ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33717رجوع علي إلى الكوفة
ولما فرغ
علي من أهل النهر حمد الله وأثنى عليه وقال : إن الله قد أحسن بكم وأعز نصركم ، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم . قالوا : يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا ،
[ ص: 698 ] وكلت سيوفنا ، ونصلت أسنة رماحنا ( وعاد أكثرها قصدا ) ، فارجع إلى مصرنا فلنستعد ، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا ، فإنه أقوى لنا على عدونا . وكان الذي تولى كلامه
nindex.php?page=showalam&ids=185الأشعث بن قيس ، فأقبل حتى نزل
النخيلة ، فأمر الناس أن يلزموا عسكرهم ، ويوطنوا على الجهاد أنفسهم ، وأن يقلوا زيارة أبنائهم ونسائهم حتى يسيروا إلى عدوهم . فأقاموا فيهم أياما ثم تسللوا من معسكرهم فدخلوا إلا رجالا من وجوه الناس ، وترك المعسكر خاليا ، فلما رأى ذلك دخل
الكوفة وانكسر عليه رأيه في المسير وقال لهم أيضا : أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدوكم ومن في جهاده القربة إلى الله - عز وجل - ودرك الوسيلة عنده ، حيارى من الحق جفاة عن الكتاب ، يعمهون في طغيانهم ، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن ورباط الخيل ، وتوكلوا على الله ، وكفى بالله وكيلا ، وكفى بالله نصيرا . فلم ينفروا ولا تيسروا . فتركهم أياما حتى إذا أيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ووجوههم ، فسألهم عن رأيهم ، وما الذي يبطئ بهم ، فمنهم المعتل ومنهم المتكره ، ( وأقلهم من نشط ) .
فقام فيهم فقال : عباد الله ، ما بالكم إذا أمرتكم أن تنفروا (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ) وبالذل والهوان من العز خلفا ؟ وكلما ناديتكم إلى الجهاد دارت أعينكم ، كأنكم من الموت في سكرة ، وكأن قلوبكم مألوسة وأنتم لا تعقلون ، فكأن أبصاركم كمه وأنتم لا تبصرون ! لله أنتم ! ما أنتم إلا أسد الشرى في الدعة ، وثعالب رواغة حين تدعون إلى البأس . ما أنتم ( لي بثقة سجيس الليالي . ما أنتم ) بركب يصال به . لعمر الله لبئس حشاش الحرب أنتم ! إنكم تكادون ولا تكيدون ، وتتنقص أطرافكم وأنتم لا تتحاشون ، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون . ثم قال : أما بعد ، فإن لي عليكم حقا ، وإن لكم علي حقا ، فأما حقكم علي
[ ص: 699 ] فالنصيحة ( لكم ما صحبتكم ) ، وتوفير فيئكم عليكم ، وتعليمكم كي لا تجهلوا ، ( وتأديبكم كي تعلموا ، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة ، والنصح لي في المغيب والمشهد ، والإجابة حين أدعوكم ، والطاعة حين آمركم ، فإن يرد الله بكم خيرا تنزعوا عما أكره ، وترجعوا إلى ما أحب ، فتنالوا ما تطلبون ، وتدركوا ما تأملون ) .
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33717رُجُوعِ عَلِيٍّ إِلَى الْكُوفَةِ
وَلَمَّا فَرَغَ
عَلِيٌّ مِنْ أَهْلِ النَّهْرِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ بِكُمْ وَأَعَزَّ نَصْرَكُمْ ، فَتَوَجَّهُوا مِنْ فَوْرِكُمْ هَذَا إِلَى عَدُوِّكُمْ . قَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَفِدَتْ نِبَالُنَا ،
[ ص: 698 ] وَكَلَّتْ سُيُوفُنَا ، وَنَصَلَتْ أَسِنَّةُ رِمَاحِنَا ( وَعَادَ أَكْثَرُهَا قَصْدًا ) ، فَارْجِعْ إِلَى مِصْرِنَا فَلْنَسْتَعِدَّ ، وَلَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ فِي عُدَّتِنَا ، فَإِنَّهُ أَقْوَى لَنَا عَلَى عَدُوِّنَا . وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كَلَامَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=185الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، فَأَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ
النُّخَيْلَةَ ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَلْزَمُوا عَسْكَرَهُمْ ، وَيُوَطِّنُوا عَلَى الْجِهَادِ أَنْفُسَهُمْ ، وَأَنْ يُقِلُّوا زِيَارَةَ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ حَتَّى يَسِيرُوا إِلَى عَدُوِّهِمْ . فَأَقَامُوا فِيهِمْ أَيَّامًا ثُمَّ تَسَلَّلُوا مِنْ مُعَسْكَرِهِمْ فَدَخَلُوا إِلَّا رِجَالًا مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ ، وَتُرِكَ الْمُعَسْكَرُ خَالِيًا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ دَخَلَ
الْكُوفَةَ وَانْكَسَرَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ فِي الْمَسِيرِ وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا : أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَعِدُّوا لِلْمَسِيرِ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَمَنْ فِي جِهَادِهِ الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَدَرْكُ الْوَسِيلَةِ عِنْدَهُ ، حَيَارَى مِنَ الْحَقِّ جُفَاةٌ عَنِ الْكِتَابِ ، يَعْمَهُونَ فِي طُغْيَانِهِمْ ، فَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ وَرِبَاطِ الْخَيْلِ ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ ، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ، وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا . فَلَمْ يَنْفِرُوا وَلَا تَيَسَّرُوا . فَتَرَكَهُمْ أَيَّامًا حَتَّى إِذَا أَيِسَ مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا دَعَا رُؤَسَاءَهُمْ وَوُجُوهَهُمْ ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ رَأْيِهِمْ ، وَمَا الَّذِي يُبَطِّئُ بِهِمْ ، فَمِنْهُمُ الْمُعْتَلُّ وَمِنْهُمُ الْمُتَكَرِّهُ ، ( وَأَقَلُّهُمْ مَنْ نَشِطَ ) .
فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ : عِبَادَ اللَّهِ ، مَا بَالُكُمْ إِذَا أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ) وَبِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ مِنَ الْعِزِّ خَلَفًا ؟ وَكُلَّمَا نَادَيْتُكُمْ إِلَى الْجِهَادِ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ ، كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي سَكْرَةٍ ، وَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ وَأَنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ ، فَكَأَنَّ أَبْصَارَكُمْ كُمْهٌ وَأَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ! لِلَّهِ أَنْتُمْ ! مَا أَنْتُمْ إِلَّا أُسْدُ الشِّرَى فِي الدَّعَةِ ، وَثَعَالِبُ رَوَّاغَةٌ حِينَ تَدْعَوْنَ إِلَى الْبَأْسِ . مَا أَنْتُمْ ( لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي . مَا أَنْتُمْ ) بِرَكْبٍ يُصَالُ بِهِ . لَعَمْرُ اللَّهِ لَبِئْسَ حُشَّاشُ الْحَرْبِ أَنْتُمْ ! إِنَّكُمْ تُكَادُونَ وَلَا تَكِيدُونَ ، وَتُتَنَقَّصُ أَطْرَافُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَتَحَاشَوْنَ ، وَلَا يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ . ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقًّا ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ حَقًّا ، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ
[ ص: 699 ] فَالنَّصِيحَةُ ( لَكُمْ مَا صَحِبْتُكُمْ ) ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْ لَا تَجْهَلُوا ، ( وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْ تَعْلَمُوا ، وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ ، وَالنُّصْحُ لِي فِي الْمَغِيبِ وَالْمَشْهَدِ ، وَالْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ ، فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِكُمْ خَيْرًا تَنْزِعُوا عَمَّا أَكْرَهُ ، وَتَرْجِعُوا إِلَى مَا أُحِبٌّ ، فَتَنَالُوا مَا تَطْلُبُونَ ، وَتُدْرِكُوا مَا تَأْمُلُونَ ) .