(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182nindex.php?page=treesubj&link=28973فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه ) . الظاهر أن الخوف هو الخشية هنا ، جريا على أصل اللغة في الخوف ، فيكون المعنى : بتوقع الجنف أو الإثم من الموصي . قال
مجاهد : المعنى : من خشي أن يجنف الموصي ، ويقطع ميراث طائفة ، ويتعمد الإذاية أو يأتيها دون تعمد ، وذلك هو الجنف دون إثم ، وإذا تعمد فهو الجنف في إثم ، فوعظه في ذلك ورده ، فصلح بذلك ما بينه وبين ورثته ، فلا إثم عليه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182إن الله غفور ) عن الموصي إذا عملت فيه الموعظة ، ورجع عما أراد من الأذية رحيم ) به . وقيل : يراد بالخوف هنا العلم ، أي : فمن علم ، وخرج عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) . وقول
أبي محجن :
أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
والعلقة بين الخوف والعلم حتى أطلق على العلم الخوف ، وأن الإنسان لا يخاف شيئا حتى يعلم أنه مما يخاف منه ، فهو من باب التعبير بالمسبب عن السبب ، وقال في المنتخب : الخوف والخشية يستعملان بمعنى العلم ، وذلك لأن الخوف عبارة عن حالة مخصوصة متولدة من ظن مخصوص ، وبين الظن والعلم مشابهة في أمور كثيرة ، فلذلك صح إطلاق كل واحد منهما على الآخر . انتهى كلامه . وعلى الخوف بمعنى العلم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -
وقتادة ،
والربيع ، معنى الآية : من خاف أي : علم بعد موت الموصي أن الموصي حاف وجنف وتعمد إذاية بعض ورثته ، فأصلح ما وقع بين الورثة من الاضطراب والشقاق ، فلا إثم عليه ، أي : لا يلحقه إثم التبديل المذكور قبل ، وإن كان في فعله تبديلها ، ولكنه تبديل لمصلحة ، والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى . وقال
عطاء : المعنى : فمن خاف من موص جنفا أو إثما في عطيته لورثته عند حضور أجله ، فأعطى بعضا دون بعض ، فلا إثم عليه أن يصلح بين ورثته في ذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : المعنى : فمن خاف من موص جنفا أو إثما في وصيته لغير ورثته بما يرجع بعضه على ورثته ، فأصلح بين ورثته فلا إثم عليه . وقال
الحسن : هو أن يوصي للأجانب ويترك الأقارب ، فيرد إلى الأقارب ، قال : وهذا هو الإصلاح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : المعنى : فمن خاف من موص بآبائه وأقربائه جنفا على بعضهم لبعض ، فأصلح بين الآباء والأقرباء ، فلا إثم عليه . وقال
علي بن عيسى : هو مشتمل على أمر ماض واقع ، وأمر غير واقع ، فإن كانت الوصية باقية أمر الموصي بإصلاحها ، ورد من الجنف إلى النصف ، وإن كانت ماضية أصلحها الموصى إليه بعد موته . وقيل : هو أن يوصي لولد ابنته ، يقصد بها نفع ابنته ، وهذا راجع إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس المتقدم . وإذا فسرنا الخوف بالخشية ، فالخوف إنما يصح في أمر مرتبط والوصية قد وقعت ، فكيف يمكن تعليقها بالخوف ؟ والجواب : أن المصلح إذا شاهد الموصي يوصي ، فظهرت منه أمارات الجنف أو التعدي بزيادة غير مستحق ، أو نقص مستحق ، أو عدل عن مستحق ، فأصلح عند ظهور الأمارات : لأنه لم يقطع بالجنف والإثم ، فناسب أن يعلق بالخوف : لأن الوصية لم تمض بعد ولم تقع ، أو علق بالخوف وإن كانت قد وقعت : لأنه له أن ينسخها أو يغيرها بزيادة أو نقصان ، فلم يصر الجنف أو الإثم معلومين : لأن تجويز الرجوع يمنع من القطع . أو علق بالخوف وإن كانت الوصية استقرت ومات الموصي يجوز أن يقع بين الورثة والموصى لهم مصالحة على وجه يزول به الميل والخطأ ، فلم يكن الجنف ولا الإثم مستقرا ، فعلق بالخوف . والجواب الأول أقوى ، ومن : شرطية ، والجواب : فلا إثم عليه : و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182من موص ) متعلق بخاف ، أو بمحذوف تقديره : كائنا من موص ، وتكون حالا ، إذ لو تأخر لكان صفة ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182جنفا أو إثما ) فلما تقدم صار حالا ، ويكون الخائف في
[ ص: 24 ] هذين التقديرين ليس الموصي ، ويجوز أن يكون " من " لتبيين جنس الخائف ، فيكون الخائف بعض الموصين على حد ، من جاءك من رجل فأكرمه ، أي : من جاءك من الرجال فالجائي رجل ، والخائف هنا موص . والمعنى : فمن خاف من الموصي جنفا أو إثما من ورثته ومن يوصي له ، فأصلح بينهم ، فلا إثم على الموصي المصلح ، وهذا معنى لم يذكره المفسرون ، إنما ذكروا أن الموصي مخوف منه لا خائف ، وأن الجنف أو الإثم من الموصي لا من ورثته ، ولا من يوصي له . وأمال
حمزة خاف ، وقرأ هو
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وأبو بكر : " موص " ، من وصى والباقون : موص ، من : أوصى ، وتقدم أنهما لغتان . وقرأ الجمهور : جنفا ، بالجيم والنون ، وقرأ
علي : حيفا ، بالحاء والياء . وقال
أبو العالية : الجنف الجهالة بموضع الوصية ، والإثم : العدول عن موضعها ، وقال
عطاء ،
وابن زيد : الجنف الميل ، والإثم أن يكون قد أثم في إيثاره بعض الورثة على بعض ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الجنف الخطأ ، والإثم العمد . وأما الحيف فمعناه : البخس ، وذلك بأن يريد أن يعطي بعض الورثة دون بعض . قال
الفراء : تحيف مالا أي : نقصه من حافاته ، وروي :
nindex.php?page=treesubj&link=14284من حاف في وصيته ألقي في ألوى ، وألوى واد في جهنم .
فأصلح بينهم : الضمير عائد على الموصي والورثة ، أو على الموصى لهما وعلى الورثة والموصى لهم على اختلاف الأقاويل التي سبقت ، والظاهر عوده على الموصى لهم ، إذ يدل على ذلك لفظ " الموصي " لما ذكر الموصي أفاد مفهوم الخطاب أن هناك موصى له ، كما قيل في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178وأداء إليه " أي : إلى العافي ، لدلالة " من عفي له " ، ومنه ما أنشده
الفراء - رحمه الله تعالى :
وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني
فقال : أيهما ، فأعاد الضمير على الخير والشر ، وإن لم يتقدم ذكر الشر ، لكنه تقدم الخير وفيه دلالة على الشر ، والظاهر أن هذا المصلح هو الوصي ، والمشاهد ، ومن يتولى بعد موته ذلك من وال ، أو ولي ، أو من يأمر بالمعروف ، فكل هؤلاء يدخل تحت قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فمن خاف " إذا ظهرت لهم أمارات الجنف أو الإثم ، ولا وجه لتخصيص الخائف بالوصي ، وأما كيفية هذا الإصلاح فبالزيادة أو النقصان ، أو كف للعدوان " فلا إثم عليه " يعني : في تبديل الوصية إذا فعل ذلك لقصد الإصلاح ، والضمير " عليه " عائد على من عاد عليه ضمير "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فأصلح " وضمير "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182خاف " ، وهو " من " وهو الخائف المصلح . وقال
أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي ، لما ذكر المبدل في أول الآية وكان هذا من التبديل ، بين مخالفته للأول ، وأنه لا إثم عليه : لأنه رد الوصية إلى العدد ، ولما كان المصلح ينقص الوصايا ، وذلك يصعب على الموصى له ، أزال الشبهة بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فلا إثم عليه " ، وإن حصل فيه مخالفة لوصية الموصي ، وصرف ماله عن من أحب إلى من يكره ، انتهى .
وهذا يرجع معناه إلى قوله الأول . وقال أيضا : إن الإصلاح يحتاج إلى الإكثار من القول ، وقد يتخلله بعض ما لا ينبغي من قول أو فعل ، فبين أن ذلك لا إثم فيه إذا كان لقصد الإصلاح ، ودلت الآية على جواز الصلح بين المتنازعين إذا خاف من يريد الصلح إفضاء تلك المنازعة إلى أمر محذور في الشرع ، انتهى كلامه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182إن الله غفور رحيم ) . قيل : غفور لما كان من الخائف ، وقيل : للمصلح " رحيم " حيث رخص ، وقيل : غفور للموصي فيما حدث به نفسه من الجنف والخطأ والعهد والإثم إذ رجع إلى الحق ، رحيم للمصلح . وقال
الراغب : أي متجاوز عن ما عسى أن يسقط من المصلح مما لم يجر . وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة
[ ص: 25 ] أن البر ليس هو تولية الوجوه قبل المشرق والمغرب ، بل البر هو الإتيان بما كلفه الإنسان من تكاليف الشرع ، اعتقادا وفعلا وقولا . فمن الاعتقاد : الإيمان بالله ، وملائكته الذين هم وسائط بينه وبين أنبيائه ، وكتبه التي نزلت على أيدي الملائكة ، وأنبيائه المتلقين تلك الكتب من ملائكته . ثم ذكر ما جاءت به الأنبياء عن الله في تلك الكتب من إيتاء المال ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإيفاء بالعهد ، والصبر في الشدائد . ثم أخبر أن من استوفى ذلك فهو الصابر المتقي ، ولما كان تعالى قد ذكر قبل ما حلل وما حرم ، ثم أتبع ذلك بمن أخذ مالا من غير حله ، ووعده بالنار ، وأشار بذلك إلى جميع المحرمات من الأموال ، ثم ذكر من اتصف بالبر التام وأثنى عليهم بالصفات الحميدة التي انطووا عليها ، أخذ تعالى يذكر ما حرم من الدماء ، ويستدعي صونها ، وكان تقديم ذكر المأكول لعموم البلوى بالأكل .
فشرع القصاص ، ولم يخرج من وقع منه القتل واقتص منه عن الإيمان . ألا تراه قد ناداه باسم الإيمان ، وفصل شيئا من المكافأة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178nindex.php?page=treesubj&link=28973الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) ، ثم أخبر بعد ذلك أنه إذا وقع عفو من الولي على دية فليتبع الولي بالمعروف ، وليؤدي الجاني بالإحسان ليزرع بذلك الود بين القاتل والولي ، ويزيل الإحن ؟ لأن مشروعية العفو تستدعي على الثالث التحاب وصفاء البواطن . ثم ذكر أن ذلك تخفيف منه تعالى ، إذ فيه صون نفس القاتل بشيء من عرض الدنيا ، ثم توعد من اعتدى بعد ذلك ، ثم أخبر أن في مشروعية القصاص حياة ، إذ من علم أنه مقتول بمن قتل ، وكان عاقلا ، منعه ذلك من الإقدام على القتل ، إذ في ذلك إتلاف نفس المقتول وإتلاف نفس قاتله ، فيصير بمعرفته بالقصاص متحرزا من أن يقتل فيقتل ، فيحيي بذلك من أراد قتله وهو ، فكان ذلك سببا لحياتيهما . ثم ذكر تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=25982مشروعية الوصية لمن حضره الموت ، وذكر أن الوصية للوالدين والأقربين ، وتوعد من بدل الوصية بعد ما علمها ، ثم ذكر أنه لا إثم على من أصلح بين الموصى إليهم إذا كان جنفا أو إثما من الموصي ، وأن ذلك لا يعد من التبديل الذي يترتب عليه الإثم ، فجاءت هذه الآيات حاوية لما يطلب من المكلف من بدء حاله ، وهو الإيمان بالله ، وختم حاله وهو الوصية عند مفارقه هذا الوجود ، وما تخلل بينهما مما يعرض من مبار الطاعات ، وهنات المعاصي ، من غير استيعاب لأفراد ذلك ، بل تنبيها على أفضل الأعمال بعد الإيمان ، وهو إقامة الصلاة وما بعدها ، وعلى أكبر الكبائر بعد الشرك ، وهو قتل النفس ، فتعالى من كلامه فصل ، وحكمه عدل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182nindex.php?page=treesubj&link=28973فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) . الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَوْفَ هُوَ الْخَشْيَةُ هُنَا ، جَرْيًا عَلَى أَصْلِ اللُّغَةِ فِي الْخَوْفِ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى : بِتَوَقُّعِ الْجَنَفِ أَوِ الْإِثْمِ مِنَ الْمُوصِي . قَالَ
مُجَاهِدٌ : الْمَعْنَى : مَنْ خَشِيَ أَنْ يَجْنَفَ الْمُوصِي ، وَيَقْطَعَ مِيرَاثَ طَائِفَةٍ ، وَيَتَعَمَّدَ الْإِذَايَةَ أَوْ يَأْتِيَهَا دُونَ تَعَمُّدٍ ، وَذَلِكَ هُوَ الْجَنَفُ دُونَ إِثْمٍ ، وَإِذَا تَعَمَّدَ فَهُوَ الْجَنَفُ فِي إِثْمٍ ، فَوَعَظَهُ فِي ذَلِكَ وَرَدَّهُ ، فَصَلُحَ بِذَلِكَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ) عَنِ الْمُوصِي إِذَا عَمِلَتْ فِيهِ الْمَوْعِظَةُ ، وَرَجَعَ عَمَّا أَرَادَ مِنَ الْأَذِيَّةِ رَحِيمٌ ) بِهِ . وَقِيلَ : يُرَادُ بِالْخَوْفِ هُنَا الْعِلْمُ ، أَيْ : فَمَنْ عَلِمَ ، وَخَرَجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) . وَقَوْلُ
أَبِي مِحْجَنٍ :
أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا
وَالْعُلْقَةُ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالْعِلْمِ حَتَّى أُطْلِقَ عَلَى الْعِلْمِ الْخَوْفُ ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخَافُ شَيْئًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُسَبَّبِ عَنِ السَّبَبِ ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ : الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ يُسْتَعْمَلَانِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَوْفَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ ظَنٍّ مَخْصُوصٍ ، وَبَيْنَ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ مُشَابَهَةٌ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ ، فَلِذَلِكَ صَحَّ إِطْلَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ . انْتَهَى كَلَامُهُ . وَعَلَى الْخَوْفِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
وَقَتَادَةُ ،
وَالرَّبِيعُ ، مَعْنَى الْآيَةِ : مَنْ خَافَ أَيْ : عَلِمَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَنَّ الْمُوصِيَ حَافَ وَجَنَفَ وَتَعَمَّدَ إِذَايَةَ بَعْضِ وَرَثَتِهِ ، فَأَصْلَحَ مَا وَقَعَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ مِنَ الِاضْطِرَابِ وَالشِّقَاقِ ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، أَيْ : لَا يَلْحَقُهُ إِثْمُ التَّبْدِيلِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ ، وَإِنْ كَانَ فِي فِعْلِهِ تَبْدِيلُهَا ، وَلَكِنَّهُ تَبْدِيلٌ لِمَصْلَحَةٍ ، وَالتَّبْدِيلُ الَّذِي فِيهِ الْإِثْمُ إِنَّمَا هُوَ تَبْدِيلُ الْهَوَى . وَقَالَ
عَطَاءٌ : الْمَعْنَى : فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فِي عَطِيَّتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ ، فَأَعْطَى بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ : الْمَعْنَى : فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فِي وَصِيَّتِهِ لِغَيْرِ وَرَثَتِهِ بِمَا يَرْجِعُ بَعْضُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : هُوَ أَنْ يُوصِيَ لِلْأَجَانِبِ وَيَتْرُكَ الْأَقَارِبَ ، فَيَرُدَّ إِلَى الْأَقَارِبِ ، قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْإِصْلَاحُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : الْمَعْنَى : فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ بِآبَائِهِ وَأَقْرِبَائِهِ جَنَفًا عَلَى بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَقْرِبَاءِ ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ . وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى : هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَاقِعٍ ، وَأَمْرٍ غَيْرِ وَاقِعٍ ، فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بَاقِيَةً أَمَرَ الْمُوصِي بِإِصْلَاحِهَا ، وَرَدَّ مِنَ الْجَنَفِ إِلَى النَّصَفِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَاضِيَةً أَصْلَحَهَا الْمُوصَى إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ . وَقِيلَ : هُوَ أَنْ يُوصِيَ لِوَلَدِ ابْنَتِهِ ، يَقْصِدُ بِهَا نَفْعَ ابْنَتِهُ ، وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ الْمُتَقَدِّمِ . وَإِذَا فَسَّرْنَا الْخَوْفَ بِالْخَشْيَةِ ، فَالْخَوْفُ إِنَّمَا يَصِحُّ فِي أَمْرٍ مُرْتَبِطٍ وَالْوَصِيَّةُ قَدْ وَقَعَتْ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَعْلِيقُهَا بِالْخَوْفِ ؟ وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْمُصْلِحَ إِذَا شَاهَدَ الْمُوصِيَ يُوصِي ، فَظَهَرَتْ مِنْهُ أَمَارَاتُ الْجَنَفِ أَوِ التَّعَدِّي بِزِيَادَةِ غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ ، أَوْ نَقْصِ مُسْتَحِقٍّ ، أَوْ عَدَلَ عَنْ مُسْتَحِقٍّ ، فَأَصْلَحَ عِنْدَ ظُهُورِ الْأَمَارَاتِ : لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِالْجَنَفِ وَالْإِثْمِ ، فَنَاسَبَ أَنْ يُعَلِّقَ بِالْخَوْفِ : لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَمْضِ بَعْدُ وَلَمْ تَقَعْ ، أَوْ عَلَّقَ بِالْخَوْفِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ وَقَعَتْ : لِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يَنْسَخَهَا أَوْ يُغَيِّرَهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ، فَلَمْ يَصِرِ الْجَنَفُ أَوِ الْإِثْمُ مَعْلُومَيْنِ : لِأَنَّ تَجْوِيزَ الرُّجُوعِ يَمْنَعُ مِنَ الْقَطْعِ . أَوْ عَلَّقَ بِالْخَوْفِ وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ اسْتَقَرَّتْ وَمَاتَ الْمُوصِي يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ مُصَالَحَةٌ عَلَى وَجْهٍ يَزُولُ بِهِ الْمَيْلُ وَالْخَطَأُ ، فَلَمْ يَكُنِ الْجَنَفُ وَلَا الْإِثْمُ مُسْتَقِرًّا ، فَعَلَّقَ بِالْخَوْفِ . وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَقْوَى ، وَمَنْ : شَرْطِيَّةٌ ، وَالْجَوَابُ : فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ : وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182مِنْ مُوصٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِخَافَ ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : كَائِنًا مِنْ مُوصٍ ، وَتَكُونُ حَالًا ، إِذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ صِفَةً ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182جَنَفًا أَوْ إِثْمًا ) فَلَمَّا تَقَدَّمَ صَارَ حَالًا ، وَيَكُونُ الْخَائِفُ فِي
[ ص: 24 ] هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ لَيْسَ الْمُوصِي ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " مِنْ " لِتَبْيِينِ جِنْسِ الْخَائِفِ ، فَيَكُونُ الْخَائِفُ بَعْضَ الْمُوصِينَ عَلَى حَدِّ ، مَنْ جَاءَكَ مِنْ رَجُلٍ فَأَكْرِمْهُ ، أَيْ : مَنْ جَاءَكَ مِنَ الرِّجَالِ فَالْجَائِي رَجُلٌ ، وَالْخَائِفُ هُنَا مُوصٍ . وَالْمَعْنَى : فَمَنْ خَافَ مِنَ الْمُوصِي جَنَفًا أَوْ إِثْمًا مِنْ وَرَثَتِهِ وَمَنْ يُوصِي لَهُ ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ ، فَلَا إِثْمَ عَلَى الْمُوصِي الْمُصْلِحِ ، وَهَذَا مَعْنَى لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُفَسِّرُونَ ، إِنَّمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمُوصِيَ مَخُوفٌ مِنْهُ لَا خَائِفٌ ، وَأَنَّ الْجَنَفَ أَوِ الْإِثْمَ مِنَ الْمُوصِي لَا مَنْ وَرَثَتِهِ ، وَلَا مَنْ يُوصِي لَهُ . وَأَمَالَ
حَمْزَةُ خَافَ ، وَقَرَأَ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ : " مُوَصٍّ " ، مَنْ وَصَّى وَالْبَاقُونَ : مُوصٍ ، مِنْ : أَوْصَى ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : جَنَفًا ، بِالْجِيمِ وَالنُّونِ ، وَقَرَأَ
عَلِيٌّ : حَيْفًا ، بِالْحَاءِ وَالْيَاءِ . وَقَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ : الْجَنَفُ الْجَهَالَةُ بِمَوْضِعِ الْوَصِيَّةِ ، وَالْإِثْمُ : الْعُدُولُ عَنْ مَوْضِعِهَا ، وَقَالَ
عَطَاءٌ ،
وَابْنُ زَيْدٍ : الْجَنَفُ الْمَيْلُ ، وَالْإِثْمُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَثِمَ فِي إِيثَارِهِ بَعْضَ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : الْجَنَفُ الْخَطَأُ ، وَالْإِثْمُ الْعَمْدُ . وَأَمَّا الْحَيْفُ فَمَعْنَاهُ : الْبَخْسُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُرِيدَ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : تَحَيَّفَ مَالًا أَيْ : نَقَصَهُ مِنْ حَافَاتِهِ ، وَرُوِيَ :
nindex.php?page=treesubj&link=14284مَنْ حَافَ فِي وَصِيَّتِهِ أُلْقِيَ فِي أَلْوَى ، وَأَلْوَى وَادٍ فِي جَهَنَّمَ .
فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمُ : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ ، أَوْ عَلَى الْمُوصَى لَهُمَا وَعَلَى الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقَاوِيلِ الَّتِي سَبَقَتْ ، وَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ ، إِذْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَفْظُ " الْمُوصِي " لَمَّا ذَكَرَ الْمُوصِيَ أَفَادَ مَفْهُومُ الْخِطَابِ أَنَّ هُنَاكَ مُوصًى لَهُ ، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ " أَيْ : إِلَى الْعَافِي ، لِدَلَالَةِ " مَنْ عُفِيَ لَهُ " ، وَمِنْهُ مَا أَنْشَدَهُ
الْفَرَّاءُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي
فَقَالَ : أَيُّهُمَا ، فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ الشَّرِّ ، لَكِنَّهُ تَقَدَّمَ الْخَيْرُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الشَّرِّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمُصْلِحَ هُوَ الْوَصِيُّ ، وَالْمُشَاهِدُ ، وَمَنْ يَتَوَلَّى بَعْدَ مَوْتِهِ ذَلِكَ مِنْ وَالٍ ، أَوْ وَلِيٍّ ، أَوْ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فَمَنْ خَافَ " إِذَا ظَهَرَتْ لَهُمْ أَمَارَاتُ الْجَنَفِ أَوِ الْإِثْمِ ، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الْخَائِفِ بِالْوَصِيِّ ، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ هَذَا الْإِصْلَاحِ فَبِالزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ ، أَوْ كَفٍّ لِلْعُدْوَانِ " فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ " يَعْنِي : فِي تَبْدِيلِ الْوَصِيَّةِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ ، وَالضَّمِيرُ " عَلَيْهِ " عَائِدٌ عَلَى مَنْ عَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فَأَصْلَحَ " وَضَمِيرُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182خَافَ " ، وَهُوَ " مَنْ " وَهُوَ الْخَائِفُ الْمُصْلِحُ . وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ ، لَمَّا ذَكَرَ الْمُبَدِّلَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَكَانَ هَذَا مِنَ التَّبْدِيلِ ، بَيَّنَ مُخَالَفَتَهُ لِلْأَوَّلِ ، وَأَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ : لِأَنَّهُ رَدَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدَدِ ، وَلَمَّا كَانَ الْمُصْلِحُ يُنْقِصُ الْوَصَايَا ، وَذَلِكَ يَصْعُبُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ ، أَزَالَ الشُّبْهَةَ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ " ، وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي ، وَصَرَفَ مَالَهُ عَنْ مَنْ أَحَبَّ إِلَى مَنْ يَكْرَهُ ، انْتَهَى .
وَهَذَا يَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ . وَقَالَ أَيْضًا : إِنَّ الْإِصْلَاحَ يَحْتَاجُ إِلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الْقَوْلِ ، وَقَدْ يَتَخَلَّلُهُ بَعْضُ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا إِثْمَ فِيهِ إِذَا كَانَ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ ، وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ إِذَا خَافَ مَنْ يُرِيدُ الصُّلْحَ إِفْضَاءَ تِلْكَ الْمُنَازَعَةِ إِلَى أَمْرٍ مَحْذُورٍ فِي الشَّرْعِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . قِيلَ : غَفُورٌ لِمَا كَانَ مِنَ الْخَائِفِ ، وَقِيلَ : لِلْمُصْلِحِ " رَحِيمٌ " حَيْثُ رَخَّصَ ، وَقِيلَ : غَفُورٌ لِلْمُوصِي فِيمَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْجَنَفِ وَالْخَطَأِ وَالْعَهْدِ وَالْإِثْمِ إِذْ رَجَعَ إِلَى الْحَقِّ ، رَحِيمٌ لِلْمُصْلِحِ . وَقَالَ
الرَّاغِبُ : أَيْ مُتَجَاوِزٌ عَنْ مَا عَسَى أَنْ يَسْقُطَ مِنَ الْمُصْلِحِ مِمَّا لَمْ يَجُرْ . وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الشَّرِيفَةُ
[ ص: 25 ] أَنَّ الْبِرَّ لَيْسَ هُوَ تَوْلِيَةُ الْوُجُوهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، بَلِ الْبِرُّ هُوَ الْإِتْيَانُ بِمَا كُلِّفَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ ، اعْتِقَادًا وَفِعْلًا وَقَوْلًا . فَمِنَ الِاعْتِقَادِ : الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ هُمْ وَسَائِطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِ ، وَكُتُبِهِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَى أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ ، وَأَنْبِيَائِهِ الْمُتَلَقِّينَ تِلْكَ الْكُتُبَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ . ثُمَّ ذَكَرَ مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ عَنِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ مِنْ إِيتَاءِ الْمَالِ ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْإِيفَاءِ بِالْعَهْدِ ، وَالصَّبْرِ فِي الشَّدَائِدِ . ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ مَنِ اسْتَوْفَى ذَلِكَ فَهُوَ الصَّابِرُ الْمُتَّقِي ، وَلَمَّا كَانَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ قَبْلُ مَا حَلَّلَ وَمَا حَرَّمَ ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَنْ أَخَذَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ ، وَوَعَدَهُ بِالنَّارِ ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْأَمْوَالِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنِ اتَّصَفَ بِالْبِرِّ التَّامِّ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِالصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ الَّتِي انْطَوَوْا عَلَيْهَا ، أَخَذَ تَعَالَى يَذْكُرُ مَا حَرَّمَ مِنَ الدِّمَاءِ ، وَيَسْتَدْعِي صَوْنَهَا ، وَكَانَ تَقْدِيمُ ذِكْرِ الْمَأْكُولِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِالْأَكْلِ .
فَشَرَعَ الْقِصَاصَ ، وَلَمْ يُخْرِجْ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الْقَتْلُ وَاقْتُصَّ مِنْهُ عَنِ الْإِيمَانِ . أَلَا تَرَاهُ قَدْ نَادَاهُ بِاسْمِ الْإِيمَانِ ، وَفَصَّلَ شَيْئًا مِنَ الْمُكَافَأَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178nindex.php?page=treesubj&link=28973الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) ، ثُمَّ أَخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ عَفْوٌ مِنَ الْوَلِيِّ عَلَى دِيَةٍ فَلْيَتَّبِعِ الْوَلِيُّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلْيُؤَدِّيَ الْجَانِي بِالْإِحْسَانِ لِيَزْرَعَ بِذَلِكَ الْوُدَّ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْوَلِيِّ ، وَيُزِيلَ الْإِحَنَ ؟ لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْعَفْوِ تَسْتَدْعِي عَلَى الثَّالِثِ التَّحَابَّ وُصَفَاءَ الْبَوَاطِنِ . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْهُ تَعَالَى ، إِذْ فِيهِ صَوْنُ نَفْسِ الْقَاتِلِ بِشَيْءٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ تَوَعَّدَ مَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ، إِذْ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ بِمَنْ قَتَلَ ، وَكَانَ عَاقِلًا ، مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَتْلِ ، إِذْ فِي ذَلِكَ إِتْلَافُ نَفْسِ الْمَقْتُولِ وَإِتْلَافُ نَفْسِ قَاتِلِهِ ، فَيَصِيرُ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْقِصَاصِ مُتَحَرِّزًا مِنْ أَنْ يَقْتُلَ فَيُقْتَلَ ، فَيُحْيِي بِذَلِكَ مَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ وَهُوَ ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِحَيَاتَيْهِمَا . ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=25982مَشْرُوعِيَّةَ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ، وَذَكَرَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ، وَتَوَعَّدَ مَنْ بَدَّلَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَا عَلِمَهَا ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ الْمُوصَى إِلَيْهِمْ إِذَا كَانَ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا مِنَ الْمُوصِي ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مِنَ التَّبْدِيلِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْإِثْمُ ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ حَاوِيَةً لِمَا يُطْلَبُ مِنَ الْمُكَلَّفِ مِنْ بَدْءِ حَالِهِ ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ، وَخَتْمِ حَالِهِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ مَفَارَقَهِ هَذَا الْوُجُودِ ، وَمَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا مِمَّا يَعْرِضُ مِنْ مَبَارِّ الطَّاعَاتِ ، وَهَنَاتِ الْمَعَاصِي ، مِنْ غَيْرِ اسْتِيعَابٍ لِأَفْرَادِ ذَلِكَ ، بَلْ تَنْبِيهًا عَلَى أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ ، وَهُوَ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ وَمَا بَعْدَهَا ، وَعَلَى أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ ، وَهُوَ قَتْلُ النَّفْسِ ، فَتَعَالَى مَنْ كَلَامُهُ فَصْلٌ ، وَحُكْمُهُ عَدْلٌ .