(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=77أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=77أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون )
اعلم أن هذا هو النوع الثاني من
nindex.php?page=treesubj&link=32423_32427_29435قبائح أفعال اليهود الذين كانوا في زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، والمروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه ما أن منافقي أهل الكتاب كانوا إذا لقوا أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم قالوا لهم : آمنا بالذي آمنتم به ونشهد أن صاحبكم صادق وأن قوله حق ونجده بنعته وصفته في كتابنا ، ثم إذا خلا بعضهم إلى بعض قال الرؤساء لهم : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم في كتابه من نعته وصفته ليحاجوكم به ، فإن المخالف إذا اعترف بصحة التوراة واعترف بشهادة التوراة على نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم فلا حجة أقوى من ذلك ، فلا جرم كان بعضهم يمنع بعضا من الاعتراف بذلك عند
محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قال
القفال : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76فتح الله عليكم ) مأخوذ من قولهم قد فتح على فلان في علم كذا أي رزق ذلك وسهل له طلبه .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76عند ربكم ) ففيه وجوه :
أحدها : أنهم جعلوا محاجتهم به وقوله هو في كتابكم هكذا محاجة عند الله ، ألا تراك تقول هو في كتاب الله هكذا وهو عند الله هكذا بمعنى واحد .
وثانيها : قال
الحسن : أي ليحاجوكم في ربكم لأن المحاجة فيما ألزم الله تعالى من اتباع الرسل تصح أن توصف بأنها محاجة فيه لأنها محاجة في دينه .
وثالثها : قال
الأصم : المراد يحاجوكم يوم القيامة وعند التساؤل فيكون ذلك زائدا في توبيخكم وظهور فضيحتكم على رءوس الخلائق في الموقف لأنه ليس من اعتراف بالحق ثم كتم كمن ثبت على الإنكار فكان القوم يعتقدون أن ظهور ذلك مما يزيد في انكشاف فضيحتهم في الآخرة .
ورابعها : قال
[ ص: 126 ] القاضي
أبو بكر : إن المحتج بالشيء قد يحتج ويكون غرضه من إظهار تلك الحجة حصول السرور بسبب غلبة الخصم وقد يكون غرضه منه الديانة والنصيحة فقط ليقطع عذر خصمه ويقرر حجة الله عليه ، فقال القوم عند الخلوة قد حدثتموهم بما فتح الله عليكم من حجتهم في التوراة فصاروا يتمكنون من الاحتجاج به على وجه الديانة والنصيحة ؛ لأن من يذكر الحجة على هذا الوجه قد يقول لصاحبه قد أوجبت عليك عند الله وأقمت عليك الحجة بيني وبين ربي فإن قبلت أحسنت إلى نفسك وإن جحدت كنت الخاسر الخائب .
وخامسها : قال
القفال : يقال : فلان عندي عالم أي في اعتقادي وحكمي ، وهذا عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حلال وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة حرام ، أي في حكمهما ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76ليحاجوكم به عند ربكم ) أي لتصيروا محجوجين بتلك الدلائل في حكم الله . وتأول بعض العلماء قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=13فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) [النور : 13] أي في حكم الله وقضائه لأن
nindex.php?page=treesubj&link=10531_10548القاذف إذا لم يأت بالشهود لزمه حكم الكاذبين وإن كان في نفسه صادقا .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76أفلا تعقلون ) ففيه وجوه :
أحدها : أنه يرجع إلى المؤمنين فكأنه تعالى قال : أفلا تعقلون لما ذكرته لكم من صفتهم أن الأمر لا مطمع لكم في إيمانهم ، وهو قول الحسن .
وثانيها : أنه راجع إليهم فكأن عندما خلا بعضهم ببعض قالوا لهم أتحدثونهم بما يرجع وباله عليكم وتصيرون محجوجين به ، أفلا تعقلون أن ذلك لا يليق بما أنتم عليه . وهذا الوجه أظهر لأنه من تمام الحكاية عنهم فلا وجه لصرفه عنهم إلى غيرهم .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=77أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) ففيه قولان :
الأول وهو قول الأكثرين : أن
اليهود كانوا يعرفون الله ويعرفون
nindex.php?page=treesubj&link=28781_33679أنه تعالى يعلم السر والعلانية فخوفهم الله به .
الثاني : أنهم ما علموا بذلك فرغبهم بهذا القول في أن يتفكروا فيعرفوا أن لهم ربا يعلم سرهم وعلانيتهم وأنهم لا يأمنون حلول العقاب بسبب نفاقهم ، وعلى القولين جميعا ، فهذا الكلام زجر لهم عن النفاق ، وعن وصية بعضهم بعضا بكتمان دلائل نبوة
محمد . والأقرب أن
اليهود المخاطبين بذلك كانوا عالمين بذلك ؛ لأنه لا يكاد يقال على طريق الزجر : أولا يعلم كيت وكيت ، إلا وهو عالم بذلك الشيء ، ويكون ذلك الشيء زاجرا له عن ذلك الفعل ، وقال بعضهم : هؤلاء
nindex.php?page=treesubj&link=32424_32423اليهود كيف يستجيزون أن يسر إلى إخوانهم النهي عن إظهار دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم ليسوا كالمنافقين الذين لا يعلمون الله ولا يعلمون كونه عالما بالسر والعلانية ، فشأنهم من هذه الجهة أعجب .
قال القاضي : الآية تدل على أمور :
أحدها : أنه تعالى إن كان هو الخالق لأفعال العباد فكيف يصح أن يزجرهم عن تلك الأقوال والأفعال .
وثانيها : أنها تدل على صحة الحجاج والنظر وأن ذلك كان طريقة الصحابة والمؤمنين وأن ذلك كان ظاهرا عند
اليهود حتى قال بعضهم لبعض ما قالوه .
وثالثها : أنها تدل على أن الحجة قد تكون إلزامية لأنهم لما اعترفوا بصحة التوراة وباشتمالها على ما يدل على نبوة
محمد عليه الصلاة والسلام لا جرم لزمهم الاعتراف بالنبوة ولو منعوا إحدى تينك المقدمتين لما تمت الدلالة .
ورابعها : أنها تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30523_21482الآتي بالمعصية مع العلم بكونها معصية يكون أعظم جرما ووزرا والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=77أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=77أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32423_32427_29435قَبَائِحِ أَفْعَالِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمَرْوِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أَنَّ مُنَافِقِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا إِذَا لَقُوا أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لَهُمْ : آمَنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ وَنَشْهَدُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ صَادِقٌ وَأَنَّ قَوْلَهُ حَقٌّ وَنَجِدُهُ بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ فِي كِتَابِنَا ، ثُمَّ إِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ الرُّؤَسَاءُ لَهُمْ : أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِهِ مِنْ نَعْتِهِ وَصِفَتِهِ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ ، فَإِنَّ الْمُخَالِفَ إِذَا اعْتَرَفَ بِصِحَّةِ التَّوْرَاةِ وَاعْتَرَفَ بِشَهَادَةِ التَّوْرَاةِ عَلَى نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا حُجَّةَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ ، فَلَا جَرَمَ كَانَ بَعْضُهُمْ يَمْنَعُ بَعْضًا مِنَ الِاعْتِرَافِ بِذَلِكَ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، قَالَ
الْقَفَّالُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ فُتِحَ عَلَى فُلَانٍ فِي عِلْمِ كَذَا أَيْ رُزِقَ ذَلِكَ وَسُهِّلَ لَهُ طَلَبُهُ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76عِنْدَ رَبِّكُمْ ) فَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُمْ جَعَلُوا مُحَاجَّتَهُمْ بِهِ وَقَوْلَهُ هُوَ فِي كِتَابِكُمْ هَكَذَا مُحَاجَّةً عِنْدَ اللَّهِ ، أَلَا تَرَاكَ تَقُولُ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ هَكَذَا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ هَكَذَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
الْحَسَنُ : أَيْ لِيُحَاجُّوكُمْ فِي رَبِّكُمْ لِأَنَّ الْمُحَاجَّةَ فِيمَا أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ تَصِحُّ أَنْ تُوصَفَ بِأَنَّهَا مُحَاجَّةٌ فِيهِ لِأَنَّهَا مُحَاجَّةٌ فِي دِينِهِ .
وَثَالِثُهَا : قَالَ
الْأَصَمُّ : الْمُرَادُ يُحَاجُّوكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعِنْدَ التَّسَاؤُلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا فِي تَوْبِيخِكُمْ وَظُهُورِ فَضِيحَتِكُمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ فِي الْمَوْقِفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ اعْتَرَافٍ بِالْحَقِّ ثُمَّ كَتَمَ كَمَنْ ثَبَتَ عَلَى الْإِنْكَارِ فَكَانَ الْقَوْمُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ فِي انْكِشَافِ فَضِيحَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ .
وَرَابِعُهَا : قَالَ
[ ص: 126 ] الْقَاضِي
أَبُو بَكْرٍ : إِنَّ الْمُحْتَجَّ بِالشَّيْءِ قَدْ يَحْتَجُّ وَيَكُونُ غَرَضُهُ مِنْ إِظْهَارِ تِلْكَ الْحُجَّةِ حُصُولَ السُّرُورِ بِسَبَبِ غَلَبَةِ الْخَصْمِ وَقَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ مِنْهُ الدِّيَانَةَ وَالنَّصِيحَةَ فَقَطْ لِيَقْطَعَ عُذْرَ خَصْمِهِ وَيُقَرِّرَ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الْقَوْمُ عِنْدَ الْخَلْوَةِ قَدْ حَدَّثْتُمُوهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ حُجَّتِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ فَصَارُوا يَتَمَكَّنُونَ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الدِّيَانَةِ وَالنَّصِيحَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَذْكُرُ الْحُجَّةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَدْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقَمْتُ عَلَيْكَ الْحُجَّةَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَبِّي فَإِنْ قَبِلْتَ أَحْسَنْتَ إِلَى نَفْسِكَ وَإِنْ جَحَدْتَ كُنْتَ الْخَاسِرَ الْخَائِبَ .
وَخَامِسُهَا : قَالَ
الْقَفَّالُ : يُقَالُ : فُلَانٌ عِنْدِي عَالِمٌ أَيْ فِي اعْتِقَادِي وَحُكْمِي ، وَهَذَا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ حَلَالٌ وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ حَرَامٌ ، أَيْ فِي حُكْمِهِمَا ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ) أَيْ لِتَصِيرُوا مَحْجُوجِينَ بِتِلْكَ الدَّلَائِلِ فِي حُكْمِ اللَّهِ . وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=13فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) [النُّورِ : 13] أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10531_10548الْقَاذِفَ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِالشُّهُودِ لَزِمَهُ حُكْمُ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ صَادِقًا .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) فَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : أَفَلَا تَعْقِلُونَ لِمَا ذَكَرْتُهُ لَكُمْ مِنْ صِفَتِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ لَا مَطْمَعَ لَكُمْ فِي إِيمَانِهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ فَكَأَنَّ عِنْدَمَا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ قَالُوا لَهُمْ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا يَرْجِعُ وَبَالُهُ عَلَيْكُمْ وَتَصِيرُونَ مَحْجُوجِينَ بِهِ ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ . وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحِكَايَةِ عَنْهُمْ فَلَا وَجْهَ لِصَرْفِهِ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=77أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) فَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ : أَنَّ
الْيَهُودَ كَانُوا يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَيَعْرِفُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28781_33679أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ فَخَوَّفَهُمُ اللَّهُ بِهِ .
الثَّانِي : أَنَّهُمْ مَا عَلِمُوا بِذَلِكَ فَرَغَّبَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي أَنْ يَتَفَكَّرُوا فَيَعْرِفُوا أَنَّ لَهُمْ رَبًّا يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَعَلَانِيَتَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ حُلُولَ الْعِقَابِ بِسَبَبِ نِفَاقِهِمْ ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا ، فَهَذَا الْكَلَامُ زَجْرٌ لَهُمْ عَنِ النِّفَاقِ ، وَعَنْ وَصِيَّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِكِتْمَانِ دَلَائِلِ نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ . وَالْأَقْرَبُ أَنَّ
الْيَهُودَ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا عَالِمِينَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُقَالُ عَلَى طَرِيقِ الزَّجْرِ : أَوَلَا يَعْلَمُ كَيْتَ وَكَيْتَ ، إِلَّا وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ زَاجِرًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هَؤُلَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=32424_32423الْيَهُودُ كَيْفَ يَسْتَجِيزُونَ أَنْ يُسِرَّ إِلَى إِخْوَانِهِمُ النَّهْيَ عَنْ إِظْهَارِ دَلَائِلِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ لَيْسُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ اللَّهَ وَلَا يَعْلَمُونَ كَوْنَهُ عَالِمًا بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ، فَشَأْنُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَعْجَبُ .
قَالَ الْقَاضِي : الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى إِنْ كَانَ هُوَ الْخَالِقَ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَزْجُرَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحِجَاجِ وَالنَّظَرِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ طَرِيقَةَ الصَّحَابَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ
الْيَهُودِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا قَالُوهُ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ تَكُونُ إِلْزَامِيَّةً لِأَنَّهُمْ لَمَّا اعْتَرَفُوا بِصِحَّةِ التَّوْرَاةِ وَبِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا جَرَمَ لَزِمَهُمُ الِاعْتِرَافُ بِالنُّبُوَّةِ وَلَوْ مَنَعُوا إِحْدَى تَيْنِكَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ لَمَا تَمَّتِ الدَّلَالَةُ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30523_21482الْآتِيَ بِالْمَعْصِيَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً يَكُونُ أَعْظَمَ جُرْمًا وَوِزْرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .