[ ص: 316 ] - 23 - التفسير والتأويل :
القرآن الكريم هو مصدر التشريع الأول للأمة المحمدية ، وعلى فقه معناه ومعرفة أسراره والعمل بما فيه تتوقف سعادتها . ولا يستوي الناس جميعا في فهم ألفاظه وعباراته مع وضوح بيانه وتفصيل آياته ، فإن تفاوت الإدراك بينهم أمر لا مراء فيه فالعامي يدرك من المعاني ظاهرها ومن الآيات مجملها ، والذكي المتعلم يستخرج منها المعنى الرائع . وبين هذا وذاك مراتب فهم شتى ، فلا غرو أن يجد القرآن من أبناء أمته اهتماما بالغا في الدراسة لتفسير غريب ، أو تأويل تركيب .
nindex.php?page=treesubj&link=28956معنى التفسير والتأويل
التفسير في اللغة : تفعيل من الفسر بمعنى الإبانة والكشف وإظهار المعنى المعقول ، وفعله : كضرب ونصر ، يقال : فسر الشيء يفسر بالكسر ويفسره بالضم فسرا ، وفسره : أبانه ، والتفسير والفسر : الإبانة وكشف المغطى ، وفي لسان العرب : الفسر كشف المغطى . والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل . وفي القرآن :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=33ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ، أي بيانا وتفصيلا والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=33وأحسن تفسيرا أي تفصيلا .
وقال بعضهم : هو مقلوب من " سفر " ومعناه أيضا : الكشف ، يقال : سفرت المرأة سفورا : إذا ألقت خمارها عن وجهها ، وهي سافرة ، وأسفر الصبح : أضاء ، وإنما بنوه على التفعيل ; لأنه للتكثير ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=49يذبحون أبناءكم ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23وغلقت الأبواب ، فكأنه يتبع سورة بعد سورة ، وآية بعد آية .
[ ص: 317 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : الفسر والسفر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما ، لكل جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول ، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار ، فقيل : سفرت المرأة عن وجهها ، وأسفر الصبح .
والتفسير في الاصطلاح : عرفه أبو حيان بأنه : " علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ، ومدلولاتها ، وأحكامها الإفرادية والتركيبية ، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك " .
ثم خرج التعريف فقال : فقولنا : " علم " ، هو جنس يشمل سائر العلوم ، وقولنا : " يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن " ، هذا هو علم القراءات ، وقولنا : " ومدلولاتها " أي مدلولات تلك الألفاظ ، وهذا هو علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم ، وقولنا : " وأحكامها الإفرادية والتركيبية " ، هذا يشمل علم التصريف وعلم الإعراب ، وعلم البيان ، وعلم البديع ، وقولنا : " ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب " ، يشمل ما دلالته عليه بالحقيقة ، وما دلالته عليه بالمجاز ، فإن التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا ويصد عن الحمل على الظاهر صاد فيحتاج لأجل ذلك أن يعمل على غير الظاهر ، وهو المجاز ، وقولنا : " وتتمات لذلك " . هو معرفة النسخ وسبب النزول ، وقصة توضيح بعض ما انبهم في القرآن ونحو ذلك .
وقال
الزركشي : التفسير : علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وبيان معانيه ، واستخراج أحكامه وحكمه .
والتأويل في اللغة : مأخوذ من الأول ، وهو الرجوع إلى الأصل ، يقال : آل إليه أولا ومآلا : رجع . . ويقال : أول الكلام تأويلا وتأوله : دبره وقدره وفسره وعلى هذا : فتأويل الكلام في الاصطلاح له معنيان :
1- تأويل الكلام : بمعنى ما أوله إليه المتكلم أو ما يؤول إليه الكلام ويرجع ، والكلام إنما يرجع ويعود إلى حقيقته التي هي عين المقصود . وهو نوعان : إنشاء وإخبار ، ومن الإنشاء : الأمر .
[ ص: 318 ] فتأويل الأمر : هو الفعل المأمور به ، ومن ذلك ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها- قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650775 " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ، يتأول القرآن “ . تعني قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا .
وتأويل الأخبار : هو عين المخبر إذا وقع . كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=52ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ، فقد أخبر أنه فصل الكتاب ، وأنهم لا ينتظرون إلا تأويله ، أي مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها ، وما في الآخرة من الصحف والموازين والجنة والنار وغير ذلك . فحينئذ يقولون :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ؟
2- تأويل الكلام : أي تفسيره وبيان معناه . وهو ما يعنيه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري في تفسيره بقوله : " القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا " ، وبقوله : " اختلف أهل التأويل في هذه الآية " فإن مراده التفسير .
ذلك هو معنى التأويل عند السلف .
والتأويل في عرف المتأخرين : هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به - وهذا الاصطلاح لا يتفق مع ما يراد بلفظ التأويل في القرآن عند السلف .
هذا ومن العلماء من يفرق بين المعنى ، والتفسير ، والتأويل ، للتفاوت بينها لغة وإن كانت متقاربة ، وقد نقل "
الزركشي " هذا .
قال
ابن فارس : معاني العبارات التي يعبر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة : المعنى ، والتفسير ، والتأويل ، وهي وإن اختلفت فالمقاصد بها متقاربة :
[ ص: 319 ] فأما المعنى : فهو القصد والمراد ، يقال : عنيت بهذا الكلام كذا ، أي قصدت وعمدت ، وهو مشتق من الإظهار ، يقال : عنت القربة ، إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته ، ومن هذا : عنوان الكتاب .
وأما التفسير في اللغة : فهو راجع إلى معنى الإظهار والكشف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : قول العرب : فسرت الدابة وفسرتها ، إذا ركضتها محصورة لينطلق حصرها ، وهو يؤول إلى الكشف أيضا . فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه ، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به .
وأما التأويل : فأصله في اللغة من الأول ، ومعنى قولهم : ما تأويل هذا الكلام ؟ أي إلام تؤول العاقبة في المراد به ؟ كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53يوم يأتي تأويله ، أي تكشف عاقبته ، ويقال : آل الأمر إلى كذا ، أي صار إليه ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ، وأصله من المآل ، وهو العاقبة والمصير ، وقد أولته فآل- أي صرفته فانصرف فكأن التأويل صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني . وإنما بنوه على التفعيل للتكثير .
"
[ ص: 316 ] - 23 - التَّفْسِيرُ وَالتَّأْوِيلُ :
الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ هُوَ مَصْدَرُ التَّشْرِيعِ الْأَوَّلِ لِلْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ، وَعَلَى فِقْهِ مَعْنَاهُ وَمَعْرِفَةِ أَسْرَارِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ تَتَوَقَّفُ سَعَادَتُهَا . وَلَا يَسْتَوِي النَّاسُ جَمِيعًا فِي فَهْمِ أَلْفَاظِهِ وَعِبَارَاتِهِ مَعَ وُضُوحِ بَيَانِهِ وَتَفْصِيلِ آيَاتِهِ ، فَإِنَّ تَفَاوُتَ الْإِدْرَاكِ بَيْنَهُمْ أَمْرٌ لَا مِرَاءَ فِيهِ فَالْعَامِّيُّ يُدْرِكُ مِنَ الْمَعَانِي ظَاهِرَهَا وَمِنَ الْآيَاتِ مُجْمَلَهَا ، وَالذَّكِيُّ الْمُتَعَلِّمُ يَسْتَخْرِجُ مِنْهَا الْمَعْنَى الرَّائِعَ . وَبَيْنَ هَذَا وَذَاكَ مَرَاتِبُ فَهْمٍ شَتَّى ، فَلَا غَرْوَ أَنْ يَجِدَ الْقُرْآنُ مِنْ أَبْنَاءِ أُمَّتِهِ اهْتِمَامًا بَالِغًا فِي الدِّرَاسَةِ لِتَفْسِيرٍ غَرِيبٍ ، أَوْ تَأْوِيلِ تَرْكِيبٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=28956مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ
التَّفْسِيرُ فِي اللُّغَةِ : تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ بِمَعْنَى الْإِبَانَةِ وَالْكَشْفِ وَإِظْهَارِ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ ، وَفِعْلُهُ : كَضَرَبَ وَنَصَرَ ، يُقَالُ : فَسَرَ الشَّيْءُ يَفْسِرُ بِالْكَسْرِ وَيَفْسُرُهُ بِالضَّمِّ فَسْرًا ، وَفَسَرَهُ : أَبَانَهُ ، وَالتَّفْسِيرُ وَالْفَسْرُ : الْإِبَانَةُ وَكَشْفُ الْمُغَطَّى ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ : الْفَسْرُ كَشْفُ الْمُغَطَّى . وَالتَّفْسِيرُ كَشْفُ الْمُرَادِ عَنِ اللَّفْظِ الْمُشْكِلِ . وَفِي الْقُرْآنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=33وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ، أَيْ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا وَالْمَزِيدُ مِنَ الْفِعْلَيْنِ أَكْثَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=33وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا أَيْ تَفْصِيلًا .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ " سَفَرَ " وَمَعْنَاهُ أَيْضًا : الْكَشْفُ ، يُقَالُ : سَفَرَتِ الْمَرْأَةُ سُفُورًا : إِذَا أَلْقَتْ خِمَارَهَا عَنْ وَجْهِهَا ، وَهِيَ سَافِرَةٌ ، وَأَسْفَرَ الصُّبْحُ : أَضَاءَ ، وَإِنَّمَا بَنَوْهُ عَلَى التَّفْعِيلِ ; لِأَنَّهُ لِلتَّكْثِيرِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=49يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ ، فَكَأَنَّهُ يَتْبَعُ سُورَةً بَعْدَ سُورَةٍ ، وَآيَةً بَعْدَ آيَةٍ .
[ ص: 317 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ : الْفَسْرُ وَالسَّفْرُ يَتَقَارَبُ مَعْنَاهُمَا كَتَقَارُبِ لَفْظَيْهِمَا ، لِكُلٍّ جُعِلَ الْفَسْرُ لِإِظْهَارِ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ ، وَجُعِلَ السَّفْرُ لِإِبْرَازِ الْأَعْيَانِ لِلْأَبْصَارِ ، فَقِيلَ : سَفَرَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ وَجْهِهَا ، وَأَسْفَرَ الصُّبْحُ .
وَالتَّفْسِيرُ فِي الِاصْطِلَاحِ : عَرَّفَهُ أَبُو حَيَّانَ بِأَنَّهُ : " عِلْمٌ يَبْحَثُ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ ، وَمَدْلُولَاتِهَا ، وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ ، وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةَ التَّرْكِيبِ وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ " .
ثُمَّ خَرَّجَ التَّعْرِيفَ فَقَالَ : فَقَوْلُنَا : " عِلْمٌ " ، هُوَ جِنْسٌ يَشْمَلُ سَائِرَ الْعُلُومِ ، وَقَوْلُنَا : " يَبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ " ، هَذَا هُوَ عِلْمُ الْقِرَاءَاتِ ، وَقَوْلُنَا : " وَمَدْلُولَاتِهَا " أَيْ مَدْلُولَاتِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ ، وَهَذَا هُوَ عِلْمُ اللُّغَةِ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ ، وَقَوْلُنَا : " وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ " ، هَذَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّصْرِيفِ وَعِلْمَ الْإِعْرَابِ ، وَعِلْمَ الْبَيَانِ ، وَعِلْمَ الْبَدِيعِ ، وَقَوْلُنَا : " وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةَ التَّرْكِيبِ " ، يَشْمَلُ مَا دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ بِالْحَقِيقَةِ ، وَمَا دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ بِالْمَجَازِ ، فَإِنَّ التَّرْكِيبَ قَدْ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ شَيْئًا وَيَصُدُّ عَنِ الْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ صَادٌّ فَيَحْتَاجُ لِأَجْلِ ذَلِكَ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ ، وَهُوَ الْمَجَازُ ، وَقَوْلُنَا : " وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ " . هُوَ مَعْرِفَةُ النَّسْخِ وَسَبَبِ النُّزُولِ ، وَقِصَّةِ تَوْضِيحِ بَعْضِ مَا انْبَهَمَ فِي الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَقَالَ
الزَّرْكَشِيُّ : التَّفْسِيرُ : عِلْمٌ يُفْهَمُ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ الْمُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَبَيَانُ مَعَانِيهِ ، وَاسْتِخْرَاجُ أَحْكَامِهِ وَحِكَمِهِ .
وَالتَّأْوِيلُ فِي اللُّغَةِ : مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَوْلِ ، وَهُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَصْلِ ، يُقَالُ : آلَ إِلَيْهِ أَوْلًا وَمَآلًا : رَجَعَ . . وَيُقَالُ : أَوَّلَ الْكَلَامِ تَأْوِيلًا وَتَأَوَّلَهُ : دَبَّرَهُ وَقَدَّرَهُ وَفَسَّرَهُ وَعَلَى هَذَا : فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ فِي الِاصْطِلَاحِ لَهُ مَعْنَيَانِ :
1- تَأْوِيلُ الْكَلَامِ : بِمَعْنَى مَا أَوَّلَهُ إِلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُ أَوْ مَا يُؤَوَّلُ إِلَيْهِ الْكَلَامُ وَيُرْجَعُ ، وَالْكَلَامُ إِنَّمَا يَرْجِعُ وَيَعُودُ إِلَى حَقِيقَتِهِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْمَقْصُودِ . وَهُوَ نَوْعَانِ : إِنْشَاءٌ وَإِخْبَارٌ ، وَمِنَ الْإِنْشَاءِ : الْأَمْرُ .
[ ص: 318 ] فَتَأْوِيلُ الْأَمْرِ : هُوَ الْفِعْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650775 " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ “ . تَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا .
وَتَأْوِيلُ الْأَخْبَارِ : هُوَ عَيْنُ الْمُخْبَرِ إِذَا وَقَعَ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=52وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلَهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ فَصَّلَ الْكِتَابَ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ، أَيْ مَجِيءَ مَا أَخْبَرَ الْقُرْآنُ بِوُقُوعِهِ مِنَ الْقِيَامَةِ وَأَشْرَاطِهَا ، وَمَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ الصُّحُفِ وَالْمَوَازِينِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ؟
2- تَأْوِيلُ الْكَلَامِ : أَيْ تَفْسِيرُهُ وَبَيَانُ مَعْنَاهُ . وَهُوَ مَا يَعْنِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِقَوْلِهِ : " الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا " ، وَبِقَوْلِهِ : " اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ " فَإِنَّ مُرَادَهُ التَّفْسِيرُ .
ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى التَّأْوِيلِ عِنْدَ السَّلَفِ .
وَالتَّأْوِيلُ فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِينَ : هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ إِلَى الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ لِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِ - وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ لَا يَتَّفِقُ مَعَ مَا يُرَادُ بِلَفْظِ التَّأْوِيلِ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَ السَّلَفِ .
هَذَا وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَعْنَى ، وَالتَّفْسِيرِ ، وَالتَّأْوِيلِ ، لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهَا لُغَةً وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً ، وَقَدْ نَقَلَ "
الزَّرْكَشِيُّ " هَذَا .
قَالَ
ابْنُ فَارِسٍ : مَعَانِي الْعِبَارَاتِ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْأَشْيَاءِ تَرْجِعُ إِلَى ثَلَاثَةٍ : الْمَعْنَى ، وَالتَّفْسِيرِ ، وَالتَّأْوِيلِ ، وَهِيَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فَالْمَقَاصِدُ بِهَا مُتَقَارِبَةٌ :
[ ص: 319 ] فَأَمَّا الْمَعْنَى : فَهُوَ الْقَصْدُ وَالْمُرَادُ ، يُقَالُ : عَنَيْتُ بِهَذَا الْكَلَامِ كَذَا ، أَيْ قَصَدْتُ وَعَمَدْتُ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِظْهَارِ ، يُقَالُ : عَنَتِ الْقِرْبَةُ ، إِذَا لَمْ تَحْفَظِ الْمَاءَ بَلْ أَظْهَرَتْهُ ، وَمِنْ هَذَا : عُنْوَانُ الْكِتَابِ .
وَأَمَّا التَّفْسِيرُ فِي اللُّغَةِ : فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الْإِظْهَارِ وَالْكَشْفِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : قَوْلُ الْعَرَبِ : فَسَرْتُ الدَّابَّةَ وَفَسَّرْتُهَا ، إِذَا رَكَضْتَهَا مَحْصُورَةً لِيَنْطَلِقَ حَصْرُهَا ، وَهُوَ يُؤَوَّلُ إِلَى الْكَشْفِ أَيْضًا . فَالتَّفْسِيرُ كَشْفُ الْمُغْلَقِ مِنَ الْمُرَادِ بِلَفْظِهِ ، وَإِطْلَاقٌ لِلْمُحْتَبِسِ عَنِ الْفَهْمِ بِهِ .
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ : فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْأَوَلِ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ : مَا تَأْوِيلُ هَذَا الْكَلَامِ ؟ أَيْ إِلَامَ تَؤُولُ الْعَاقِبَةُ فِي الْمُرَادِ بِهِ ؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ، أَيْ تُكْشَفُ عَاقِبَتُهُ ، وَيُقَالُ : آلَ الْأَمْرُ إِلَى كَذَا ، أَيْ صَارَ إِلَيْهِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَآلِ ، وَهُوَ الْعَاقِبَةُ وَالْمَصِيرُ ، وَقَدْ أَوَّلْتُهُ فَآلَ- أَيْ صَرَفْتُهُ فَانْصَرَفَ فَكَأَنَّ التَّأْوِيلَ صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَا تَحْتَمِلُهُ مِنَ الْمَعَانِي . وَإِنَّمَا بَنَوْهُ عَلَى التَّفْعِيلِ لِلتَّكْثِيرِ .
"