[ ص: 253 ] باب حد القذف
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : " إذا
nindex.php?page=treesubj&link=10484_10485قذف البالغ حرا بالغا مسلما ، أو حرة بالغة مسلمة حد ثمانين " .
قال
الماوردي :
nindex.php?page=treesubj&link=10481والأصل في تحريم القذف الكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم [ النور : 23 ]
وروى
حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
قذف محصنة يحبط عمل مائة سنة " .
وروى
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=924678من أقام الصلوات الخمس ، واجتنب الكبائر السبع ، نودي في القيامة أن يدخل الجنة من أي باب شاء قال رجل
لابن عمر الكبائر السبع سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : " نعم ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=924679الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنات ، والقتل ، والفرار يوم الزحف ، وأكل مال اليتيم ، والزنا " ، وقد كان من شأن
عائشة رضوان الله عليها في الإفك عليها ما برأها الله تعالى منه .
وسببه : أن
عائشة كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع ، وهي غزوة
بني المصطلق سنة ست ، فضاع عقد لها من جزع أظفار وقد توجهت لحاجتها ، فعادت في طلبه ورحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله ، ورفع هودجها ولم يشعر بها أنها ليست فيه لخفتها ، وعادت فلم تر في المنزل أحدا ، فأدركها
صفوان بن المعطل فحملها على راحلته وألحقها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتكلم فيها وفي
صفوان من تكلم ، وقدمت
المدينة وانتشر الإفك وهي لا تعلم ، ثم علمت فأخذها منه كل عظيم إلى أن أنزل تعالى براءتها بعد شهر من قدوم
المدينة ما أنزل ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم [ النور : 11 ] ، وفي المراد بالإفك وجهان :
[ ص: 254 ] أحدهما : أنه الإثم ، قاله
أبو عبيدة .
والثاني : أنه الكذب وهو الأظهر . وزعماء الإفك
حسان بن ثابت ،
ومسطح بن أثاثة ،
وعبد الله بن أبي ابن سلول ،
وزيد بن رفاعة ،
وحمنة بنت جحش .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم [ النور : 11 ] ، أي : لا تحسبوا ما ذكر من الإفك شرا لكم ، أي : أذى ، بل هو خير لكم : لأن الله تعالى قد برأ منه وأثاب عليه ، وفي المقصود بهذا القول وجهان :
أحدهما :
عائشة وصفوان : لأنهما قصدا بالإفك .
والثاني : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر رحمه الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم [ النور : 11 ] ، أي : له عقاب ما اكتسب بقدر إثمه
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11والذي تولى كبره منهم [ النور : 11 ] ، فيه قراءتان : " كبره " بكسر الكاف ومعناه إثمه . وقرئ بضم الكاف ومعناه بعظمه . ومتولي كبره منهم :
حسان بن ثابت ،
ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ،
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11له عذاب عظيم [ النور : 11 ] ، فيه وجهان :
أحدهما : أنه حد القذف الذي أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ، قاله
عروة ،
وسعيد بن المسيب ، عن
عائشة رضي الله عنها ، حتى قال فيه بعض شعراء المسلمين :
لقد ذاق حسان الذي كان أهله وحمنة إذ قالا فجورا ومسطح تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم
وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا فصبت عليهم محصدات كأنها
شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح
والثاني : أنه لم يجلدهم : لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو ببينة ، ولا تقام بإخبار الله تعالى عنها ، كما لم يتعبدنا بقتل المنافقين بما أخبر به من كفرهم ، والعذاب العظيم هو أن
حسان بن ثابت ،
ومسطح بن أثاثة عميا ،
وحمنة بنت جحش استحيضت ، واتصل دمها عقوبة لما كان منها .
[ ص: 253 ] بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10484_10485قَذَفَ الْبَالِغُ حُرًّا بَالِغًا مُسْلِمًا ، أَوْ حُرَّةً بَالِغَةً مُسْلِمَةً حُدَّ ثَمَانِينَ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=10481وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الْقَذْفِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ النُّورِ : 23 ]
وَرَوَى
حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
قَذْفُ مُحْصَنَةٍ يُحْبِطُ عَمَلَ مِائَةِ سَنَةٍ " .
وَرَوَى
ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=924678مَنْ أَقَامَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ، وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ ، نُودِيَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَةَ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ قَالَ رَجُلٌ
لِابْنِ عُمَرَ الْكَبَائِرُ السَّبْعُ سَمِعْتَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : " نَعَمْ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=924679الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ ، وَالْقَتْلُ ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالزِّنَا " ، وَقَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ
عَائِشَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا فِي الْإِفْكِ عَلَيْهَا مَا بَرَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ .
وَسَبَبُهُ : أَنَّ
عَائِشَةَ كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ ، وَهِيَ غَزْوَةُ
بَنِي الْمُصْطَلَقِ سَنَةَ سِتٍّ ، فَضَاعَ عِقْدٌ لَهَا مِنْ جِزْعِ أَظْفَارٍ وَقَدْ تَوَجَّهَتْ لِحَاجَتِهَا ، فَعَادَتْ فِي طَلَبِهِ وَرَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنْزِلِهِ ، وَرَفَعَ هَوْدَجَهَا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهِ لِخِفَّتِهَا ، وَعَادَتْ فَلَمْ تَرَ فِي الْمَنْزِلِ أَحَدًا ، فَأَدْرَكَهَا
صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فَحَمَلَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَلْحَقَهَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَكَلَّمَ فِيهَا وَفِي
صَفْوَانَ مَنْ تَكَلَّمَ ، وَقَدِمَتِ
الْمَدِينَةَ وَانْتَشَرَ الْإِفْكُ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ ، ثُمَّ عَلِمَتْ فَأَخَذَهَا مِنْهُ كُلُّ عَظِيمٍ إِلَى أَنْ أَنْزَلَ تَعَالَى بَرَاءَتَهَا بَعْدَ شَهْرٍ مِنْ قُدُومِ
الْمَدِينَةِ مَا أَنْزَلَ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [ النُّورِ : 11 ] ، وَفِي الْمُرَادِ بِالْإِفْكِ وَجْهَانِ :
[ ص: 254 ] أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ الْإِثْمُ ، قَالَهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ الْكَذِبُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ . وَزُعَمَاءُ الْإِفْكِ
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ ،
وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ ،
وَزَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ ،
وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [ النُّورِ : 11 ] ، أَيْ : لَا تَحْسَبُوا مَا ذُكِرَ مِنَ الْإِفْكِ شَرًّا لَكُمْ ، أَيْ : أَذًى ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَرَّأَ مِنْهُ وَأَثَابَ عَلَيْهِ ، وَفِي الْمَقْصُودِ بِهَذَا الْقَوْلِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا :
عَائِشَةُ وَصَفْوَانُ : لِأَنَّهُمَا قُصِدَا بِالْإِفْكِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ [ النُّورِ : 11 ] ، أَيْ : لَهُ عِقَابُ مَا اكْتَسَبَ بِقَدْرِ إِثْمِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ [ النُّورِ : 11 ] ، فِيهِ قِرَاءَتَانِ : " كِبْرَهُ " بِكَسْرِ الْكَافِ وَمَعْنَاهُ إِثْمَهُ . وَقُرِئَ بِضَمِّ الْكَافِ وَمَعْنَاهُ بِعِظَمِهِ . وَمُتَوَلِّي كِبْرِهِ مِنْهُمْ :
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ ،
وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ النُّورِ : 11 ] ، فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ حَدُّ الْقَذْفِ الَّذِي أَقَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، قَالَهُ
عُرْوَةُ ،
وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، حَتَّى قَالَ فِيهِ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ :
لَقَدْ ذَاقَ حَسَّانُ الَذِي كَانَ أَهْلُهُ وَحَمْنَةُ إِذْ قَالَا فُجُورًا وَمِسْطَحُ تَعَاطَوْا بِرَجْمِ الْغَيْبِ زَوْجَ نَبِيِّهِمْ
وَسُخْطَةَ ذِي الْعَرْشِ الْعَظِيمِ فَأَبْرَحُوا فَصُبَّتْ عَلَيْهِمْ مُحْصَدَاتٌ كَأَنَّهَا
شَآبِيبُ قَطْرٍ مِنْ ذُرَى الْمُزْنِ تُسْفَحُ
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَجْلِدْهُمْ : لِأَنَّ الْحُدُودَ إِنَّمَا تُقَامُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ ، وَلَا تُقَامُ بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهَا ، كَمَا لَمْ يَتَعَبَّدْنَا بِقَتْلِ الْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ كُفْرِهِمْ ، وَالْعَذَابُ الْعَظِيمُ هُوَ أَنَّ
حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ ،
وَمِسْطَحَ بْنَ أَثَاثَةَ عَمِيَا ،
وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ ، وَاتَّصَلَ دَمُهَا عُقُوبَةً لِمَا كَانَ مِنْهَا .