[ ص: 314 ] وقال الشيخ الإمام العلامة القدوة العارف الفقيه الحافظ الزاهد العابد السالك الناسك مفتي الفرق ركن الشريعة عالم العصر فريد الدهر ; ترجمان القرآن وارث الأنبياء آخر المجتهدين
تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني تغمده الله برحمته .
فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=28904_28904إقسام القرآن وهو سبحانه يقسم بأمور على أمور وإنما يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته ، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته .
[ ص: 315 ] فالقسم إما على جملة خبرية وهو الغالب ; كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4749&ayano=51فورب السماء والأرض إنه لحق } .
وإما على جملة طلبية كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1909&ayano=15فوربك لنسألنهم أجمعين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1910&ayano=2عما كانوا يعملون } مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه فيكون من باب الخبر وقد يراد به محض القسم . والمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه فلا بد أن يكون مما يحسن فيه ذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=28904الأمور المشهودة الظاهرة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض ; فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها nindex.php?page=treesubj&link=28904_28904وما أقسم عليه الرب عز وجل فهو من آياته ; فيجوز أن يكون مقسما به ولا ينعكس .
وهو سبحانه يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب . وتارة يحذفه كما يحذف جواب لو كثيرا كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6275&ayano=102لو تعلمون علم اليقين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1751&ayano=13ولو أن قرآنا سيرت به الجبال } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1218&ayano=8ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3691&ayano=34ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت } {
nindex.php?page=tafseer&surano=822&ayano=6ولو ترى إذ وقفوا على النار } {
nindex.php?page=tafseer&surano=825&ayano=6ولو ترى إذ وقفوا على ربهم } .
ومثل هذا حذفه من أحسن الكلام ; لأن المراد أنك لو رأيته
[ ص: 316 ] لرأيت هولا عظيما ; فليس في ذكر الجواب زيادة على ما دل المحرم وهو أيضا تنبيه . فإذا أقسم به وفيه الحلال فإذا كان فيه الحرام كان أولى بالتعظيم وكذلك إذا أريد الحلول فإنه هو السلبي فالمعنى واحد .
وقد أقسم بـ ( التين والزيتون و ( البلد الأمين . والجواب مذكور في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6117&ayano=90لقد خلقنا الإنسان في كبد } وهو مكابدة أمر الدنيا والآخرة وهذه المكابدة تقتضي قوة صاحبها وكثرة تصرفه واحتياله فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6118&ayano=90أيحسب أن لن يقدر عليه أحد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6119&ayano=90يقول أهلكت مالا لبدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6120&ayano=90أيحسب أن لم يره أحد } فهذا الإنسان من جنس أولئك الأمم ومن جنس الذي قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5420&ayano=69ما أغنى عني ماليه } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5421&ayano=69هلك عني سلطانيه } له قوة يكابد بها الأمور وكل أهلكه أفيظن مع هذا أنه لن يقدر عليه أحد فيجازيه بأعماله ؟ ويحسب أن ما أهلكه من المال لم يره أحد فيعلم ما فعل ؟ والقدرة والعلم بهما يحصل الجزاء ; بل بهما يحصل كل شيء
nindex.php?page=treesubj&link=28722وإخباره تعالى بأنه قادر وأنه عالم يتضمن الوعيد والتهديد ; فإنه إذا كان قادرا أمكن الجزاء وإذا كان عالما أمكن الجزاء فبالعدل يقدر ما عمل ومن لم يكن قادرا عالما لم يمكنه الجزاء فإن العاجز عن الشخص لا يمكنه
[ ص: 317 ] جزاؤه والذي له قدرة لكن لا يرى ما فعل إن جازاه بلا علم كان ظالما معتديا فلا بد له من العلم بما فعل .
ولهذا كان الحاكم يحتاج إلى الشهود والملوك يحتاجون إلى أهل الديوان يخبرونهم بمقادير الأموال وغيرها ; ليكون عملهم بعلم ذكر أنه خلق الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ؟ ولن لنفي المستقبل يقول : أيحسب أن لن يقدر عليه في المستقبل أحد ولهذا كان ذاك الخائف من ربه الذي أمر أهله بإحراقه وذرايته يعلم أن الجزاء متعلق بالقدرة فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597476لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين } .
وهو سبحانه يهدد بالقدرة لكون المقدور يقترن بها ; كما يهدد بالعلم لكون الجزاء يقع معه كما في {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3000125قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=860&ayano=6قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم } فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت : أعوذ بوجهك أعوذ بوجهك { nindex.php?page=tafseer&surano=860&ayano=6أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض } فقال : هاتان أهون } وذلك لأنه تكلم في ذكر القدرة ونوع المقدور كما يقول القائل : أين تهرب مني ؟ أنا أقدر أن أمسكك .
وكذلك في العلم بالرؤية كقوله هنا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6120&ayano=90أيحسب أن لم يره أحد }
[ ص: 318 ] وقوله تعالى في الذي ينهى عبدا إذا صلى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6216&ayano=96ألم يعلم بأن الله يرى } وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1349&ayano=9وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4448&ayano=43أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } . وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4952&ayano=54وكل شيء فعلوه في الزبر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4953&ayano=54وكل صغير وكبير مستطر } وأمثال ذلك . فذكر رؤيته الأعمال وعلمه بها وإحصائه لها يتضمن الوعيد بالجزاء عليها كما يقول القائل : قد علمت ما فعلت وقد جاءتني أخبارك كلها وأمثال ذلك فليس المراد الإخبار بقدرة مجردة وعلم مجرد ; لكن بقدرة وعلم يقترن بهما الجزاء ; إذ كان مع حصول العلم والقدرة يمكن الجزاء ; ويبقى موقوفا على مشيئة المجازي لا يحتاج معه إلى شيء حينئذ ; فيجب طلب النجاة بالاستغفار والتوبة إليه وعمل الحسنات التي تمحو السيئات .
[ ص: 314 ] وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْقُدْوَةُ الْعَارِفُ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ الزَّاهِدُ الْعَابِدُ السَّالِكُ النَّاسِكُ مُفْتِي الْفِرَقِ رُكْنُ الشَّرِيعَةِ عَالِمُ الْعَصْرِ فَرِيدُ الدَّهْرِ ; تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ آخِرُ الْمُجْتَهِدِينَ
تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تيمية الحراني تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ .
فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28904_28904إقْسَامِ الْقُرْآنِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُقْسِمُ بِأُمُورِ عَلَى أُمُورٍ وَإِنَّمَا يُقْسِمُ بِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَاتِهِ أَوْ بِآيَاتِهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَإِقْسَامُهُ بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عَظِيمِ آيَاتِهِ .
[ ص: 315 ] فَالْقَسَمُ إمَّا عَلَى جُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ وَهُوَ الْغَالِبُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4749&ayano=51فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ } .
وَإِمَّا عَلَى جُمْلَةٍ طَلَبِيَّةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1909&ayano=15فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1910&ayano=2عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَسَمَ قَدْ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَحْضُ الْقَسَمِ . وَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ يُرَادُ بِالْقَسَمِ تَوْكِيدُهُ وَتَحْقِيقُهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَحْسُنُ فِيهِ ذَلِكَ كَالْأُمُورِ الْغَائِبَةِ وَالْخَفِيَّةِ إذَا أَقْسَمَ عَلَى ثُبُوتِهَا .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28904الْأُمُورُ الْمَشْهُودَةُ الظَّاهِرَةُ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ; فَهَذِهِ يُقْسِمُ بِهَا وَلَا يُقْسِمُ عَلَيْهَا nindex.php?page=treesubj&link=28904_28904وَمَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ مِنْ آيَاتِهِ ; فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقْسَمًا بِهِ وَلَا يَنْعَكِسُ .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَذْكُرُ جَوَابَ الْقَسَمِ تَارَةً وَهُوَ الْغَالِبُ . وَتَارَةً يَحْذِفُهُ كَمَا يُحْذَفُ جَوَابُ لَوْ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6275&ayano=102لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1751&ayano=13وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1218&ayano=8وَلَوْ تَرَى إذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3691&ayano=34وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=822&ayano=6وَلَوْ تَرَى إذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=825&ayano=6وَلَوْ تَرَى إذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ } .
وَمِثْلُ هَذَا حَذْفُهُ مِنْ أَحْسَنِ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّك لَوْ رَأَيْته
[ ص: 316 ] لَرَأَيْت هَوْلًا عَظِيمًا ; فَلَيْسَ فِي ذِكْرِ الْجَوَابِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا دَلَّ الْمُحَرَّم وَهُوَ أَيْضًا تَنْبِيهٌ . فَإِذَا أَقْسَمَ بِهِ وَفِيهِ الْحَلَالُ فَإِذَا كَانَ فِيهِ الْحَرَامُ كَانَ أَوْلَى بِالتَّعْظِيمِ وَكَذَلِكَ إذَا أُرِيدَ الْحُلُولُ فَإِنَّهُ هُوَ السَّلْبِيُّ فَالْمَعْنَى وَاحِدٌ .
وَقَدْ أَقْسَمَ بـ ( التِّينِ وَالزَّيْتُونِ و ( الْبَلَدِ الْأَمِينِ . وَالْجَوَابُ مَذْكُورٌ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6117&ayano=90لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } وَهُوَ مُكَابَدَةُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذِهِ الْمُكَابَدَةُ تَقْتَضِي قُوَّةَ صَاحِبِهَا وَكَثْرَةَ تَصَرُّفِهِ وَاحْتِيَالِهِ فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6118&ayano=90أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6119&ayano=90يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6120&ayano=90أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ } فَهَذَا الْإِنْسَانُ مِنْ جِنْسِ أُولَئِكَ الْأُمَمِ وَمِنْ جِنْسِ الَّذِي قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5420&ayano=69مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5421&ayano=69هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } لَهُ قُوَّةٌ يُكَابِدُ بِهَا الْأُمُورَ وَكُلٌّ أَهْلَكَهُ أَفَيَظُنُّ مَعَ هَذَا أَنَّهُ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيُجَازِيهِ بِأَعْمَالِهِ ؟ وَيَحْسَبُ أَنَّ مَا أَهْلَكَهُ مِنْ الْمَالِ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ فَيَعْلَمُ مَا فَعَلَ ؟ وَالْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ بِهِمَا يَحْصُلُ الْجَزَاءُ ; بَلْ بِهِمَا يَحْصُلُ كُلُّ شَيْءٍ
nindex.php?page=treesubj&link=28722وَإِخْبَارُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ قَادِرٌ وَأَنَّهُ عَالِمٌ يَتَضَمَّنُ الْوَعِيدَ وَالتَّهْدِيدَ ; فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا أَمْكَنَ الْجَزَاءُ وَإِذَا كَانَ عَالِمًا أَمْكَنَ الْجَزَاءُ فَبِالْعَدْلِ يَقْدِرُ مَا عَمِلَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَالِمًا لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَزَاءُ فَإِنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الشَّخْصِ لَا يُمْكِنُهُ
[ ص: 317 ] جَزَاؤُهُ وَاَلَّذِي لَهُ قُدْرَةٌ لَكِنْ لَا يَرَى مَا فَعَلَ إنْ جَازَاهُ بِلَا عِلْمٍ كَانَ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ بِمَا فَعَلَ .
وَلِهَذَا كَانَ الْحَاكِمُ يَحْتَاجُ إلَى الشُّهُودِ وَالْمُلُوكُ يَحْتَاجُونَ إلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ يُخْبِرُونَهُمْ بِمَقَادِيرِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا ; لِيَكُونَ عَمَلُهُمْ بِعِلْمِ ذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ؟ وَلَنْ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ يَقُولُ : أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَحَدٌ وَلِهَذَا كَانَ ذَاكَ الْخَائِفُ مِنْ رَبِّهِ الَّذِي أَمَرَ أَهْلَهُ بِإِحْرَاقِهِ وذرايته يَعْلَمُ أَنَّ الْجَزَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُدْرَةِ فَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597476لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُهَدِّدُ بِالْقُدْرَةِ لِكَوْنِ الْمَقْدُورِ يَقْتَرِنُ بِهَا ; كَمَا يُهَدِّدُ بِالْعِلْمِ لِكَوْنِ الْجَزَاءِ يَقَعُ مَعَهُ كَمَا فِي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3000125قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=860&ayano=6قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ : أَعُوذُ بِوَجْهِك أَعُوذُ بِوَجْهِك { nindex.php?page=tafseer&surano=860&ayano=6أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } فَقَالَ : هَاتَانِ أَهْوَنُ } وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي ذِكْرِ الْقُدْرَةِ وَنَوْعِ الْمَقْدُورِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : أَيْنَ تَهْرُبُ مِنِّي ؟ أَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُمْسِكَك .
وَكَذَلِكَ فِي الْعِلْمِ بِالرُّؤْيَةِ كَقَوْلِهِ هُنَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6120&ayano=90أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ }
[ ص: 318 ] وقَوْله تَعَالَى فِي الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذَا صَلَّى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6216&ayano=96أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1349&ayano=9وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4448&ayano=43أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } . وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4952&ayano=54وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4953&ayano=54وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . فَذِكْرُ رُؤْيَتِهِ الْأَعْمَالَ وَعِلْمِهِ بِهَا وَإِحْصَائِهِ لَهَا يَتَضَمَّنُ الْوَعِيدَ بِالْجَزَاءِ عَلَيْهَا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : قَدْ عَلِمْت مَا فَعَلْت وَقَدْ جَاءَتْنِي أَخْبَارُك كُلُّهَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِخْبَارَ بِقُدْرَةِ مُجَرَّدَةٍ وَعِلْمٍ مُجَرَّدٍ ; لَكِنْ بِقُدْرَةِ وَعِلْمٍ يَقْتَرِنُ بِهِمَا الْجَزَاءُ ; إذْ كَانَ مَعَ حُصُولِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ يُمْكِنُ الْجَزَاءُ ; وَيَبْقَى مَوْقُوفًا عَلَى مَشِيئَةِ الْمُجَازِي لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى شَيْءٍ حِينَئِذٍ ; فَيَجِبُ طَلَبُ النَّجَاةِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ إلَيْهِ وَعَمَلِ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ .