَكَانَ
دَاوُدُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، يَرْمِي بِالْقَذَّافَةِ - وَهُوَ الْمِقْلَاعُ - رَمْيًا عَظِيمًا ، فَبَيْنَا هُوَ سَائِرٌ مَعَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ نَادَاهُ حَجَرٌ ، أَنْ خُذْنِي فَإِنَّ بِي تَقْتُلُ
جَالُوتَ . فَأَخَذَهُ ، ثُمَّ حَجَرٌ آخَرُ كَذَلِكَ ، ثُمَّ آخَرُ كَذَلِكَ ، فَأَخَذَ الثَّلَاثَةَ فِي مِخْلَاتِهِ ، فَلَمَّا تَوَاجَهَ الصَّفَّانِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31965بَرَزَ جَالُوتُ وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ دَاوُدُ ، فَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ ، فَإِنِّي أَكْرَهُ قَتْلَكَ . فَقَالَ : لَكِنِّي أُحِبُّ قَتْلَكَ . وَأَخَذَ تِلْكَ الْأَحْجَارَ الثَّلَاثَةَ مِنْ مِخْلَاتِهِ فَوَضَعَهَا فِي الْقَذَّافَةِ ثُمَّ أَدَارَهَا ، فَصَارَتِ الثَّلَاثَةُ حَجَرًا وَاحِدًا ، ثُمَّ رَمَى بِهَا جَالُوتَ فَفَلَقَ رَأَسَهُ ، وَفَرَّ جَيْشُهُ مُنْهَزِمًا ، فَوَفَّى لَهُ
طَالُوتُ بِمَا وَعَدَهُ; فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وَأَجْرَى حُكْمَهُ فِي مُلْكِهِ ، وَعَظُمَ
دَاوُدُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، عِنْدَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَأَحَبُّوهُ وَمَالُوا إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ
طَالُوتَ ، فَذَكَرُوا أَنَّ
طَالُوتَ حَسَدَهُ وَأَرَادَ قَتْلَهُ ، وَاحْتَالَ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ ، وَجَعَلَ الْعُلَمَاءُ يَنْهَوْنَ
طَالُوتَ عَنْ قَتْلِ
دَاوُدَ ، فَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ ، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ تَوْبَةٌ وَنَدَمٌ وَإِقْلَاعٌ عَمَّا سَلَفَ مِنْهُ ، وَجَعَلَ يُكْثِرُ مِنَ الْبُكَاءِ ،
[ ص: 298 ] وَيَخْرُجُ إِلَى الْجَبَّانَةِ فَيَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ الثَّرَى بِدُمُوعِهِ ، فَنُودِيَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْجَبَّانَةِ : أَنْ يَا
طَالُوتُ ، قَتَلْتَنَا وَنَحْنُ أَحْيَاءٌ ، وَآذَيْتَنَا وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ . فَازْدَادَ لِذَلِكَ بُكَاؤُهُ وَخَوْفُهُ ، وَاشْتَدَّ وَجَلُهُ ، ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ عَالِمٍ يَسْأَلُهُ عَنْ أَمْرِهِ ، وَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ، فَقِيلَ لَهُ : وَهَلْ أَبْقَيْتَ عَالِمًا؟ حَتَّى دُلَّ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْعَابِدَاتِ ، فَأَخَذَتْهُ فَذَهَبَتْ بِهِ إِلَى قَبْرِ
يُوشَعَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالُوا : فَدَعَتِ اللَّهَ فَقَامَ
يُوشَعُ مِنْ قَبْرِهِ ، فَقَالَ : أَقَامَتِ الْقِيَامَةُ؟ فَقَالَتْ : لَا وَلَكِنَّ هَذَا
طَالُوتُ يَسْأَلُكَ : هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، يَنْخَلِعُ مِنَ الْمُلْكِ ، وَيَذْهَبُ فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ . ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا . فَتَرَكَ الْمُلْكَ
لِدَاوُدَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَذَهَبَ وَمَعَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَوْلَادِهِ ، فَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى قُتِلُوا . قَالُوا : فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ هَكَذَا ذَكَرَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ فِي " تَارِيخِهِ " مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ بِإِسْنَادِهِ . وَفِي بَعْضِ هَذَا نَظَرٌ وَنَكَارَةٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : النَّبِيُّ الَّذِي بُعِثَ فَأَخْبَرَ
طَالُوتَ بِتَوْبَتِهِ ، هُوَ
الْيَسَعُ بْنُ أَخْطُوبَ . حَكَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا . وَذَكَرَ
الثَّعْلَبِيُّ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ إِلَى قَبْرِ
أَشْمَوِيلَ ، فَعَاتَبَهُ عَلَى مَا صَنَعَ بَعْدَهُ مِنَ الْأُمُورِ . وَهَذَا أَنْسَبُ . وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا رَآهُ فِي النَّوْمِ ، لَا أَنَّهُ قَامَ مِنَ الْقَبْرِ حَيًّا; فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ ، وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ لَمْ
[ ص: 299 ] تَكُنْ نَبِيَّةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : وَزَعَمَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ مُدَّةَ مُلْكِ
طَالُوتَ إِلَى أَنْ قُتِلَ مَعَ أَوْلَادِهِ ، كَانَتْ أَرْبَعِينَ سَنَةً . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .