[ ص: 168 ] وأما
nindex.php?page=treesubj&link=31994_29434قولهم : فكان طيرا بإذن الله أي بإذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة في الناسوت فهذا إذا قالوه على أنه مذهبهم من غير أن يقولوا أن
محمدا أراده تكلمنا معهم في ذلك وبينا فساد ذلك عقلا ونقلا .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29435_28645_29706قولهم : أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : أن المراد إذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة في الناسوت فهذا من البهتان الظاهر على
محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو من جنس قولهم أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم أراد به
النصارى ومن جنس قولهم أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=85ومن يبتغ غير الإسلام دينا أراد به العرب ومن جنس قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات أراد بهم الحواريين ومن جنس قولهم
[ ص: 169 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين أراد به الإنجيل فهذه المواضع التي فسروا بها القرآن وزعموا أن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - الذي بين للناس ما أنزل إليهم كان يريد بما يتلوه من القرآن هذه المعاني التي ذكروها هي من الكذب الظاهر الذي يدل على غاية جهل قائلها أو غاية معاندته ، ولكن مثل هذا التأويل غير مستنكر من
النصارى ، فإنهم قد فسروا مواضع كثيرة من التوراة والإنجيل والزبور والنبوات بنحو هذه التفاسير التي حرفوا فيها الكلام الذي جاءت به الأنبياء عن مواضعه تحريفا ظاهرا فبدلوا بذلك كتب الله ودين الله وضاهوا بذلك
اليهود الذين حرفوا وبدلوا وإن اختلفت جهة التحريف والتبديل فتحريفهم للقرآن من جنس تحريفهم للتوراة والإنجيل وهم من الذين يدعون المحكم ويتبعون ما نشأ به منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله لكن في هذه المواضع حرفوا المحكم الذي معناه ظاهر لا يحتمل إلا معنى واحد فكانوا من الجهل والمعاندة أبعد عن الصواب ممن حرف معنى المتشابه وذلك أنه قد
nindex.php?page=treesubj&link=34278_31989_31994_28666علم بالاضطرار من دين محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول أن المسيح عبد الله مخلوق كسائر المرسلين وأنه يكفر النصارى الذين يقولون هو الله أو ابن الله .
قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير [ ص: 170 ] وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=72لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ( 72 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ( 73 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=74أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم ( 76 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل .
فقد ذكر كفر
النصارى في قولهم : هو الله مرتين وذكر أنه ليس المسيح إلا رسول قد خلت من قبله الرسل فغايته الرسالة كما قال : في
محمد - صلى الله عليه وسلم - وما
محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل
[ ص: 171 ] وغاية أمه أن تكون صديقة ودل بهذا أنها ليست بنبية ثم قال : كانا يأكلان الطعام وهذا من أظهر الصفات النافية للإلهية لحاجة الأكل إلى ما يدخل في جوفه ولما يخرج منه مع ذلك من الفضلات .
والرب تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .
[ ص: 172 ] nindex.php?page=treesubj&link=31994_29705والنصارى يقولون أنه يلد وأنه يولد وأن له كفوا كما قد بين في موضع آخر وقد أخبر بعبودية المسيح في غير موضع كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=57ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ( 57 )
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ( 58 )
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=59إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل وأخبر تعالى أن أول شيء نطق به
المسيح قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق الآيات إلى قوله : شهيد وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم الآيات كلها .
فإذا كان قد علم بالاضطرار من دين
محمد - صلى الله عليه وسلم - وبالنقل المتواتر عنه وبإجماع أمته إجماعا يستندون فيه
[ ص: 173 ] إلى النقل عنه وبكتابه المنزل عليه وسنته المعروفة عنه أنه كان يقول أن
المسيح عبد الله ورسوله ليس هو إلا رسول وأنه يكفر
النصارى الذين يقولون هو الله وهو ابن الله والذين يقولون ثالث ثلاثة وأمثال ذلك كان بعد هذا تفسيرهم لقول الله الذي بلغه نبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - فيكون طيرا بإذن الله أي بإذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة بالناسوت كذبا ظاهرا على
محمد - صلى الله عليه وسلم .
وهذا مما يعرف كذبهم فيه على
محمد - صلى الله عليه وسلم - جميع أهل الأرض العالم بحال
محمد - صلى الله عليه وسلم - سواء أقروا بنبوته أو أنكروها .
فالمقصود في هذا المقام أن هؤلاء كذبوا على
محمد - صلى الله عليه وسلم - كذبا ظاهرا معلوما للخلق المؤمنين به والمكذبين له ليس هو كذبا خفيا .
وإن قدر أن ما قالوه يكون معقولا فكيف إذا كان ممتنعا في صرائح العقول بل هو قول غير معقول أي غير معقول ثبوته في الخارج وإن كان يعقل ما يختلفون ويعلم به فساد عقولهم لمن قال سائر الأقوال المتناقضة الفاسدة التي يمتنع ثبوتها في الخارج وذلك كما قد بسط في موضع آخر ، فإن قولهم : بإذن اللاهوت الذي هو
[ ص: 174 ] كلمة الله المتحدة في الناسوت باطل من وجوه .
منها أن تلك الكلمة إما أن تكون هي الله أو صفة لذاته أو لا هي ذاته ولا صفة له أو الذات والصفة جميعا .
فإن لم تكن هي ذات الله ولا صفته ولا الذات والصفة كانت بائنة عنه مخلوقة له ولم يكن لاهوتا بل ولا خالقه وحينئذ فلم يتحد
بالمسيح لاهوت بل إن لم يتحد به إنه كان اتحد به إلا مخلوق .
وإن كانت الكلمة هي الذات أو الذات والصفة فهي رب العالمين وهي الآب عندهم وهم متفقون على أن
المسيح ليس هو الآب ولم يتحد به الآب بل الابن .
وإن كانت الكلمة صفة لله - عز وجل - فصفة الله ليست هي الإله الخالق والمسيح عندهم هو الإله الخالق وأيضا فصفة الله قائمة بذاته لا تفارق ذاته وتحل بغيره وتتحد به وكلمة الله عندهم اتحدت
بالمسيح .
وإن قالوا : قولنا هذا كما تقول طائفة من المسلمين إن القرآن أو التوراة أو الإنجيل حل في القراء أو اتحد بهم وأن القديم حل في المخلوق أو اتحد به ونحو ذلك .
قيل لو كان قول هؤلاء صوابا لم يكن لهم فيه حجة ، فإنه على هذا التقدير لا فرق بين
المسيح وبين سائر من يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وأنتم تدعون أن
المسيح هو الله أو ابن الله مخصوصا بذلك دون غيره وأيضا فهؤلاء وجميع الأمم متفقون على أن قراء
[ ص: 175 ] القرآن وسائر الكتب الإلهية ليس واحد منهم هو الله ولا هو ابن الله ولا أنه خالق للعالم فإذا جعلتم قولكم مثل قول هؤلاء لزمكم أن لا يكون المسيح هو الله ولا ابن الله ولا ربا للعالم وأيضا فلم نعلم أحدا من هؤلاء قال : أن اللاهوت اتحد بالناسوت ولا أن القديم اتحد بالمحدث ولا أن كلام الله صار هو والمخلوق شيئا واحدا فالاتحاد باطل باتفاق هؤلاء وغيرهم .
ولكن طائفة منهم أطلقت لفظ الحلول وطائفة أنكرت لفظ الحلول وقالوا إنما نقول ظهر القديم في المحدث لا حل فيه لكن قالوا ما يستلزم الحلول .
وسلف المسلمين وجمهورهم يخطئون هؤلاء ويبينون خطأهم عقلا ونقلا وقولهم ليس هو قول أحد من أئمة المسلمين ولا قول طائفة مشهورة من طوائف المسلمين
كالمالكية والشافعية [ ص: 176 ] والحنفية والحنبلية والثورية والداودية والإسحاقية [ ص: 177 ] وغيرهم ولا قول طائفة من طوائف المتكلمين من المسلمين لا المنتسبين إلى السنة
كالأشعرية والكرامية ولا غيرهم
كالمعتزلة والشيعة وأمثالهم وإنما قال ذلك طائفة قليلة انتسبت إلى بعض علماء المسلمين مثل قليل من
المالكية والشافعية والحنبلية وهؤلاء غايتهم أن يقولوا بحلول صفة من صفات الله وكذلك من
nindex.php?page=treesubj&link=29620_29434قال بحلول الرب واتحاده في العبد من طوائف الغلاة المنتسبين إلى التشيع والتصوف أو غيرهم فهم ضلال
كالنصارى مع أنه لا حجة
للنصارى على هؤلاء إذ كان ما يقولونه لا يختص به
المسيح بل هو مشترك بينه وبين غيره من الأنبياء والصالحين .
والنصارى تدعي اختصاص
المسيح بالاتحاد مع أن المتحد بالناسوت صار هو والناسوت شيئا واحدا ومع الاتحاد فيمتنع أن يكون لأحدهما فعل أو صفة خارج عن الآخر
والنصارى يدعون الاتحاد ثم يتناقضون فمنهم من يقول جوهر واحد ومنهم من يقول جوهران ومنهم من يقول مشيئة واحدة ومنهم من يقول مشيئتان كما سيأتي الكلام - إن شاء الله - تعالى على ذلك .
[ ص: 168 ] وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31994_29434قَوْلُهُمْ : فَكَانَ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ بِإِذْنِ اللَّاهُوتِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ الْمُتَّحِدَةُ فِي النَّاسُوتِ فَهَذَا إِذَا قَالُوهُ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولُوا أَنَّ
مُحَمَّدًا أَرَادَهُ تَكَلَّمْنَا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ عَقْلًا وَنَقْلًا .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29435_28645_29706قَوْلُهُمْ : أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ : أَنَّ الْمُرَادَ إِذْنَ اللَّاهُوتِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ الْمُتَّحِدَةُ فِي النَّاسُوتِ فَهَذَا مِنَ الْبُهْتَانِ الظَّاهِرِ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أَرَادَ بِهِ
النَّصَارَى وَمِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=85وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا أَرَادَ بِهِ الْعَرَبَ وَمِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ أَرَادَ بِهِمُ الْحَوَارِيِّينَ وَمِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ
[ ص: 169 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ أَرَادَ بِهِ الْإِنْجِيلَ فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي فَسَّرُوا بِهَا الْقُرْآنَ وَزَعَمُوا أَنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ كَانَ يُرِيدُ بِمَا يَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرُوهَا هِيَ مِنَ الْكَذِبِ الظَّاهِرِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ جَهْلِ قَائِلِهَا أَوْ غَايَةِ مُعَانَدَتِهِ ، وَلَكِنَّ مِثْلَ هَذَا التَّأْوِيلِ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ مِنَ
النَّصَارَى ، فَإِنَّهُمْ قَدْ فَسَّرُوا مَوَاضِعَ كَثِيرَةً مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالنُّبُوَّاتِ بِنَحْوِ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ الَّتِي حَرَّفُوا فِيهَا الْكَلَامَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ عَنْ مَوَاضِعِهِ تَحْرِيفًا ظَاهِرًا فَبَدَّلُوا بِذَلِكَ كُتُبَ اللَّهِ وَدِينَ اللَّهِ وَضَاهَوْا بِذَلِكَ
الْيَهُودَ الَّذِينَ حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ فَتَحْرِيفُهُمْ لِلْقُرْآنِ مِنْ جِنْسِ تَحْرِيفِهِمْ لِلتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُمْ مِنَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْمُحْكَمَ وَيَتَّبِعُونَ مَا نَشَأَ بِهِ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ لَكِنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ حَرَّفُوا الْمُحْكَمَ الَّذِي مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدٌ فَكَانُوا مِنَ الْجَهْلِ وَالْمُعَانَدَةِ أَبْعَدَ عَنِ الصَّوَابِ مِمَّنْ حَرَّفَ مَعْنَى الْمُتَشَابِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=34278_31989_31994_28666عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ كَسَائِرِ الْمُرْسَلِينَ وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ النَّصَارَى الَّذِينَ يَقُولُونَ هُوَ اللَّهُ أَوِ ابْنُ اللَّهِ .
قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ ص: 170 ] وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=72لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ( 72 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 73 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=74أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 76 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ .
فَقَدْ ذَكَرَ كُفْرَ
النَّصَارَى فِي قَوْلِهِمْ : هُوَ اللَّهُ مَرَّتَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَسِيحُ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ فَغَايَتُهُ الرِّسَالَةُ كَمَا قَالَ : فِي
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
[ ص: 171 ] وَغَايَةُ أُمِّهِ أَنْ تَكُونَ صِدِّيقَةً وَدَلَّ بِهَذَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَبِيَّةٍ ثُمَّ قَالَ : كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الصِّفَاتِ النَّافِيَةِ لِلْإِلَهِيَّةِ لِحَاجَةِ الْأَكْلِ إِلَى مَا يَدْخُلُ فِي جَوْفِهِ وَلِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَلَاتِ .
وَالرَّبُّ تَعَالَى أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .
[ ص: 172 ] nindex.php?page=treesubj&link=31994_29705وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ أَنَّهُ يَلِدُ وَأَنَّهُ يُولَدُ وَأَنَّ لَهُ كُفُوًا كَمَا قَدْ بُيِّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ أُخْبِرَ بِعُبُودِيَّةِ الْمَسِيحِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=57وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ( 57 )
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ( 58 )
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=59إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ نَطَقَ بِهِ
الْمَسِيحُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ : شَهِيدٌ وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الْآيَاتِ كُلِّهَا .
فَإِذَا كَانَ قَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُ وَبِإِجْمَاعِ أُمَّتِهِ إِجْمَاعًا يَسْتَنِدُونَ فِيهِ
[ ص: 173 ] إِلَى النَّقْلِ عَنْهُ وَبِكِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ وَسُنَّتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَنَّ
الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ لَيْسَ هُوَ إِلَّا رَسُولٌ وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ
النَّصَارَى الَّذِينَ يَقُولُونَ هُوَ اللَّهُ وَهُوَ ابْنُ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ وَأَمْثَالَ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ هَذَا تَفْسِيرُهُمْ لِقَوْلِ اللَّهِ الَّذِي بَلَّغَهُ نَبِيُّهُ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ بِإِذْنِ اللَّاهُوتِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ الْمُتَّحِدَةُ بِالنَّاسُوتِ كَذِبًا ظَاهِرًا عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَهَذَا مِمَّا يَعْرِفُ كَذِبَهُمْ فِيهِ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ الْعَالِمُ بِحَالِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ أَقَرُّوا بِنُبُوَّتِهِ أَوْ أَنْكَرُوهَا .
فَالْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَذَبُوا عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذِبًا ظَاهِرًا مَعْلُومًا لِلْخَلْقِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَالْمُكَذِّبِينَ لَهُ لَيْسَ هُوَ كَذِبًا خَفِيًّا .
وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ مَا قَالُوهُ يَكُونُ مَعْقُولًا فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا فِي صَرَائِحِ الْعُقُولِ بَلْ هُوَ قَوْلٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ أَيْ غَيْرُ مَعْقُولٍ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ وَإِنْ كَانَ يُعْقَلُ مَا يَخْتَلِفُونَ وَيُعْلَمُ بِهِ فَسَادُ عُقُولِهِمْ لِمَنْ قَالَ سَائِرَ الْأَقْوَالِ الْمُتَنَاقِضَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهَا فِي الْخَارِجِ وَذَلِكَ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ : بِإِذْنِ اللَّاهُوتِ الَّذِي هُوَ
[ ص: 174 ] كَلِمَةُ اللَّهِ الْمُتَّحِدَةُ فِي النَّاسُوتِ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ .
مِنْهَا أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ اللَّهَ أَوْ صِفَةً لِذَاتِهِ أَوْ لَا هِيَ ذَاتُهُ وَلَا صِفَةٌ لَهُ أَوِ الذَّاتُ وَالصِّفَةُ جَمِيعًا .
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ ذَاتِ اللَّهِ وَلَا صِفَتَهُ وَلَا الذَّاتِ وَالصِّفَةِ كَانَتْ بَائِنَةً عَنْهُ مَخْلُوقَةً لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَاهُوتًا بَلْ وَلَا خَالِقَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَتَّحِدْ
بِالْمَسِيحِ لَاهُوتٌ بَلْ إِنْ لَمْ يَتَّحِدْ بِهِ إِنَّهُ كَانَ اتَّحَدَ بِهِ إِلَّا مَخْلُوقٌ .
وَإِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ هِيَ الذَّاتُ أَوِ الذَّاتُ وَالصِّفَةُ فَهِيَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَهِيَ الْآبُ عِنْدَهُمْ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ
الْمَسِيحَ لَيْسَ هُوَ الْآبُ وَلَمْ يَتَّحِدْ بِهِ الْآبُ بَلْ الِابْنُ .
وَإِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ صِفَةً لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَصِفَةُ اللَّهِ لَيْسَتْ هِيَ الْإِلَهُ الْخَالِقُ وَالْمَسِيحُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْإِلَهُ الْخَالِقُ وَأَيْضًا فَصِفَةُ اللَّهِ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَا تُفَارِقُ ذَاتَهُ وَتَحُلُّ بِغَيْرِهِ وَتَتَّحِدُ بِهِ وَكَلِمَةُ اللَّهِ عِنْدَهُمُ اتَّحَدَتْ
بِالْمَسِيحِ .
وَإِنْ قَالُوا : قَوْلُنَا هَذَا كَمَا تَقُولُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ الْقُرْآنَ أَوِ التَّوْرَاةَ أَوِ الْإِنْجِيلَ حَلَّ فِي الْقُرَّاءِ أَوِ اتَّحَدَ بِهِمْ وَأَنَّ الْقَدِيمَ حَلَّ فِي الْمَخْلُوقِ أَوِ اتَّحَدَ بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ .
قِيلَ لَوْ كَانَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ صَوَابًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الْمَسِيحِ وَبَيْنَ سَائِرِ مَنْ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْقُرْآنَ وَأَنْتُمْ تَدَّعُونَ أَنَّ
الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ أَوِ ابْنُ اللَّهِ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَهَؤُلَاءِ وَجَمِيعُ الْأُمَمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ قُرَّاءَ
[ ص: 175 ] الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هُوَ اللَّهُ وَلَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ وَلَا أَنَّهُ خَالِقٌ لِلْعَالَمِ فَإِذَا جَعَلْتُمْ قَوْلَكُمْ مِثْلَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ لَزِمَكُمْ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسِيحُ هُوَ اللَّهُ وَلَا ابْنُ اللَّهِ وَلَا رَبًّا لِلْعَالَمِ وَأَيْضًا فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ : أَنَّ اللَّاهُوتَ اتَّحَدَ بِالنَّاسُوتِ وَلَا أَنَّ الْقَدِيمَ اتَّحَدَ بِالْمُحْدَثِ وَلَا أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ صَارَ هُوَ وَالْمَخْلُوقُ شَيْئًا وَاحِدًا فَالِاتِّحَادُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ .
وَلَكِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ أَطْلَقَتْ لَفْظَ الْحُلُولِ وَطَائِفَةً أَنْكَرَتْ لَفْظَ الْحُلُولِ وَقَالُوا إِنَّمَا نَقُولُ ظَهَرَ الْقَدِيمُ فِي الْمُحْدَثِ لَا حَلَّ فِيهِ لَكِنْ قَالُوا مَا يَسْتَلْزِمُ الْحُلُولَ .
وَسَلَفُ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُهُمْ يُخَطِّئُونَ هَؤُلَاءِ وَيُبَيِّنُونَ خَطَأَهُمْ عَقْلًا وَنَقْلًا وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ هُوَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا قَوْلَ طَائِفَةٍ مَشْهُورَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ
كَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ [ ص: 176 ] وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالثَّوْرِيَّةِ وَالدَّاوُدِيَّةِ وَالْإِسْحَاقِيَّةِ [ ص: 177 ] وَغَيْرِهِمْ وَلَا قَوْلَ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ
كَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَامِيَّةِ وَلَا غَيْرِهِمْ
كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَأَمْثَالِهِمْ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ انْتُسِبَتْ إِلَى بَعْضِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ قَلِيلٍ مِنَ
الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَهَؤُلَاءِ غَايَتُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِحُلُولِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29620_29434قَالَ بِحُلُولِ الرَّبِّ وَاتِّحَادِهِ فِي الْعَبْدِ مِنْ طَوَائِفِ الْغُلَاةِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ وَالتَّصَوُّفِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَهُمْ ضُلَّالٌ
كَالنَّصَارَى مَعَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ
لِلنَّصَارَى عَلَى هَؤُلَاءِ إِذْ كَانَ مَا يَقُولُونَهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ
الْمَسِيحُ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ .
وَالنَّصَارَى تَدَّعِي اخْتِصَاصَ
الْمَسِيحِ بِالِاتِّحَادِ مَعَ أَنَّ الْمُتَّحِدَ بِالنَّاسُوتِ صَارَ هُوَ وَالنَّاسُوتُ شَيْئًا وَاحِدًا وَمَعَ الِاتِّحَادِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا فِعْلٌ أَوْ صِفَةٌ خَارِجٌ عَنِ الْآخَرِ
وَالنَّصَارَى يَدَّعُونَ الِاتِّحَادَ ثُمَّ يَتَنَاقَضُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ جَوْهَرَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَشِيئَةً وَاحِدَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَشِيئَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ .