الاستدلال :
وهو محاولة الدليل المفضي إلى الحكم الشرعي من جهة القواعد لا من الأدلة المنصوبة ، وفيه قاعدتان :
القاعدة الأولى : في الملازمات .
وضابط الملزوم : ما يحسن فيه لو ، واللازم : ما يحسن فيه اللام نحو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) . وكقولنا إن كان هذا الطعام مهلكا ، فهو حرام تقديره لو كان مهلكا لكان حراما .
[ ص: 155 ] فالاستدلال : إما بوجود الملزوم أو بعدمه ، أو بوجود اللازم أو بعدمه .
فهذه الأربعة : منها اثنان منتجان ، واثنان عقيمان .
فالمنتجان : الاستدلال بوجود الملزوم على وجود اللازم ، وبعدم اللازم على عدم الملزوم ، فكل ما أنتج وجوده ، فعدمه عقيم ، وكل ما أنتج عدمه ، فوجوده عقيم إلا أن يكون اللازم مساويا للملزوم ، فتنتج الأربعة نحو قولنا : لو كان هذا إنسانا لكان ضاحكا بالقوة .
ثم الملازمة قد تكون قطعية : كالعشرة مع الزوجية ، وظنية : كالنجاسة مع كأس الحجام ، وقد تكون كلية : كالتكليف مع العقل ، فكل مكلف عاقل في سائر الأزمان والأحوال ، فكليتها باعتبار ذلك لا باعتبار الأشخاص .
وجزئية : كالوضوء مع الغسل ، فالوضوء لازم للغسل إذا سلم من النواقض حال إيقاعه فقط ، فلا جرم لم يلزم من انتفاء اللازم الذي هو الوضوء انتفاء الملزوم الذي هو الغسل لأنه ليس كليا بخلاف انتفاء العقل ، فإنه يوجب انتفاء التكليف في سائر الصور .
القاعدة الثانية :
أن الأصل في المنافع : الإذن ، وفي المضار : المنع بأدلة السمع لا بالعقل خلافا للمعتزلة .
وقد تعظم المنفعة ، فيصحبها الندب ، أو الوجوب مع الإذن .
وقد تعظم المضرة ، فيصحبها التحريم على قدر رتبتها ، فيستدل على الأحكام بهذه القاعدة .
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150الاستحسان :
قال
الباجي : هو القول بأقوى الدليلين ، وعلى هذا يكون حجة إجماعا ، وليس كذلك .
وقيل : هو الحكم بغير دليل ، وهذا اتباع للهوى ، فيكون حراما إجماعا .
[ ص: 156 ] وقال
الكرخي : هو العدول عما حكم به في نظائر مسألة إلى خلافه لوجه أقوى منه ، وهذا يقتضي أن يكون العدول عن العموم إلى الخصوص استحسانا ، ومن الناسخ إلى المنسوخ .
وقال
أبو الحسين : هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لوجه أقوى منه ، وهو في حكم الطارئ على الأول ، فبالأول خرج العموم ، وبالثاني خرج ترك القياس المرجوح للقياس الراجح لعدم طريانه عليه ، وهو حجة عند الحنفية ، وبعض
البصريين منا ، وأنكره
العراقيون .
الأخذ بالأخف :
هو عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - حجة كما قيل في
nindex.php?page=treesubj&link=9344دية اليهودي إنها مساوية لدية المسلم .
ومنهم من قال : نصف دية المسلم ، وهو قولنا ، ومنهم من قال : ثلثها أخذا بالأقل ، فأوجب الثلث فقط لأنه مجمع عليه ، وما زاد منفي بالبراءة الأصلية .
nindex.php?page=treesubj&link=22167العصمة :
وهي : أن العلماء اختلفوا :
nindex.php?page=treesubj&link=22167هل يجوز أن يقول الله تعالى لنبي أو لعالم : احكم فإنك لا تحكم إلا بالصواب . فقطع بوقوع ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=17179موسى بن عمران من العلماء ، وقطع جمهور
المعتزلة بامتناعه ، وتوقف
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في امتناعه وجوازه ، ووافقه الإمام
فخر الدين - رحمه الله - .
nindex.php?page=treesubj&link=21665إجماع أهل الكوفة :
ذهب قوم إلى أنه حجة لكثرة من وردها من الصحابة رضي الله عنهم كما قال
مالك في إجماع المدينة .
فهذه أدلة مشروعية الأحكام .
[ ص: 157 ] قاعدة :
يقع التعارض في الشرع بين الدليلين ، والبينتين ، والأصلين ، والظاهرين ، والأصل والظاهر ، ويختلف العلماء في جميع ذلك .
فالدليلان : نحو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24إلا ما ملكت أيمانكم ) . وهو يتناول الجمع بين الأختين في الملك ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين ) . يقتضي تحريم الجمع مطلقا ، ولذلك قال
علي - رضي الله عنه - حرمتهما آية ، وأحلتهما آية ، وذلك كثير في الكتاب والسنة .
واختلف العلماء هل يخير بينهما أو يسقطان .
والبينتان : نحو شهادة بينة بأن هذه الدار لزيد ، وشهادة أخرى بأنها لعمرو ، فهل تترجح إحدى البينتين ؟ خلاف .
والأصلان : نحو رجل قطع رجلا ملفوفا نصفين ، ثم نازع أولياؤه في أنه كان حيا حالة القطع ، فالأصل براءة الذمة من القصاص ، والأصل بقاء الحياة .
فاختلف العلماء في نفي القصاص وثبوته ، أو التفرقة بين أن يكون ملفوفا في ثياب الأموات أو الأحياء ، ونحو العبد إذا انقطع خبره ، فهل تجب زكاة فطره لأن الأصل بقاء حياته ، أو لا تجب لأن الأصل براءة الذمة ؟ خلاف .
والظاهران : نحو اختلاف الزوجين في متاع البيت ، فإن اليد ظاهرة في الملك ، ولكل واحد منهما يد ، فسوى الشافعي بينهما ، ورجحنا نحن أحدهما بالعادة .
[ ص: 158 ] ونحو شهادة عدلين منفردين برؤية الهلال ، والسماء مصحية ، فظاهر العدالة الصدق ، وظاهر الصحو اشتراك الناس في الرؤية ، فرجح
مالك العدالة ، ورجح
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون الصحو .
والأصل والظاهر : كالمقبرة القديمة الظاهر تنجيسها ، فتحرم الصلاة فيها ، والأصل عدم النجاسة .
وكذلك اختلاف الزوجين في النفقة ظاهر العادة دفعها ، والأصل بقاؤها ، فغلبنا نحن الأول ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي الثاني .
ونحو اختلاف الجاني مع المجني عليه في سلامة العضو أو وجوده ، الظاهر سلامة أعضاء الناس ، ووجودها ، والأصل براءة الذمة ، فاختلف العلماء في جميع ذلك ، واتفقوا على تغليب الأصل على الغالب في الدعاوى ، فإن الأصل براءة الذمة ، والغالب المعاملات لا سيما إذا كان المدعي من أهل الدين ، والورع .
واتفقوا على تغليب الغالب على الأصل في البينة ، فإن الغالب صدقها ، والأصل براءة الذمة .
فائدة : الأصل أن يحكم الشرع بالاستصحاب ، أو بالظهور إذا انفرد عن المعارض .
وقد استثني من ذلك أمور لا يحكم فيها إلا بمزيد ترجيح يضم إليه أحدها ضم اليمين إلى النكول ، فيجتمع الظاهران ، وثانيها : تحليف المدعى عليه ، فيجتمع استصحاب البراءة مع ظهور اليمين .
وثالثها : اشتباه الأواني والأثواب ، يجتهد فيها على الخلاف ، فيجتمع الأصل مع ظهور الاجتهاد ، ويكتفى في القبلة بمجرد الاجتهاد لتعذر
[ ص: 159 ] انحصار القبلة في جهة حتى يستصحب فيها ، فهذه أدلة مشروعية الأحكام ، وتفاصيل أحوالها .
وأما أدلة وقوع الأحكام بعد مشروعيتها ، فلا تعد ، ولا تقف عند حد ، فهي أدلة وقوع أسبابها ، وحصول شروطها ، وانتفاء موانعها ، وهي غير محصورة .
وهي إما معلومة بالضرورة : كدلالة زيادة الظل على الزوال ، أو كمال العدة على الهلال ، وإما مظنونة : كالأقارير ، والبينات ، والأيمان ، والنكولات ، والأيدي على الأملاك ، وشعائر الإسلام عليه الذي هو شرط في الميراث ، وشعائر الكفر عليه ، وهو مانع من الميراث ، وهذا باب لا يعد ولا يحصى .
الِاسْتِدْلَالُ :
وَهُوَ مُحَاوَلَةُ الدَّلِيلِ الْمُفْضِي إِلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَوَاعِدِ لَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمَنْصُوبَةِ ، وَفِيهِ قَاعِدَتَانِ :
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى : فِي الْمُلَازَمَاتِ .
وَضَابِطُ الْمَلْزُومِ : مَا يَحْسُنُ فِيهِ لَوْ ، وَاللَّازِمُ : مَا يَحْسُنُ فِيهِ اللَّامُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) . وَكَقَوْلِنَا إِنْ كَانَ هَذَا الطَّعَامُ مُهْلِكًا ، فَهُوَ حَرَامٌ تَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ مُهْلِكًا لَكَانَ حَرَامًا .
[ ص: 155 ] فَالِاسْتِدْلَالُ : إِمَّا بِوُجُودِ الْمَلْزُومِ أَوْ بِعَدَمِهِ ، أَوْ بِوُجُودِ اللَّازِمِ أَوْ بِعَدَمِهِ .
فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ : مِنْهَا اثْنَانِ مُنْتِجَانِ ، وَاثْنَانِ عَقِيمَانِ .
فَالْمُنْتِجَانِ : الِاسْتِدْلَالُ بِوُجُودِ الْمَلْزُومِ عَلَى وُجُودِ اللَّازِمِ ، وَبِعَدَمِ اللَّازِمِ عَلَى عَدَمِ الْمَلْزُومِ ، فَكُلُّ مَا أَنْتَجَ وُجُودُهُ ، فَعَدَمُهُ عَقِيمٌ ، وَكُلُّ مَا أَنْتَجَ عَدَمُهُ ، فَوُجُودُهُ عَقِيمٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّازِمُ مُسَاوِيًا لِلْمَلْزُومِ ، فَتُنْتِجُ الْأَرْبَعَةُ نَحْوَ قَوْلِنَا : لَوْ كَانَ هَذَا إِنْسَانًا لَكَانَ ضَاحِكًا بِالْقُوَّةِ .
ثُمَّ الْمُلَازَمَةُ قَدْ تَكُونُ قَطْعِيَّةً : كَالْعِشْرَةِ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ ، وَظَنِّيَّةً : كَالنَّجَاسَةِ مَعَ كَأْسِ الْحَجَّامِ ، وَقَدْ تَكُونُ كُلِّيَّةً : كَالتَّكْلِيفِ مَعَ الْعَقْلِ ، فَكُلُّ مُكَلَّفٍ عَاقِلٌ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ ، فَكُلِّيَّتُهَا بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ لَا بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ .
وَجُزْئِيَّةً : كَالْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ ، فَالْوُضُوءُ لَازِمٌ لِلْغُسْلِ إِذَا سَلِمَ مِنَ النَّوَاقِضِ حَالَ إِيقَاعِهِ فَقَطْ ، فَلَا جَرَمَ لَمْ يَلْزَمْ مِنِ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ انْتِفَاءُ الْمَلْزُومِ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلِّيًّا بِخِلَافِ انْتِفَاءِ الْعَقْلِ ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ انْتِفَاءَ التَّكْلِيفِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ .
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ :
أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ : الْإِذْنُ ، وَفِي الْمَضَارِّ : الْمَنْعُ بِأَدِلَّةِ السَّمْعِ لَا بِالْعَقْلِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ .
وَقَدْ تَعْظُمُ الْمَنْفَعَةُ ، فَيَصْحَبُهَا النَّدْبُ ، أَوِ الْوُجُوبُ مَعَ الْإِذْنِ .
وَقَدْ تَعْظُمُ الْمَضَرَّةُ ، فَيَصْحَبُهَا التَّحْرِيمُ عَلَى قَدْرِ رُتْبَتِهَا ، فَيُسْتَدَلُّ عَلَى الْأَحْكَامِ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150الِاسْتِحْسَانُ :
قَالَ
الْبَاجِيُّ : هُوَ الْقَوْلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُجَّةً إِجْمَاعًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَقِيلَ : هُوَ الْحُكْمُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ، وَهَذَا اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى ، فَيَكُونُ حَرَامًا إِجْمَاعًا .
