مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228nindex.php?page=treesubj&link=12438_12439والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قال : والأقراء عنده الأطهار والله أعلم بدلالتين بمولاهما : الكتاب الذي دلت عليه السنة والأخرى اللسان ( قال ) قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وقال عليه الصلاة والسلام في غير حديث لما طلق
ابن عمر امرأته وهي حائض :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924258يرتجعها ، فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك وقال صلى الله عليه وسلم :
إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن أو في قبل عدتهن الشافعي شك ، فأخبر صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أن العدة الأطهار
[ ص: 164 ] دون الحيض وقرأ " فطلقوهن لقبل عدتهن " وهو أن يطلقها طاهرا ؛ لأنها حينئذ تستقبل عدتها ،
nindex.php?page=treesubj&link=12447ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا من بعد الحيض ، والقرء اسم وضع لمعنى ، فلما كان الحيض دما يرخيه الرحم فيخرج ، والطهر دما يحتبس فلا يخرج ، كان معروفا من لسان العرب أن القرء الحبس ، تقول العرب : هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه ، وتقول : هو يقري الطعام في شدقه ، وقالت
عائشة رضي الله عنها : " هل تدرون ما الأقراء ؟ الأقراء : الأطهار " وقالت : " إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه والنساء بهذا أعلم " وقال
زيد بن ثابت وابن عمر : إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها ( قال
الشافعي ) : والأقراء والأطهار والله أعلم ، ولا يمكن أن يطلقها طاهرا إلا وقد مضى بعض الطهر وقال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197الحج أشهر معلومات وكان شوال وذو القعدة كاملين وبعض ذي الحجة ، كذلك الأقراء طهران كاملان وبعض طهر .
قال
الماوردي : اختلف أهل اللغة فيما
nindex.php?page=treesubj&link=12438ينطلق عليه اسم القرء على أربعة أقاويل : أحدها : ينطلق على الحيض حقيقة ، ويستعمل في الطهر مجازا ؛ لأنه لا تسمى المرأة من ذوات الأقراء إلا إذا حاضت واستشهادا بقول الراجز :
يا رب ذي ضغن علي فارض له قروء كقروء الحائض
يعني أن نفوذ حقده كنفوذ دم الحيض .
والقول الثاني : أنه اسم ينطلق على الطهر حقيقة ، ويستعمل في الحيض مجازا ، لما ذكره
الشافعي من أن القرء الجشم واستشهادا بقول الشاعر :
أفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها غريم عزائكا
مورثة مالا وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
والقول الثالث : وهو قول أكثرهم أنه اسم مشترك ينطلق على الطهر حقيقة وعلى الحيض حقيقة ؛ كالأسماء المشتركة التي تقع على متضادين متعاقبين كالصريم : اسم الليل والنهار ، والناهل : اسم للعطشان والريان ، والمسحور : اسم للفارغ والملآن ، والحور : اسم لجميع الألوان ، والشفق اسم للحمرة والبياض ، والدلوك : اسم للزوال والغروب .
[ ص: 165 ] والقول الرابع : إنه اسم ينطلق على الانتقال من معتاد إلى معتاد فيتناول الانتقال من الحيض إلى الطهر ، والانتقال من الطهر إلى الحيض ، كما يقال : أقرأ النجم إذا طلع ، وأقرأ إذا غاب قال الشاعر :
إذا ما الثريا وقد أقرأت أحس السما كان منها أفولا
ويقال : قرأت إذا انتقلت من شمال إلى جنوب أو من جنوب إلى شمال ، قال الشاعر :
كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقارئها الرياح
وأما الفقهاء فقد اتفقوا على أن أقراء العدة أحد الأمرين من الحيض أو الطهر ، وإنما اختلفوا في مراد الله تعالى منها ، فقال
أبو حنيفة : المراد بالأقراء الحيض دون الطهر ، وبه قال من الصحابة :
عمر وعلي وابن مسعود وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم وحكاه
الشعبي عن ثلاثة عشر من الصحابة ، ومن التابعين :
الحسن البصري والشعبي .
ومن الفقهاء :
الأوزاعي ،
والثوري ،
وابن أبي ليلى ، وأهل العراقين
البصرة والكوفة . وقال
الشعبي : الأقراء الأطهار : وبه قال من الصحابة :
زيد بن ثابت ،
وابن عمر ،
وعائشة ،
والقاسم بن محمد ، ومن الفقهاء :
الزهري ،
وابن أبي ذؤيب ،
ومالك ،
وربيعة ،
وأبو ثور ، وحكى
الزهري ، عن
أبي بكر بن عمر ،
وابن حزم : أنه قال : ما أجد أحدا من
أهل المدينة في الأقراء خلافا لما قالته
عائشة رضي الله تعالى عنها .
وقال
أحمد بن حنبل : أنا أعلم فيها بقول
زيد بن ثابت ، ثم قال : أنا لا أحسن أن أفتي فيها بشيء فتوقف . وتأثير هذا الاختلاف في حكم
nindex.php?page=treesubj&link=12446المعتدة أن من جعل الأقراء الأطهار قال : إن طلقت في طهر كان الباقي منه ، وإن قل قرءا ، فإذا حاضت وطهرت الطهر الثاني كان قرءا ثانيا ، فإذا حاضت وطهرت الطهر الثالث حتى برز دم الحيضة الثالثة كان قرءا ثالثا ، وقد انقضت عدتها .
وإن طلقت في الحيض ، فإذا برز دم الحيضة الرابعة انقضت عدتها . ومن قال : الأقراء : الحيض ، قال : إن طلقت في طهر أو حيض لم تعد بما طلقت فيه
[ ص: 166 ] من الطهر والحيض ، وتنقضي عدتها بدخولها في الطهر الرابع ، واستدل من جعل الأقراء الحيض بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] فاقتضت الآية استيفاء ثلاثة أقراء ، ومن جعلها الأطهار ، لم يستوفها إذا طلقت في طهر وجعل عدتها منقضية بقرأين وبعض ثالث ، ومن جعل الحيض استوفاها كاملة فصار بالأطهار أخص ؛ لأنه لما تنقض الأقراء الثلاثة كما لم تنقض الشهور الثلاثة .
ثم قال عقيبه :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [ البقرة : 228 ] يعني ما تنقضي به العدة من حمل وحيض ، فدل على أن الأقراء المعتد بها هي الحيض وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1فطلقوهن لعدتهن ) [ الطلاق : 1 ] ولم يقل : في عدتهن ، والطلاق لها غير الطلاق فيها ، ومن جعل الأقراء الأطهار قد جعل الطلاق في العدة إذا طلقت في طهر ، ومن جعلها الحيض استقبل بها العدة فكان بالظاهر أحق ، وبقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر [ الطلاق : 4 ] فنقلها عما يئست منه إلى بدله ، والبدل غير المبدل ، فلما كان الإياس من الحيض دل على أن الأقراء هي الحيض ، واستدلوا من السنة برواية
مظاهر بن أسلم ، عن
القاسم بن محمد ، عن
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924144طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان وهذا نص في الاعتداد بالحيض دون الطهر ، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لفاطمة بنت أبي حبيش :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924260اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك يعني : أيام حيضتك ، فكان ذلك أيضا قضاء على الحيض في الأقراء ، واستدلوا من الاعتبار بأن الإجماع منعقد على أن انقضاء العدة يكون بالحيض ؛ لأن من يجعلها الأطهار جعل عدتها متقضية بدخولها في الحيض ، ومن جعلها الحيض جعل عدتها متقضية بخروجها من الحيض ، فقاسوا الطرف الأول على الطرف الثاني فقالوا : أحد طرفي العدة فوجب أن يكون حيضها الثاني .
قالوا : ولأن العدة إذا انقضت بخروج كامل وقت انقضائها على انفصال جميعها كالحمل لا ينقضي بخروج بعضه ، كذلك بالحيض الأخير لا ينقضي العدة بخروج بعضه حتى يستكمل .
قالوا : ولأن مقصود العدة يراد براءة الرحم عن الحمل ، وذلك يكون بالحيض دون الطهر ، فكان اعتبار الأقراء بما يرى أولى من اعتبارها بما لا يرى ، ولأن موضوع العدة الاستبراء في الحرة والأمة ، ثم ثبت أن استبراء الأمة بالحيض دون الطهر ، فكذلك الحرة ؛ لأن الاعتداد بالأقراء عند فقد الحمل فكانت بدلا منه ثم ثبت أن الاعتداد
[ ص: 167 ] للحامل بخروج ما في البطن ، فاعتداد ذات الأقراء يجب أن يكون بخروج ما في البطن وهو الحيض دون الطهر .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228nindex.php?page=treesubj&link=12438_12439وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ قَالَ : وَالْأَقْرَاءُ عِنْدَهُ الْأَطْهَارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِدَلَالَتَيْنِ بِمَوْلَاهُمَا : الْكِتَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْأُخْرَى اللِّسَانُ ( قَالَ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ لَمَّا طَلَّقَ
ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924258يَرْتَجِعُهَا ، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ أَوْ فِي قُبُلِ عِدَتِهِنَّ الشَّافِعِيُّ شَكَّ ، فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْعِدَّةَ الْأَطْهَارُ
[ ص: 164 ] دُونَ الْحَيْضِ وَقَرَأَ " فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ " وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=12447وَلَوْ طُلِّقَتْ حَائِضًا لَمْ تَكُنْ مُسْتَقْبِلَةً عِدَّتَهَا إِلَّا مِنْ بَعْدِ الْحَيْضِ ، وَالْقُرْءُ اسْمٌ وُضِعَ لِمَعْنًى ، فَلَمَّا كَانَ الْحَيْضُ دَمًا يُرْخِيهِ الرَّحِمُ فَيَخْرُجُ ، وَالطُّهْرُ دَمًا يُحْتَبَسُ فَلَا يَخْرُجُ ، كَانَ مَعْرُوفًا مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْقُرْءَ الْحَبْسُ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : هُوَ يَقْرِي الْمَاءَ فِي حَوْضِهِ وَفِي سِقَائِهِ ، وَتَقُولُ : هُوَ يُقْرِي الطَّعَامَ فِي شِدْقِهِ ، وَقَالَتْ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " هَلْ تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ ؟ الْأَقْرَاءُ : الْأَطْهَارُ " وَقَالَتْ : " إِذَا طَعَنَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَالنِّسَاءُ بِهَذَا أَعْلَمُ " وَقَالَ
زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عُمَرَ : إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا ( قَالَ
الشَّافِعِيُّ ) : وَالْأَقْرَاءُ وَالْأَطْهَارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقِهَا طَاهِرًا إِلَّا وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الطُّهْرِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ وَكَانَ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ كَامِلَيْنِ وَبَعْضُ ذِي الْحِجَّةِ ، كَذَلِكَ الْأَقْرَاءُ طُهْرَانِ كَامِلَانِ وَبَعْضُ طُهْرٍ .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِيمَا
nindex.php?page=treesubj&link=12438يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : يَنْطَلِقُ عَلَى الْحَيْضِ حَقِيقَةً ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الطُّهْرِ مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ لَا تُسَمَّى الْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إِلَّا إِذَا حَاضَتْ وَاسْتِشْهَادًا بِقَوْلِ الرَّاجِزِ :
يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ
يَعْنِي أَنَّ نُفُوذَ حِقْدِهِ كَنُفُوذِ دَمِ الْحَيْضِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ اسْمٌ يَنْطَلِقُ عَلَى الطُّهْرِ حَقِيقَةً ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْحَيْضِ مَجَازًا ، لِمَا ذَكَرَهُ
الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْقُرْءَ الْجَشْمُ وَاسْتِشْهَادًا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا غَرِيمَ عَزَائِكَا
مُوَرَّثَةٍ مَالَا وَفِي الْحَيِّ رَفْعَةٌ لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ أَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَنْطَلِقُ عَلَى الطُّهْرِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْحَيْضِ حَقِيقَةً ؛ كَالْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى مُتَضَادَّيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ كَالصَّرِيمِ : اسْمُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَالنَّاهِلِ : اسْمٌ لِلْعَطْشَانِ وَالرَّيَّانِ ، وَالْمَسْحُورِ : اسْمٌ لِلْفَارِغِ وَالْمَلْآنِ ، وَالْحُورِ : اسْمٌ لِجَمِيعِ الْأَلْوَانِ ، وَالشَّفَقِ اسْمٌ لِلْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ ، وَالدُّلُوكِ : اسْمٌ لِلزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ .
[ ص: 165 ] وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : إِنَّهُ اسْمٌ يَنْطَلِقُ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ مُعْتَادٍ إِلَى مُعْتَادٍ فَيَتَنَاوَلُ الِانْتِقَالَ مِنَ الْحَيْضِ إِلَى الطُّهْرِ ، وَالِانْتِقَالَ مِنَ الطُّهْرِ إِلَى الْحَيْضِ ، كَمَا يُقَالُ : أَقْرَأَ النَّجْمُ إِذَا طَلَعَ ، وَأَقْرَأَ إِذَا غَابَ قَالَ الشَّاعِرُ :
إِذَا مَا الثُّرَيَّا وَقَدْ أَقْرَأَتْ أَحَسَّ السِّمَا كَانَ مِنْهَا أُفُولَا
وَيُقَالُ : قَرَأَتْ إِذَا انْتَقَلَتْ مِنْ شَمَالٍ إِلَى جَنُوبٍ أَوْ مِنْ جَنُوبٍ إِلَى شَمَالٍ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
كَرِهْتُ الْعَقْرَ عَقْرَ بَنِي شَلِيلِ إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ
وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَقْرَاءَ الْعِدَّةِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْحَيْضِ أَوِ الطُّهْرِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا ، فَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : الْمُرَادُ بِالْأَقْرَاءِ الْحَيْضُ دُونَ الطُّهْرِ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ :
عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَاهُ
الشَّعْبِيُّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَمِنَ التَّابِعَيْنِ :
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ .
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ :
الْأَوْزَاعِيُّ ،
وَالثَّوْرِيُّ ،
وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَأَهْلُ الْعِرَاقَيْنِ
الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ . وَقَالَ
الشَّعْبِيُّ : الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ : وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ :
زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ،
وَابْنُ عُمَرَ ،
وَعَائِشَةُ ،
وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ :
الزَّهْرِيُّ ،
وَابْنُ أَبِي ذُؤَيْبٍ ،
وَمَالِكٌ ،
وَرَبِيعَةُ ،
وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَحَكَى
الزُّهْرِيُّ ، عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنُ عُمَرَ ،
وَابْنُ حَزْمٍ : أَنَّهُ قَالَ : مَا أَجِدُ أَحَدًا مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْأَقْرَاءِ خِلَافًا لِمَا قَالَتْهُ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا .
وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : أَنَا أَعْلَمُ فِيهَا بِقَوْلِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَنَا لَا أُحْسِنُ أَنْ أُفْتِيَ فِيهَا بِشَيْءٍ فَتَوَقَّفَ . وَتَأْثِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي حُكْمِ
nindex.php?page=treesubj&link=12446الْمُعْتَدَّةِ أَنَّ مَنْ جَعَلَ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارَ قَالَ : إِنْ طُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ ، وَإِنْ قَلَّ قُرْءًا ، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتِ الطُّهْرَ الثَّانِيَ كَانَ قُرْءًا ثَانِيًا ، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتِ الطُّهْرَ الثَّالِثَ حَتَّى بَرَزَ دَمُ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ كَانَ قُرْءًا ثَالِثًا ، وَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا .
وَإِنْ طُلِّقَتْ فِي الْحَيْضِ ، فَإِذَا بَرَزَ دَمُ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا . وَمَنْ قَالَ : الْأَقْرَاءُ : الْحَيْضُ ، قَالَ : إِنْ طُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ أَوْ حَيْضٍ لَمْ تُعَدَّ بِمَا طُلِّقَتْ فِيهِ
[ ص: 166 ] مِنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِدُخُولِهَا فِي الطُّهْرِ الرَّابِعِ ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [ الْبَقَرَةِ : 228 ] فَاقْتَضَتِ الْآيَةُ اسْتِيفَاءَ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ، وَمَنْ جَعَلَهَا الْأَطْهَارَ ، لَمْ يَسْتَوْفِهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ وَجَعَلَ عِدَّتَهَا مُنْقَضِيَةً بِقُرْأَيْنِ وَبَعْضِ ثَالِثٍ ، وَمَنْ جَعَلَ الْحَيْضَ اسْتَوْفَاهَا كَامِلَةً فَصَارَ بِالْأَطْهَارِ أَخَصَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَنْقَضِ الْأَقْرَاءُ الثَّلَاثَةُ كَمَا لَمْ تَنْقَضِ الشُّهُورُ الثَّلَاثَةُ .
ثُمَّ قَالَ عُقَيْبَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [ الْبَقَرَةِ : 228 ] يَعْنِي مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنْ حَمْلٍ وَحَيْضٍ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْمُعْتَدَّ بِهَا هِيَ الْحَيْضُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) [ الطَّلَاقِ : 1 ] وَلَمْ يَقُلْ : فِي عِدَّتِهِنَّ ، وَالطَّلَاقُ لَهَا غَيْرُ الطَّلَاقِ فِيهَا ، وَمَنْ جَعَلَ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارَ قَدْ جَعَلَ الطَّلَاقَ فِي الْعِدَّةِ إِذَا طُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ ، وَمَنْ جَعَلَهَا الْحَيْضَ اسْتَقْبَلَ بِهَا الْعِدَّةَ فَكَانَ بِالظَّاهِرِ أَحَقَّ ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ [ الطَّلَاقِ : 4 ] فَنَقَلَهَا عَمَّا يَئِسَتْ مِنْهُ إِلَى بَدَلِهِ ، وَالْبَدَلُ غَيْرُ الْمُبْدَلِ ، فَلَمَّا كَانَ الْإِيَاسُ مِنَ الْحَيْضِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحِيَضُ ، وَاسْتَدَلُّوا مِنَ السُّنَّةِ بِرِوَايَةِ
مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924144طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ وَهَذَا نَصٌّ فِي الِاعْتِدَادِ بِالْحَيْضِ دُونَ الطُّهْرِ ، وَلِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924260اقْعُدِي عَنِ الصَّلَاةِ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ يَعْنِي : أَيَّامَ حَيْضَتِكِ ، فَكَانَ ذَلِكَ أَيْضًا قَضَاءً عَلَى الْحَيْضِ فِي الْأَقْرَاءِ ، وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الِاعْتِبَارِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يَكُونُ بِالْحَيْضِ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَجْعَلُهَا الْأَطْهَارَ جَعَلَ عِدَّتَهَا مُتَقَضِّيَةً بِدُخُولِهَا فِي الْحَيْضِ ، وَمَنْ جَعَلَهَا الْحَيْضَ جَعَلَ عِدَّتَهَا مُتَقَضِّيَةً بِخُرُوجِهَا مِنَ الْحَيْضِ ، فَقَاسُوا الطَّرَفَ الْأَوَّلَ عَلَى الطَّرَفِ الثَّانِي فَقَالُوا : أَحَدُ طَرَفَيِ الْعِدَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا الثَّانِي .
قَالُوا : وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ إِذَا انْقَضَتْ بِخُرُوجِ كَامِلِ وَقْتِ انْقِضَائِهَا عَلَى انْفِصَالِ جَمِيعِهَا كَالْحَمْلِ لَا يَنْقَضِي بِخُرُوجِ بَعْضِهِ ، كَذَلِكَ بِالْحَيْضِ الْأَخِيرِ لَا يَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِخُرُوجِ بَعْضِهِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ .
قَالُوا : وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الْعِدَّةِ يُرَادُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ عَنِ الْحَمْلِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْحَيْضِ دُونَ الطُّهْرِ ، فَكَانَ اعْتِبَارُ الْأَقْرَاءِ بِمَا يُرَى أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِهَا بِمَا لَا يُرَى ، وَلِأَنَّ مَوْضُوعَ الْعِدَّةِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ بِالْحَيْضِ دُونَ الطُّهْرِ ، فَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَقْرَاءِ عِنْدَ فَقْدِ الْحَمْلِ فَكَانَتْ بَدَلًا مِنْهُ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الِاعْتِدَادَ
[ ص: 167 ] لِلْحَامِلِ بِخُرُوجِ مَا فِي الْبَطْنِ ، فَاعْتِدَادُ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِخُرُوجِ مَا فِي الْبَطْنِ وَهُوَ الْحَيْضُ دُونَ الطُّهْرِ .