وقوله : وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك .
يحتمل أن يريد به : أنها صائرة إليك ولا بد أن تعملها ، وهذا مأخوذ من الحديث الذي رواه
الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980160من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في تفسير هذا الحديث : من ذنب قد تاب منه .
وأيضا ففي التعيير ضرب خفي من الشماتة بالمعير ، وفي
الترمذي أيضا مرفوعا
nindex.php?page=hadith&LINKID=980161لا تظهر الشماتة لأخيك ، فيرحمه الله ويبتليك .
[ ص: 195 ] ويحتمل أن يريد : أن
nindex.php?page=treesubj&link=18070_18864تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته ، لما فيه من صولة الطاعة ، وتزكية النفس ، وشكرها ، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب ، وأن أخاك باء به ، ولعل كسرته بذنبه ، وما أحدث له من الذلة والخضوع ، والإزراء على نفسه ، والتخلص من مرض الدعوى ، والكبر والعجب ، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس ، خاشع الطرف ، منكسر القلب أنفع له ، وخير من صولة طاعتك ، وتكثرك بها والاعتداد بها ، والمنة على الله وخلقه بها ، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله ! وما أقرب هذا المدل من مقت الله ، فذنب تذل به لديه ، أحب إليه من طاعة تدل بها عليه ، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما ، خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا ، فإن المعجب لا يصعد له عمل ، وإنك إن تضحك وأنت معترف ، خير من أن تبكي وأنت مدل ، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين ، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر .
فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ، ولا يطالعها إلا أهل البصائر ، فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر ، ووراء ذلك ما لا يطلع عليه الكرام الكاتبون ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980162إذا زنت أمة أحدكم ، فليقم عليها الحد ولا يثرب أي لا يعير ، من قول
يوسف عليه السلام لإخوته
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=92لا تثريب عليكم اليوم فإن الميزان بيد الله ، والحكم لله ، فالسوط الذي ضرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب ، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب ، ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله ، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به ، وأقربهم إليه وسيلة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا وقال
يوسف الصديق nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين وكانت عامة يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980163لا ، ومقلب القلوب وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980164ما من [ ص: 196 ] قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، إن شاء أن يقيمه أقامه ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980165اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك .
وَقَوْلُهُ : وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ عَيَّرْتَ بِهَا أَخَاكَ فَهِيَ إِلَيْكَ .
يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ : أَنَّهَا صَائِرَةٌ إِلَيْكَ وَلَا بُدَّ أَنْ تَعْمَلَهَا ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980160مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ : مِنْ ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ .
وَأَيْضًا فَفِي التَّعْيِيرِ ضَرْبٌ خَفِيٌّ مِنَ الشَّمَاتَةِ بِالْمُعَيَّرِ ، وَفِي
التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا مَرْفُوعًا
nindex.php?page=hadith&LINKID=980161لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ .
[ ص: 195 ] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18070_18864تَعْيِيرَكَ لِأَخِيكَ بِذَنْبِهِ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ ذَنْبِهِ وَأَشَدُّ مِنْ مَعْصِيَتِهِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْلَةِ الطَّاعَةِ ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ ، وَشُكْرِهَا ، وَالْمُنَادَاةِ عَلَيْهَا بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الذَّنْبِ ، وَأَنَّ أَخَاكَ بَاءَ بِهِ ، وَلَعَلَّ كَسْرَتَهُ بِذَنْبِهِ ، وَمَا أَحْدَثَ لَهُ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ ، وَالْإِزْرَاءِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَالتَّخَلُّصِ مِنْ مَرَضِ الدَّعْوَى ، وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ ، وَوُقُوفَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ نَاكِسَ الرَّأْسِ ، خَاشِعَ الطَّرْفِ ، مُنْكَسِرَ الْقَلْبِ أَنْفَعُ لَهُ ، وَخَيْرٌ مِنْ صَوْلَةِ طَاعَتِكَ ، وَتَكَثُّرِكَ بِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا ، وَالْمِنَّةِ عَلَى اللَّهِ وَخَلْقِهِ بِهَا ، فَمَا أَقْرَبَ هَذَا الْعَاصِيَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ! وَمَا أَقْرَبَ هَذَا الْمُدِلَّ مِنْ مَقْتِ اللَّهِ ، فَذَنْبٌ تَذِلُّ بِهِ لَدَيْهِ ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَةٍ تُدِلُّ بِهَا عَلَيْهِ ، وَإِنَّكَ أَنْ تَبِيتَ نَائِمًا وَتُصْبِحَ نَادِمًا ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبِيتَ قَائِمًا وَتُصْبِحَ مُعْجَبًا ، فَإِنَّ الْمُعْجَبَ لَا يَصْعَدُ لَهُ عَمَلٌ ، وَإِنَّكَ إِنْ تَضْحَكْ وَأَنْتَ مُعْتَرِفٌ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبْكِيَ وَأَنْتَ مُدِلٌّ ، وَأَنِينُ الْمُذْنِبِينَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ زَجَلِ الْمُسَبِّحِينَ الْمُدِلِّينَ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَسْقَاهُ بِهَذَا الذَّنْبِ دَوَاءً اسْتَخْرَجَ بِهِ دَاءً قَاتِلًا هُوَ فِيكَ وَلَا تَشْعُرُ .
فَلِلَّهِ فِي أَهْلِ طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ أَسْرَارٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ، وَلَا يُطَالِعُهَا إِلَّا أَهْلُ الْبَصَائِرِ ، فَيَعْرِفُونَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا تَنَالُهُ مَعَارِفُ الْبَشَرِ ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980162إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ ، فَلْيُقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ أَيْ لَا يُعَيِّرْ ، مِنْ قَوْلِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِإِخْوَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=92لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ فَإِنَّ الْمِيزَانَ بِيَدِ اللَّهِ ، وَالْحُكْمَ لِلَّهِ ، فَالسَّوْطُ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ هَذَا الْعَاصِي بِيَدِ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ ، وَالْقَصْدُ إِقَامَةُ الْحَدِّ لَا التَّعْيِيرُ وَالتَّثْرِيبُ ، وَلَا يَأْمَنُ كَرَّاتِ الْقَدَرِ وَسَطْوَتَهُ إِلَّا أَهْلُ الْجَهْلِ بِاللَّهِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَعْلَمِ الْخَلْقِ بِهِ ، وَأَقْرَبِهِمْ إِلَيْهِ وَسِيلَةً
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا وَقَالَ
يُوسُفُ الصِّدِّيقُ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ وَكَانْتَ عَامَّةُ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980163لَا ، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980164مَا مِنْ [ ص: 196 ] قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ، إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980165اللَّهُمَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ ، اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ .