(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=14ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=14ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما ) .
بعد ما ذكر من له أجر عظيم من المبايعين ومن له عذاب أليم من الظانين الضالين ، أشار إلى أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29694يغفر للأولين بمشيئته ويعذب الآخرين بمشيئته ، وغفرانه ورحمته أعم وأشمل وأتم وأكمل ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29019_29687ولله ملك السماوات والأرض ) يفيد عظمة الأمرين جميعا لأن من عظم ملكه يكون أجره وهبته في غاية العظم وعذابه وعقوبته كذلك في غاية النكال والألم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ) .
أوضح الله كذبهم بهذا حيث كانوا عندما يكون السير إلى مغانم يتوقعونها يقولون من تلقاء أنفسهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15ذرونا نتبعكم ) فإذا كان أموالهم وأهلوهم شغلتهم يوم دعوتكم إياهم إلى
أهل مكة ، فما بالهم لا يشتغلون بأموالهم يوم الغنيمة ، والمراد من المغانم مغانم
أهل خيبر وفتحها ، وغنم المسلمون ولم يكن معهم إلا من كان معه في
المدينة ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15سيقول المخلفون ) وعد المبايعين الموافقين بالغنيمة والمتخلفين المخالفين بالحرمان .
[ ص: 79 ] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ) .
يحتمل وجوها :
أحدها : هو ما قال الله إن غنيمة
خيبر لمن شهد
الحديبية وعاهد بها ، لا غير ، وهو الأشهر عند المفسرين والأظهر ؛ نظرا إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15كذلكم قال الله من قبل ) .
ثانيها : يريدون أن يبدلوا كلام الله وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=6وغضب الله عليهم ) ؛ وذلك لأنهم لو اتبعوكم لكانوا في حكم بيعة
أهل الرضوان الموعودين بالغنيمة ، فيكونون من الذين رضي الله عنهم ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) [ الفتح : 18 ] فلا يكونون من الذين غضب الله عليهم ، فيلزم تبديل كلام الله .
ثالثها : هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تخلف القوم ، أطلعه الله على باطنهم ، وأظهر له نفاقهم وأنه يريد أن يعاقبهم ، وقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=83فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ) [ التوبة : 83 ] فأرادوا أن يبدلوا ذلك الكلام بالخروج معه . لا يقال : فالآية التي ذكرتم واردة في غزوة
تبوك لا في هذه الواقعة ؛ لأنا نقول : قد وجد ههنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لن تتبعونا ) على صيغة النفي بدلا عن قوله : " لا تتبعونا " على صيغة النهي - معنى لطيف ، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنى على إخبار الله تعالى عنهم النفي لوثوقه وقطعه بصدقه فجزم وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لن تتبعونا ) يعني لو أذنتكم ولو أردتم واخترتم لا يتم لكم ذلك ؛ لما أخبر الله تعالى .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15فسيقولون بل تحسدوننا )
ردا على قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15كذلكم قال الله من قبل ) كأنهم قالوا : ما قال الله كذلك من قبل ، بل تحسدوننا . و " بل " للإضراب ، والمضروب عنه محذوف في الموضعين ، أما ههنا فهو بتقدير ما قال الله . وكذلك فإن قيل : بماذا كان الحسد في اعتقادهم ؟ نقول : كأنهم قالوا : نحن كنا مصيبين في عدم الخروج ، حيث رجعوا من الحديبية من غير حاصل ونحن استرحنا ، فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا .
ثم قال تعالى ردا عليهم كما ردوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ) أي لم يفقهوا من قولك : لا تخرجوا ، إلا ظاهر النهي ، ولم يفهموا من حكمه إلا قليلا ، فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ) .
لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15قل لن تتبعونا ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=83فقل لن تخرجوا معي أبدا ) [ التوبة : 83 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30569فكان المخلفون جمعا كثيرا من قبائل متشعبة ، دعت الحاجة إلى بيان قبول توبتهم ، فإنهم لم يبقوا على ذلك ولم يكونوا من الذين مردوا على النفاق ، بل منهم من حسن حاله وصلح باله ، فجعل لقبول توبتهم علامة ، وهو أنهم يدعون إلى قتال قوم أولي بأس شديد ويطيعون ، بخلاف حال
ثعلبة حيث امتنع من أداء الزكاة ثم أتى بها ، ولم يقبل منه النبي - صلى الله عليه وسلم - واستمر عليه الحال ولم يقبل منه أحد من الصحابة ، كذلك كان يستمر حال هؤلاء لولا أنه تعالى بين أنهم يدعون ، فإن كانوا يطيعون يؤتون الأجر الحسن وما كان أحد من الصحابة يتركهم يتبعونه ، والفرق بين حال ثعلبة وبين حال هؤلاء من وجهين :
أحدهما : أن
ثعلبة جاز أن يقال : حاله لم يكن يتغير في علم الله ، فلم يبين لتوبته علامة ، والأعراب تغيرت ، فإن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبق من المنافقين على النفاق أحد على مذهب أهل السنة . وثانيهما : أن الحاجة إلى بيان حال الجمع الكثير والجم الغفير أمس ؛ لأنه لولا البيان لكان
[ ص: 80 ] يفضي الأمر إلى قيام الفتنة بين فرق المسلمين ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) وجوه :
أشهرها وأظهرها أنهم
بنو حنيفة حيث تابعوا
مسيلمة وغزاهم
أبو بكر .
وثانيها : هم
فارس والروم غزاهم
عمر .
ثالثها :
هوازن وثقيف غزاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوى الوجوه هو أن الدعاء كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان الأظهر غيره ، أما الدليل على قوة هذا الوجه هو أن أهل السنة اتفقوا على أن أمر العرب في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهر ولم يبق إلا كافر مجاهر ، أو مؤمن تقي طاهر ، وامتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من
nindex.php?page=treesubj&link=32907الصلاة على موتى المنافقين ، وترك المؤمنون مخالطتهم ، حتى إن
عبادة بن كعب مع كونه بين المؤمنين لم يكلمه المؤمنون مدة ، وما ذكره الله علامة لظهور حال من كان منافقا ، فإن كان ظهر حالهم بغير هذا ، فلا معنى لجعل هذا علامة ، وإن ظهر بهذا الظهور كان في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن النبي عليه الصلاة والسلام لو امتنع من قبولهم لاتباعه لامتنع
أبو بكر وعمر ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158واتبعوه ) [ الأعراف : 158 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31فاتبعوني ) [ آل عمران : 31 ] فإن قيل هذا ضعيف لوجهين :
أحدهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لن تتبعونا ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=83لن تخرجوا معي أبدا ) [ التوبة : 83 ] فكيف كانوا يتبعونه مع النفي ؟ .
الثاني : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16أولي بأس شديد ) ولم يبق بعد ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام حرب قوم أولي بأس شديد ؛ فإن الرعب استولى على قلوب الناس ولم يبق بعده شدة وبأس ، واتفاق الجمهور يدل على القوة والظهور ، نقول : أما الجواب عن الأول فمن وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك مقيدا ، تقديره : لن تخرجوا معي أبدا وأنتم على ما أنتم عليه ، ويجب هذا التقييد ؛ لأنا أجمعنا على أن منهم من أسلم وحسن إسلامه بل الأكثر ذلك ، وما كان يجوز للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم : لستم مسلمين ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=94ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ) [ النساء : 94 ] ومع القول بإسلامهم ما كان يجوز أن يمنعهم ما كان من الجهاد في سبيل الله مع وجوبه عليهم وكان ذلك مقيدا ، وقد تبين حسن حالهم ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاهم إلى جهاد ، فأطاعه قوم وامتنع آخرون ، وظهر أمرهم وعلم من استمر على الكفر ممن استقر قلبه على الإيمان .
الثاني : المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لن تتبعونا ) في هذا القتال فحسب ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=83لن تخرجوا معي ) كان في غير هذا وهم المنافقون الذين تخلفوا في غزوة
تبوك . وأما اتفاق الجمهور فنقول : لا مخالفة بيننا وبينهم ؛ لأنا نقول : النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاهم أولا ،
وأبو بكر رضي الله عنه أيضا دعاهم بعد معرفته جواز ذلك من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نحن نثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاهم ، فإن قالوا :
أبو بكر رضي الله عنه دعاهم ، لم يكن بين القولين تناف ، وإن قالوا : لم يدعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فالنفي والجزم به في غاية البعد ؛ لجواز أن يكون ذلك قد وقع ، وكيف لا والنبي عليه الصلاة والسلام قال من كلام الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ) [ آل عمران : 31 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=61واتبعون هذا صراط مستقيم ) [ الزخرف : 61 ] ومنهم من أحب الله ، واختار
nindex.php?page=treesubj&link=28750اتباع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن بقاء جمعهم على النفاق والكفر بعدما اتسعت دائرة الإسلام واجتمعت العرب على الإيمان بعيد ، ويوم قوله - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لن تتبعونا ) كان أكثر العرب على الكفر والنفاق ؛ لأنه كان قبل فتح
مكة ، وقبل أخذ حصون كثيرة .
وأما قوله : لم يبق للنبي - صلى الله عليه وسلم - حرب مع أولي بأس شديد ، قلنا : لا نسلم ذلك ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عام
الحديبية دعاهم إلى الحرب ؛ لأنه خرج محرما ومعه الهدي ؛ ليعلم
قريش أنه لا يطلب القتال ، وامتنعوا ، فقال : ستدعون إلى الحرب . ولا شك أن من يكون خصمه مسلحا محاربا أكثر بأسا ممن يكون على خلاف ذلك ، فكان قد علم من حال
مكة أنهم لا يوقرون حاجا ولا معتمرا ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16أولي بأس شديد ) يعني أولي سلاح من آلة الحديد فيه بأس شديد ، ومن قال بأن الداعي
أبو بكر وعمر تمسك بالآية على خلافتهما ، ودلالتها ظاهرة ، وحينئذ
[ ص: 81 ] أتقاتلونهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16أو يسلمون ) إشارة إلى أن أحدهما يقع ، وقرئ " أو يسلموا " بالنصب بإضمار " أن " على معنى " تقاتلونهم " إلى أن يسلموا، والتحقيق فيه هو أن " أو " لا تجيء إلا بين المتغايرين ، وتنبئ عن الحصر فيقال : العدد زوج أو فرد ؛ ولهذا لا يصح أن يقال : هو زيد أو عمرو ؛ ولهذا يقال : العدد زوج أو خمسة أو غيرهما ، إذا علم هذا فقال القائل : لألزمنك أو تقضيني حقي ، يفهم منه أن الزمان انحصر في قسمين : قسم يكون فيه الملازمة ، وقسم يكون فيه قضاء الحق ، فلا يكون بين الملازمة وقضاء الحق زمان لا يوجد فيه الملازمة ولا قضاء الحق ، فيكون في قوله : لألزمنك أو تقضيني ، كما حكى في قول القائل : لألزمنك إلى أن تقضيني ؛ لامتداد زمان الملازمة إلى القضاء ، وهذا ما يضعف قول القائل : الداعي هو
عمر ، والقوم
فارس والروم ؛ لأن الفريقين يقران بالجزية ، فالقتال معهم لا يمتد إلى الإسلام لجواز أن يؤدوا الجزية ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل ) فيه فائدة ؛ لأن التولي إذا كان بعذر كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61ليس على الأعمى حرج ) [ النور : 61 ] لا يكون للمتولي عذاب أليم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16وإن تتولوا كما توليتم ) يعني إن كان توليكم بناء على الظن الفاسد والاعتقاد الباطل كما كان حيث قلتم بألسنتكم لا بقلوبكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=11شغلتنا أموالنا ) فالله يعذبكم عذابا أليما .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=14وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=14وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) .
بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَنْ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُبَايِعِينَ وَمِنْ لَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ مِنَ الظَّانِّينَ الضَّالِّينَ ، أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29694يَغْفِرُ لِلْأَوَّلِينَ بِمَشِيئَتِهِ وَيُعَذِّبُ الْآخِرِينَ بِمَشِيئَتِهِ ، وَغُفْرَانُهُ وَرَحْمَتُهُ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ وَأَتَمُّ وَأَكْمَلُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29019_29687وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) يُفِيدُ عَظَمَةَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ مِنْ عِظَمِ مُلْكِهِ يَكُونُ أَجْرُهُ وَهِبَتُهُ فِي غَايَةِ الْعِظَمِ وَعَذَابُهُ وَعُقُوبَتُهُ كَذَلِكَ فِي غَايَةِ النَّكَالِ وَالْأَلَمِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ) .
أَوْضَحَ اللَّهُ كَذِبَهُمْ بِهَذَا حَيْثُ كَانُوا عِنْدَمَا يَكُونُ السَّيْرُ إِلَى مَغَانِمَ يَتَوَقَّعُونَهَا يَقُولُونَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ) فَإِذَا كَانَ أَمْوَالُهُمْ وَأَهْلُوهُمْ شَغَلَتْهُمْ يَوْمَ دَعْوَتِكُمْ إِيَّاهُمْ إِلَى
أَهْلِ مَكَّةَ ، فَمَا بَالُهُمْ لَا يَشْتَغِلُونَ بِأَمْوَالِهِمْ يَوْمَ الْغَنِيمَةِ ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَغَانِمِ مَغَانِمُ
أَهْلِ خَيْبَرَ وَفَتْحُهَا ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي
الْمَدِينَةِ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ ) وَعَدَ الْمُبَايِعِينَ الْمُوَافِقِينَ بِالْغَنِيمَةِ وَالْمُتَخَلِّفِينَ الْمُخَالِفِينَ بِالْحِرْمَانِ .
[ ص: 79 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) .
يَحْتَمِلُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : هُوَ مَا قَالَ اللَّهُ إِنَّ غَنِيمَةَ
خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ
الْحُدَيْبِيَةَ وَعَاهَدَ بِهَا ، لَا غَيْرُ ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْأَظْهَرُ ؛ نَظَرًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) .
ثَانِيهَا : يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=6وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَوِ اتَّبَعُوكُمْ لَكَانُوا فِي حُكْمِ بَيْعَةِ
أَهْلِ الرِّضْوَانِ الْمَوْعُودِينَ بِالْغَنِيمَةِ ، فَيَكُونُونَ مِنَ الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) [ الْفَتْحِ : 18 ] فَلَا يَكُونُونَ مِنَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، فَيَلْزَمُ تَبْدِيلُ كَلَامِ اللَّهِ .
ثَالِثُهَا : هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَخَلَّفَ الْقَوْمُ ، أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى بَاطِنِهِمْ ، وَأَظْهَرَ لَهُ نِفَاقَهُمْ وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ ، وَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=83فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ) [ التَّوْبَةِ : 83 ] فَأَرَادُوا أَنْ يُبَدِّلُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ . لَا يُقَالُ : فَالْآيَةُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ وَارِدَةٌ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ لَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : قَدْ وُجِدَ هَهُنَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لَنْ تَتَّبِعُونَا ) عَلَى صِيغَةِ النَّفْيِ بَدَلًا عَنْ قَوْلِهِ : " لَا تَتَّبِعُونَا " عَلَى صِيغَةِ النَّهْيِ - مَعْنًى لَطِيفٌ ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنَى عَلَى إِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمُ النَّفْيَ لِوُثُوقِهِ وَقَطْعِهِ بِصِدْقِهِ فَجَزَمَ وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لَنْ تَتَّبِعُونَا ) يَعْنِي لَوْ أَذِنْتُكُمْ وَلَوْ أَرَدْتُمْ وَاخْتَرْتُمْ لَا يَتِمُّ لَكُمْ ذَلِكَ ؛ لِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا )
رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) كَأَنَّهُمْ قَالُوا : مَا قَالَ اللَّهُ كَذَلِكَ مِنْ قَبْلُ ، بَلْ تَحْسُدُونَنَا . وَ " بَلْ " لِلْإِضْرَابِ ، وَالْمَضْرُوبُ عَنْهُ مَحْذُوفٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، أَمَّا هَهُنَا فَهُوَ بِتَقْدِيرِ مَا قَالَ اللَّهُ . وَكَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ : بِمَاذَا كَانَ الْحَسَدُ فِي اعْتِقَادِهِمْ ؟ نَقُولُ : كَأَنَّهُمْ قَالُوا : نَحْنُ كُنَّا مُصِيبِينَ فِي عَدَمِ الْخُرُوجِ ، حَيْثُ رَجَعُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ غَيْرِ حَاصِلٍ وَنَحْنُ اسْتَرَحْنَا ، فَإِنْ خَرَجْنَا مَعَهُمْ وَيَكُونُ فِيهِ غَنِيمَةٌ يَقُولُونَ هُمْ غَنِمُوا مَعَنَا وَلَمْ يَتْعَبُوا مَعَنَا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ كَمَا رَدُّوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) أَيْ لَمْ يَفْقَهُوا مِنْ قَوْلِكَ : لَا تَخْرُجُوا ، إِلَّا ظَاهِرَ النَّهْيِ ، وَلَمْ يَفْهَمُوا مَنْ حُكْمِهِ إِلَّا قَلِيلًا ، فَحَمَلُوهُ عَلَى مَا أَرَادُوهُ وَعَلَّلُوهُ بِالْحَسَدِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) .
لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=83فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا ) [ التَّوْبَةِ : 83 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30569فَكَانَ الْمُخَلَّفُونَ جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ قَبَائِلَ مُتَشَعِّبَةٍ ، دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيَانِ قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَبْقَوْا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ حَسُنَ حَالُهُ وَصَلَحَ بَالُهُ ، فَجَعَلَ لِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ عَلَامَةً ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ وَيُطِيعُونَ ، بِخِلَافِ حَالِ
ثَعْلَبَةَ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ ثُمَّ أَتَى بِهَا ، وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، كَذَلِكَ كَانَ يَسْتَمِرُّ حَالُ هَؤُلَاءِ لَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ ، فَإِنْ كَانُوا يُطِيعُونَ يُؤْتَوْنَ الْأَجْرَ الْحَسَنَ وَمَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَتْرُكُهُمْ يَتَّبِعُونَهُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَالِ ثَعْلَبَةَ وَبَيْنَ حَالِ هَؤُلَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
ثَعْلَبَةَ جَازَ أَنْ يُقَالَ : حَالُهُ لَمْ يَكُنْ يَتَغَيَّرُ فِي عِلْمِ اللَّهِ ، فَلَمْ يُبَيِّنْ لِتَوْبَتِهِ عَلَامَةً ، وَالْأَعْرَابُ تَغَيَّرَتْ ، فَإِنَّ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْقَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى النِّفَاقِ أَحَدٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ . وَثَانِيهِمَا : أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى بَيَانِ حَالِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ وَالْجَمِّ الْغَفِيرِ أَمَسُّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْبَيَانُ لَكَانَ
[ ص: 80 ] يُفْضِي الْأَمْرُ إِلَى قِيَامِ الْفِتْنَةِ بَيْنَ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) وُجُوهٌ :
أَشْهَرُهَا وَأَظْهَرُهَا أَنَّهُمْ
بَنُو حَنِيفَةَ حَيْثُ تَابَعُوا
مُسَيْلِمَةَ وَغَزَاهُمْ
أَبُو بَكْرٍ .
وَثَانِيهَا : هُمْ
فَارِسُ وَالرُّومُ غَزَاهُمْ
عُمَرُ .
ثَالِثُهَا :
هَوَازِنُ وَثَقِيفٌ غَزَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْوَى الْوُجُوهِ هُوَ أَنَّ الدُّعَاءَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ غَيْرَهُ ، أَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى قُوَّةِ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَمْرَ الْعَرَبِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَهَرَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا كَافِرٌ مُجَاهِرٌ ، أَوْ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ طَاهِرٌ ، وَامْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=32907الصَّلَاةِ عَلَى مَوْتَى الْمُنَافِقِينَ ، وَتَرَكَ الْمُؤْمِنُونَ مُخَالَطَتَهُمْ ، حَتَّى إِنَّ
عُبَادَةَ بْنَ كَعْبٍ مَعَ كَوْنِهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُكَلِّمْهُ الْمُؤْمِنُونَ مُدَّةً ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَلَامَةٌ لِظُهُورِ حَالِ مَنْ كَانَ مُنَافِقًا ، فَإِنْ كَانَ ظَهَرَ حَالُهُمْ بِغَيْرِ هَذَا ، فَلَا مَعْنَى لِجَعْلِ هَذَا عَلَامَةً ، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَذَا الظُّهُورِ كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَوِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِمْ لِاتِّبَاعِهِ لَامْتَنَعَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158وَاتَّبِعُوهُ ) [ الْأَعْرَافِ : 158 ] ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31فَاتَّبِعُونِي ) [ آلِ عِمْرَانَ : 31 ] فَإِنْ قِيلَ هَذَا ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لَنْ تَتَّبِعُونَا ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=83لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا ) [ التَّوْبَةِ : 83 ] فَكَيْفَ كَانُوا يَتَّبِعُونَهُ مَعَ النَّفْيِ ؟ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَرْبُ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ؛ فَإِنَّ الرُّعْبَ اسْتَوْلَى عَلَى قُلُوبِ النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ شِدَّةٌ وَبَأْسٌ ، وَاتِّفَاقُ الْجُمْهُورِ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالظُّهُورِ ، نَقُولُ : أَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا ، تَقْدِيرُهُ : لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَأَنْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ، وَيَجِبُ هَذَا التَّقْيِيدُ ؛ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ بَلِ الْأَكْثَرُ ذَلِكَ ، وَمَا كَانَ يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : لَسْتُمْ مُسْلِمِينَ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=94وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) [ النِّسَاءِ : 94 ] وَمَعَ الْقَوْلِ بِإِسْلَامِهِمْ مَا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مَا كَانَ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا ، وَقَدْ تَبَيَّنَ حُسْنُ حَالِهِمْ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُمْ إِلَى جِهَادٍ ، فَأَطَاعَهُ قَوْمٌ وَامْتَنَعَ آخَرُونَ ، وَظَهَرَ أَمْرُهُمْ وَعُلِمَ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْكُفْرِ مِمَّنِ اسْتَقَرَّ قَلْبُهُ عَلَى الْإِيمَانِ .
الثَّانِي : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لَنْ تَتَّبِعُونَا ) فِي هَذَا الْقِتَالِ فَحَسْبُ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=83لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ ) كَانَ فِي غَيْرِ هَذَا وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ . وَأَمَّا اتِّفَاقُ الْجُمْهُورِ فَنَقُولُ : لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُمْ أَوَّلًا ،
وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا دَعَاهُمْ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ جَوَازَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا نَحْنُ نُثْبِتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُمْ ، فَإِنْ قَالُوا :
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُمْ ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ تَنَافٍ ، وَإِنْ قَالُوا : لَمْ يَدْعُهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالنَّفْيُ وَالْجَزْمُ بِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ ، وَكَيْفَ لَا وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ) [ آلِ عِمْرَانَ : 31 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=61وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) [ الزُّخْرُفِ : 61 ] وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ ، وَاخْتَارَ
nindex.php?page=treesubj&link=28750اتِّبَاعَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ بَقَاءَ جَمْعِهِمْ عَلَى النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ بَعْدَمَا اتَّسَعَتْ دَائِرَةُ الْإِسْلَامِ وَاجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى الْإِيمَانِ بِعِيدٌ ، وَيَوْمَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15لَنْ تَتَّبِعُونَا ) كَانَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ عَلَى الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ
مَكَّةَ ، وَقَبْلَ أَخْذِ حُصُونٍ كَثِيرَةٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : لَمْ يَبْقَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرْبٌ مَعَ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ دَعَاهُمْ إِلَى الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مُحْرِمًا وَمَعَهُ الْهُدَيُ ؛ لِيَعْلَمَ
قُرَيْشٌ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ الْقِتَالَ ، وَامْتَنَعُوا ، فَقَالَ : سَتُدْعَوْنَ إِلَى الْحَرْبِ . وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ يَكُونُ خَصْمُهُ مُسَلَّحًا مُحَارِبًا أَكْثَرُ بَأْسًا مِمَّنْ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، فَكَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَالِ
مَكَّةَ أَنَّهُمْ لَا يُوَقِّرُونَ حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) يَعْنِي أُولِي سِلَاحٍ مِنْ آلَةِ الْحَدِيدِ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ، وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الدَّاعِيَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ تَمَسَّكَ بِالْآيَةِ عَلَى خِلَافَتِهِمَا ، وَدَلَالَتُهَا ظَاهِرَةٌ ، وَحِينَئِذٍ
[ ص: 81 ] أَتُقَاتِلُونَهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16أَوْ يُسْلِمُونَ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَقَعُ ، وَقُرِئَ " أَوْ يُسْلِمُوا " بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ " أَنْ " عَلَى مَعْنَى " تُقَاتِلُونَهُمْ " إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا، وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ هُوَ أَنَّ " أَوْ " لَا تَجِيءُ إِلَّا بَيْنَ الْمُتَغَايِرَيْنِ ، وَتُنْبِئُ عَنِ الْحَصْرِ فَيُقَالُ : الْعَدَدُ زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : هُوَ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ : الْعَدَدُ زَوْجٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا ، إِذَا عُلِمَ هَذَا فَقَالَ الْقَائِلُ : لَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تَقْضِينِي حَقِّي ، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الزَّمَانَ انْحَصَرَ فِي قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ يَكُونُ فِيهِ الْمُلَازَمَةُ ، وَقِسْمٌ يَكُونُ فِيهِ قَضَاءُ الْحَقُّ ، فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُلَازَمَةِ وَقَضَاءِ الْحَقِّ زَمَانٌ لَا يُوجَدُ فِيهِ الْمُلَازَمَةُ وَلَا قَضَاءُ الْحَقِّ ، فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ : لَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تَقْضِينِي ، كَمَا حَكَى فِي قَوْلِ الْقَائِلِ : لَأَلْزَمَنَّكَ إِلَى أَنْ تَقْضِيَنِي ؛ لِامْتِدَادِ زَمَانِ الْمُلَازَمَةِ إِلَى الْقَضَاءِ ، وَهَذَا مَا يُضْعِفُ قَوْلَ الْقَائِلِ : الدَّاعِي هُوَ
عُمَرُ ، وَالْقَوْمُ
فَارِسُ وَالرُّومُ ؛ لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ يُقِرَّانِ بِالْجِزْيَةِ ، فَالْقِتَالُ مَعَهُمْ لَا يَمْتَدُّ إِلَى الْإِسْلَامِ لِجَوَازِ أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ ) فِيهِ فَائِدَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّوَلِّيَ إِذَا كَانَ بِعُذْرٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ ) [ النُّورِ : 61 ] لَا يَكُونُ لِلْمُتَوَلِّي عَذَابٌ أَلِيمٌ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ ) يَعْنِي إِنْ كَانَ تَوَلِّيكُمْ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ الْفَاسِدِ وَالِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ كَمَا كَانَ حَيْثُ قُلْتُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ لَا بِقُلُوبِكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=11شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا ) فَاللَّهُ يُعَذِّبُكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا .