( فصل )
قال
الرافضي [1] : " العاشر : ما رواه أهل السير : أن
nindex.php?page=treesubj&link=31309الماء زاد بالكوفة [2] ، وخافوا الغرق ، ففزعوا إلى أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب [3] ، فركب بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج الناس معه ، فنزل على شاطئ
الفرات [ فصلى ]
[4] ، ثم دعا وضرب صفحة
[5] الماء بقضيب كان في يده
[6] ، فغاص الماء ،
[ ص: 199 ] فسلم عليه كثير
[7] من الحيتان ، ولم ينطق الجري ولا المرماهي
[8] ، فسئل عن ذلك ، فقال : أنطق الله ما طهره من السمك ، وأسكت ما أنجسه وأبعده "
[9] .
والجواب من وجوه : أحدها : [ المطالبة ] بأن يقال
[10] : أين إسناد هذه الحكاية الذي
[11] يدل على صحتها وثبوتها ؟ وإلا فمجرد الحكايات المرسلة بلا إسناد يقدر عليه كل أحد ، لكن لا يفيد شيئا .
الثاني : أن بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن عنده .
الثالث : أن هذا لم ينقله أحد من أهل الكتب المعتمد عليهم . ومثل هذه القصة لو كانت صحيحة لكانت مما تتوفر الهمم والدواعي على نقلها . وهذا الناقل لم يذكر لها إسنادا ، فكيف يقبل ذلك بمجرد حكاية لا إسناد لها ؟ !
الرابع : أن السمك كله مباح ، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في البحر : " هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته "
[12] .
[ ص: 200 ] وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) [ سورة المائدة : 96 ] .
وقد أجمع [ سلف ]
[13] الأمة وأئمتها على حل السمك كله . وعلي مع سائر الصحابة يحلون هذه الأنواع ، فكيف يقولون : إن الله أنجسه ؟ !
ولكن
الرافضة جهال يحرمون ما أحل الله بمثل هذه الحكاية المكذوبة .
الخامس : أن يقال : نطق السمك ليس مقدورا له في العادة ، ولكن هو من خوارق العادات . فالله تعالى هو الذي أنطق ما أنطق منها ، وأسكت ما أسكته ، إن كان قد وقع ، فأي ذنب لمن أسكته الله ، حتى يقال : هو نجس ؟ !
ومن جعل للعجماء ذنبا بأن الله لم ينطقها كان ظالما لها .
وإن قال قائل : بل الله أقدرها على ذلك ، فامتنعت منه
[14] .
فيقال : إقداره لها على ذلك - لو وقع - إنما كان كرامة
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي - رضي الله عنه - والكرامة إنما تحصل بالنطق بالسلام عليه ، لا بمجرد القدرة عليه مع الامتناع منه ، فإذا لم يسلم عليه ، لم يكن في إقدارها مع - امتناعها - كرامة له ، بل فيه تحريم الطيبات على الناس ، فإن لحمها طيب
[15] ، وذلك من باب العقوبات .
كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ) [ سورة النساء : 160 ] .
[ ص: 201 ] وقد قيل : إن تحريم ذلك كان من أخلاق
اليهود ، وما هو من إخوانهم
الرافضة ببعيد .
السادس : أن يقال : المقصود هنا كان حاصلا بنضوب الماء ، فأما تسليم السمك فلم يكن إليه حاجة ، ولا كان هناك سبب يقتضي خرق العادة لتقوية الإيمان ; فإن ذلك يكون حجة وحاجة ، ولم يكن هناك حجة ولا حاجة .
ألا ترى أن انفلاق البحر
لموسى كان أعظم من نضوب الماء ، ولم يسلم السمك على
موسى . ولما ذهب
موسى [16] إلى
الخضر وكان معه حوت مالح في مكتل ، فأحياه الله حتى انساب ونزل في الماء ، وصار البحر عليه سربا ، ولم يسلم على
موسى ولا على
يوشع . والبحر دائما يجزر ويمد ، ولم يعرف أن السمك سلم على أحد من الصحابة والتابعين وغيرهم .
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31309_20365وعلي أجل قدرا من أن يحتاج إلى إثبات فضائله بمثل هذه الحكايات ، التي تعلم العقلاء أنها من المكذوبات [17] .
( فَصْلٌ )
قَالَ
الرَّافِضِيُّ [1] : " الْعَاشِرُ : مَا رَوَاهُ أَهْلُ السِّيَرِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31309الْمَاءَ زَادَ بِالْكُوفَةِ [2] ، وَخَافُوا الْغَرَقَ ، فَفَزِعُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [3] ، فَرَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ ، فَنَزَلَ عَلَى شَاطِئِ
الْفُرَاتِ [ فَصَلَّى ]
[4] ، ثُمَّ دَعَا وَضَرَبَ صَفْحَةَ
[5] الْمَاءِ بِقَضِيبٍ كَانَ فِي يَدِهِ
[6] ، فَغَاصَ الْمَاءُ ،
[ ص: 199 ] فَسَلَّمَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ
[7] مِنَ الْحِيتَانِ ، وَلَمْ يَنْطِقِ الْجَرِّيُّ وَلَا الْمَرْمَاهِيُّ
[8] ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَنْطَقَ اللَّهُ مَا طَهَّرَهُ مِنَ السَّمَكِ ، وَأَسْكَتَ مَا أَنْجَسَهُ وَأَبْعَدَهُ "
[9] .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : [ الْمُطَالَبَةُ ] بِأَنْ يُقَالَ
[10] : أَيْنَ إِسْنَادُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ الَّذِي
[11] يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا وَثُبُوتِهَا ؟ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْحِكَايَاتِ الْمُرْسَلَةِ بِلَا إِسْنَادٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ ، لَكِنْ لَا يُفِيدُ شَيْئًا .
الثَّانِي : أَنَّ بَغْلَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ .
الثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِمْ . وَمِثْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكَانَتْ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا . وَهَذَا النَّاقِلُ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ حِكَايَةٍ لَا إِسْنَادَ لَهَا ؟ !
الرَّابِعُ : أَنَّ السَّمَكَ كُلَّهُ مُبَاحٌ ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ : " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ "
[12] .
[ ص: 200 ] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ) [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 96 ] .
وَقَدْ أَجْمَعَ [ سَلَفُ ]
[13] الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى حِلِّ السَّمَكِ كُلِّهِ . وَعَلِيٌّ مَعَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ يُحِلُّونَ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ ، فَكَيْفَ يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ أَنْجَسَهُ ؟ !
وَلَكِنَّ
الرَّافِضَةَ جُهَّالٌ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ الْمَكْذُوبَةِ .
الْخَامِسُ : أَنْ يُقَالَ : نُطْقُ السَّمَكِ لَيْسَ مَقْدُورًا لَهُ فِي الْعَادَةِ ، وَلَكِنْ هُوَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ . فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْطَقَ مَا أَنْطَقَ مِنْهَا ، وَأَسْكَتَ مَا أَسْكَتَهُ ، إِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ ، فَأَيُّ ذَنْبٍ لِمَنْ أَسْكَتَهُ اللَّهُ ، حَتَّى يُقَالَ : هُوَ نَجِسٌ ؟ !
وَمَنْ جَعَلَ لِلْعَجْمَاءِ ذَنَبًا بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْطِقْهَا كَانَ ظَالِمًا لَهَا .
وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : بَلِ اللَّهُ أَقْدَرَهَا عَلَى ذَلِكَ ، فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ
[14] .
فَيُقَالُ : إِقْدَارُهُ لَهَا عَلَى ذَلِكَ - لَوْ وَقَعَ - إِنَّمَا كَانَ كَرَامَةً
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْكَرَامَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالنُّطْقِ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ ، لَا بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مَعَ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، لَمْ يَكُنْ فِي إِقْدَارِهَا مَعَ - امْتِنَاعِهَا - كَرَامَةٌ لَهُ ، بَلْ فِيهِ تَحْرِيمُ الطَّيِّبَاتِ عَلَى النَّاسِ ، فَإِنَّ لَحْمَهَا طَيِّبٌ
[15] ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَاتِ .
كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 160 ] .
[ ص: 201 ] وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَخْلَاقِ
الْيَهُودِ ، وَمَا هُوَ مِنْ إِخْوَانِهِمُ
الرَّافِضَةِ بِبَعِيدٍ .
السَّادِسُ : أَنْ يُقَالَ : الْمَقْصُودُ هُنَا كَانَ حَاصِلًا بِنُضُوبِ الْمَاءِ ، فَأَمَّا تَسْلِيمُ السَّمَكِ فَلَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ ، وَلَا كَانَ هُنَاكَ سَبَبٌ يَقْتَضِي خَرْقَ الْعَادَةِ لِتَقْوِيَةِ الْإِيمَانِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حُجَّةً وَحَاجَةً ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حُجَّةٌ وَلَا حَاجَةٌ .
أَلَا تَرَى أَنَّ انْفِلَاقَ الْبَحْرِ
لِمُوسَى كَانَ أَعْظَمَ مِنْ نُضُوبِ الْمَاءِ ، وَلَمْ يُسَلِّمِ السَّمَكُ عَلَى
مُوسَى . وَلَمَّا ذَهَبَ
مُوسَى [16] إِلَى
الْخَضِرِ وَكَانَ مَعَهُ حُوتٌ مَالِحٌ فِي مِكْتَلٍ ، فَأَحْيَاهُ اللَّهُ حَتَّى انْسَابَ وَنَزَلَ فِي الْمَاءِ ، وَصَارَ الْبَحْرُ عَلَيْهِ سَرَبًا ، وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَى
مُوسَى وَلَا عَلَى
يُوشَعَ . وَالْبَحْرُ دَائِمًا يَجْزُرُ وَيَمُدُّ ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّ السَّمَكَ سَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31309_20365وَعَلِيٌّ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى إِثْبَاتِ فَضَائِلِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ ، الَّتِي تَعْلَمُ الْعُقَلَاءُ أَنَّهَا مِنَ الْمَكْذُوبَاتِ [17] .