[ ص: 156 ] وَقَالَ
الْكَرْخِيُّ : هُوَ الْعُدُولُ عَمَّا حُكِمَ بِهِ فِي نَظَائِرِ مَسْأَلَةٍ إِلَى خِلَافِهِ لِوَجْهٍ أَقْوَى مِنْهُ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ عَنِ الْعُمُومِ إِلَى الْخُصُوصِ اسْتِحْسَانًا ، وَمِنَ النَّاسِخِ إِلَى الْمَنْسُوخِ .
وَقَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ : هُوَ تَرْكُ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الِاجْتِهَادِ غَيْرِ شَامِلٍ شُمُولَ الْأَلْفَاظِ لِوَجْهٍ أَقْوَى مِنْهُ ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الطَّارِئِ عَلَى الْأَوَّلِ ، فَبِالْأَوَّلِ خَرَجَ الْعُمُومُ ، وَبِالثَّانِي خَرَجَ تَرْكُ الْقِيَاسِ الْمَرْجُوحِ لِلْقِيَاسِ الرَّاجِحِ لِعَدَمِ طَرَيَانِهِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَبَعْضِ
الْبَصْرِيِّينَ مِنَّا ، وَأَنْكَرَهُ
الْعِرَاقِيُّونَ .
الْأَخْذُ بِالْأَخَفِّ :
هُوَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُجَّةٌ كَمَا قِيلَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=9344دِيَةِ الْيَهُودِيِّ إِنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِدِيَةِ الْمُسْلِمِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ، وَهُوَ قَوْلُنَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : ثُلُثُهَا أَخْذًا بِالْأَقَلِّ ، فَأَوْجَبَ الثُّلُثَ فَقَطْ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَمَا زَادَ مَنْفِيٌّ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=22167الْعِصْمَةُ :
وَهِيَ : أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=22167هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيٍّ أَوْ لِعَالِمٍ : احْكُمْ فَإِنَّكَ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِالصَّوَابِ . فَقَطَعَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=17179مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَقَطَعَ جُمْهُورُ
الْمُعْتَزِلَةِ بِامْتِنَاعِهِ ، وَتَوَقَّفَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي امْتِنَاعِهِ وَجَوَازِهِ ، وَوَافَقَهُ الْإِمَامُ
فَخْرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
nindex.php?page=treesubj&link=21665إِجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ :
ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ لِكَثْرَةِ مَنْ وَرَدَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا قَالَ
مَالِكٌ فِي إِجْمَاعِ الْمَدِينَةِ .
فَهَذِهِ أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ .
[ ص: 157 ] قَاعِدَةٌ :
يَقَعُ التَّعَارُضُ فِي الشَّرْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ ، وَالْبَيِّنَتَيْنِ ، وَالْأَصْلَيْنِ ، وَالظَّاهِرَيْنِ ، وَالْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ ، وَيَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ .
فَالدَّلِيلَانِ : نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ ) . وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْمِلْكِ ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) . يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْجَمْعِ مُطْلَقًا ، وَلِذَلِكَ قَالَ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ ، وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَسْقُطَانِ .
وَالْبَيِّنَتَانِ : نَحْوَ شَهَادَةٍ بَيِّنَةٍ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ ، وَشَهَادَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهَا لِعَمْرٍو ، فَهَلْ تَتَرَجَّحُ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ ؟ خِلَافٌ .
وَالْأَصْلَانِ : نَحْوَ رَجُلٍ قَطَعَ رَجُلًا مَلْفُوفًا نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ نَازَعَ أَوْلِيَاؤُهُ فِي أَنَّهُ كَانَ حَيًّا حَالَةَ الْقَطْعِ ، فَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنَ الْقِصَاصِ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ .
فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ وَثُبُوتِهِ ، أَوِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلْفُوفًا فِي ثِيَابِ الْأَمْوَاتِ أَوِ الْأَحْيَاءِ ، وَنَحْوَ الْعَبْدِ إِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ ، فَهَلْ تَجِبُ زَكَاةُ فِطْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاتِهِ ، أَوْ لَا تَجِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ؟ خِلَافٌ .
وَالظَّاهِرَانِ : نَحْوَ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ ، فَإِنَّ الْيَدَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ ، فَسَوَّى الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا ، وَرَجَّحْنَا نَحْنُ أَحَدَهُمَا بِالْعَادَةِ .
[ ص: 158 ] وَنَحْوَ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ، وَالسَّمَاءِ مُصْحِيَةٌ ، فَظَاهِرُ الْعَدَالَةِ الصِّدْقُ ، وَظَاهِرُ الصَّحْوِ اشْتِرَاكُ النَّاسِ فِي الرُّؤْيَةِ ، فَرَجَّحَ
مَالِكٌ الْعَدَالَةَ ، وَرَجَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونٌ الصَّحْوَ .
وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ : كَالْمَقْبَرَةِ الْقَدِيمَةِ الظَّاهِرِ تَنْجِيسُهَا ، فَتَحْرُمُ الصَّلَاةُ فِيهَا ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ .
وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي النَّفَقَةِ ظَاهِرُ الْعَادَةِ دَفْعُهَا ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا ، فَغَلَّبْنَا نَحْنُ الْأَوَّلَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ الثَّانِيَ .
وَنَحْوَ اخْتِلَافِ الْجَانِي مَعَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي سَلَامَةِ الْعُضْوِ أَوْ وُجُودِهِ ، الظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَعْضَاءِ النَّاسِ ، وَوُجُودُهَا ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَغْلِيبِ الْأَصْلِ عَلَى الْغَالِبِ فِي الدَّعَاوَى ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَالْغَالِبُ الْمُعَامَلَاتُ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِنْ أَهْلِ الدِّينِ ، وَالْوَرَعِ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى تَغْلِيبِ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْبَيِّنَةِ ، فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ .
فَائِدَةٌ : الْأَصْلُ أَنْ يَحْكُمَ الشَّرْعُ بِالِاسْتِصْحَابِ ، أَوْ بِالظُّهُورِ إِذَا انْفَرَدَ عَنِ الْمُعَارِضِ .
وَقَدِ اسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ أُمُورٌ لَا يُحْكَمُ فِيهَا إِلَّا بِمَزِيدِ تَرْجِيحٍ يُضَمُّ إِلَيْهِ أَحَدُهَا ضَمَّ الْيَمِينِ إِلَى النُّكُولِ ، فَيَجْتَمِعُ الظَّاهِرَانِ ، وَثَانِيهَا : تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَيَجْتَمِعُ اسْتِصْحَابُ الْبَرَاءَةِ مَعَ ظُهُورِ الْيَمِينِ .
وَثَالِثُهَا : اشْتِبَاهُ الْأَوَانِي وَالْأَثْوَابُ ، يُجْتَهَدُ فِيهَا عَلَى الْخِلَافِ ، فَيَجْتَمِعُ الْأَصْلُ مَعَ ظُهُورِ الِاجْتِهَادِ ، وَيُكْتَفَى فِي الْقِبْلَةِ بِمُجَرَّدِ الِاجْتِهَادِ لِتَعَذُّرِ
[ ص: 159 ] انْحِصَارِ الْقِبْلَةِ فِي جِهَةٍ حَتَّى يَسْتَصْحِبَ فِيهَا ، فَهَذِهِ أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ ، وَتَفَاصِيلُ أَحْوَالِهَا .
وَأَمَّا أَدِلَّةُ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ مَشْرُوعِيَّتِهَا ، فَلَا تُعَدُّ ، وَلَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ ، فَهِيَ أَدِلَّةُ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا ، وَحُصُولِ شُرُوطِهَا ، وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا ، وَهِيَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ .
وَهِيَ إِمَّا مَعْلُومَةٌ بِالضَّرُورَةِ : كَدَلَالَةِ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الزَّوَالِ ، أَوْ كَمَالِ الْعِدَّةِ عَلَى الْهِلَالِ ، وَإِمَّا مَظْنُونَةٌ : كَالْأَقَارِيرِ ، وَالْبَيِّنَاتِ ، وَالْأَيْمَانِ ، وَالنُّكُولَاتِ ، وَالْأَيْدِي عَلَى الْأَمْلَاكِ ، وَشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الْمِيرَاثِ ، وَشَعَائِرِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الْمِيرَاثِ ، وَهَذَا بَابٌ لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى .