المبحث الثالث
نظرة الإسلام إلى المال
ينظر الإسلام إلى المال نظرة واقعية ويصفه بأنه: قوام الحياة، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما (النساء:5).
ففي هذه الآية يأمر الله بالمحافظة على المال، وينهى عن إيتائه للسفهاء، ويلفت الأنظار إلى أنه جعله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5قياما ؛ أي سببا تقوم به ضرورات الحياة من مطعم ومشرب وملبس ومسكن ونحوها من الضرورات التي لا قيام لها إلا بالمال
[1] .
فالمـال إذن نـعمة كبيرة من نعم الله على الإنسـان، وقد عبر عنه القرآن بلفظ "الخير" في عدد من المواضع، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم (البقرة:215).
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=272وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (البقرة:272).
[ ص: 23 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح"
[2] .
وفي الرؤية الإسلامية، الله تعالى هو المالك الحقيقي للمال، والمال عارية في يد البشر الذين استخلفهم فيه، وللبشر حق الانتفاع المشروع بما في أيديهم من مال الله، بشرط أن يكون ذلك الانتفاع في حدود الاعتدال، دون سرف أو تقتير
[3] ، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وآتوهم من مال الله الذي آتاكم (النور:33) ، وقال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير (الحديد:7).
ويبقى المال في الإسلام وسيلة لا غاية، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عبودية المال، فقال: "تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط"
[4] .
وتنقسم ملكية المال في الإسلام إلى قسمين: ملكية خاصة، وملكية
[ ص: 24 ] عامة، فالملكية الخاصة هي تملك الأفراد ومن في حكمهم للمال، وهذا التملك يعد في نظر الإسلام أمانة واستخلافا، والمالك الحقيقي هو الله تعالى، كما سبق معنا.
وأما الملكية العامة فهي تلك الملكية العائدة للدولة والتي ينتفع بها المقيمون على أرض الدولة عموما، كالطرقات، والحدائق، والمستشفيات، والمدارس، وجميع المؤسسات والمرافق التي تبنيها الدولة للانتفاع العام، وكذلك المال الذي يتجمع في الخزينة العامة للدولة.
وهذه الملكية العـامة هي أيضـا أمانة واسـتخلاف، فلا يمـلك الحـكام وسـائر من يقومون على شـؤون الدولة حق التصرف في المال العام كما يشاءون، بل هم مقيدون فيه بقيود أشد من تلك القيود المفروضة على الملكية الخاصة، يقول ابن تيمية (ت728هـ):
"وليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم، كما يقسم المالك ملكه، فإنما هم أمناء ونواب وليسوا ملاكا..."
[5] .
وقد كتب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى معاذ وأبي عبيدة، رضي الله عنهما:
"أنشدكما الله أي رجل أنا؟ ملك أم خليفة؟ فكتبا إليه: إن أخذت
[ ص: 25 ] درهما بغير حقه، أو وضعته في غير حقه فأنت ملك لا خليفة"
[6] .
وأخذا من هذا الأثر يمكن القول: إن سياسة الدولة المالية، تحصيلا وإنفاقـا وتثـميرا، تعتبر من أهم المعالم التي تشـي بطبيعة أنظمة الحكم ومبلغها من الرشد.
ولا شك أن العبث بالمال العام والتصرف فيه وفقا للأهواء والرغبات الشخصية هو فساد كبير، وله آثار وتبعات خطيرة، ولذلك جاءت النصوص الشرعية محذرة منه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة"
[7] .
وفي إطار هذه الرؤية الشاملة لأهمية المال، وضرورة المحافظة عليه، وترشيد إنفاقه، جاءت سياسة الإسلام الوقائية في مكافحة الفساد المالي والإداري لتدرأ الانحرافات والاختلالات عن الإدارة العامة، وعن المال العام، لتبقى الإدارة العامة والمال العام في خدمة المجتمع كله، دونما عبث، أو تمييز، أو استحواذ يصب في مصلحة أفراد أو فئات معينة في المجتمع دون سائر الناس.
[ ص: 26 ]
المبحث الثالث
نظرة الإسلام إلى المال
ينظر الإسلام إلى المال نظرةً واقعيةً ويصفه بأنه: قوام الحياة، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا (النساء:5).
ففي هذه الآية يأمر الله بالمحافظة على المال، وينهى عن إيتائه للسفهاء، ويلفت الأنظار إلى أنه جعله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5قِيَامًا ؛ أي سبباً تقوم به ضرورات الحياة من مطعمٍ ومشربٍ وملبسٍ ومسكنٍ ونحوها من الضرورات التي لا قيام لها إلا بالمال
[1] .
فالمـال إذن نـعمةٌ كبيرةٌ من نعم الله على الإنسـان، وقد عبر عنه القرآن بلفظ "الخير" في عددٍ من المواضع، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (البقرة:215).
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=272وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (البقرة:272).
[ ص: 23 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الْمَالُ الصَالِحُ لِلرَجُلِ الصَالِحِ"
[2] .
وفي الرؤية الإسلامية، الله تعالى هو المالك الحقيقي للمال، والمال عاريةٌ في يد البشر الذين استخلفهم فيه، وللبشر حق الانتفاع المشروع بما في أيديهم من مال الله، بشرط أن يكون ذلك الانتفاع في حدود الاعتدال، دون سرفٍ أو تقتير
[3] ، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ (النور:33) ، وقال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمِنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفِقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (الحديد:7).
ويبقى المال في الإسلام وسيلةٌ لا غاية، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عبودية المال، فقال: "تَعِسَ عبدُ الدِينَارِ، وَعَبْدُ الدِرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ"
[4] .
وتنقسم ملكية المال في الإسلام إلى قسمين: ملكيةٌ خاصة، وملكيةٌ
[ ص: 24 ] عامة، فالملكية الخاصة هي تملك الأفراد ومن في حكمهم للمال، وهذا التملك يعد في نظر الإسلام أمانةً واستخلافاً، والمالك الحقيقي هو الله تعالى، كما سبق معنا.
وأما الملكية العامة فهي تلك الملكية العائدة للدولة والتي ينتفع بها المقيمون على أرض الدولة عموماً، كالطرقات، والحدائق، والمستشفيات، والمدارس، وجميع المؤسسات والمرافق التي تبنيها الدولة للانتفاع العام، وكذلك المال الذي يتجمع في الخزينة العامة للدولة.
وهذه الملكية العـامة هي أيضـاً أمانةٌ واسـتخلاف، فلا يمـلك الحـكام وسـائر من يقومون على شـؤون الدولة حق التصرف في المال العام كما يشاءون، بل هم مقيدون فيه بقيودٍ أشد من تلك القيود المفروضة على الملكية الخاصة، يقول ابن تيمية (ت728هـ):
"وليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم، كما يقسم المالك ملكه، فإنما هم أمناءُ ونواب وليسوا ملاكاً..."
[5] .
وقد كتب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى معاذٍ وأبي عبيدةَ، رضي الله عنهما:
"أنشدكما الله أي رجلٍ أنا؟ ملكٌ أم خليفة؟ فكتبا إليه: إن أخذت
[ ص: 25 ] درهماً بغير حقه، أو وضعته في غير حقه فأنت ملكٌ لا خليفة"
[6] .
وأخذاً من هذا الأثر يمكن القول: إن سياسة الدولة المالية، تحصيلاً وإنفاقـاً وتثـميراً، تعتبر من أهم المعالم التي تشـي بطبيعة أنظمة الحكم ومبلغها من الرشد.
ولا شك أن العبث بالمال العام والتصرف فيه وفقاً للأهواء والرغبات الشخصية هو فسادٌ كبير، وله آثارٌ وتبعاتٌ خطيرة، ولذلك جاءت النصوص الشرعية محذرةً منه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
[7] .
وفي إطار هذه الرؤية الشاملة لأهمية المال، وضرورة المحافظة عليه، وترشيد إنفاقه، جاءت سياسة الإسلام الوقائية في مكافحة الفساد المالي والإداري لتدرأ الانحرافات والاختلالات عن الإدارة العامة، وعن المال العام، لتبقى الإدارة العامة والمال العام في خدمة المجتمع كله، دونما عبثٍ، أو تمييزٍ، أو استحواذٍ يصب في مصلحة أفرادٍ أو فئاتٍ معينةٍ في المجتمع دون سائر الناس.
[ ص: 26 ]