هذا، ومن باب الإشارة في الآيات:
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ) أي: لا يحب أن يهتك العبد ستره إذا صدرت منه هفوة، أو اتفقت منه كبوة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148إلا من ظلم ) أي: إلا جهر من ظلمته نفسه برسوخ الملكات الخبيثة فيه؛ فإنه مأذون له بإظهار ما فيه من تلك الملكات، وعرضها على أطباء القلوب، ليصفوا له دواءها.
وقيل: لا يحب الله تعالى إفشاء سر الربوبية، وإظهار مواهب الألوهية، أو كشف القناع من مكنونات الغيب ومصونات غيب الغيب (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148إلا من ظلم ) بغلبات الأحوال، وتعاقب كؤوس الجلال والجمال، فاضطر إلى المقال، فقال باللسان الباقي لا باللسان الفاني: أنا الحق وسبحاني ما أعظم شأني، وفي تسمية تلك الغلبة ظلما خفاء لا يخفى.
وفي ظاهر الآية بشارة عظيمة للمذنبين، حيث بين سبحانه أنه لا يرضى بهتك الستر إلا من المظلوم، فكيف يرضى سبحانه من نفسه أن يهتك ستر العاصين وليسوا بظالميه جل جلاله؟! وإنما ظلموا أنفسهم كما نطق بذلك الكتاب: (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ) هؤلاء قوم احتجبوا بالجمع عن التفصيل، فأنكروا الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة، وجمعا مباينا للتفصيل، ومن هنا عطلوا الشرائع وأباحوا المحرمات، وتركوا الصلوات، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150ويريدون أن يتخذوا بين ذلك ) الإيمان بالكل جمعا وتفصيلا والكفر بالكل (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150سبيلا ) أي: طريقا (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=151أولئك هم الكافرون ) المحجوبون (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=151حقا ) بذواتهم وصفاتهم؛ لأن معرفتهم وهم وغلط، وتوحيدهم زندقة وضلال، ولقتل واحد منهم أنفع من قتل
[ ص: 21 ] ألف حربي على ما أشار إليه حجة الإسلام
الغزالي، قدس سره.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ) وهم المؤمنون جمعا وتفصيلا، لا يحجبهم جمع عن تفصيل، ولا تفصيل عن جمع، كالسادة الصادقين من أهل الوحدة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ) من الجنات الثلاث (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152وكان الله غفورا ) يستر ذواتهم وصفاتهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152رحيما ) يرحمهم بالوجود الموهوب الحقاني، والبقاء السرمدي.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) أي: علما يقينا بالمكاشفة من سماء الروح (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ) أي: طلبوا المشاهدة، ولا شك أنها أكبر وأعلى من المكاشفة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153فأخذتهم الصاعقة ) أي استولت عليهم نار الأنانية وأهلكت استعدادهم بظلمهم، وهو طلبهم المشاهدة مع بقاء ذواتهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153ثم اتخذوا العجل ) أي: عجل الشهوات، الذي صاغه سامري النفس الأمارة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153من بعد ما جاءتهم البينات ) الرادعة لهم عن ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153وآتينا موسى سلطانا مبينا ) وهو سطوع نور التجلي من وجهه حتى احتاج إلى أن يستر وجهه بالبرقع رحمة بخفافيش أمته (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154ورفعنا فوقهم الطور ) أي: جعلناه مستوليا عليهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154بميثاقهم ) أي: بسبب أن يعطوا الميثاق، وأشير بالطور إلى
موسى - عليه السلام – أو إلى العقل، ورفعه فوقهم تأييده بالأنوار الإلهية (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وقلنا لهم ادخلوا الباب ) أي: باب السير والسلوك الموصل إلى حضيرة القدس، وملك الملوك (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154سجدا ) خضعا متذللين.
وقوله تعالى: (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=158بل رفعه الله إليه ) أشير به - على ما ذكره بعض القوم والعهدة عليه - إلى اتصال روحه - عليه السلام - بالعالم العلوي عند مفارقته للعالم السفلي، وذلك الرفع عندهم إلى السماء الرابعة؛ لأن مصدر فيضان روحه - عليه السلام - روحانية فلك الشمس الذي هو بمثابة قلب العالم، ولما لم يصل إلى الكمال الحقيقي الذي هو درجة المحبة لم يكن له بد من النزول مرة أخرى في صورة جسدانية، يتبع الملة المحمدية لنيل تلك الدرجة العلية، وحينئذ يعرفه كل أحد فيؤمن به أهل الكتاب، أي: أهل العلم العارفين بالمبدأ والمعاد، كلهم عن آخرهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159قبل موته ) عليه السلام بالفناء بالله - عز وجل - فإذا آمنوا به يكون يوم القيامة، أي: يوم بروزهم عن الحجب الجسمانية، وانتباهم عن نوم الغفلة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159شهيدا ) وذلك بأن يتجلى الحق عليهم في صورته.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فبظلم من الذين هادوا ) وهو عبادتهم عجل الشهوات، واتخاذه إلها، وامتناعهم عن دخول باب حضيرة القدس، واعتدائهم في السبت بمخالفة الشرع الذي هو المظهر الأعظم، والاحتجاب عن كشف توحيد الأفعال، ونقضهم ميثاق الله تعالى، واحتجابهم عن توحيد الصفات، الذي هو كفر بآيات الله تعالى إلى غير ذلك من المساوي:
مساو لو قسمن على الغواني لما أمهرن إلا بالطلاق
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160حرمنا عليهم طيبات ) عظيمة جليلة، وهي ما في الجنات الثلاث (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160أحلت لهم ) بحسب استعدادهم لولا هذه الموانع (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160وبصدهم عن سبيل الله ) أي الطريق الموصلة إليه سبحانه (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160كثيرا ) أي: خلقا كثيرا، وهي القوى الروحانية، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وأخذهم الربا ) وهو فضول العلم الرسمي الجدلي، الذي هو كشجرة الخلاف لا ثمرة له، كاللذات البدنية والحظوظ النفسانية (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وقد نهوا عنه ) لما أنه الحجاب العظيم (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وأكلهم أموال الناس بالباطل ) أي استعمال علوم القوى الروحانية في تحصيل الخسائس الدنيوية، أو أخذ ما في أيدي العباد برذيلة الحرص والطمع.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لكن الراسخون في العلم ) المستقيمون في السماع الخاص من الله سبحانه، من غير معارضة النفوس، واضطراب الأسرار، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162والمؤمنون ) بالإيمان العياني حال كونهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) من الأحكام الشرعية، والأسرار الإلهية.
[ ص: 22 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162والمقيمين الصلاة ) على أكمل وجه (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162والمؤتون الزكاة ) ببذل قوامهم في أصناف الطاعة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162والمؤمنون بالله واليوم الآخر ) أي: بالمبدأ والمعاد، والمراد من المتعاطفات طائفة واحدة كما قدمنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ) لا يقادر قدره فيما أعد لهم من الجنات.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح ) الآية، التشبيه على حد التشبيه في قوله تعالى: (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) على قول: (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165رسلا مبشرين ) بتجليات اللطف (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165ومنذرين ) بتجليات القهر (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) أي: لئلا يكون لهم ظهور وسلطنة بعدما محي ذلك بإمداد الرسل (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165وكان الله عزيزا ) فيمحو صفاتهم، ويفني ذواتهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165حكيما ) فيفيض عليهم من صفاته، ويبقيهم في ذاته حسبما تقتضيه الحكمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166لكن الله يشهد بما أنزل إليك ) لتجليه فيه سبحانه (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166أنزله بعلمه ) أي: متلبسا بعلمه المحيط الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ومن هنا علم صلى الله تعالى عليه وسلم ما كان وما هو كائن (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166والملائكة ) هم أصحاب النفوس القدسية (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166يشهدون ) أيضا لعدم احتجابهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166وكفى بالله شهيدا ) لأنه الجامع ولا موجود غيره، والله تعالى الموفق للصواب.
هَذَا، وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الْآيَاتِ:
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ) أَيْ: لَا يُحِبُّ أَنْ يَهْتِكَ الْعَبْدُ سِتْرَهُ إِذَا صَدَرَتْ مِنْهُ هَفْوَةٌ، أَوِ اتَّفَقَتْ مِنْهُ كَبْوَةٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148إِلا مَنْ ظُلِمَ ) أَيْ: إِلَّا جَهْرُ مَنْ ظَلَمَتْهُ نَفْسُهُ بِرُسُوخِ الْمَلِكَاتِ الْخَبِيثَةِ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِإِظْهَارِ مَا فِيهِ مِنْ تِلْكَ الْمَلِكَاتِ، وَعَرْضِهَا عَلَى أَطِبَّاءِ الْقُلُوبِ، لِيَصِفُوَا لَهُ دَوَاءَهَا.
وَقِيلَ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى إِفْشَاءَ سِرِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وَإِظْهَارَ مَوَاهِبِ الْأُلُوهِيَّةِ، أَوْ كَشْفَ الْقِنَاعِ مِنْ مَكْنُونَاتِ الْغَيْبِ وَمَصُونَاتِ غَيْبِ الْغَيْبِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148إِلا مَنْ ظُلِمَ ) بِغَلَبَاتِ الْأَحْوَالِ، وَتَعَاقُبِ كُؤُوسِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ، فَاضْطُرَّ إِلَى الْمَقَالِ، فَقَالَ بِاللِّسَانِ الْبَاقِي لَا بِاللِّسَانِ الْفَانِي: أَنَا الْحَقُّ وَسُبْحَانِي مَا أَعْظَمَ شَأْنِي، وَفِي تَسْمِيَةِ تِلْكَ الْغَلَبَةِ ظُلْمًا خَفَاءٌ لَا يَخْفَى.
وَفِي ظَاهِرِ الْآيَةِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُذْنِبِينَ، حَيْثُ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهَتْكِ السِّتْرِ إِلَّا مِنَ الْمَظْلُومِ، فَكَيْفَ يَرْضَى سُبْحَانَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَهْتِكَ سِتْرَ الْعَاصِينَ وَلَيْسُوا بِظَالِمِيهِ جَلَّ جَلَالُهُ؟! وَإِنَّمَا ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْكِتَابُ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضِ ) هَؤُلَاءِ قَوْمٌ احْتَجَبُوا بِالْجَمْعِ عَنِ التَّفْصِيلِ، فَأَنْكَرُوا الرُّسُلَ لِتَوَهُّمِهِمْ وَحْدَةً مُنَافِيَةً لِلْكَثْرَةِ، وَجَمْعًا مُبَايِنًا لِلتَّفْصِيلِ، وَمِنْ هُنَا عَطَّلُوا الشَّرَائِعَ وَأَبَاحُوا الْمُحَرَّمَاتِ، وَتَرَكُوا الصَّلَوَاتِ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ ) الْإِيمَانِ بِالْكُلِّ جَمْعًا وَتَفْصِيلًا وَالْكُفْرِ بِالْكُلِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150سَبِيلا ) أَيْ: طَرِيقًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=151أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) الْمَحْجُوبُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=151حَقًّا ) بِذَوَاتِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُمْ وَهْمٌ وَغَلَطٌ، وَتَوْحِيدَهُمْ زَنْدَقَةٌ وَضَلَالٌ، وَلَقَتْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْفَعُ مِنْ قَتْلِ
[ ص: 21 ] أَلْفِ حَرْبِيٍّ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ
الْغَزَالِيُّ، قُدِّسَ سِرُّهُ.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ جَمْعًا وَتَفْصِيلًا، لَا يَحْجُبُهُمْ جَمْعٌ عَنْ تَفْصِيلٍ، وَلَا تَفْصِيلٌ عَنْ جَمْعٍ، كَالسَّادَةِ الصَّادِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْوَحْدَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ) مِنَ الْجَنَّاتِ الثَّلَاثِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ) يَسْتُرُ ذَوَاتِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152رَحِيمًا ) يَرْحَمُهُمْ بِالْوُجُودِ الْمَوْهُوبِ الْحَقَّانِيِّ، وَالْبَقَاءِ السَّرْمَدِيِّ.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ) أَيْ: عِلْمًا يَقِينًا بِالْمُكَاشَفَةِ مِنْ سَمَاءِ الرُّوحِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ) أَيْ: طَلَبُوا الْمُشَاهَدَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَكْبَرُ وَأَعْلَى مِنَ الْمُكَاشَفَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ) أَيِ اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِمْ نَارُ الْأَنَانِيَّةِ وَأَهْلَكَتِ اسْتِعْدَادَهُمْ بِظُلْمِهِمْ، وَهُوَ طَلَبُهُمُ الْمُشَاهَدَةَ مَعَ بَقَاءِ ذَوَاتِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ ) أَيْ: عِجْلَ الشَّهَوَاتِ، الَّذِي صَاغَهُ سَامِرِيُّ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) الرَّادِعَةُ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ) وَهُوَ سُطُوعُ نُورِ التَّجَلِّي مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَسْتُرَ وَجْهَهُ بِالْبُرْقُعِ رَحْمَةً بِخَفَافِيشِ أُمَّتِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ ) أَيْ: جَعَلْنَاهُ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154بِمِيثَاقِهِمْ ) أَيْ: بِسَبَبِ أَنْ يُعْطُوا الْمِيثَاقَ، وَأُشِيرَ بِالطُّورِ إِلَى
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ – أَوْ إِلَى الْعَقْلِ، وَرَفْعُهُ فَوْقَهُمْ تَأْيِيدُهُ بِالْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ ) أَيْ: بَابَ السَّيْرِ وَالسُّلُوكِ الْمُوصِلِ إِلَى حَضِيرَةِ الْقُدْسِ، وَمُلْكِ الْمُلُوكِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154سُجَّدًا ) خُضَّعًا مُتَذَلِّلِينَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=158بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) أُشِيرَ بِهِ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ - إِلَى اتِّصَالِ رُوحِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ عِنْدَ مُفَارَقَتِهِ لِلْعَالَمِ السُّفْلِيِّ، وَذَلِكَ الرَّفْعُ عِنْدَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ فَيَضَانِ رُوحِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَوْحَانِيَّةُ فَلَكِ الشَّمْسِ الَّذِي هُوَ بِمَثَابَةِ قَلْبِ الْعَالَمِ، وَلَمَّا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْكَمَالِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ دَرَجَةُ الْمَحَبَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ النُّزُولِ مَرَّةً أُخْرَى فِي صُورَةٍ جَسَدَانِيَّةٍ، يَتَّبِعُ الْمِلَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ لِنَيْلِ تِلْكَ الدَّرَجَةِ الْعَلِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَيُؤْمِنُ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ، أَيْ: أَهْلُ الْعِلْمِ الْعَارِفِينَ بِالْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، كُلُّهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159قَبْلَ مَوْتِهِ ) عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْفَنَاءِ بِاللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَإِذَا آمَنُوا بِهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْ: يَوْمُ بُرُوزِهِمْ عَنِ الْحُجُبِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَانْتِبَاهِمْ عَنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159شَهِيدًا ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَجَلَّى الْحَقُّ عَلَيْهِمْ فِي صُورَتِهِ.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا ) وَهُوَ عِبَادَتُهُمْ عِجْلَ الشَّهَوَاتِ، وَاتِّخَاذُهُ إِلَهًا، وَامْتِنَاعُهُمْ عَنْ دُخُولِ بَابِ حَضِيرَةِ الْقُدْسِ، وَاعْتِدَائُهُمْ فِي السَّبْتِ بِمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ الْمَظْهَرُ الْأَعْظَمُ، وَالِاحْتِجَابُ عَنْ كَشْفِ تَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ، وَنَقْضُهُمْ مِيثَاقَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاحْتِجَابُهُمْ عَنْ تَوْحِيدِ الصِّفَاتِ، الَّذِي هُوَ كُفْرٌ بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُسَاوِي:
مُسَاوٍ لَوْ قُسِمْنَ عَلَى الْغَوَانِي لَمَا أُمْهِرْنَ إِلَّا بِالطَّلَاقِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ ) عَظِيمَةٍ جَلِيلَةٍ، وَهِيَ مَا فِي الْجَنَّاتِ الثَّلَاثِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160أُحِلَّتْ لَهُمْ ) بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِهِمْ لَوْلَا هَذِهِ الْمَوَانِعُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) أَيِ الطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160كَثِيرًا ) أَيْ: خَلْقًا كَثِيرًا، وَهِيَ الْقُوَى الرُّوحَانِيَّةُ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا ) وَهُوَ فُضُولُ الْعِلْمِ الرَّسْمِيِّ الْجَدَلِيِّ، الَّذِي هُوَ كَشَجَرَةِ الْخِلَافِ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، كَاللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْحُظُوظِ النَّفْسَانِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ) لِمَا أَنَّهُ الْحِجَابُ الْعَظِيمُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ) أَيِ اسْتِعْمَالِ عُلُومِ الْقُوَى الرُّوحَانِيَّةِ فِي تَحْصِيلِ الْخَسَائِسِ الدُّنْيَوِيَّةِ، أَوْ أَخْذِ مَا فِي أَيْدِي الْعِبَادِ بِرَذِيلَةِ الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) الْمُسْتَقِيمُونَ فِي السَّمَاعِ الْخَاصِّ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، مِنْ غَيْرِ مُعَارِضَةِ النُّفُوسِ، وَاضْطِرَابِ الْأَسْرَارِ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَالْمُؤْمِنُونَ ) بِالْإِيمَانِ الْعِيَانِيِّ حَالَ كَوْنِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ.
[ ص: 22 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ ) عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) بِبَذْلِ قَوَامِهِمْ فِي أَصْنَافِ الطَّاعَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) أَيْ: بِالْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ) لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ فِيمَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الْجَنَّاتِ.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ ) الْآيَةَ، التَّشْبِيهُ عَلَى حَدِّ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) عَلَى قَوْلِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165رُسُلا مُبَشِّرِينَ ) بِتَجَلِّيَاتِ اللُّطْفِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165وَمُنْذِرِينَ ) بِتَجَلِّيَاتِ الْقَهْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) أَيْ: لِئَلَّا يَكُونَ لَهُمْ ظُهُورٌ وَسَلْطَنَةٌ بَعْدَمَا مُحِيَ ذَلِكَ بِإِمْدَادِ الرُّسُلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا ) فَيَمْحُو صِفَاتِهِمْ، وَيُفْنِي ذَوَاتِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165حَكِيمًا ) فَيُفِيضُ عَلَيْهِمْ مِنْ صِفَاتِهِ، وَيُبْقِيهِمْ فِي ذَاتِهِ حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ ) لِتَجَلِّيهِ فِيهِ سُبْحَانَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) أَيْ: مُتَلَبِّسًا بِعِلْمِهِ الْمُحِيطِ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ هَنَا عَلِمَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166وَالْمَلائِكَةُ ) هُمْ أَصْحَابُ النُّفُوسِ الْقُدْسِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166يَشْهَدُونَ ) أَيْضًا لِعَدَمِ احْتِجَابِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) لِأَنَّهُ الْجَامِعُ وَلَا مَوْجُودَ غَيْرُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.