المسألة الثالثة
nindex.php?page=treesubj&link=20820_20821للقول بمفهوم المخالفة شروط
( الأول ) : أن لا يعارضه ما هو أرجح منه ، من منطوق أو مفهوم موافقة ، وأما إذا عارضه قياس فلم يجوز القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=12604أبو بكر الباقلاني ترك المفهوم به ، مع تجويزه ترك العموم بالقياس ، كذا قال .
ولا شك أن القياس المعمول به يخصص عموم المفهوم ، كما يخصص عموم المنطوق ، وإذا تعارضا على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، وكان كل واحد منهما معمولا به ، فالمجتهد لا يخفى عليه الراجح منهما من المرجوح ، وذلك يختلف باختلاف المقامات ، وبما يصاحب كل واحد منهما من القرائن المقوية له .
قال شارح اللمع : دليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه ، كالنص والتنبيه ، فإن عارضه أحدهما سقط ، وإن عارضه عموم صح التعلق بعموم دليل الخطاب على الأصح ، وإن عارضه قياس جلي ، قدم القياس ، وأما الخفي ; فإن جعلناه حجة كالنطق ; قدم دليل الخطاب ، وإن جعلناه كالقياس ; فقد رأيت بعض أصحابنا يقدمون كثيرا القياس في كتب الخلاف ، والذي يقتضيه المذهب أنهما يتعارضان .
( الشرط الثاني ) : أن لا يكون المذكور قصد به الامتنان ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14لتأكلوا منه لحما طريا فإنه لا يدل على منع أكل ما ليس بطري .
( الشرط الثالث ) : أن لا يكون المنطوق خرج جوابا عن سؤال متعلق بحكم خاص ، ولا حادثة خاصة بالمذكور . هكذا قيل ، ولا وجه لذلك ، فإنه لا اعتبار بخصوص السبب ، ولا بخصوص السؤال .
وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى في ذلك احتمالين ، قال
الزركشي : ولعل الفرق - يعني بين عموم اللفظ وعموم المفهوم - أن دلالة المفهوم ضعيفة تسقط بأدنى قرينة بخلاف اللفظ العام .
[ ص: 525 ] ( قلت ) : وهذا فرق قوي ، لكنه إنما يتم في المفاهيم التي دلالتها ضعيفة ، أما المفاهيم التي دلالتها قوية قوة تلحقها بالدلالات اللفظية فلا .
قال ومن أمثلته قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة فلا مفهوم للأضعاف ; لأنه جاء على النهي عما كانوا يتعاطونه بسبب الآجال ، كان الواحد منهم إذا حل دينه يقول : إما أن تعطي ، وإما أن تربي ، فيتضاعف بذلك أصل دينه مرارا كثيرة ، فنزلت الآية على ذلك .
( الشرط الرابع ) : أن لا يكون المذكور قصد به التفخيم ، وتأكيد الحال ، كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338123لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تحد الحديث ، فإن التقييد " بالإيمان " لا مفهوم له ، وإنما ذكر لتفخيم الأمر .
( الشرط الخامس ) : أن يذكر مستقلا ، فلو ذكر على وجه التبعية لشيء آخر ; فلا مفهوم له كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد فإن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187في المساجد لا مفهوم له ; لأن المعتكف ممنوع من المباشرة مطلقا .
( الشرط السادس ) : أن لا يظهر من السياق قصد التعميم ، فإن ظهر فلا مفهوم له ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284والله على كل شيء قدير ; للعلم بأن الله سبحانه قادر على المعدوم ، والممكن ، وليس بشيء فإن المقصود بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20على كل شيء التعميم .
( الشرط السابع ) : أن لا يعود على أصله الذي هو المنطوق بالإبطال ، أما لو كانت كذلك فلا يعمل به .
( الشرط الثامن ) : أن لا يكون قد خرج مخرج الأغلب كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وربائبكم اللاتي في حجوركم فإن الغالب كون الربائب في الحجور ، فقيد به لذلك ، لا لأن حكم اللاتي لسن في الحجور بخلافه ، ونحو ذلك كثير في الكتاب والسنة .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=20820_20821لِلْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ شُرُوطٌ
( الْأَوَّلُ ) : أَنْ لَا يُعَارِضَهُ مَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ ، مِنْ مَنْطُوقٍ أَوْ مَفْهُومِ مُوَافَقَةٍ ، وَأَمَّا إِذَا عَارَضَهُ قِيَاسٌ فَلَمْ يُجَوِّزُ الْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=12604أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ تَرْكَ الْمَفْهُومِ بِهِ ، مَعَ تَجْوِيزِهِ تَرْكَ الْعُمُومَ بِالْقِيَاسِ ، كَذَا قَالَ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَعْمُولَ بِهِ يُخَصِّصُ عُمُومَ الْمَفْهُومِ ، كَمَا يُخَصِّصُ عُمُومَ الْمَنْطُوقِ ، وَإِذَا تَعَارَضَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْمُولًا بِهِ ، فَالْمُجْتَهِدُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا مِنَ الْمَرْجُوحِ ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَامَاتِ ، وَبِمَا يُصَاحِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْقَرَائِنِ الْمُقَوِّيَةِ لَهُ .
قَالَ شَارِحُ اللُّمَعِ : دَلِيلُ الْخِطَابِ إِنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إِذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ، كَالنَّصِّ وَالتَّنْبِيهِ ، فَإِنْ عَارَضَهُ أَحَدُهُمَا سَقَطَ ، وَإِنْ عَارَضَهُ عُمُومٌ صَحَّ التَّعَلُّقُ بِعُمُومِ دَلِيلِ الْخِطَابِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ عَارَضَهُ قِيَاسٌ جَلِيٌّ ، قُدِّمَ الْقِيَاسُ ، وَأَمَّا الْخَفِيُّ ; فَإِنْ جَعَلْنَاهُ حُجَّةً كَالنُّطْقِ ; قُدِّمَ دَلِيلُ الْخِطَابِ ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَالْقِيَاسِ ; فَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُقَدِّمُونَ كَثِيرًا الْقِيَاسَ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ .
( الشَّرْطُ الثَّانِي ) : أَنْ لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ قُصِدَ بِهِ الِامْتِنَانُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ أَكْلِ مَا لَيْسَ بَطَرِيٍّ .
( الشَّرْطُ الثَّالِثُ ) : أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْطُوقُ خَرَجَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُتَعَلِّقٍ بِحُكْمٍ خَاصٍّ ، وَلَا حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ بِالْمَذْكُورِ . هَكَذَا قِيلَ ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، وَلَا بِخُصُوصِ السُّؤَالِ .
وَقَدْ حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ ، قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ : وَلَعَلَّ الْفَرْقَ - يَعْنِي بَيْنَ عُمُومِ اللَّفْظِ وَعُمُومِ الْمَفْهُومِ - أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ ضَعِيفَةٌ تَسْقُطُ بِأَدْنَى قَرِينَةٍ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْعَامِّ .
[ ص: 525 ] ( قُلْتُ ) : وَهَذَا فَرْقٌ قَوِيٌّ ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ فِي الْمَفَاهِيمِ الَّتِي دَلَالَتُهَا ضَعِيفَةٌ ، أَمَّا الْمَفَاهِيمُ الَّتِي دَلَالَتُهَا قَوِيَّةٌ قُوَّةً تُلْحِقُهَا بِالدَّلَالَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فَلَا .
قَالَ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً فَلَا مَفْهُومَ لِلْأَضْعَافِ ; لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى النَّهْيِ عَمَّا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ بِسَبَبِ الْآجَالِ ، كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا حَلَّ دَيْنُهُ يَقُولُ : إِمَّا أَنْ تُعْطِيَ ، وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ ، فَيَتَضَاعَفُ بِذَلِكَ أَصْلُ دَيْنِهِ مِرَارًا كَثِيرَةً ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ .
( الشَّرْطُ الرَّابِعُ ) : أَنْ لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ قُصِدَ بِهِ التَّفْخِيمُ ، وَتَأْكِيدُ الْحَالِ ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338123لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ وَالْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ الْحَدِيثَ ، فَإِنَّ التَّقْيِيدَ " بِالْإِيمَانِ " لَا مَفْهُومَ لَهُ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ .
( الشَّرْطُ الْخَامِسُ ) : أَنْ يُذْكَرَ مُسْتَقِلًّا ، فَلَوْ ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ لِشَيْءٍ آخَرَ ; فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187فِي الْمَسَاجِدِ لَا مَفْهُومَ لَهُ ; لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ مُطْلَقًا .
( الشَّرْطُ السَّادِسُ ) : أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنَ السِّيَاقِ قَصْدُ التَّعْمِيمِ ، فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ ; لِلْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَعْدُومِ ، وَالْمُمْكِنِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20عَلَى كُلِّ شَيْءٍ التَّعْمِيمُ .
( الشَّرْطُ السَّابِعُ ) : أَنْ لَا يَعُودَ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ الْمَنْطُوقُ بِالْإِبْطَالِ ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ .
( الشَّرْطُ الثَّامِنُ ) : أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الرَّبَائِبِ فِي الْحُجُورِ ، فَقُيِّدَ بِهِ لِذَلِكَ ، لَا لِأَنَّ حُكْمَ اللَّاتِي لَسْنَ فِي الْحُجُورِ بِخِلَافِهِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .