الحالة الثانية : أن لا تحب زوالها ، ولا تكره وجودها ودوامها ولكن ، تشتهي لنفسك مثلها .
وهذه تسمى ، غبطة وقد تختص باسم المنافسة ، وقد تسمى المنافسة حسدا ، والحسد منافسة ، ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر ، ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني .
وقد قال صلى الله عليه وسلم
إن nindex.php?page=treesubj&link=18717_18738المؤمن يغبط ، والمنافق يحسد .
فأما الأول فهو حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر ، أو كافر ، وهو يستعين بها على تهييج الفتنة ، وإفساد ذات البين ، وإيذاء الخلق ، فلا يضرك كراهتك لها ، ومحبتك لزوالها ; فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة ، بل من حيث هي آلة الفساد ، ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته ، ويدل على تحريم الحسد الأخبار التي نقلناها وإن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض وذلك لا عذر فيه ، ولا رخصة ، وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة ، وإلى هذا أشار القرآن بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ، وهذا الفرح شماتة والحسد والشماتة يتلازمان .
وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم فأخبر تعالى أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد ، وقال عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=89ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ، وذكر الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=31896حسد إخوة يوسف عليه السلام وعبر عما في قلوبهم بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=8إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=9اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ذلك ، وأحبوا زواله عنه غيبوه ، عنه وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ، أي : لا تضيق صدورهم به ، ولا يغتمون فأثنى عليهم بعدم الحسد وقال تعالى في معرض الإنكار
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=54أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213كان الناس أمة واحدة إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم قيل في التفسير : حسدا وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم فأنزل الله العلم ليجمعهم ويؤلف بينهم على طاعته وأمرهم أن يتألفوا بالعلم ، فتحاسدوا واختلفوا إذ أراد ، كل واحد منهم أن ينفرد بالرياسة وقبول القول ، فرد بعضهم على بعض ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كانت اليهود قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا قوما قالوا : نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله ، وبالكتاب الذي تنزله إلا ما نصرتنا ، فكانوا ينصرون فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من ولد
إسماعيل عليه السلام عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم إياه ، فقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90أن يكفروا بما أنزل الله بغيا ، أي : حسدا وقالت
nindex.php?page=treesubj&link=31405صفية بنت حيي للنبي صلى الله عليه وسلم : جاء أبي ، وعمي من عندك يوما ، فقال أبي لعمي : ما تقول فيه ? قال : أقول إنه : النبي الذي بشر به موسى قال فما ترى قال : أرى معاداته أيام الحياة فهذا حكم الحسد في التحريم .
وأما المنافسة فليست بحرام ، بل هي إما واجبة وإما مندوبة وإما مباحة وقد يستعمل لفظ الحسد بدل المنافسة والمنافسة بدل الحسد ، قال قثم بن العباس لما أراد هو والفضل ، أن يأتيا النبي ، صلى الله عليه وسلم فيسألاه أن يؤمرهما على الصدقة ، قالا لعلي حين قال لهما : لا تذهبا إليه ، فإنه لا يؤمركما عليها فقالا له : ما هذا منك إلا نفاسة ، والله لقد زوجك ابنته فما نفسنا ذلك عليك ، أي : هذا منك حسد ، وما حسدناك على تزويجه إياك
فاطمة .
والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة والذي يدل على إباحة المنافسة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=26وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سابقوا إلى مغفرة من ربكم وإنما المسابقة عند خوف الفوت وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما ; إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها .
فكيف ، وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=684314لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله علما ، فهو يعمل به ، ويعلمه الناس ثم فسر ذلك في حديث
أبي كبشة الأنماري فقال: مثل هذه الأمة مثل أربعة: رجل آتاه الله مالا وعلما، فهو يعمل بعلمه في ماله ورجل آتاه الله علما، ولم يؤته مالا، فيقول: رب لو أن لي مالا كنت أعمل فيه بمثل عمله، فهما في الأجر سواء وهذا منه حب لأن يكون له مثل ما كان له من غير حب زوال النعمة عنه قال ورجل آتاه الله مالا، ولم يؤته علما، فهو ينفقه في معاصي الله ورجل لم يؤته علما ، ولم يؤته مالا، فيقول: لو أن لي مثل مال فلان لكنت أنفقه في مثل ما أنفقه فيه من المعاصي، فهما في الوزر سواء، فذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة تمنيه للمعصية لا من جهة حبه أن يكون له من النعمة مثل ما له، فإذا لا حرج على من يغبط غيره في نعمة، ويشتهي لنفسه مثلها ما لم يحب زوالها عنه، ولم يكره دوامها له، نعم، إن كانت تلك النعمة نعمة دينية واجبة كالإيمان، والصلاة، والزكاة فهذه المنافسة واجبة، وهو أن يحب أن يكون مثله لأنه إذا لم يكن يحب ذلك فيكون راضيا بالمعصية وذلك حرام، وإن كانت النعمة من الفضائل كإنفاق الأموال في المكارم، والصدقات فالمنافسة فيها مندوب إليها وإن كانت نعمة يتنعم فيها على وجه مباح فالمنافسة فيها مباحة وكل ذلك يرجع إلى إرادة مساواته ، واللحوق به في النعمة ، وليس فيها كراهة النعمة وكأن ، تحت هذه النعمة أمران : أحدهما : راحة المنعم عليه ، والآخر : ظهور نقصان غيره ، وتخلفه عنه ، وهو يكره أحد الوجهين ، وهو تخلف نفسه ويحب مساواته له .
ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ، ونقصانها في المباحات نعم ، ذلك ينقص من الفضائل ، ويناقض الزهد ، والتوكل ، والرضا ويحجب عن المقامات الرفيعة ولكنه لا يوجب العصيان وههنا دقيقة غامضة وهو أنه إذا أيس من أن ينال مثل تلك النعمة ، وهو يكره تخلفه ونقصانه فلا محالة يحب زوال النقصان ، وإنما يزول نقصانه إما بأن ينال مثل ذلك أو بأن تزول نعمة المحسود ، فإذا انسد أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفك عن شهوة الطريق الآخر حتى إذا زالت النعمة عن المحسود كان ذلك أشفى عنده من دوامها ; إذ بزوالها يزول تخلفه وتقدم غيره وهذا يكاد لا ينفك القلب عنه ، فإن كان بحيث لو ألقي الأمر إليه ، ورد إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة عنه ، فهو حسود حسدا مذموما ، وإن كان تدعه التقوى عن إزالة ذلك ، فيعفى عما يجده في طبعه من الارتياح إلى زوال النعمة عن محسوده مهما كان كارها لذلك من نفسه بعقله ودينه ، ولعله المعني بقوله صلى الله عليه وسلم : ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن الحسد ، والظن ، والطيرة ، ثم قال : وله منهن مخرج ، إذا حسدت فلا تبغ أي : إن وجدت في قلبك شيئا ، فلا تعمل به وبعيد أن يكون الإنسان مريدا للحاق بأخيه في النعمة فيعجز عنها ، ثم ينفك عن ميل إلى زوال النعمة ; إذ يجد لا محالة ترجيحا له على دوامها فهذا الحد من المنافسة يزاحم الحسد الحرام ، فينبغي أن يحتاط فيه ، فإنه موضع الخطر وما من إنسان ، إلا وهو يرى فوق نفسه جماعة من معارفه وأقرانه يحب مساواتهم ويكاد ينجر ذلك إلى الحسد المحظور إن لم يكن قوي الإيمان رزين التقوى ومهما كان محركه خوف التفاوت ، وظهور نقصانه عن غيره جره ذلك إلى
nindex.php?page=treesubj&link=18717الحسد المذموم ، وإلى ميل الطبع إلى زوال النعمة عن أخيه حتى ينزل هو إلى مساواته إذ لم يقدر هو أن يرتقي إلى مساواته بإدراك النعمة ، وذلك لا رخصة فيه أصلا ، بل هو حرام ، سواء كان في مقاصد الدين ، أو مقاصد الدنيا ، ولكن يعفى عنه في ذلك ما لم يعمل به إن شاء الله تعالى وتكون كراهته لذلك من نفسه كفارة له .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ لَا تُحِبَّ زَوَالَهَا ، وَلَا تَكْرَهُ وُجُودَهَا وَدَوَامَهَا وَلَكِنْ ، تَشْتَهِي لِنَفَسِكَ مِثْلَهَا .
وَهَذِهِ تُسَمَّى ، غِبْطَةً وَقَدْ تَخْتَصُّ بِاسْمِ الْمُنَافِسَةِ ، وَقَدْ تُسَمَّى الْمُنَافَسَةُ حَسَدًا ، وَالْحَسَدُ مُنَافَسَةً ، وَيُوضَعُ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَوْضِعَ الْآخَرِ ، وَلَا حِجْرَ فِي الْأَسَامِي بَعْدَ فَهْمِ الْمَعَانِي .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=18717_18738الْمُؤْمِنَ يَغْبِطُ ، وَالْمُنَافِقُ يَحْسُدُ .
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ إِلَّا نِعْمَةً أَصَابَهَا فَاجْرٌ ، أَوْ كَافِرٌ ، وَهُوَ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى تَهْيِيجِ الْفِتْنَةِ ، وَإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَإِيذَاءِ الْخَلْقِ ، فَلَا يَضُرُّكَ كَرَاهَتُكَ لَهَا ، وَمَحَبَّتُكَ لِزَوَالِهَا ; فَإِنَّكَ لَا تُحِبُّ زَوَالَهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ نِعْمَةٌ ، بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ آلَةُ الْفَسَادِ ، وَلَوْ أَمِنْتَ فَسَادَهُ لَمْ يَغُمَّكَ بِنِعْمَتِهِ ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ الْأَخْبَارُ الَّتِي نَقَلْنَاهَا وَإِنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ تَسَخُّطٌ لِقَضَاءِ اللَّهِ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ عِبَادِهِ عَلَى بَعْضٍ وَذَلِكَ لَا عُذْرَ فِيهِ ، وَلَا رُخْصَةَ ، وَأَيُّ مَعْصِيَةٍ تَزِيدُ عَلَى كَرَاهَتِكَ لِرَاحَةِ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِنْهُ مَضَرَّةٌ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْقُرْآنُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ، وَهَذَا الْفَرَحُ شَمَاتَةٌ وَالْحَسَدُ وَالشَّمَاتَةُ يَتَلَازَمَانِ .
وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ حُبَّهُمْ زَوَالَ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ حَسَدٌ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=89وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ، وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=31896حَسَدَ إِخْوَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَبَّرَ عَمَّا فِي قُلُوبِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=8إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=9اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ فَلَمَّا كَرِهُوا حُبَّ أَبِيهِمْ لَهُ وَسَاءَهُمْ ذَلِكَ ، وَأَحَبُّوا زَوَالَهُ عَنْهُ غَيَّبُوهُ ، عَنْهُ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ، أَيْ : لَا تَضِيقُ صُدُورُهُمْ بِهِ ، وَلَا يَغْتَمُّونَ فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِعَدَمِ الْحَسَدِ وَقَالَ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ الْإِنْكَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=54أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ : حَسَدًا وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْعِلْمَ لِيَجْمَعَهُمْ وَيُؤَلِّفَ بَيْنَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَأَلَّفُوا بِالْعِلْمِ ، فَتَحَاسَدُوا وَاخْتَلَفُوا إِذْ أَرَادَ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالرِّيَاسَةِ وَقَبُولِ الْقَوْلِ ، فَرَدَّ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَتِ الْيَهُودُ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَاتَلُوا قَوْمًا قَالُوا : نَسْأَلُكَ بِالنَّبِيِّ الَّذِي وَعَدَتْنَا أَنْ تُرْسِلَهُ ، وَبِالْكِتَابِ الَّذِي تُنْزِلَهُ إِلَّا مَا نَصَرْتَنَا ، فَكَانُوا يُنْصَرُونَ فَلِمَا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدِ
إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَرَفُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ إِيَّاهُ ، فَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا ، أَيْ : حَسَدًا وَقَالَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=31405صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جَاءَ أَبِي ، وَعَمِّي مِنْ عِنْدِكَ يَوْمًا ، فَقَالَ أَبِي لِعَمِّي : مَا تَقُولُ فِيهِ ? قَالَ : أَقُولُ إِنَّهُ : النَّبِيُّ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ مُوسَى قَالَ فَمَا تَرَى قَالَ : أَرَى مُعَادَاتِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ فَهَذَا حُكْمُ الْحَسَدِ فِي التَّحْرِيمِ .
وَأَمَّا الْمُنَافَسَةُ فَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ ، بَلْ هِيَ إِمَّا وَاجِبَةٌ وَإِمَّا مَنْدُوبَةٌ وَإِمَّا مُبَاحَةٌ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْحَسَدِ بَدَلَ الْمُنَافَسَةِ وَالْمُنَافَسَةِ بَدَلَ الْحَسَدِ ، قَالَ قُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ لَمَّا أَرَادَ هُوَ وَالْفَضْلُ ، أَنْ يَأْتِيَا النَّبِيَّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْأَلَاهُ أَنْ يُؤَمِّرَهُمَا عَلَى الصَّدَقَةِ ، قَالَا لِعَلِيِّ حِينَ قَالَ لَهُمَا : لَا تَذْهَبَا إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَمِّرُكُمَا عَلَيْهَا فَقَالَا لَهُ : مَا هَذَا مِنْكَ إِلَّا نَفَاسَةٌ ، وَاللَّهِ لَقَدْ زَوَّجَكَ ابْنَتَهُ فَمَا نَفِسْنَا ذَلِكَ عَلَيْكَ ، أَيْ : هَذَا مِنْكَ حَسَدٌ ، وَمَا حَسَدْنَاكَ عَلَى تَزْوِيجِهِ إِيَّاكَ
فَاطِمَةَ .
وَالْمُنَافَسَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ النَّفَاسَةِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْمُنَافَسَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=26وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنَّمَا الْمُسَابَقَةُ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوْتِ وَهُوَ كَالْعَبْدَيْنِ يَتَسَابَقَانِ إِلَى خِدْمَةِ مَوْلَاهُمَا ; إِذْ يَجْزَعُ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْبِقَهُ صَاحِبُهُ فَيَحْظَى عِنْدَ مَوْلَاهُ بِمَنْزِلَةٍ لَا يَحْظَى هُوَ بِهَا .
فَكَيْفَ ، وَقَدْ صَرَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=684314لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا ، فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ ، وَيُعَلِّمُهُ النَّاسَ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ
أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ فَقَالَ: مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ أَرْبَعَةٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا، فَيَقُولُ: رَبِّ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا كُنْتُ أَعْمَلُ فِيهِ بِمِثْلِ عَمَلِهِ، فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَهَذَا مِنْهُ حُبٌّ لِأَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حُبِّ زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْهُ قَالَ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي مَعَاصِي اللَّهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا ، وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا، فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَالِ فُلَانٍ لَكُنْتُ أُنْفِقُهُ فِي مِثْلِ مَا أَنْفَقَهُ فِيهِ مِنَ الْمَعَاصِي، فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ، فَذَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِهَةِ تَمَنِّيهِ لِلْمَعْصِيَةِ لَا مِنْ جِهَةِ حُبِّهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ النِّعْمَةِ مِثْلُ مَا لَهُ، فَإِذًا لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ يَغْبِطُ غَيْرَهُ فِي نِعْمَةٍ، وَيَشْتَهِي لِنَفْسِهِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يُحِبَّ زَوَالَهَا عَنْهُ، وَلَمْ يَكْرَهْ دَوَامَهَا لَهُ، نَعَمْ، إِنْ كَانَتْ تِلْكَ النِّعْمَةُ نِعْمَةً دِينِيَّةً وَاجِبَةً كَالْإِيمَانِ، وَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ فَهَذِهِ الْمُنَافَسَةُ وَاجِبَةٌ، وَهُوَ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُحِبُّ ذَلِكَ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِالْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتِ النِّعْمَةُ مِنَ الْفَضَائِلِ كَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ فِي الْمَكَارِمِ، وَالصَّدَقَاتِ فَالْمُنَافَسَةُ فِيهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ نِعْمَةً يَتَنَعَّمُ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ فَالْمُنَافَسَةُ فِيهَا مُبَاحَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى إِرَادَةِ مُسَاوَاتِهِ ، وَاللُّحُوقِ بِهِ فِي النِّعْمَةِ ، وَلَيْسَ فِيهَا كَرَاهَةُ النِّعْمَةِ وَكَأَنَ ، تَحْتَ هَذِهِ النِّعْمَةِ أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا : رَاحَةُ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ ، وَالْآخِرُ : ظُهُورُ نُقْصَانِ غَيْرِهِ ، وَتَخَلُّفِهِ عَنْهُ ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ ، وَهُوَ تَخَلُّفُ نَفْسِهِ وَيُحِبُّ مُسَاوَاتِهِ لَهُ .
وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ يَكْرَهُ تَخَلُّفُ نَفْسِهِ ، وَنُقْصَانُهَا فِي الْمُبَاحَاتِ نَعَمْ ، ذَلِكَ يَنْقُصُ مِنَ الْفَضَائِلِ ، وَيُنَاقِضُ الزُّهْدَ ، وَالتَّوَكُّلَ ، وَالرِّضَا وَيَحْجُبُ عَنِ الْمَقَامَاتِ الرَّفِيعَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعِصْيَانَ وَهَهُنَا دَقِيقَةٌ غَامِضَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَيِسَ مِنْ أَنْ يَنَالَ مِثْلَ تِلْكَ النِّعْمَةِ ، وَهُوَ يَكْرَهُ تَخَلُّفَهُ وَنُقْصَانَهُ فَلَا مَحَالَةَ يُحِبُّ زَوَالَ النُّقْصَانِ ، وَإِنَّمَا يَزُولُ نُقْصَانُهُ إِمَّا بِأَنْ يَنَالَ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ بِأَنْ تَزُولَ نِعْمَةَ الْمَحْسُودِ ، فَإِذَا انْسَدَّ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ فَيَكَادُ الْقَلْبُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ شَهْوَةِ الطَّرِيقِ الْآخَرِ حَتَّى إِذَا زَالَتِ النِّعْمَةُ عَنِ الْمَحْسُودِ كَانَ ذَلِكَ أَشَفَى عِنْدَهُ مِنْ دَوَامِهَا ; إِذْ بِزَوَالِهَا يَزُولُ تَخَلُّفُهُ وَتَقَدُّمُ غَيْرِهِ وَهَذَا يَكَادُ لَا يَنْفَكُّ الْقَلْبُ عَنْهُ ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوِ أُلْقِيَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ ، وَرُدَّ إِلَى اخْتِيَارِهِ لَسَعَى فِي إِزَالَةِ النِّعْمَةِ عَنْهُ ، فَهُوَ حَسُودٌ حَسَدًا مَذْمُومًا ، وَإِنْ كَانَ تَدَعُّهُ التَّقْوَى عَنْ إِزَالَةِ ذَلِكَ ، فَيُعْفَى عَمَّا يَجِدُهُ فِي طَبْعِهِ مِنِ الِارْتِيَاحِ إِلَى زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ مَحْسُودِهِ مَهْمَا كَانَ كَارِهًا لِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ بِعَقْلِهِ وَدِينِهِ ، وَلَعَلَّهُ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلَاثٌ لَا يَنْفَكُّ الْمُؤْمِنُ عَنْهُنَّ الْحَسَدُ ، وَالظَّنُّ ، وَالطِّيَرَةُ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَهُ مِنْهُنَّ مَخْرَجٌ ، إِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ أَيْ : إِنْ وَجَدَتْ فِي قَلْبِكَ شَيْئًا ، فَلَا تَعْمَلْ بِهِ وَبَعِيدٌ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُرِيدًا لِلَّحَاقِ بِأَخِيهِ فِي النِّعْمَةِ فَيَعْجِزُ عَنْهَا ، ثُمَّ يَنْفَكُّ عَنْ مَيْلٍ إِلَى زَوَالِ النِّعْمَةِ ; إِذْ يَجِدُ لَا مَحَالَةَ تَرْجِيحًا لَهُ عَلَى دَوَامِهَا فَهَذَا الْحَدُّ مِنَ الْمُنَافَسَةِ يُزَاحِمُ الْحَسَدَ الْحَرَامَ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ فِيهِ ، فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الْخَطَرِ وَمَا مِنْ إِنْسَانٍ ، إِلَّا وَهُوَ يَرَى فَوْقَ نَفْسِهِ جَمَاعَةَ مِنْ مَعَارِفِهِ وَأَقْرَانِهِ يُحِبُّ مُسَاوَاتِهِمْ وَيَكَادُ يَنْجَرُّ ذَلِكَ إِلَى الْحَسَدِ الْمَحْظُورِ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَوِيَّ الْإِيمَانِ رَزِينَ التَّقْوَى وَمَهْمَا كَانَ مُحَرِّكُهُ خَوْفَ التَّفَاوُتِ ، وَظُهُورِ نُقْصَانِهِ عَنْ غَيْرِهِ جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=18717الْحَسَدِ الْمَذْمُومِ ، وَإِلَى مَيْلِ الطَّبْعِ إِلَى زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ أَخِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ هُوَ إِلَى مُسَاوَاتِهِ إِذْ لَمْ يَقْدِرْ هُوَ أَنْ يَرْتَقِيَ إِلَى مُسَاوَاتِهِ بِإِدْرَاكِ النِّعْمَةِ ، وَذَلِكَ لَا رُخْصَةَ فِيهِ أَصْلًا ، بَلْ هُوَ حَرَامٌ ، سَوَاءً كَانَ فِي مَقَاصِدِ الدِّينِ ، أَوْ مَقَاصِدِ الدُّنْيَا ، وَلَكِنْ يُعْفَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَكُونُ كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ كَفَّارَةً لَهُ .