[ ص: 323 ] باب
nindex.php?page=treesubj&link=10806الشغار ، وما دخل فيه ، من أحكام القرآن
قال
الشافعي رحمه الله : " وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=10806أنكح الرجل ابنته ، أو المرأة يلي أمرها الرجل على أن ينكحه ابنته ، أو المرأة يلي أمرها على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ولم يسم لكل واحدة منهما صداقا ، فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مفسوخ " .
قال
الماوردي : وأما الشغار في اللغة فهو الخلو ، يقال : بلد شاغر إذا خلا من سلطان ، وأمر شاغر إذا خلا من مدبر .
أصله : مأخوذ من شغور الكلب ، يقال : قد شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه للبول لخلو الأرض منها .
وحكى
الجاحظ أن شغور الكلب علامة بلوغه ، وأنه يبلغ بعد ستة أشهر من عمره ، واستشهد بقول الشاعر .
حتى توفا الستة الشهورا من عمره وبلغ الشغورا
هذا قول
أبي عمرو بن العلاء ،
والأصمعي ، وأكثر أهل اللغة .
وقال
ابن الأعرابي : سمي الشغار شغارا : لقبحه ، ومنه شغور الكلب : لقبح منظره إذا بال مع رفع رجله .
وقال
ثعلب : الشغار الرفع ، ومنه شغور الكلب .
والأصل في الشغار ما رواه
ابن جريج ، عن
أبي الزبير ، عن
جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923988نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار .
وروى
حميد عن
الحسن عن
عمران بن الحصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922129لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام . والشغار ، ما وصفه
الشافعي بقول الرجل : قد زوجتك بنتي أو وليتي ، على أن تزوجني بنتك أو وليتك ، على أن تضع كل واحدة منهما صداق
[ ص: 324 ] الأخرى ، أو يقول : على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ، فهذا هو الشغار المنهي عنه ، والدليل عليه حديثان :
أحدهما : ما رواه
الشافعي ، عن
مالك ، عن
نافع ، عن
ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=923988أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار . والشغار : أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته ليس بينهما صداق .
والحديث الثاني : رواه
معمر عن
ثابت عن
أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923989nindex.php?page=treesubj&link=10806لا شغار في الإسلام . والشغار أن يبذل الرجل أخته بأخته .
وهذا التفسير من الراوي إما أن يكون سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو نص ، وإما أن يكون عن نفسه ، فهو لعلمه بمخرج الخطاب ومشاهدة الحال أعرف به من غيره .
فإذا تقرر أن
nindex.php?page=treesubj&link=10806نكاح الشغار ما وصفنا ، فعقد النكاح فيه باطل . وبه قال
مالك ،
وأحمد ،
وإسحاق ، إلا أن
مالكا جعل النهي فيه متوجها إلى الصداق ، وعنده أن فساد الصداق موجب لفساد النكاح ، وعندنا أن النهي فيه متوجه إلى النكاح دون الصداق ، وأن فساد الصداق لا يوجب فساد النكاح ، فصار
مالك موافقا في الحكم مخالفا في معنى النهي .
وقال
أبو حنيفة : نكاح الشغار جائز ، والنهي فيه متوجه إلى الصداق دون النكاح ، وفساد الصداق لا يوجب فساد النكاح ، فصار مخالفا
لمالك في الحكم موافقا له في معنى النهي .
وبه قال
الزهري ،
والثوري : استدلالا بأن النهي متوجه إلى الصداق : لأنه لو قال كل واحد منهما : قد زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك كان النكاح جائزا ، وإنما أبطله إذا قال : على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ، فدل على أن النهي توجه إلى الصداق ، وفساده لا يوجب فساد النكاح ، كما لو تزوجها على صداق من خمر ، أو خنزير ، ولأنه لو قال : قد زوجتك بنتي على أن صداقها طلاق امرأتك صح النكاح ، وإن جعل الصداق بضع زوجته ، فكذلك في مسألتنا ، قالوا : ولأنكم جوزتم النكاح إذا سمى لهما أو لأحدهما صداقا فكذلك وإن لم يسميه : لأن
nindex.php?page=treesubj&link=11158ترك الصداق في العقد الصحيح لا يوجب فساده ، كما أن ذكره في العقد الفاسد لا يوجب صحته .
ودليلنا ما قدمناه من نهي النبي صلى الله عليه وسلم ، والنهي عندنا يقتضي فساد المنهي عنه ما لم يصرف عنه دليل .
فإن قالوا : قد فسد بالنهي ما توجه إليه وهو الصداق دون النكاح ، فعنه جوابان :
أحدهما : أن النهي توجه إلى النكاح : لما رواه
نافع عن
ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=923990أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار .
[ ص: 325 ] والثاني : أنه يجمل على عموم الأمرين .
فإن قالوا : إنما سمي شغارا لخلوه من صداق ، ونحن لا نخليه : لأننا نوجب فيه صداق المثل فامتنع أن يكون شغارا .
قيل : هذا فاسد : لأنه ليس يمنع ما أوجبتموه من الصداق بعد العقد من أن يكون نكاح الشغار وقت العقد قد توجه النهي إليه فاقتضى فساده .
ومن طريق القياس ، ما ذكره
الشافعي في القديم : أنه عقد فيه مثنوية ، ومعناه : أنه ملك الزوج بضع بنته بالنكاح أو ارتجعه منه بأن جعله ملكا لبنت الزوج بالصداق ، وهذا موجب لفساد النكاح ، كما لو قال : زوجتك بنتي على أن يكون بضعها ملكا لفلان ، كان النكاح فاسدا بالإجماع ، كذلك هذا بالحجاج ، وتحريره : أنه جعل المقصود لغير المعقود له ، فوجب أن يبطل قياسا على ما ذكرنا من قوله : زوجتك بنتي على أن يكون بضعها لفلان ، ولأنه جعل المعقود عليه معقودا به فوجب أن يكون باطلا ، كما لو زوج بنته بعبد على أن تكون رقبته صداقها ، ولأن العين الواحدة إذا جعلت عوضا ومعوضا ، فإذا بطل أن تكون عوضا بطل أن تكون معوضا كالثمن والمثمن في البيع ، وهو أن يقول : قد بعتك عبدي بألف على أن يكون ثمنا لبيع دارك علي .
فأما الجواب عن استدلالهم بأن الفساد في الصداق : لأنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=10806قال : قد زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ، كان النكاح جائزا ، فهو أن الفساد إنما كان في الشغار للاشتراك في البضع ، وفي هذا الموضع لا يكون في البضع اشتراك فصح ، ألا تراه لو قال : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ، على أن بضع بنتي صداق لبنتك ، بطل نكاح بنته : لأنه حصل في بضعها اشتراكا ، ولم يبطل نكاح الأخرى : لأنه لم يحصل في بضعها اشتراكا .
وأما استدلاله بأنه لو جعل صداق بنته طلاق زوجته صح ، فكذلك هاهنا ، فالجواب عنه : أنه فساد اختص بالمهر ولم يحصل في البضع تشريك ، فلذلك صح ، وليس كذلك في مسألتنا .
وأما استدلاله الآخر فسنذكر من اختلاف أصحابنا في حكمه ما يكون جوابا ، وبالله التوفيق .
[ ص: 323 ] بَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=10806الشِّغَارِ ، وَمَا دَخَلَ فِيهِ ، مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ
قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10806أَنْكَحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ ، أَوِ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ ابْنَتَهُ ، أَوِ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى وَلَمْ يُسَمَّ لِكِلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا ، فَهَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَمَّا الشِّغَارُ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ الْخُلُوُّ ، يُقَالُ : بَلَدٌ شَاغِرٌ إِذَا خَلَا مِنْ سُلْطَانٍ ، وَأَمْرٌ شَاغِرٌ إِذَا خَلَا مِنْ مُدَبِّرٍ .
أَصْلُهُ : مَأْخُوذٌ مِنْ شُغُورِ الْكَلْبِ ، يُقَالُ : قَدْ شَغَرَ الْكَلْبُ إِذَا رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ لِلْبَوْلِ لِخُلُوِّ الْأَرْضِ مِنْهَا .
وَحَكَى
الْجَاحِظُ أَنَّ شُغُورَ الْكَلْبِ عَلَامَةُ بُلُوغِهِ ، وَأَنَّهُ يَبْلُغُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عُمُرِهِ ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ .
حَتَّى تَوْفَا السِّتَّةَ الشُّهُورَا مِنْ عُمُرِهِ وَبَلَغَ الشُّغُورَا
هَذَا قَوْلُ
أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ ،
وَالْأَصْمَعِيِّ ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ .
وَقَالَ
ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : سُمِّيَ الشِّغَارُ شِغَارًا : لِقُبْحِهِ ، وَمِنْهُ شُغُورُ الْكَلْبِ : لِقُبْحِ مَنْظَرِهِ إِذَا بَالَ مَعَ رَفْعِ رِجْلِهِ .
وَقَالَ
ثَعْلَبٌ : الشِّغَارُ الرَّفْعُ ، وَمِنْهُ شُغُورُ الْكَلْبِ .
وَالْأَصْلُ فِي الشِّغَارِ مَا رَوَاهُ
ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923988نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ .
وَرَوَى
حُمَيْدٌ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922129لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ . وَالشِّغَارُ ، مَا وَصَفَهُ
الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ الرَّجُلِ : قَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي أَوْ وَلِيَّتِي ، عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ أَوْ وَلِيَّتَكَ ، عَلَى أَنْ تَضَعَ كُلُّ وَاحِدةٍ مِنْهُمَا صَدَاقَ
[ ص: 324 ] الْأُخْرَى ، أَوْ يَقُولُ : عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى ، فَهَذَا هُوَ الشَّغَارُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثَانِ :
أَحَدُهُمَا : مَا رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ ، عَنْ
مَالِكٍ ، عَنْ
نَافِعٍ ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=hadith&LINKID=923988أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ . وَالشِّغَارُ : أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ .
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي : رَوَاهُ
مَعْمَرٌ عَنْ
ثَابِتٍ عَنْ
أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923989nindex.php?page=treesubj&link=10806لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ . وَالشِّغَارُ أَنْ يَبْذُلَ الرَّجُلُ أُخْتَهُ بِأُخْتِهِ .
وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنَ الرَّاوِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَمَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ نَصٌّ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَهُوَ لِعِلْمِهِ بِمَخْرَجِ الْخِطَابِ وَمُشَاهَدَةِ الْحَالِ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ .
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10806نِكَاحَ الشِّغَارِ مَا وَصَفْنَا ، فَعَقْدُ النِّكَاحِ فِيهِ بَاطِلٌ . وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ ،
وَأَحْمَدُ ،
وَإِسْحَاقُ ، إِلَّا أَنَّ
مَالِكًا جَعَلَ النَّهْيَ فِيهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الصَّدَاقِ ، وَعِنْدَهُ أَنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ مُوجِبٌ لِفَسَادِ النِّكَاحِ ، وَعِنْدَنَا أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ مُتَوَجِّهٌ إِلَى النِّكَاحِ دُونَ الصَّدَاقِ ، وَأَنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ ، فَصَارَ
مَالِكٌ مُوَافِقًا فِي الْحُكْمِ مُخَالِفًا فِي مَعْنَى النَّهْيِ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : نِكَاحٌ الشِّغَارُ جَائِزٌ ، وَالنَّهْيُ فِيهِ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الصَّدَاقِ دُونَ النِّكَاحِ ، وَفَسَادُ الصَّدَاقِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ ، فَصَارَ مُخَالِفًا
لِمَالِكٍ فِي الْحُكْمِ مُوَافِقًا لَهُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ .
وَبِهِ قَالَ
الزُّهْرِيُّ ،
وَالثَّوْرِيُّ : اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الصَّدَاقِ : لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : قَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا ، وَإِنَّمَا أَبْطِلَهُ إِذَا قَالَ : عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إِلَى الصَّدَاقِ ، وَفَسَادُهُ لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقٍ مِنْ خَمْرٍ ، أَوْ خِنْزِيرٍ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : قَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنَّ صَدَاقَهَا طَلَاقُ امْرَأَتِكَ صَحَّ النِّكَاحُ ، وَإِنْ جَعَلَ الصَّدَاقَ بُضْعَ زَوْجَتِهِ ، فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا ، قَالُوا : وَلِأَنَّكُمْ جَوَّزْتُمُ النِّكَاحَ إِذَا سَمَّى لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا صَدَاقًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيهِ : لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11158تَرْكَ الصَّدَاقِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَا يُوجِبُ فَسَادَهُ ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَهُ فَيَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يُوجِبُ صِحَّتَهُ .
وَدَلِيلُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالنَّهْيُ عِنْدَنَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَمْ يَصْرِفْ عَنْهُ دَلِيلٌ .
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ فَسَدَ بِالنَّهْيِ مَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَهُوَ الصَّدَاقُ دُونَ النِّكَاحِ ، فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إِلَى النِّكَاحِ : لِمَا رَوَاهُ
نَافِعٌ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=hadith&LINKID=923990أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ .
[ ص: 325 ] وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُجْمِلُ عَلَى عُمُومِ الْأَمْرَيْنِ .
فَإِنْ قَالُوا : إِنَّمَا سُمِّيَ شِغَارًا لِخُلُوِّهِ مِنْ صَدَاقٍ ، وَنَحْنُ لَا نُخَلِّيهِ : لِأَنَّنَا نُوجِبُ فِيهِ صَدَاقَ الْمِثْلِ فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ شِغَارًا .
قِيلَ : هَذَا فَاسِدٌ : لِأَنَّهُ لَيْسَ يَمْنَعُ مَا أَوْجَبْتُمُوهُ مِنَ الصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الشِّغَارِ وَقْتَ الْعَقْدِ قَدْ تَوَجَّهَ النَّهْيُ إِلَيْهِ فَاقْتَضَى فَسَادَهُ .
وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ ، مَا ذَكَرَهُ
الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ : أَنَّهُ عَقْدٌ فِيهِ مَثْنَوِيَّةٌ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ مَلَكَ الزَّوْجُ بُضْعَ بِنْتِهِ بِالنِّكَاحِ أَوِ ارْتَجَعَهُ مِنْهُ بِأَنْ جَعْلَهُ مَلِكًا لِبِنْتِ الزَّوْجِ بِالصَّدَاقِ ، وَهَذَا مُوجِبٌ لِفَسَادِ النِّكَاحِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنَّ يَكُونَ بُضْعُهَا مِلْكًا لِفُلَانٍ ، كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا بِالْإِجْمَاعِ ، كَذَلِكَ هَذَا بِالْحِجَاجِ ، وَتَحْرِيرُهُ : أَنَّهُ جَعَلَ الْمَقْصُودَ لِغَيْرِ الْمَعْقُودِ لَهُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ : زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعَهَا لِفُلَانٍ ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَعْقُودًا بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ بِعَبْدٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ رَقَبَتُهُ صَدَاقَهَا ، وَلِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ إِذَا جُعِلَتْ عِوَضًا وَمُعَوَّضًا ، فَإِذَا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ مُعَوَّضًا كَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِبَيْعِ دَارِكَ عَلَيَّ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الصَّدَاقِ : لِأَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10806قَالَ : قَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ ، كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا ، فَهُوَ أَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا كَانَ فِي الشِّغَارِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْبُضْعِ ، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَكُونُ فِي الْبُضْعِ اشْتِرَاكٌ فَصَحَّ ، أَلَّا تَرَاهُ لَوْ قَالَ : زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ ، عَلَى أَنَّ بُضْعَ بِنْتِي صَدَاقٌ لِبِنْتِكَ ، بَطَلَ نِكَاحُ بِنْتِهِ : لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي بُضْعِهَا اشْتِرَاكًا ، وَلَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ الْأُخْرَى : لِأَنَّهُ لَمْ يُحْصُلْ فِي بُضْعِهَا اشْتِرَاكًا .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ صَدَاقَ بِنْتِهِ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ صَحَّ ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ : أَنَّهُ فَسَادٌ اخْتَصَّ بِالْمَهْرِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي الْبُضْعِ تَشْرِيكٌ ، فَلِذَلِكَ صَحَّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ الْآخَرُ فَسَنَذْكُرُ مِنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي حُكْمِهِ مَا يَكُونُ جَوَابًا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .