المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=22779لا يجوز إخراج زكاة الثمار إلا من التمر اليابس والزبيب اليابس ، وكذلك زكاة الحبوب لا يجوز إخراجها إلا من الحب اليابس بعد التصفية ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء ،
nindex.php?page=treesubj&link=25500وأجرة القيام على الثمار والحبوب حتى تيبس وتصفى من خالص مال رب الثمرة والزرع ، فإن دفع زكاة التمر بسرا أو رطبا ، أو دفع زكاة الزبيب عنبا ، لم يجزه ذلك ; لأنه دفع غير الواجب ; لأن الواجب تمر وزبيب يابسان إجماعا .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : فإن كان المخرج للرطب رب المال لم يجزه ، ولزمه إخراج الفضل بعد التجفيف ; لأنه أخرج غير الفرض فلم يجزه ، كما لو أخرج الصغير عن الماشية الكبار ، وهو نص صريح منه في أن الرطب غير الواجب ، وأن منزلته من التمر الذي هو الواجب كمنزلة صغار الماشية من الكبار التي هي الواجبة في زكاة الماشية .
وقال
النووي في " شرح المهذب " ما نصه : فلو أخرج الرطب والعنب في الحال لم يجزئه بلا خلاف ، ولو أخذه الساعي غرمه بلا خلاف ; لأنه قبضه بغير حق ، وكيف يغرمه فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف في آخر الباب .
الصحيح : الذي قطع به الجمهور ، ونص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - أنه يلزمه قيمته .
والثاني : يلزمه مثله وهما مبنيان على أن الرطب والعنب مثليان أم لا ، والصحيح المشهور أنهما ليسا مثليين ، ولو جف عند الساعي ، فإن كان قدر الزكاة أجزأ ، وإلا رد التفاوت ، أو أخذه ، كذا قاله العراقيون وغيرهم ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج وجها أنه لا يجزئ بحال لفساد القبض ، قال
الرافعي : وهذا الوجه أولى والمختار ما سبق . انتهى كلام
النووي بلفظه ، وهو صريح في عدم إجزاء الرطب والعنب بلا خلاف عند الشافعية .
وقال صاحب " المهذب " ما نصه : فإن أخذ الرطب وجب رده ، وإن فات وجب رد قيمته ، ومن أصحابنا من قال : يجب رد مثله ، والمذهب الأول لأنه لا مثل له ; لأنه يتفاوت ، ولهذا لا يجوز بيع بعضه ببعض . اهـ . منه بلفظه ، وهو صريح في عدم إجزاء
[ ص: 515 ] nindex.php?page=treesubj&link=2895_2849الرطب في زكاة التمر ، وهذا الذي ذكرنا عن عامة العلماء من أن الزكاة لا تؤخذ إلا من التمر ، والزبيب اليابسين ، هو مذهب
مالك وعامة أصحابه وفي الموطإ ما نصه :
قال
مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا أن النخل تخرص على أهلها وثمرها في رؤوسها إذا طاب وحل بيعه ، ويؤخذ منه صدقته تمرا عند الجذاذ ، إلى أن قال : وكذلك العمل في الكرم . انتهى محل الفرض منه بلفظه ، وفيه تصريح
مالك - رحمه الله - بأن الأمر المجتمع عليه من علماء زمنه ، أن الزكاة تخرج تمرا ، وهو يدل دلالة واضحة على أن من ادعى جواز إخراجها من الرطب أو البسر ، فدعواه مخالفة للأمر المجتمع عليه عند
مالك وعلماء زمنه .
ومن أوضح الأدلة على ذلك : أن
nindex.php?page=treesubj&link=2849البلح الذي لا يتتمر والعنب الذي لا يتزبب كبلح مصر وعنبها ، لا يجوز الإخراج منه مع تعذر الواجب الذي هو التمر والزبيب اليابسان ، بل تدفع الزكاة من ثمنه أو قيمته عند
مالك وأصحابه ، فلم يجعلوا العنب والرطب أصلا ، ولم يقبلوهما بدلا عن الأصل ، وقالوا : بوجوب الثمن إن بيع ، والقيمة إن أكل .
قال
خليل في مختصره : وثمن غير ذي الزيت وما لا يجف ، ومراده بقوله : وما لا يجف ، أن الرطب والعنب اللذين لا ييبسان يجب الإخراج من ثمنهما لا من نفس الرطب والعنب ، وفي المواق في شرح قول
خليل ، وإن لم يجف ما نصه :
قال
مالك : إن كان رطب هذا النخل لا يكون تمرا ، ولا هذا العنب زبيبا ، فليخرص أن لو كان ذلك فيه ممكنا ، فإن صح في التقدير خمسة أوسق أخذ من ثمنه . انتهى محل الفرض منه بلفظه ، وهو نص صريح عن
مالك أنه لا يرى إخراج الرطب ، والعنب في الزكاة ; لعدوله عنهما إلى الثمن في حال تعذر التمر والزبيب اليابسين ، فكيف بالحالة التي لم يتعذرا فيها .
والحاصل أن إخراج الرطب والعنب عما يبس من رطب وعنب ، لم يقل به أحد من العلماء ، ولا دل عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا قياس ، وأما الذي لا ييبس كبلح
مصر وعنبها ، ففيه قول مرجوح عند المالكية بإجزاء الرطب والعنب ، ونقل هذا القول عن
ابن رشد ، وسترى - إن شاء الله - في آخر هذا المبحث كلام الشافعية والحنابلة فيه ، فإن قيل : فما الدليل على أنه لا يجزئ إلا التمر والزبيب اليابسان دون الرطب والعنب ؟
فالجواب : أن ذلك دلت عليه عدة أدلة :
[ ص: 516 ] الأول : هو ما قدمنا من حديث
عتاب بن أسيد - رضي الله عنه - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007574أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن nindex.php?page=treesubj&link=2878يخرص العنب كما يخرص النخل ؛ فتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تمرا " ، وقد قدمنا أن هذا الحديث أخرجه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، وقد قدمنا أنه من مراسيل
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، وقدمنا أيضا أن الاحتجاج بمثل هذا المرسل من مراسيل
سعيد صحيح عند الأئمة الأربعة ، فإذا علمت صحة الاحتجاج بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب هذا ، فاعلم أنه نص صريح في : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007576أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بخرص العنب والنخل ، وأن تؤخذ زكاة العنب زبيبا ، وصدقة النخيل تمرا ، فمن ادعى جواز أخذ زكاة النخل رطبا أو بسرا ، فدعواه مخالفة لما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه أمر بأخذها في حال كونها تمرا في النخل وزبيبا في العنب ، ومعلوم أن الحال وصف لصاحبها ، قيد لعاملها ، فكون زكاة النخل تمرا وصف لها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراجها في حال كونها متصفة به ، وكذلك كونها تمرا قيد لأخذها ، فهو تقييد من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأخذها بأن يكون في حال كونها تمرا ، فيفهم منه أنها لا تؤخذ على غير تلك الحال ، ككونها رطبا مثلا ، وإذا اتضح لك أن أخذها رطبا - مثلا - مخالف لما أمر به - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه قال في الحديث المتفق عليه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007134من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ، فهو رد " ، وفي رواية في الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007135من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ، وفي الكتاب العزيز :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فليحذر الذين يخالفون عن أمره الآية [ 24 \ 63 ] .
ومما يوضح لك أن إخراج الرطب مثلا في الزكاة مخالف لما سنه وشرعه - صلى الله عليه وسلم - من أخذها تمرا ، وزبيبا يابسين ما ذكره
البيهقي في " السنن الكبرى " في باب " كيف تؤخذ زكاة النخل والعنب " ، فإنه قال فيه : وأخبرنا
أبو الحسن بن أبي المعروف الفقيه المهرجاني ، أنبأ
بشر بن أحمد ، أنبأ
أحمد بن الحسين بن نصر الحذاء ، ثنا
علي بن عبد الله ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، ثنا
عبد الرحمن بن إسحاق ، أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007577أمر عتاب بن أسيد أن يخرص العنب كما يخرص النخل ، ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا " ، قال : فتلك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النخل والعنب . اهـ منه بلفظه ، وفيه التصريح بأن : إخراج التمر والزبيب هو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمخرج الرطب والعنب مخالف لسنته - صلى الله عليه وسلم - كما ترى .
الدليل الثاني : إجماع المسلمين على أن زكاة الثمار والحبوب من نوع ما تجب الزكاة في عينه ، والعين الواجبة فيها الزكاة هي : التمر والزبيب اليابسان ، لا الرطب
[ ص: 517 ] والعنب بدليل إجماع القائلين بالنصاب في الثمار ، على أن خمسة الأوسق التي هي النصاب لا تعتبر من الرطب ، ولا من العنب ، فمن كان
nindex.php?page=treesubj&link=2850_2895عنده خمسة أوسق من الرطب أو العنب ، ولكنها إذا جفت نقصت عن خمسة أوسق ، فلا زكاة عليه ; لأن النصاب معتبر من التمر والزبيب اليابسين ، فلو أخرج الزكاة من الرطب أو العنب لكان مخرجا من غير ما تجب في عينه الزكاة كما ترى ، ويدل له ما ذكره
الزرقاني في " شرح الموطإ " ، فإنه قال فيه في شرح قول
مالك : ثم يؤدون الزكاة على ما خرص عليهم ، ما نصه : ومبنى التخريص أن يحزر ما في النخل ، أو العنب من التمر اليابس إذا جذ ، على حسب جنسه ، وما علم من حاله أنه يصير إليه عند الإتمار ; لأن الزكاة إنما تؤخذ منه تمرا . انتهى محل الفرض منه بلفظه .
وقد تقرر عند جماهير العلماء أن لفظة إنما للحصر وهو الحق ، فقول
الزرقاني : لأن الزكاة إنما تؤخذ منه تمرا ، معناه : حصر أخذ زكاة النخل في خصوص التمر دون غيره من رطب ونحوه ; معللا بذلك اعتبار النصاب من التمر اليابس ; لأن الإخراج مما تجب في عينه الزكاة من الثمار والحبوب وهو واضح ، ولا يرد على ما ذكرنا أن وقت وجوب الزكاة هو وقت طيب الثمر قبل أن يكون يابسا ; لإجماع العلماء على أنه لا يجب إخراجها بالفعل إلا بعد أن يصير تمرا يابسا ; ولإجماعهم أيضا على أنه إن أصابته جائحة اعتبرت ، فتسقط زكاة ما أجيح ، كما تسقط زكاة الكل إن لم يبق منه نصاب ، وسيأتي له زيادة إيضاح .
الدليل الثالث :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذها تمرا بعد الجذاذ ، لا بلحا ، ولا رطبا ، والله جل وعلا يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=21لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية [ 33 \ 21 ] ، ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وما آتاكم الرسول فخذوه الآية [ 59 \ 7 ] ، ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80من يطع الرسول فقد أطاع الله الآية [ 4 \ 80 ] ، ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني الآية [ 3 \ 31 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " ، باب " أخذ صدقة التمر عند صرام النخل " : وهل يترك الصبي فيمس الصدقة ، حدثنا
عمر بن محمد بن الحسن الأسدي ، حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12377إبراهيم بن طهمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16962محمد بن زياد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007578كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤتى بالتمر عند صرام النخل ، فيجيء هذا بتمره ، وهذا من تمره ، حتى يصير عنده كوما من تمر ، فجعل الحسن والحسين - رضي الله عنهما - يلعبان بذلك التمر ، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه ، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجها من فيه ، فقال : " أما [ ص: 518 ] علمت أن آل محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يأكلون الصدقة " . اهـ .
فهذا الحديث الصحيح نص صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ صدقة النخل تمرا بعد الجذاذ ، وقد تقرر في الأصول أن صيغة المضارع بعد لفظة كان في نحو : كان يفعل كذا ، تدل على كثرة التكرار والمداومة على ذلك الفعل ، فقول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في هذا الحديث المرفوع الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007579كان صلى الله عليه وسلم " يؤتى بالتمر عند صرام النخل " .
الحديث يدل دلالة واضحة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=2858إخراج التمر عند الجذاذ هو الذي كان يفعل دائما في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي يأخذ في الزكاة ذلك التمر اليابس ، فمن ادعى جواز إخراج زكاة النخل رطبا أو بلحا ، فهو مخالف لما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال
ابن حجر في " فتح الباري " في شرح هذا الحديث المذكور آنفا ما نصه : " قال
الإسماعيلي : قوله عند صرام النخل ، أي : بعد أن يصير تمرا ; لأن النخل قد يصرم وهو رطب ، فيتمر في المربد ، ولكن ذلك لا يتطاول ، فحسن أن ينسب إلى الصرام ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه يوم حصاده ، فإن المراد بعد أن يداس وينقى ، والله تعالى أعلم " ، اهـ . منه بلفظه وهو واضح فيما ذكرنا .
وبما ذكرنا تعلم أن ما يدعيه بعض أهل العلم من المتأخرين من جواز
nindex.php?page=treesubj&link=2849_2858إخراج زكاة النخل رطبا وبسرا غير صحيح ، ولا وجه له ، ولا دليل عليه ، وأما إن كان التمر لا ييبس ، كبلح
مصر ، وعنبها ، فقد قدمنا عن
مالك وأصحابه : أن الزكاة تخرج من ثمنه إن بيع ، أو قيمته إن أكل ، لا من نفس الرطب أو العنب .
وقد قدمنا عن
ابن رشد قولا مرجوحا بإجزاء الرطب والعنب في خصوص ما لا ييبس ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - في زكاة ما لا ييبس : أنه على القول بأن القسمة تمييز حق لا بيع ، فيجوز القسم ، ويجعل العشر أو نصفه متميزا في نخلات ، ثم ينظر المصدق ، فإن رأى أن يفرق عليهم فعل ، وإن رأى البيع وقسمة الثمن فعل ، وأما على القول بأن القسمة بيع فلا تجوز في الرطب والعنب ، ويقبض المصدق عشرها مشاعا بالتخلية بينه وبينها ، ويستقر عليه ملك المساكين ، ثم يبيعه ويأخذ ثمنه ويفرقه عليهم ، وهكذا الحكم عنده فيما إذا احتيج إلى قطع الثمرة رطبا ، خوفا عليها من العطش ونحوه .
وحكم هذه المسألة في المذهب الحنبلي فيه قولان :
أحدهما : أنه يخير الساعي بين أن يقاسم رب المال الثمرة قبل الجذاذ بالخرص ،
[ ص: 519 ] ويأخذ نصيبهم نخلة مفردة ، ويأخذ ثمرتها ، وبين أن يجذها ويقاسمه إياها بالكيل ، ويقسم الثمرة في الفقراء ، وبين أن يبيعها من رب المال أو غيره ، قبل الجذاذ أو بعده ، ويقسم ثمنها في الفقراء .
القول الثاني : أن عليه الزكاة من تمر وزبيب يابسين ، قاله
أبو بكر ، وذكر أن
أحمد رحمه الله نص عليه ، قاله صاحب " المغني " ، وهذا الذي ذكرنا هو حاصل مذهب
أحمد - رحمه الله - في المسألتين ، أعني الثمر الذي لا ييبس ، والذي احتيج لقطعه قبل اليبس .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22779لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الثِّمَارِ إِلَّا مِنَ التَّمْرِ الْيَابِسِ وَالزَّبِيبِ الْيَابِسِ ، وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا إِلَّا مِنَ الْحَبِّ الْيَابِسِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=25500وَأُجْرَةُ الْقِيَامِ عَلَى الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ حَتَّى تَيْبَسَ وَتُصَفَّى مِنْ خَالِصِ مَالِ رَبِّ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ ، فَإِنْ دَفَعَ زَكَاةَ التَّمْرِ بُسْرًا أَوْ رَطْبًا ، أَوْ دَفَعَ زَكَاةَ الزَّبِيبِ عِنَبًا ، لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ دَفَعَ غَيْرَ الْوَاجِبِ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ يَابِسَانِ إِجْمَاعًا .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " : فَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ لِلرَّطْبِ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يُجْزِهِ ، وَلَزِمَهُ إِخْرَاجُ الْفَضْلِ بَعْدَ التَّجْفِيفِ ; لِأَنَّهُ أَخْرَجَ غَيْرَ الْفَرْضِ فَلَمْ يُجْزِهِ ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الصَّغِيرَ عَنِ الْمَاشِيَةِ الْكِبَارِ ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ مِنْهُ فِي أَنَّ الرُّطَبَ غَيْرُ الْوَاجِبِ ، وَأَنَّ مَنْزِلَتَهُ مِنَ التَّمْرِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ كَمَنْزِلَةِ صِغَارِ الْمَاشِيَةِ مِنَ الْكِبَارِ الَّتِي هِيَ الْوَاجِبَةُ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ .
وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " مَا نَصُّهُ : فَلَوْ أَخْرَجَ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ فِي الْحَالِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ ، وَلَوْ أَخَذَهُ السَّاعِي غَرِمَهُ بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَكَيْفَ يَغْرَمُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ .
الصَّحِيحُ : الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ .
وَالثَّانِي : يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ مِثْلِيَّانِ أَمْ لَا ، وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِثْلِيَّيْنِ ، وَلَوْ جَفَّ عِنْدَ السَّاعِي ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَجْزَأَ ، وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ ، أَوْ أَخَذَهُ ، كَذَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابْنُ كَجٍّ وَجْهَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِحَالٍ لِفَسَادِ الْقَبْضِ ، قَالَ
الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى وَالْمُخْتَارُ مَا سَبَقَ . انْتَهَى كَلَامُ
النَّوَوِيِّ بِلَفْظِهِ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ إِجْزَاءِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُهَذَّبِ " مَا نَصُّهُ : فَإِنْ أَخَذَ الرُّطَبَ وَجَبَ رَدُّهُ ، وَإِنْ فَاتَ وَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ ; لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ . اهـ . مِنْهُ بِلَفْظِهِ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ إِجْزَاءِ
[ ص: 515 ] nindex.php?page=treesubj&link=2895_2849الرُّطَبِ فِي زَكَاةِ التَّمْرِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنَ التَّمْرِ ، وَالزَّبِيبِ الْيَابِسَيْنِ ، هُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَفِي الْمُوَطَّإِ مَا نَصُّهُ :
قَالَ
مَالِكٌ : الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ النَّخْلَ تُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهَا وَثَمَرُهَا فِي رُؤُوسِهَا إِذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهُ تَمْرًا عِنْدَ الْجِذَاذِ ، إِلَى أَنْ قَالَ : وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي الْكَرْمِ . انْتَهَى مَحَلُّ الْفَرْضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ ، وَفِيهِ تَصْرِيحُ
مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ عُلَمَاءِ زَمَنِهِ ، أَنَّ الزَّكَاةَ تُخْرَجُ تَمْرًا ، وَهُوَ يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ مَنِ ادَّعَى جَوَازَ إِخْرَاجِهَا مِنَ الرُّطَبِ أَوِ الْبُسْرِ ، فَدَعَوَاهُ مُخَالِفَةٌ لِلْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ عِنْدَ
مَالِكٍ وَعُلَمَاءِ زَمَنِهِ .
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=2849الْبَلَحَ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ وَالْعِنَبَ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ كَبَلَحِ مِصْرَ وَعِنَبِهَا ، لَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ مَعَ تَعَذُّرِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ الْيَابِسَانِ ، بَلْ تُدْفَعُ الزَّكَاةُ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عِنْدَ
مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ ، فَلَمْ يَجْعَلُوا الْعِنَبَ وَالرُّطَبَ أَصْلًا ، وَلَمْ يَقْبَلُوهُمَا بَدَلًا عَنِ الْأَصْلِ ، وَقَالُوا : بِوُجُوبِ الثَّمَنِ إِنْ بِيعَ ، وَالْقِيمَةِ إِنْ أُكِلَ .
قَالَ
خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَثَمَنُ غَيْرِ ذِي الزَّيْتِ وَمَا لَا يَجِفُّ ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ : وَمَا لَا يَجِفُّ ، أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ اللَّذَيْنِ لَا يَيْبَسَانِ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْ ثَمَنِهِمَا لَا مِنْ نَفْسِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ ، وَفِي الْمَوَّاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِ
خَلِيلٍ ، وَإِنْ لَمْ يَجِفَّ مَا نَصُّهُ :
قَالَ
مَالِكٌ : إِنَّ كَانَ رُطَبُ هَذَا النَّخْلِ لَا يَكُونُ تَمْرًا ، وَلَا هَذَا الْعِنَبُ زَبِيبًا ، فَلْيُخْرَصْ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ مُمْكِنًا ، فَإِنْ صَحَّ فِي التَّقْدِيرِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أُخِذَ مِنْ ثَمَنِهِ . انْتَهَى مَحَلُّ الْفَرْضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرَى إِخْرَاجَ الرُّطَبِ ، وَالْعِنَبِ فِي الزَّكَاةِ ; لِعُدُولِهِ عَنْهُمَا إِلَى الثَّمَنِ فِي حَالِ تَعَذُّرِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْيَابِسَيْنِ ، فَكَيْفَ بِالْحَالَةِ الَّتِي لَمْ يَتَعَذَّرَا فِيهَا .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إِخْرَاجَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ عَمَّا يَبِسَ مِنْ رُطَبٍ وَعِنَبٍ ، لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَيْبَسُ كَبَلَحِ
مِصْرَ وَعِنَبِهَا ، فَفِيهِ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِإِجْزَاءِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ ، وَنُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ
ابْنِ رُشْدٍ ، وَسَتَرَى - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - فِي آخِرِ هَذَا الْمَبْحَثِ كَلَامَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِيهِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِلَّا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ الْيَابِسَانِ دُونَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ ؟
فَالْجَوَابُ : أَنَّ ذَلِكَ دَلَّتْ عَلَيْهِ عِدَّةُ أَدِلَّةٍ :
[ ص: 516 ] الْأَوَّلُ : هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ
عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007574أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ nindex.php?page=treesubj&link=2878يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ؛ فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا " ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269وَالدَّارَقُطْنِيُّ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ مَرَاسِيلِ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِمِثْلِ هَذَا الْمُرْسَلِ مِنْ مَرَاسِيلِ
سَعِيدٍ صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، فَإِذَا عَلِمْتَ صِحَّةَ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ هَذَا ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007576أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِخَرْصِ الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ ، وَأَنْ تُؤْخَذَ زَكَاةُ الْعِنَبِ زَبِيبًا ، وَصَدَقَةُ النَّخِيلِ تَمْرًا ، فَمَنِ ادَّعَى جَوَازَ أَخْذِ زَكَاةِ النَّخْلِ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا ، فَدَعْوَاهُ مُخَالِفَةٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّهُ أَمَرَ بِأَخْذِهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا تَمْرًا فِي النَّخْلِ وَزَبِيبًا فِي الْعِنَبِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَالَ وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا ، قَيْدٌ لِعَامِلِهَا ، فَكَوْنُ زَكَاةِ النَّخْلِ تَمْرًا وَصْفٌ لَهَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا مُتَّصِفَةً بِهِ ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهَا تَمْرًا قَيْدٌ لِأَخْذِهَا ، فَهُوَ تَقْيِيدٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَخْذِهَا بِأَنْ يَكُونَ فِي حَالِ كَوْنِهَا تَمْرًا ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ ، كَكَوْنِهَا رُطَبًا مَثَلًا ، وَإِذَا اتَّضَحَ لَكَ أَنَّ أَخْذَهَا رُطَبًا - مَثَلًا - مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007134مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ ، فَهُوَ رَدٌّ " ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007135مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " ، وَفِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ الْآيَةَ [ 24 \ 63 ] .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ أَنَّ إِخْرَاجَ الرُّطَبِ مَثَلًا فِي الزَّكَاةِ مُخَالِفٌ لِمَا سَنَّهُ وَشَرَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَخْذِهَا تَمْرًا ، وَزَبِيبًا يَابِسَيْنِ مَا ذَكَرَهُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الْكُبْرَى " فِي بَابِ " كَيْفَ تُؤْخَذُ زَكَاةُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ " ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ : وَأَخْبَرَنَا
أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ الْفَقِيهُ الْمِهْرَجَانِيُّ ، أَنْبَأَ
بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَنْبَأَ
أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْحَذَّاءُ ، ثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ ، أَخْبَرَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007577أَمَرَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ كَمَا يَخْرُصُ النَّخْلَ ، ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا " ، قَالَ : فَتِلْكَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ . اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ : إِخْرَاجَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ هُوَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُخْرِجُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ مُخَالِفٌ لِسُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَرَى .
الدَّلِيلُ الثَّانِي : إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ زَكَاةَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ مِنْ نَوْعِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ ، وَالْعَيْنُ الْوَاجِبَةُ فِيهَا الزَّكَاةُ هِيَ : التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ الْيَابِسَانِ ، لَا الرُّطَبُ
[ ص: 517 ] وَالْعِنَبُ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِالنِّصَابِ فِي الثِّمَارِ ، عَلَى أَنَّ خَمْسَةَ الْأَوْسُقِ الَّتِي هِيَ النِّصَابُ لَا تُعْتَبَرُ مِنَ الرُّطَبِ ، وَلَا مِنَ الْعِنَبِ ، فَمَنْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=2850_2895عِنْدَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنَ الرُّطَبِ أَوِ الْعِنَبِ ، وَلَكِنَّهَا إِذَا جَفَّتْ نَقَصَتْ عَنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْيَابِسَيْنِ ، فَلَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنَ الرُّطَبِ أَوِ الْعِنَبِ لَكَانَ مُخْرِجًا مِنْ غَيْرِ مَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ كَمَا تَرَى ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ
الزُّرْقَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُوَطَّإِ " ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ
مَالِكٍ : ثُمَّ يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ عَلَى مَا خَرَصَ عَلَيْهِمْ ، مَا نَصُّهُ : وَمَبْنَى التَّخْرِيصِ أَنْ يَحْزِرَ مَا فِي النَّخْلِ ، أَوِ الْعِنَبِ مِنَ التَّمْرِ الْيَابِسِ إِذَا جَذَّ ، عَلَى حَسَبِ جِنْسِهِ ، وَمَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْإِتْمَارِ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ تَمْرًا . انْتَهَى مَحَلُّ الْفَرْضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ لَفْظَةَ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ وَهُوَ الْحَقُّ ، فَقَوْلُ
الزُّرْقَانِيِّ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ تَمْرًا ، مَعْنَاهُ : حَصْرُ أَخْذِ زَكَاةِ النَّخْلِ فِي خُصُوصِ التَّمْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ رُطَبٍ وَنَحْوِهِ ; مُعَلِّلًا بِذَلِكَ اعْتِبَارَ النِّصَابِ مِنَ التَّمْرِ الْيَابِسِ ; لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِمَّا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ مِنَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُوَ وَقْتُ طِيبِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ يَابِسًا ; لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِخْرَاجُهَا بِالْفِعْلِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ تَمْرًا يَابِسًا ; وَلِإِجْمَاعِهِمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اعْتُبِرَتْ ، فَتَسْقُطُ زَكَاةُ مَا أُجِيحَ ، كَمَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْكُلِّ إِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ نِصَابٌ ، وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ .
الدَّلِيلُ الثَّالِثُ :
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْخُذُهَا تَمْرًا بَعْدَ الْجِذَاذِ ، لَا بَلَحًا ، وَلَا رُطَبًا ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=21لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الْآيَةَ [ 33 \ 21 ] ، وَيَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الْآيَةَ [ 59 \ 7 ] ، وَيَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ الْآيَةَ [ 4 \ 80 ] ، وَيَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي الْآيَةَ [ 3 \ 31 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " ، بَابُ " أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ " : وَهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ الصَّدَقَةَ ، حَدَّثَنَا
عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12377إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16962مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007578كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ ، فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ ، وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ ، حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ ، فَقَالَ : " أَمَا [ ص: 518 ] عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ " . اهـ .
فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْخُذُ صَدَقَةَ النَّخْلِ تَمْرًا بَعْدَ الْجِذَاذِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ بَعْدَ لَفْظَةِ كَانَ فِي نَحْوِ : كَانَ يَفْعَلُ كَذَا ، تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ التَّكْرَارِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ ، فَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007579كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ " .
الْحَدِيثُ يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=2858إِخْرَاجَ التَّمْرِ عِنْدَ الْجِذَاذِ هُوَ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُ دَائِمًا فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُ فِي الزَّكَاةِ ذَلِكَ التَّمْرَ الْيَابِسَ ، فَمَنِ ادَّعَى جَوَازَ إِخْرَاجِ زَكَاةِ النَّخْلِ رُطَبًا أَوْ بَلَحًا ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَالَ
ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا مَا نَصُّهُ : " قَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ : قَوْلُهُ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ ، أَيْ : بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ تَمْرًا ; لِأَنَّ النَّخْلَ قَدْ يُصْرَمُ وَهُوَ رُطَبٌ ، فَيُتْمَرُ فِي الْمِرْبَدِ ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَتَطَاوَلُ ، فَحَسُنَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الصِّرَامِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ أَنْ يُدَاسَ وَيُنَقَّى ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ " ، اهـ . مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا ذَكَرْنَا .
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=2849_2858إِخْرَاجِ زَكَاةِ النَّخْلِ رُطَبًا وَبُسْرًا غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَلَا وَجْهَ لَهُ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ التَّمْرُ لَا يَيْبَسُ ، كَبَلَحِ
مِصْرَ ، وَعِنَبِهَا ، فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ
مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ : أَنَّ الزَّكَاةَ تُخْرَجُ مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ بِيعَ ، أَوْ قِيمَتِهِ إِنْ أُكِلَ ، لَا مِنْ نَفْسِ الرُّطَبِ أَوِ الْعِنَبِ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ
ابْنِ رُشْدٍ قَوْلًا مَرْجُوحًا بِإِجْزَاءِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ فِي خُصُوصِ مَا لَا يَيْبَسُ ، وَمَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَكَاةِ مَا لَا يَيْبَسُ : أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ حَقٍّ لَا بَيْعٌ ، فَيَجُوزُ الْقَسْمُ ، وَيُجْعَلُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ مُتَمَيِّزًا فِي نَخْلَاتٍ ، ثُمَّ يَنْظُرُ الْمُصَّدِّقُ ، فَإِنْ رَأَى أَنْ يُفَرِّقَ عَلَيْهِمْ فَعَلَ ، وَإِنْ رَأَى الْبَيْعَ وَقِسْمَةَ الثَّمَنِ فَعَلَ ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ فَلَا تَجُوزُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ ، وَيَقْبِضُ الْمُصَّدِّقُ عُشْرَهَا مَشَاعًا بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مِلْكُ الْمَسَاكِينِ ، ثُمَّ يَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ وَيُفَرِّقُهُ عَلَيْهِمْ ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَهُ فِيمَا إِذَا احْتِيجَ إِلَى قَطْعِ الثَّمَرَةِ رُطَبًا ، خَوْفًا عَلَيْهَا مِنَ الْعَطَشِ وَنَحْوِهِ .
وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنْبَلِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُخَيِّرُ السَّاعِي بَيْنَ أَنْ يُقَاسِمَ رَبَّ الْمَالِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْجِذَاذِ بِالْخَرْصِ ،
[ ص: 519 ] وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُمْ نَخْلَةً مُفْرِدَةً ، وَيَأْخُذَ ثَمَرَتَهَا ، وَبَيْنَ أَنْ يَجُذَّهَا وَيُقَاسِمَهُ إِيَّاهَا بِالْكَيْلِ ، وَيَقْسِمَ الثَّمَرَةَ فِي الْفُقَرَاءِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ ، قَبْلَ الْجِذَاذِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَيَقْسِمَ ثَمَنَهَا فِي الْفُقَرَاءِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ يَابِسَيْنِ ، قَالَهُ
أَبُو بَكْرٍ ، وَذَكَرَ أَنَّ
أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَهُ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ حَاصِلُ مَذْهَبِ
أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ، أَعْنِي الثَّمَرَ الَّذِي لَا يَيْبَسُ ، وَالَّذِي احْتِيجَ لِقَطْعِهِ قَبْلَ الْيُبْسِ .