الفصل الثاني عشر : في
nindex.php?page=treesubj&link=28753_29638الأحاديث الواردة في النهي عن تفضيله
فإن قلت : إذا تقرر من دليل القرآن وصحيح الأثر ، وإجماع الأمة كونه أكرم البشر ، وأفضل الأنبياء فما معنى الأحاديث الواردة بنهيه عن التفضيل ؟ كقوله [ فيما حدثناه
الأسدي ، قال : حدثنا
السمرقندي ، حدثنا
الفارسي ، حدثنا
الجلودي ، حدثنا
ابن سفيان حدثنا
مسلم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن مثنى ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16937محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة ، عن
قتادة : سمعت
أبا العالية يقول : حدثني ابن عم نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يعني
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989466ما ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى .
وفي غير هذا الطريق عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما ينبغي لعبد . . . الحديث .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في اليهودي الذي قال : والذي اصطفى
موسى على البشر ،
[ ص: 259 ] فلطمه رجل من
الأنصار ، وقال : تقول ذلك ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا . فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989467nindex.php?page=treesubj&link=29638لا تفضلوا بين الأنبياء .
وفي رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989468لا تخيروني على موسى فذكر الحديث .
وفيه : ولا أقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989469إن أحدا أفضل من يونس بن متى .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989470من قال : أنا خير من يونس بن متى فقد كذب .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : [
nindex.php?page=hadith&LINKID=989471لا يقولن أحدكم أنا خير من يونس بن متى ] .
وفي حديثه الآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989472فجاءه رجل ، فقال له : يا خير البرية ، فقال : ذاك إبراهيم . . . .
فاعلم أن للعلماء في هذه الأحاديث تأويلات :
أحدها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28753نهيه عن التفضيل كان قبل أن يعلم أنه سيد ولد
آدم ، فنهى عن التفضيل ، إذ يحتاج إلى توقيف ، وأن من فضل بلا علم فقد كذب .
وكذلك قوله : لا أقول إن أحدا أفضل منه لا يقتضي تفضيله هو ، وإنما هو في الظاهر كف عن التفضيل .
الوجه الثاني : أنه قاله - صلى الله عليه وسلم - على طريق التواضع ، ونفي التكبر ، والعجب ، وهذا لا يسلم من الاعتراض .
الوجه الثالث : ألا يفضل بينهم تفضيلا يؤدي إلى تنقص بعضهم ، أو الغض منه ، لا سيما في جهة
يونس - عليه السلام - ، إذ أخبر الله عنه بما أخبر لئلا يقع في نفس من لا يعلم منه بذلك غضاضة ، وانحطاط من رتبته الرفيعة ، إذ قال - تعالى - عنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=140إذ أبق إلى الفلك المشحون [ الصافات : 140 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه [ الأنبياء : 87 ] فربما يخيل لمن لا علم عنده حطيطته بذلك .
الوجه الرابع : منع التفضيل في حق النبوة ، والرسالة ، فإن الأنبياء فيها على حد واحد ، إذ هي شيء واحد لا يتفاضل ، وإنما التفاضل في زيادة الأحوال ، والخصوص ، والكرامات ، والرتب ، والألطاف ، وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل ، وإنما التفاضل بأمور أخر زائدة عليها ، ولذلك منهم رسل ، ومنهم أولو عزم من الرسل ، ومنهم من رفع مكانا عليا ، ومنهم من أوتي الحكم صبيا ، وأوتي بعضهم الزبور ، وبعضهم البينات ، ومنهم من كلم الله ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات ،
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28753_28988قال الله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=55ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض [ الإسراء : 55 ] الآية .
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28753_28973وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض [ البقرة : 253 ] الآية .
قال بعض أهل العلم : والتفضيل المراد لهم هنا في الدنيا ، وذلك بثلاثة أحوال :
أن تكون آياته ، ومعجزاته أبهر ، وأشهر ، أو تكون أمته أزكى ، وأكثر ، أو يكون في ذاته أفضل ، وأطهر ، وفضله في ذاته راجع إلى ما خصه الله به من كرامته ، واختصاصه من كلام أو خلة أو رؤية أو ما شاء الله من ألطافه ، وتحف ولايته ، واختصاصه .
وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
إن للنبوة أثقالا ، وإن يونس تفسخ منها تفسخ الربع فحفظ - صلى الله عليه وسلم - موضع الفتنة من أوهام من يسبق إليه بسببها جرح في نبوته ، أو قدح في اصطفائه ، وحط عن رتبته ، ووهن في عصمته ، شفقة منه - صلى الله عليه وسلم - على أمته .
وقد يتوجه على هذا الترتيب وجه خامس ، وهو أن يكون [ أنا ] راجعا إلى القائل نفسه ، أي لا يظن أحد ـ وإن بلغ من الذكاء والعصمة والطهارة ما بلغ ـ أنه
[ ص: 260 ] خير من
يونس ، لأجل ما حكى الله عنه ، فإن درجة النبوة أفضل ، وأعلى ، وإن تلك الأقدار لم تحطه ، عنها حبة خردل ، ولا أدنى .
وسنزيد في القسم الثالث في هذا بيانا إن شاء الله - تعالى - .
فقد بان لك الغرض ، وسقط بما حررناه شبهة المعترض ، وبالله التوفيق ، وهو المستعان لا إله إلا هو .
الْفَصْلُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28753_29638الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ تَفْضِيلِهِ
فَإِنْ قُلْتَ : إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ الْأَثَرِ ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كَوْنُهُ أَكْرَمَ الْبَشَرِ ، وَأَفْضَلَ الْأَنْبِيَاءِ فَمَا مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِنَهْيِهِ عَنِ التَّفْضِيلِ ؟ كَقَوْلِهِ [ فِيمَا حَدَّثَنَاهُ
الْأَسَدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
السَّمَرْقَنْدِيُّ ، حَدَّثَنَا
الْفَارِسِيُّ ، حَدَّثَنَا
الْجُلُودِيُّ ، حَدَّثَنَا
ابْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا
مُسْلِمٌ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12166مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16937مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ ، عَنْ
قَتَادَةَ : سَمِعْتُ
أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ : حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989466مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ : أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى .
وَفِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ . . . الْحَدِيثَ .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْيَهُودِيِّ الَّذِي قَالَ : وَالَّذِي اصْطَفَى
مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ ،
[ ص: 259 ] فَلَطَمَهُ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ ، وَقَالَ : تَقُولُ ذَلِكَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا . فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989467nindex.php?page=treesubj&link=29638لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ .
وَفِي رِوَايَةٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989468لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
وَفِيهِ : وَلَا أَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989469إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989470مَنْ قَالَ : أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : [
nindex.php?page=hadith&LINKID=989471لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ] .
وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989472فَجَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ لَهُ : يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ ، فَقَالَ : ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ . . . .
فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلَاتٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28753نَهْيَهُ عَنِ التَّفْضِيلِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ
آدَمَ ، فَنَهَى عَنِ التَّفْضِيلِ ، إِذْ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ ، وَأَنَّ مَنْ فَضَّلَ بِلَا عِلْمٍ فَقَدْ كَذَبَ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : لَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْهُ لَا يَقْتَضِي تَفْضِيلُهُ هُوَ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ كَفٌّ عَنِ التَّفْضِيلِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى طَرِيقِ التَّوَاضُعِ ، وَنَفْيِ التَّكَبُّرِ ، وَالْعُجْبِ ، وَهَذَا لَا يَسْلَمُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَلَّا يُفَضِّلَ بَيْنَهُمْ تَفْضِيلًا يُؤَدِّي إِلَى تَنَقُّصِ بَعْضِهِمْ ، أَوِ الْغَضِّ مِنْهُ ، لَا سِيَّمَا فِي جِهَةِ
يُونُسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، إِذْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَا أَخْبَرَ لِئَلَّا يَقَعُ فِي نَفْسِ مَنْ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ بِذَلِكَ غَضَاضَةً ، وَانْحِطَاطٌ مِنْ رُتْبَتِهِ الرَّفِيعَةِ ، إِذْ قَالَ - تَعَالَى - عَنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=140إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [ الصَّافَّاتِ : 140 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [ الْأَنْبِيَاءِ : 87 ] فَرُبَّمَا يُخَيَّلُ لِمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ حَطِيطَتُهُ بِذَلِكَ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : مَنْعُ التَّفْضِيلِ فِي حَقِّ النُّبُوَّةِ ، وَالرِّسَالَةِ ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ فِيهَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ ، إِذْ هِيَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَتَفَاضَلُ ، وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ فِي زِيَادَةِ الْأَحْوَالِ ، وَالْخُصُوصِ ، وَالْكَرَامَاتِ ، وَالرُّتَبِ ، وَالْأَلْطَافِ ، وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فِي نَفْسِهَا فَلَا تَتَفَاضَلُ ، وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ بِأُمُورٍ أُخَرَ زَائِدَةً عَلَيْهَا ، وَلِذَلِكَ مِنْهُمْ رُسُلٌ ، وَمِنْهُمْ أُولُو عَزْمٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ رُفِعَ مَكَانًا عَلِيًّا ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُوتِيَ الْحُكْمَ صَبِيًّا ، وَأُوتِيَ بَعْضُهُمُ الزَّبُورَ ، وَبَعْضُهُمُ الْبَيِّنَاتِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28753_28988قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=55وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ [ الْإِسْرَاءِ : 55 ] الْآيَةَ .
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28753_28973وَقَالَ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [ الْبَقَرَةِ : 253 ] الْآيَةَ .
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : وَالتَّفْضِيلُ الْمُرَادُ لَهُمْ هُنَا فِي الدُّنْيَا ، وَذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ :
أَنْ تَكُونَ آيَاتُهُ ، وَمُعْجِزَاتُهُ أَبْهَرُ ، وَأَشْهَرُ ، أَوْ تَكُونُ أُمَّتُهُ أَزْكَى ، وَأَكْثَرُ ، أَوْ يَكُونُ فِي ذَاتِهِ أَفْضَلُ ، وَأَطْهَرُ ، وَفَضْلُهُ فِي ذَاتِهِ رَاجِعٌ إِلَى مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ ، وَاخْتِصَاصِهِ مِنْ كَلَامٍ أَوْ خِلَّةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَلْطَافِهِ ، وَتُحَفِ وِلَايَتِهِ ، وَاخْتِصَاصِهِ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
إِنَّ لِلنُّبُوَّةِ أَثْقَالًا ، وَإِنَّ يُونُسَ تَفَسَّخَ مِنْهَا تَفَسُّخَ الرُّبَعِ فَحَفِظَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْضِعَ الْفِتْنَةِ مِنْ أَوْهَامِ مَنْ يَسْبِقُ إِلَيْهِ بِسَبَبِهَا جَرْحٌ فِي نَبُوَّتِهِ ، أَوْ قَدْحٌ فِي اصْطِفَائِهِ ، وَحَطٌّ عَنْ رُتْبَتِهِ ، وَوَهْنٌ فِي عِصْمَتِهِ ، شَفَقَةً مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ .
وَقَدْ يَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَجْهٌ خَامِسٌ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ [ أَنَا ] رَاجِعًا إِلَى الْقَائِلِ نَفْسِهِ ، أَيْ لَا يَظُنُّ أَحَدٌ ـ وَإِنْ بَلَغَ مِنَ الذَّكَاءِ وَالْعِصْمَةِ وَالطَّهَارَةِ مَا بَلَغَ ـ أَنَّهُ
[ ص: 260 ] خَيْرٌ مِنْ
يُونُسَ ، لِأَجْلِ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّ دَرَجَةَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلُ ، وَأَعْلَى ، وَإِنَّ تِلْكَ الْأَقْدَارَ لَمْ تَحُطَّهُ ، عَنْهَا حَبَّةَ خَرْدَلٍ ، وَلَا أَدْنَى .
وَسَنَزِيدُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي هَذَا بَيَانًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - .
فَقَدْ بَانَ لَكَ الْغَرَضُ ، وَسَقَطَ بِمَا حَرَّرْنَاهُ شُبْهَةُ الْمُعْتَرِضِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ .