(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5قال يابني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم ) .
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
حفص " يا بني " بفتح الياء والباقون بالكسر .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=31896_31895_31805_18724_18717أن يعقوب عليه السلام كان شديد الحب ليوسف وأخيه فحسده إخوته لهذا السبب ، وظهر ذلك المعنى
ليعقوب عليه السلام بالأمارات الكثيرة ، فلما ذكر
يوسف عليه السلام هذه الرؤيا وكان تأويلها أن إخوته وأبويه يخضعون له فقال : لا تخبرهم برؤياك فإنهم يعرفون تأويلها فيكيدوا لك كيدا .
المسألة الثالثة : قال
الواحدي : الرؤيا مصدر كالبشرى والسقيا والبقيا والشورى . إلا أنه لما صار اسما لهذا المتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء . قال صاحب الكشاف : الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة
[ ص: 72 ] بما كان منها في المنام دون اليقظة ، فلا جرم فرق بينهما بحرفي التأنيث ، كما قيل : القربة والقربى . وقرئ " روياك " بقلب الهمزة واوا . وسمع
الكسائي يقرأ رياك ورياك بالإدغام وضم الراء وكسرها وهي ضعيفة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5فيكيدوا لك كيدا ) وهو منصوب بإضمار أن ، والمعنى إن قصصتها عليهم كادوك .
فإن قيل : فلم لم يقل فيكيدوك كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55فكيدوني ) [ هود : 55 ] ؟ .
قلنا : هذه اللام تأكيد للصلة كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43للرؤيا تعبرون ) ، وكقولك نصحتك ونصحت لك وشكرتك وشكرت لك ، وقيل هي من صلة الكيد على معنى فيكيدوا كيدا لك . قال أهل التحقيق : وهذا يدل على أنه قد كان لهم علم بتعبير الرؤيا وإلا لم يعلموا من هذه الرؤيا ما يوجب حقدا وغضبا .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) والسبب في هذا الكلام أنهم لو أقدموا على الكيد لكان ذلك مضافا إلى الشيطان ، ونظيره قول
موسى عليه السلام " هذا من عمل الشيطان " ، ثم إن
يعقوب عليه السلام قصد بهذه النصيحة تعبير تلك الرؤيا ، وذكروا أمورا :
أولها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وكذلك يجتبيك ربك ) يعني وكما اجتباك بمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعز وكبر شأن كذلك يجتبيك لأمور عظام . قال
الزجاج : الاجتباء مشتق من جبيت الشيء إذا خلصته لنفسك ، ومنه جبيت الماء في الحوض ، واختلفوا في المراد بهذا الاجتباء ، فقال
الحسن : يجتبيك ربك بالنبوة ، وقال آخرون : المراد منه إعلاء الدرجة وتعظيم المرتبة ، فأما تعيين النبوة فلا دلالة في اللفظ عليه .
وثانيها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6ويعلمك من تأويل الأحاديث ) وفيه وجوه :
الأول : المراد منه تعبير الرؤيا سماه تأويلا لأنه يؤول أمره إلى ما رآه في المنام ، يعني تأويل أحاديث الناس فيما يرونه في منامهم . قالوا : إنه عليه السلام كان في علم التعبير غاية .
والثاني : تأويل الأحاديث في كتب الله تعالى والأخبار المروية عن الأنبياء المتقدمين ، كما أن الواحد من علماء زماننا يشتغل بتفسير القرآن وتأويله ، وتأويل الأحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
والثالث : الأحاديث جمع حديث ، والحديث هو الحادث ، وتأويلها مآلها ، ومآل الحوادث إلى قدرة الله تعالى وتكوينه وحكمته ، والمراد من تأويل الأحاديث كيفية الاستدلال بأصناف المخلوقات الروحانية والجسمانية على قدرة الله تعالى وحكمته وجلالته .
وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب ) .
واعلم أن من فسر الاجتباء بالنبوة لا يمكنه أن يفسر إتمام النعمة ههنا بالنبوة أيضا وإلا لزم التكرار ، بل يفسر إتمام النعمة ههنا بسعادات الدنيا وسعادات الآخرة . أما
nindex.php?page=treesubj&link=33687_33689_33690_33688_30200سعادات الدنيا فالإكثار من الأولاد والخدم والأتباع والتوسع في المال والجاه والحشم ، وإجلاله في قلوب الخلق وحسن الثناء والحمد . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29680_19509_18467سعادات الآخرة : فالعلوم الكثيرة والأخلاق الفاضلة والاستغراق في معرفة الله تعالى . وأما من فسر الاجتباء بنيل الدرجات العالية ، فههنا يفسر إتمام النعمة بالنبوة ويتأكد هذا بأمور :
الأول : أن إتمام النعمة عبارة عما به تصير النعمة تامة كاملة خالية عن جهات النقصان . وما ذاك في حق البشر إلا بالنبوة ، فإن جميع مناصب الخلق دون منصب الرسالة ناقص بالنسبة إلى كمال النبوة ، فالكمال المطلق والتمام المطلق في حق البشر ليس إلا النبوة .
والثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ) ومعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=30173_29485النعمة التامة التي بها حصل امتياز إبراهيم وإسحاق عن سائر البشر ليس إلا النبوة ، فوجب أن يكون المراد بإتمام النعمة هو النبوة .
[ ص: 73 ] واعلم أنا لما فسرنا هذه الآية بالنبوة لزم الحكم بأن أولاد
يعقوب كلهم كانوا أنبياء ، وذلك لأنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب ) وهذا يقتضي حصول تمام النعمة لآل
يعقوب ، فلما كان المراد من إتمام النعمة هو النبوة لزم حصولها لآل
يعقوب . ترك العمل به في حق من عدا أبناءه فوجب أن لا يبقى معمولا به في حق أولاده . وأيضا أن
يوسف عليه السلام قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إني رأيت أحد عشر كوكبا ) وكان تأويله أحد عشر نفسا لهم فضل وكمال ، ويستضيء بعلمهم ودينهم أهل الأرض ، لأنه لا شيء أضوأ من الكواكب وبها يهتدى ، وذلك يقتضي أن يكون جملة أولاد
يعقوب أنبياء ورسلا .
فإن قيل : كيف يجوز أن يكونوا أنبياء وقد أقدموا على ما أقدموا عليه في حق
يوسف عليه السلام ؟
قلنا : ذاك وقع قبل النبوة ، وعندنا
nindex.php?page=treesubj&link=21376العصمة إنما تعتبر في وقت النبوة لا قبلها .
القول الثاني : أن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6ويتم نعمته عليك ) خلاصه من المحن ، ويكون وجه التشبيه في ذلك
بإبراهيم وإسحاق عليهما السلام هو
nindex.php?page=treesubj&link=31859_31860_31851إنعام الله تعالى على إبراهيم بإنجائه من النار وعلى ابنه
إسحاق بتخليصه من الذبح .
والقول الثالث : أن إتمام النعمة هو وصل نعمة الله عليه في الدنيا بنعمة الآخرة بأن جعلهم في الدنيا أنبياء وملوكا ونقلهم عنها إلى الدرجات العلى في الجنة .
واعلم أن القول الصحيح هو الأول ، لأن النعمة التامة في حق البشر ليست إلا النبوة ، وكل ما سواها فهي ناقصة بالنسبة إليها . ثم إنه عليه السلام لما وعده بهذه الدرجات الثلاثة ختم الكلام بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6إن ربك عليم حكيم ) فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6عليم ) إشارة إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6حكيم ) إشارة إلى أن الله تعالى مقدس عن السفه والعبث ، لا يضع النبوة إلا في نفس قدسية وجوهرة مشرقة علوية .
فإن قيل : هذه البشارات التي ذكرها
يعقوب عليه السلام هل كان قاطعا بصحتها أم لا ؟ فإن كان قاطعا بصحتها ، فكيف حزن على
يوسف عليه السلام ، وكيف جاز أن يشتبه عليه أن الذئب أكله ، وكيف خاف عليه من إخوته أن يهلكوه ، وكيف قال لإخوته :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=13وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ، مع علمه بأن الله سبحانه سيجتبيه ويجعله رسولا ، فأما إذا قلنا إنه عليه السلام ما كان عالما بصحة هذه الأحوال ، فكيف قطع بها ؟ وكيف حكم بوقوعها حكما جازما من غير تردد ؟ .
قلنا : لا يبعد أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وكذلك يجتبيك ربك ) مشروطا بأن لا يكيدوه ; لأن ذكر ذلك قد تقدم ، وأيضا فبتقدير أن يقال : إنه عليه السلام كان قاطعا بأن
يوسف عليه السلام سيصل إلى هذه المناصب إلا أنه لا يمتنع أن يقع في المضايق الشديدة ثم يتخلص منها ويصل إلى تلك المناصب فكان خوفه لهذا السبب ، ويكون معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=13وأخاف أن يأكله الذئب ) [ يوسف : 13 ] الزجر عن التهاون في حفظه وإن كان يعلم أن الذئب لا يصل إليه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
حَفْصٌ " يَا بُنَيَّ " بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31896_31895_31805_18724_18717أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لِيُوسُفَ وَأَخِيهِ فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ لِهَذَا السَّبَبِ ، وَظَهَرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى
لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَمَارَاتِ الْكَثِيرَةِ ، فَلَمَّا ذَكَرَ
يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الرُّؤْيَا وَكَانَ تَأْوِيلُهَا أَنَّ إِخْوَتَهُ وَأَبَوَيْهِ يَخْضَعُونَ لَهُ فَقَالَ : لَا تُخْبِرْهُمْ بِرُؤْيَاكَ فَإِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ تَأْوِيلَهَا فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : الرُّؤْيَا مَصْدَرٌ كَالْبُشْرَى وَالسُّقْيَا وَالْبُقْيَا وَالشُّورَى . إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا صَارَ اسْمًا لِهَذَا الْمُتَخَيَّلِ فِي الْمَنَامِ جَرَى مَجْرَى الْأَسْمَاءِ . قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : الرُّؤْيَا بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ إِلَّا أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ
[ ص: 72 ] بِمَا كَانَ مِنْهَا فِي الْمَنَامِ دُونَ الْيَقَظَةِ ، فَلَا جَرَمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِحَرْفَيِ التَّأْنِيثِ ، كَمَا قِيلَ : الْقُرْبَةُ وَالْقُرْبَى . وَقُرِئَ " رُويَاكَ " بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ وَاوًا . وَسُمِعَ
الْكِسَائِيُّ يَقْرَأُ رُيَّاكَ وَرِيَّاكَ بِالْإِدْغَامِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ ضَعِيفَةٌ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ) وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَنْ ، وَالْمَعْنَى إِنْ قَصَصْتَهَا عَلَيْهِمْ كَادُوكَ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَمْ يَقُلْ فَيَكِيدُوكَ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55فَكِيدُونِي ) [ هُودٍ : 55 ] ؟ .
قُلْنَا : هَذِهِ اللَّامُ تَأْكِيدٌ لِلصِّلَةِ كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) ، وَكَقَوْلِكَ نَصَحْتُكَ وَنَصَحْتُ لَكَ وَشَكَرْتُكَ وَشَكَرْتُ لَكَ ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ صِلَةِ الْكَيْدِ عَلَى مَعْنَى فَيَكِيدُوا كَيْدًا لَكَ . قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا وَإِلَّا لَمْ يَعْلَمُوا مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا مَا يُوجِبُ حِقْدًا وَغَضَبًا .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُمْ لَوْ أَقْدَمُوا عَلَى الْكَيْدِ لَكَانَ ذَلِكَ مُضَافًا إِلَى الشَّيْطَانِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ " هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ " ، ثُمَّ إِنَّ
يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَصَدَ بِهَذِهِ النَّصِيحَةِ تَعْبِيرَ تِلْكَ الرُّؤْيَا ، وَذَكَرُوا أُمُورًا :
أَوَّلُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ) يَعْنِي وَكَمَا اجْتَبَاكَ بِمِثْلِ هَذِهِ الرُّؤْيَا الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى شَرَفِ وَعِزِّ وَكِبَرِ شَأْنٍ كَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ لِأُمُورٍ عِظَامٍ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : الِاجْتِبَاءُ مُشْتَقٌّ مِنْ جَبَيْتَ الشَّيْءَ إِذَا خَلَّصْتَهُ لِنَفْسِكَ ، وَمِنْهُ جَبَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الِاجْتِبَاءِ ، فَقَالَ
الْحَسَنُ : يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ بِالنُّبُوَّةِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُرَادُ مِنْهُ إِعْلَاءُ الدَّرَجَةِ وَتَعْظِيمُ الْمَرْتَبَةِ ، فَأَمَّا تَعْيِينُ النُّبُوَّةِ فَلَا دَلَالَةَ فِي اللَّفْظِ عَلَيْهِ .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ مِنْهُ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا سَمَّاهُ تَأْوِيلًا لِأَنَّهُ يُؤَوِّلُ أَمْرَهُ إِلَى مَا رَآهُ فِي الْمَنَامِ ، يَعْنِي تَأْوِيلَ أَحَادِيثِ النَّاسِ فِيمَا يَرَوْنَهُ فِي مَنَامِهِمْ . قَالُوا : إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ فِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ غَايَةً .
وَالثَّانِي : تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ فِي كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، كَمَا أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا يَشْتَغِلُ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَتَأْوِيلِهِ ، وَتَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالثَّالِثُ : الْأَحَادِيثُ جَمْعُ حَدِيثٍ ، وَالْحَدِيثُ هُوَ الْحَادِثُ ، وَتَأْوِيلُهَا مَآلُهَا ، وَمَآلُ الْحَوَادِثِ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْوِينِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَالْمُرَادُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ كَيْفِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ وَالْجُسْمَانِيَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ فَسَّرَ الِاجْتِبَاءَ بِالنُّبُوَّةِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُفَسِّرَ إِتْمَامَ النِّعْمَةِ هَهُنَا بِالنُّبُوَّةِ أَيْضًا وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ ، بَلْ يُفَسَّرُ إِتْمَامُ النِّعْمَةِ هَهُنَا بِسَعَادَاتِ الدُّنْيَا وَسَعَادَاتِ الْآخِرَةِ . أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=33687_33689_33690_33688_30200سَعَادَاتُ الدُّنْيَا فَالْإِكْثَارُ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْخَدَمِ وَالْأَتْبَاعِ وَالتَّوَسُّعُ فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْحَشَمِ ، وَإِجْلَالُهُ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ وَحُسْنُ الثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29680_19509_18467سَعَادَاتُ الْآخِرَةِ : فَالْعُلُومُ الْكَثِيرَةُ وَالْأَخْلَاقُ الْفَاضِلَةُ وَالِاسْتِغْرَاقُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَ الِاجْتِبَاءَ بِنَيْلِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ ، فَهَهُنَا يُفَسِّرُ إِتْمَامَ النِّعْمَةِ بِالنُّبُوَّةِ وَيَتَأَكَّدُ هَذَا بِأُمُورٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ إِتْمَامَ النِّعْمَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا بِهِ تَصِيرُ النِّعْمَةُ تَامَّةً كَامِلَةً خَالِيَةً عَنْ جِهَاتِ النُّقْصَانِ . وَمَا ذَاكَ فِي حَقِّ الْبَشَرِ إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَنَاصِبِ الْخَلْقِ دُونَ مَنْصِبِ الرِّسَالَةِ نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِ النُّبُوَّةِ ، فَالْكَمَالُ الْمُطْلَقُ وَالتَّمَامُ الْمُطْلَقُ فِي حَقِّ الْبَشَرِ لَيْسَ إِلَّا النُّبُوَّةُ .
وَالثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30173_29485النِّعْمَةَ التَّامَّةَ الَّتِي بِهَا حَصَلَ امْتِيَازُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ عَنْ سَائِرِ الْبَشَرِ لَيْسَ إِلَّا النُّبُوَّةُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِإِتْمَامِ النِّعْمَةِ هُوَ النُّبُوَّةَ .
[ ص: 73 ] وَاعْلَمْ أَنَّا لَمَّا فَسَّرْنَا هَذِهِ الْآيَةَ بِالنُّبُوَّةِ لَزِمَ الْحُكْمُ بِأَنَّ أَوْلَادَ
يَعْقُوبَ كُلَّهُمْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ) وَهَذَا يَقْتَضِي حُصُولَ تَمَامِ النِّعْمَةِ لِآلِ
يَعْقُوبَ ، فَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ إِتْمَامِ النِّعْمَةِ هُوَ النُّبُوَّةَ لَزِمَ حُصُولُهَا لِآلِ
يَعْقُوبَ . تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ مَنْ عَدَا أَبْنَاءَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّ أَوْلَادِهِ . وَأَيْضًا أَنَّ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا ) وَكَانَ تَأْوِيلُهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا لَهُمْ فَضْلٌ وَكَمَالٌ ، وَيَسْتَضِيءُ بِعِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ أَهْلُ الْأَرْضِ ، لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ أَضْوَأُ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَبِهَا يُهْتَدَى ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ أَوْلَادِ
يَعْقُوبَ أَنْبِيَاءَ وَرُسُلًا .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ وَقَدْ أَقْدَمُوا عَلَى مَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ فِي حَقِّ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؟
قُلْنَا : ذَاكَ وَقَعَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ، وَعِنْدَنَا
nindex.php?page=treesubj&link=21376الْعِصْمَةُ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي وَقْتِ النُّبُوَّةِ لَا قَبْلَهَا .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ) خَلَاصُهُ مِنَ الْمِحَنِ ، وَيَكُونُ وَجْهُ التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ
بِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=31859_31860_31851إِنْعَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِبْرَاهِيمَ بِإِنْجَائِهِ مِنَ النَّارِ وَعَلَى ابْنِهِ
إِسْحَاقَ بِتَخْلِيصِهِ مِنَ الذَّبْحِ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ إِتْمَامَ النِّعْمَةِ هُوَ وَصْلُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِنِعْمَةِ الْآخِرَةِ بِأَنْ جَعَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَنْبِيَاءَ وَمُلُوكًا وَنَقَلَهُمْ عَنْهَا إِلَى الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الْجَنَّةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ هُوَ الْأَوَّلُ ، لِأَنَّ النِّعْمَةَ التَّامَّةَ فِي حَقِّ الْبَشَرِ لَيْسَتْ إِلَّا النُّبُوَّةَ ، وَكُلُّ مَا سِوَاهَا فَهِيَ نَاقِصَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا . ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا وَعَدَهُ بِهَذِهِ الدَّرَجَاتِ الثَّلَاثَةِ خَتَمَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6عَلِيمٌ ) إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [ الْأَنْعَامِ : 124 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6حَكِيمٌ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُقَدَّسٌ عَنِ السَّفَهِ وَالْعَبَثِ ، لَا يَضَعُ النُّبُوَّةَ إِلَّا فِي نَفْسٍ قُدُسِيَّةٍ وَجَوْهَرَةٍ مُشْرِقَةٍ عُلْوِيَّةٍ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْبِشَارَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا
يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ كَانَ قَاطِعًا بِصِحَّتِهَا أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ قَاطِعًا بِصِحَّتِهَا ، فَكَيْفَ حَزِنَ عَلَى
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ أَنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ ، وَكَيْفَ خَافَ عَلَيْهِ مِنْ إِخْوَتِهِ أَنْ يُهْلِكُوهُ ، وَكَيْفَ قَالَ لِإِخْوَتِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=13وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَيَجْتَبِيهِ وَيَجْعَلُهُ رَسُولًا ، فَأَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ عَالِمًا بِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ ، فَكَيْفَ قَطَعَ بِهَا ؟ وَكَيْفَ حَكَمَ بِوُقُوعِهَا حُكْمًا جَازِمًا مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ ؟ .
قُلْنَا : لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ) مَشْرُوطًا بِأَنْ لَا يَكِيدُوهُ ; لِأَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ ، وَأَيْضًا فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَاطِعًا بِأَنَّ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَيَصِلُ إِلَى هَذِهِ الْمَنَاصِبِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَضَايِقِ الشَّدِيدَةِ ثُمَّ يَتَخَلَّصُ مِنْهَا وَيَصِلُ إِلَى تِلْكَ الْمَنَاصِبِ فَكَانَ خَوْفُهُ لِهَذَا السَّبَبِ ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=13وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ) [ يُوسُفَ : 13 ] الزَّجْرَ عَنِ التَّهَاوُنِ فِي حِفْظِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الذِّئْبَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ .