[ ص: 47 ] الناسخ والمنسوخ
768 - والنسخ رفع الشارع السابق من أحكامه بلاحق وهو قمن 769 - أن يعتنى به وكان nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي
ذا علمه ثم بنص الشارع 770 - أو صاحب أو عرف التاريخ أو
أجمع تركا بان نسخ ورأوا 771 - دلالة الإجماع لا النسخ به
كالقتل في رابعة بشربه
[
nindex.php?page=treesubj&link=22169معنى النسخ لغة ] ( الناسخ والمنسوخ ) من الحديث . ( والنسخ ) لغة : يطلق على الإزالة ، يقال : نسخت الشمس الظل ; إذا أزالته وخلفته . وعلى النقل والتحويل ، يقال : نسخت ما في الخلية من العسل والنحل إلى أخرى . ومنه نسخ الكتاب ، والمناسخات في المواريث ، وهو انتقال المال من وارث إلى آخر . ولا يتحتم فيه المحو والانعدام ، فليس نسخ الكتاب إعداما للمنسوخ منه . وبالنظر في هذا المعنى قسمه بعض المحققين لخمسة معان : نسخت الشمس الظل : أزالته وخلفته ، والريح الأثر : أذهبته ، والفريضة الفريضة : نقلت حكمها إليها ، والليل النهار : بين انتهاءه وعقبه ، ونسخت الكتاب : صورت مثله . قال : وهذا أنسب .
ثم اختلف في حقيقته ، فقيل : إنه مشترك بين الإزالة والتحويل ; لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة . وقيل : إنه حقيقة في الأول ، مجاز في الثاني . وقيل بالعكس . قال
الأصبهاني شارح المختصر : والأخيران الأولى من الأول ، فالمجاز وإن كان على خلاف الأصل خير من الاشتراك . على أن
العضد قال : إنه لا يتعلق به غرض علمي .
[
nindex.php?page=treesubj&link=22169تعريف النسخ اصطلاحا ومحترزاته ] واصطلاحا : هو ( رفع الشارع ) - صلى الله عليه وسلم - الحكم
[ ص: 48 ] ( السابق من أحكامه بـ ) حكم من أحكامه ( لاحق ) . هكذا عرفه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ، وقال : إنه حد وقع لنا سالم من اعتراضات وردت على غيره .
والمراد بارتفاع الحكم قطع تعلقه بالمكلفين ; إذ الحكم قديم لا يرتفع ، ألا ترى أن المكلف إذا كان مستجمعا لما لا بد منه يقال : تعلق به الحكم . وإذا جن يقال : ارتفع عنه الحكم ; أي : تعلقه . ولذا صرح شيخنا تبعا لغيره بقوله : رفع تعلق حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه . ثم لكون الرفع لا يكون إلا بعد الثبوت ، خرج بيان المجمل والاستثناء والشرط ونحوها مما هو متصل بالحكم ، مبين لغايته ، لا سيما مع التقييد بالسابق . واحترز بالشارع عن قول بعض الصحابة : خبر كذا ناسخ ; فإنه لا يكون نسخا وإن كان التكليف بالخبر المشار إليه إنما حصل بإخباره لمن لم يكن بلغه قبل . وبالحكم السابق من أحكامه عن رفع الإباحة الأصلية ; فإنه لا يسمى نسخا . وللاحتراز عن ذلك أيضا قيد بعضهم الحكم بالشرعي ، وقال : لأن الأمور العقلية التي مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ ، وإنما
[ ص: 49 ] ارتفعت بإيجاب العبادات . ولكن هذا القيد مستغن عنه بما قدمناه . وبحكم من أحكامه عن الرفع بالموت ، وكذا بالنوم والغفلة والجنون ، وإن نازع فيه بعضهم بأن النائم وما بعده رفع الحكم عنهم بحكم من أحكامه ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930073رفع القلم ) ; فقد أجيب عن هذا كما أفاده
الأصبهاني بأنه لا فرق بين الثلاثة وبين الميت في رفع الحكم عنهم ; للعلم بأن شرط التكليف التعقل ، وقد اشتركوا في عدمه . والحديث فهو دليل على أن الرافع هو النوم وما معه ، لا لفظ الخبر . وبلاحق عن انتهاء الحكم بانتهاء الوقت ; كقوله - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930074إنكم لاقو العدو غدا ، والفطر أقوى لكم فأفطروا ) . فالصوم مثلا بعد ذلك اليوم ليس بنسخ متأخر ، وإنما المأمور به مؤقت ، وقد انقضى وقته بعد مضي اليوم المأمور بإفطاره . ووراء هذا أن
البلقيني زاد في الحد كون الحكم الذي رفع متعلقا بالمحكوم عليه ; ليخرج به تخفيف الصلاة ليلة الإسراء من خمسين إلى خمس ; فإنه لا يسمى نسخا ; لعدم تعلقه بالمحكوم عليهم ، أي : تعلقا تنجيزيا ; لعدم إبلاغه لهم . فأما في حقه - صلى الله عليه وسلم - فمحتمل ، إلا أن يلمح أنه إنما يتعلق بعد البيان ، وهي غير مسألة النسخ قبل وقت الفعل ; لوجود التعلق بخلاف البيان .
ولكن قيل : إن هذا القيد قبل ما حملته عليه مستغن عنه بقوله : الحكم ; إذ الحكم الشرعي لا بد وأن يكون متعلقا بفعل المكلف تعلقا معنويا قبل وجوده تنجيزيا بعد ، حسبما أخذ في حد الحكم ; حيث قيل فيه : خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين من حيث التكليف بالاقتضاء أو التنجيز . فحينئذ لفظ الحكم يغني عنه . على أن في تعريف شيخنا السابق ما يخرجه . واختار
التاج السبكي في تعريفه
[ ص: 50 ] أنه رفع الحكم الشرعي بخطاب ، وقال : إنه أقرب الحدود .
وبالجملة فكونه رافعا هو الصحيح ، وإلا فقد قيل : إنه بيان لانتهاء أمد الحكم ، والناسخ ما دل على الرفع المذكور ، وتسميته ناسخا مجاز ; لأن الناسخ في الحقيقة هو الله . وقد قال
ابن كثير في هذا النوع : إنه ليس من خصائص هذا العلم ، بل هو بأصول الفقه أشبه .
ونحوه قول
ابن الأثير : معرفة المتواتر والآحاد والناسخ والمنسوخ ، وإن تعلقت بعلم الحديث ، فإن المحدث لا يفتقر إليها ، بل هي من وظيفة الفقيه ; لأنه يستنبط الأحكام من الأحاديث فيحتاج إلى معرفة ذلك ، وأما المحدث فوظيفته أن ينقل ويروي ما سمعه من الأحاديث ، فإن تصدى لما رواه فزيادة في الفضل ، وكمال في الاختيار . انتهى .
[ ص: 47 ] النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ
768 - وَالنَّسْخُ رَفْعُ الشَّارِعِ السَّابِقَ مِنْ أَحْكَامِهِ بِلَاحِقٍ وَهْوَ قَمِنْ 769 - أَنْ يُعْتَنَى بِهِ وَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ
ذَا عِلْمِهِ ثُمَّ بِنَصِّ الشَّارِعِ 770 - أَوْ صَاحِبٍ أَوْ عُرِفَ التَّارِيخُ أَوْ
أُجْمِعَ تَرْكًا بَانَ نَسْخُ وَرَأَوْا 771 - دِلَالَةَ الْإِجْمَاعِ لَا النَّسْخَ بِهِ
كَالْقَتْلِ فِي رَابِعَةٍ بِشُرْبِهِ
[
nindex.php?page=treesubj&link=22169مَعْنَى النَّسْخِ لُغَةً ] ( النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ ) مِنَ الْحَدِيثِ . ( وَالنَّسْخُ ) لُغَةً : يُطْلَقُ عَلَى الْإِزَالَةِ ، يُقَالُ : نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ ; إِذَا أَزَالَتْهُ وَخَلَّفَتْهُ . وَعَلَى النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ ، يُقَالُ : نَسَخْتُ مَا فِي الْخَلِيَّةِ مِنَ الْعَسَلِ وَالنَّحْلِ إِلَى أُخْرَى . وَمِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ ، وَالْمُنَاسَخَاتُ فِي الْمَوَارِيثِ ، وَهُوَ انْتِقَالُ الْمَالِ مِنْ وَارِثٍ إِلَى آخَرَ . وَلَا يَتَحَتَّمُ فِيهِ الْمَحْوُ وَالِانْعِدَامُ ، فَلَيْسَ نَسْخُ الْكِتَابِ إِعْدَامًا لِلْمَنْسُوخِ مِنْهُ . وَبِالنَّظَرِ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَسَّمَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ لِخَمْسَةِ مَعَانٍ : نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ : أَزَالَتْهُ وَخَلَّفَتْهُ ، وَالرِّيحُ الْأَثَرَ : أَذْهَبَتْهُ ، وَالْفَرِيضَةُ الْفَرِيضَةَ : نَقَلَتْ حُكْمَهَا إِلَيْهَا ، وَاللَّيْلُ النَّهَارَ : بَيَّنَ انْتِهَاءَهُ وَعَقَبَهُ ، وَنَسَخْتُ الْكِتَابَ : صَوَّرْتُ مِثْلَهُ . قَالَ : وَهَذَا أَنْسَبُ .
ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي حَقِيقَتِهِ ، فَقِيلَ : إِنَّهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْإِزَالَةِ وَالتَّحْوِيلِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ . وَقِيلَ : إِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ ، مَجَازٌ فِي الثَّانِي . وَقِيلَ بِالْعَكْسِ . قَالَ
الْأَصْبَهَانِيُّ شَارِحُ الْمُخْتَصَرِ : وَالْأَخِيرَانِ الْأَوْلَى مِنَ الْأَوَّلِ ، فَالْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ خَيْرٌ مِنَ الِاشْتِرَاكِ . عَلَى أَنَّ
الْعَضُدَ قَالَ : إِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ عِلْمِيٌّ .
[
nindex.php?page=treesubj&link=22169تَعْرِيفُ النَّسْخِ اصْطِلَاحًا وَمُحْتَرَزَاتِهِ ] وَاصْطِلَاحًا : هُوَ ( رَفْعُ الشَّارِعِ ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُكْمَ
[ ص: 48 ] ( السَّابِقَ مِنْ أَحْكَامِهِ بِـ ) حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ ( لَاحِقٍ ) . هَكَذَا عَرَّفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنُ الصَّلَاحِ ، وَقَالَ : إِنَّهُ حَدٌّ وَقَعَ لَنَا سَالِمٌ مِنَ اعْتِرَاضَاتٍ وَرَدَتْ عَلَى غَيْرِهِ .
وَالْمُرَادُ بِارْتِفَاعِ الْحُكْمِ قَطْعُ تَعَلُّقِهِ بِالْمُكَلَّفِينَ ; إِذِ الْحُكْمُ قَدِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ يُقَالُ : تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ . وَإِذَا جُنَّ يُقَالُ : ارْتَفَعَ عَنْهُ الْحُكْمُ ; أَيْ : تَعَلَّقَهُ . وَلِذَا صَرَّحَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ : رَفْعُ تَعَلُّقِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ . ثُمَّ لِكَوْنِ الرَّفْعِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الثُّبُوتِ ، خَرَجَ بَيَانُ الْمُجْمَلِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْحُكْمِ ، مُبَيِّنٌ لِغَايَتِهِ ، لَا سِيَّمَا مَعَ التَّقْيِيدِ بِالسَّابِقِ . وَاحْتَرَزَ بِالشَّارِعِ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ : خَبَرُ كَذَا نَاسِخٌ ; فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَسْخًا وَإِنْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْخَبَرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ إِنَّمَا حَصَلَ بِإِخْبَارِهِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ قَبْلُ . وَبِالْحُكْمِ السَّابِقِ مِنْ أَحْكَامِهِ عَنْ رَفْعِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ; فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا . وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَيَّدَ بَعْضُهُمُ الْحُكْمَ بِالشَّرْعِيِّ ، وَقَالَ : لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي مُسْتَنَدُهَا الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَمْ تُنْسَخْ ، وَإِنَّمَا
[ ص: 49 ] ارْتَفَعَتْ بِإِيجَابِ الْعِبَادَاتِ . وَلَكِنَّ هَذَا الْقَيْدَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ . وَبِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ عَنِ الرَّفْعِ بِالْمَوْتِ ، وَكَذَا بِالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ وَالْجُنُونِ ، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّائِمَ وَمَا بَعْدَهُ رُفِعَ الْحُكْمُ عَنْهُمْ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930073رُفِعَ الْقَلَمُ ) ; فَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا كَمَا أَفَادَهُ
الْأَصْبَهَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ فِي رَفْعِ الْحُكْمِ عَنْهُمْ ; لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ التَّعَقُّلُ ، وَقَدِ اشْتَرَكُوا فِي عَدَمِهِ . وَالْحَدِيثُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّافِعَ هُوَ النَّوْمُ وَمَا مَعَهُ ، لَا لَفْظُ الْخَبَرِ . وَبِلَاحِقٍ عَنِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ الْوَقْتِ ; كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930074إِنَّكُمْ لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا ) . فَالصَّوْمُ مَثَلًا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَيْسَ بِنَسْخٍ مُتَأَخِّرٍ ، وَإِنَّمَا الْمَأْمُورُ بِهِ مُؤَقَّتٌ ، وَقَدِ انْقَضَى وَقْتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ الْمَأْمُورِ بِإِفْطَارِهِ . وَوَرَاءَ هَذَا أَنَّ
الْبُلْقِينِيَّ زَادَ فِي الْحَدِّ كَوْنَ الْحُكْمِ الَّذِي رُفِعَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ; لِيُخْرِجَ بِهِ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ مِنْ خَمْسِينَ إِلَى خَمْسٍ ; فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا ; لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ ، أَيْ : تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا ; لِعَدَمِ إِبْلَاغِهِ لَهُمْ . فَأَمَّا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُحْتَمَلٌ ، إِلَّا أَنْ يُلْمَحَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بَعْدَ الْبَيَانِ ، وَهِيَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ ; لِوُجُودِ التَّعَلُّقِ بِخِلَافِ الْبَيَانِ .
وَلَكِنْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا الْقَيْدَ قَبْلَ مَا حَمَلْتَهُ عَلَيْهِ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : الْحُكْمُ ; إِذِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا قَبْلَ وُجُودِهِ تَنْجِيزِيًّا بَعْدُ ، حَسْبَمَا أُخِذَ فِي حَدِّ الْحُكْمِ ; حَيْثُ قِيلَ فِيهِ : خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ التَّكْلِيفُ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّنْجِيزِ . فَحِينَئِذٍ لَفْظُ الْحُكْمِ يُغْنِي عَنْهُ . عَلَى أَنَّ فِي تَعْرِيفِ شَيْخِنَا السَّابِقِ مَا يُخْرِجُهُ . وَاخْتَارَ
التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي تَعْرِيفِهِ
[ ص: 50 ] أَنَّهُ رَفْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِخِطَابٍ ، وَقَالَ : إِنَّهُ أَقْرَبُ الْحُدُودِ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَكَوْنُهُ رَافِعًا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ أَمَدِ الْحُكْمِ ، وَالنَّاسِخُ مَا دَلَّ عَلَى الرَّفْعِ الْمَذْكُورِ ، وَتَسْمِيَتُهُ نَاسِخًا مَجَازٌ ; لِأَنَّ النَّاسِخَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ . وَقَدْ قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي هَذَا النَّوْعِ : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الْعِلْمِ ، بَلْ هُوَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أَشْبَهُ .
وَنَحْوُهُ قَوْلُ
ابْنِ الْأَثِيرِ : مَعْرِفَةُ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ ، فَإِنَّ الْمُحَدِّثَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَيْهَا ، بَلْ هِيَ مِنْ وَظِيفَةِ الْفَقِيهِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَنْبِطُ الْأَحْكَامَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَيَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْمُحَدِّثُ فَوَظِيفَتُهُ أَنْ يَنْقُلَ وَيَرْوِيَ مَا سَمِعَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ ، فَإِنْ تَصَدَّى لِمَا رَوَاهُ فَزِيَادَةٌ فِي الْفَضْلِ ، وَكَمَالٌ فِي الِاخْتِيَارِ . انْتَهَى .