فهكذا كانت
nindex.php?page=treesubj&link=27343سيرة السلف الصالحين في مرابطة النفس ومراقبتها .
فمهما تمردت نفسك عليك وامتنعت من المواظبة على العبادة فطالع أحوال هؤلاء فإنه قد عز الآن وجود مثلهم ولو قدرت على مشاهدة من اقتدى بهم فهو أنجع في القلب وأبعث على الاقتداء فليس الخبر كالمعاينة وإذا عجزت عن هذا فلا تغفل عن سماع أحوال هؤلاء فإن لم تكن إبل فمعزى وخير نفسك بين الاقتداء بهم والكون في زمرتهم وغمارهم وهم العقلاء والحكماء وذوو البصائر في الدين وبين الاقتداء بالجهلة الغافلين من أهل عصرك ولا ترض لها أن تنخرط في سلك الحمقى وتقنع بالتشبه بالأغبياء وتؤثر مخالفة العقلاء .
فإن حدثتك نفسك بأن هؤلاء رجال أقوياء لا يطاق الاقتداء بهم فطالع أحوال النساء المجتهدات وقل لها يا نفس لا تستنكفي أن تكوني أقل من امرأة فأخسس برجل يقصر عن امرأة في أمر دينها ودنياها ولنذكر الآن نبذة من أحوال المجتهدات فقد روي عن
حبيبة العدوية أنها كانت إذا صلت العتمة قامت على سطح لها وشدت عليها درعها وخمارها ثم قالت إلهي قد غارت النجوم ونامت العيون وغلقت الملوك أبوابها وخلا كل حبيب بحبيبه وهذا مقامي بين يديك ثم تقبل على صلاتها فإذا طلع الفجر قالت إلهي هذا الليل قد أدبر وهذا النهار قد أسفر فليت شعري أقبلت مني ليلتي فأهنأ أم رددتها علي فأعزى وعزتك لهذا دأبي ودأبك ما أبقيتني وعزتك لو انتهرتني عن بابك ما برحت لما وقع في نفسي من جودك وكرمك .
ويروى عن
عجرة أنها كانت تحيي الليل وكانت مكفوفة البصر فإذا كان في السحر نادت بصوت لها محزون إليك قطع العابدون دجى الليالي يستبقون إلى رحمتك وفضل مغفرتك فبك يا إلهي أسألك لا بغيرك أن تجعلني في أول زمرة السابقين وأن ترفعني لديك في عليين في درجة المقربين وأن تلحقني بعبادك الصالحين فأنت أرحم الرحماء وأعظم العظماء وأكرم الكرماء يا كريم ثم تخر ساجدة فيسمع لها وجبة ثم لا تزال تدعو وتبكي إلى الفجر .
وقال
يحيى بن بسطام كنت أشهد مجلس
شعوانة فكنت أرى ما تصنع من النياحة والبكاء فقلت لصاحب لي لو أتيناها إذا خلت فأمرناها بالرفق بنفسها فقال أنت وذاك قال فأتينا فقلت لها لو رفقت بنفسك وأقصرت عن هذا البكاء شيئا فكان لك أقوى على ما تريدين قال فبكت ثم قالت والله لوددت أني أبكي حتى تنفد دموعي ثم أبكي دما حتى لا تبقى قطرة من دم في جارحة من جوارحي وأنى لي بالبكاء وأنى لي بالبكاء .
فلم تزل تردد وأنى لي بالبكاء حتى غشي عليها .
وقال محمد بن معاذ حدثتني امرأة من المتعبدات قالت رأيت في منامي كأني أدخلت الجنة فإذا أهل الجنة قيام على أبوابهم فقلت ما شأن أهل الجنة قيام فقال لي قائل خرجوا ينظرون إلى هذه المرأة التي زخرفت الجنان لقدومها فقلت ومن هذه المرأة فقيل أمة سوداء من أهل الأيكة يقال لها
شعوانة .
قالت فقلت أختي والله قالت فبينما أنا كذلك إذ أقبل بها على نجيبة تطير بها في الهواء فلما رأيتها ناديت يا أختي أما ترين مكاني من مكانك فلو دعوت لي مولاك فألحقني بك قالت فتبسمت إلي وقالت لم يأن لقدومك ولكن احفظي عني اثنتين ألزمي الحزن قلبك وقدمي محبة الله على هواك ولا يضرك متى مت وقال عبد الله بن الحسن كانت لي جارية رومية وكنت بها معجبا فكانت في بعض الليالي نائمة إلى جنبي فانتبهت فالتمستها فلم أجدها فقمت أطلبها فإذا هي ساجدة وهي تقول بحبك لي إلا ما غفرت لي ذنوبي فقلت لها لا تقولي بحبك لي ولكن قولي بحبي لك فقالت يا مولاي بحبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام وبحبه لي أيقظ عيني وكثير من خلقه نيام وقال
أبو هاشم القرشي قدمت علينا امرأة من أهل
اليمن يقال لها
سرية فنزلت في بعض ديارنا قال فكنت أسمع لها من الليل أنينا وشهيقا فقلت يوما لخادم لي أشرف على هذه المرأة ماذا تصنع قال فأشرف عليها فما رآها تصنع شيئيا غير أنها لا ترد طرفها عن السماء وهي مستقبلة القبلة تقول خلقت
سرية ثم غذيتها بنعمتك من حال إلى حال وكل أحوالك لها حسنة وكل بلائك عندها جميل وهي مع ذلك متعرضة لسخطك بالتوثب على معاصيك فلتة بعد فلتة أتراها تظن أنك لا ترى فعالها وأنت عليم خبير ، وأنت على كل شيء قدير ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15874ذو النون المصري خرجت ليلة من
وادي كنعان فلما علوت الوادي إذا سواد مقبل علي وهو يقول
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=47وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ويبكي فلما قرب مني السواد إذا هي امرأة عليها جبة صوف وبيدها ركوة فقالت لي من أنت غير فزعة مني فقلت رجل غريب فقالت يا هذا وهل يوجد مع الله غربة قال فبكيت لقولها فقالت ما الذي أبكاك فقلت قد وقع الدواء على داء قد قرح فأسرع في نجاحه قالت فإن كنت صادقا فلم بكيت قلت يرحمك الله والصادق لا يبكي قالت لا قلت ولم ذاك قالت لأن البكاء راحة القلب فسكت متعجبا من قولها .
وقال
أحمد بن علي استأذنا على
عفيرة فحجبتنا فلازمنا الباب فلما علمت ذلك قامت لتفتح الباب لنا فسمعتها وهي تقول اللهم إني أعوذ بك ممن جاء يشغلني عن ذكرك ثم فتحت الباب ودخلنا عليها فقلنا لها يا أمة الله ادعي لنا فقالت جعل الله قراءكم في بيتي المغفرة ثم قالت لنا مكث
عطاء السلمي أربعين سنة فكان لا ينظر إلى السماء فحانت منه نظرة فخر مغشيا عليه فأصابه فتق في بطنه فيا ليت
عفيرة إذا رفعت رأسها لم تعص ويا ليتها إذا عصت لم تعد وقال بعض الصالحين خرجت يوما إلى السوق ومعي جارية حبشية فاحتبستها في موضع بناحية السوق وذهبت في بعض حوائجي وقلت لا تبرحي حتى أنصرف إليك قال فانصرفت فلم أجدها في الموضع فانصرفت إلى منزلى وأنا شديد الغضب عليها فلما رأتني عرفت الغضب في وجهي فقالت يا مولاي لا تعجل علي إنك أجلستني في موضع لم أر فيه ذاكرا لله تعالى فخفت أن يخسف بذلك الموضع فعجبت لقولها وقلت: لها أنت حرة .
فقالت ساء ما صنعت كنت أخدمك فيكون لي أجران وأما الآن فقد ذهب عني أحدهما .
وقال
ابن العلاء السعدي كانت لي ابنة عم يقال لها
بريرة تعبدت وكانت كثيرة القراءة في المصحف فكلما أتت على آية فيها ذكر النار بكت فلم تزل تبكي حتى ذهبت عيناها من البكاء فقال بنو عمها انطلقوا بنا إلى هذه المرأة حتى نعدلها في كثرة البكاء قال فدخلنا عليها فقلنا يا
بريرة كيف أصبحت قالت أصبحنا أضيافا منيخين بأرض غربة ننتظر متى ندعى فنجيب فقلنا لها ما هذا البكاء قد ذهبت عيناك منه فقالت إن يكن لعيني عند الله خير فما يضرهما ما ذهب منهما في الدنيا وإن كان لهما عند الله شر فسيزيدهما بكاء أطول من هذا ثم أعرضت .
قال فقال القوم قوموا بنا فهي والله في شيء غير ما نحن فيه وكانت معاذة العدوية إذا جاء النهار تقول هذا يومي الذي أموت فيه فما تطعم حتى تمسي فإذا جاء الليل تقول هذه الليلة التي أموت فيها فتصلي حتى تصبح وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني بت ليلة عند رابعة فقامت إلى محراب لها وقمت أنا إلى ناحية من البيت فلم تزل قائمة إلى السحر فلما كان السحر قلت ما جزاء من قوانا على قيام هذه الليلة قالت جزاؤه أن تصوم له غدا وكانت
شعوانة تقول في دعائها إلهي ما أشوقني إلى لقائك وأعظم رجائي لجزائك وأنت الكريم الذي لا يخيب لديك أمل الآملين ولا يبطل عندك شوق المشتاقين إلهي إن كان دنا أجلي ولم يقربني منك عمل فقد جعلت الاعتراف بالذنب وسائل عللي فإن عفوت فمن أولى منك بذلك وإن عذبت فمن أعدل منك هنالك إلهي قد جرت على نفسي في النظر لها وبقي لها حسن نظرك فالويل لها إن لم تسعدها إلهي إنك لم تزل بي برا أيام حياتي فلا تقطع عني برك بعد مماتي .
ولقد رجوت ممن تولاني في حياتي بإحسانه أن يسعفني عند مماتي بغفرانه إلهي كيف أيأس من حسن نظرك بعد مماتي ولم تولني إلا الجميل في حياتي إلهي إن كانت ذنوبي قد أخافتني فإن محبتي لك قد أجارتني فتول من أمري ما أنت أهله وعد بفضلك على من غره جهله إلهي لو أردت إهانتي لما هديتني ولو أردت فضيحتي لم تسترني فمتعني بما له هديتني وأدم لي ما به سترتني إلهي ما أظنك تردني في حاجة أفنيت فيها عمري إلهي لولا ما قارفت من الذنوب ما خفت عقابك ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت ثوابك .
فَهَكَذَا كَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=27343سِيرَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ فِي مُرَابَطَةِ النَّفْسِ وَمُرَاقَبَتِهَا .
فَمَهْمَا تَمَرَّدَتْ نَفْسُكَ عَلَيْكَ وَامْتَنَعَتْ مِنَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ فَطَالِعْ أَحْوَالَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ قَدْ عَزَّ الْآنَ وُجُودُ مِثْلِهِمْ وَلَوْ قَدَرْتَ عَلَى مُشَاهَدَةِ مَنِ اقْتَدَى بِهِمْ فَهُوَ أَنْجَعُ فِي الْقَلْبِ وَأَبْعَثُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ فَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ وَإِذَا عَجَزْتَ عَنْ هَذَا فَلَا تَغْفُلْ عَنْ سَمَاعِ أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِبِلٌ فَمِعْزَى وَخَيِّرْ نَفْسَكَ بَيْنَ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَالْكَوْنِ فِي زُمْرَتِهِمْ وَغِمَارِهِمْ وَهُمُ الْعُقَلَاءُ وَالْحُكَمَاءُ وَذَوُو الْبَصَائِرِ فِي الدِّينِ وَبَيْنَ الِاقْتِدَاءِ بِالْجَهَلَةِ الْغَافِلِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِكَ وَلَا تَرْضَ لَهَا أَنْ تَنْخَرِطَ فِي سِلْكِ الْحَمْقَى وَتَقْنَعَ بِالتَّشَبُّهِ بِالْأَغْبِيَاءِ وَتُؤْثِرَ مُخَالَفَةَ الْعُقَلَاءِ .
فَإِنْ حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَقْوِيَاءُ لَا يُطَاقُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فَطَالِعْ أَحْوَالَ النِّسَاءِ الْمُجْتَهِدَاتِ وَقُلْ لَهَا يَا نَفْسُ لَا تَسْتَنْكِفِي أَنْ تَكُونِي أَقَلَّ مِنَ امْرَأَةٍ فَأَخْسِسْ بِرَجُلٍ يَقْصُرُ عَنْ امْرَأَةٍ فِي أَمْرِ دِينِهَا وَدُنْيَاهَا وَلْنَذْكُرِ الْآنَ نُبْذَةً مِنْ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدَاتِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ
حَبِيبَةَ الْعَدَوِيَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا صَلَّتِ الْعَتَمَةَ قَامَتْ عَلَى سَطْحٍ لَهَا وَشَدَّتْ عَلَيْهَا دِرْعَهَا وَخِمَارَهَا ثُمَّ قَالَتْ إِلَهِي قَدْ غَارَتِ النُّجُومُ وَنَامَتِ الْعُيُونُ وَغَلَّقَتِ الْمُلُوكُ أَبْوَابَهَا وَخَلَا كُلُّ حَبِيبٍ بِحَبِيبِهِ وَهَذَا مَقَامِي بَيْنَ يَدَيْكَ ثُمَّ تُقْبِلُ عَلَى صَلَاتِهَا فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَتْ إِلَهِي هَذَا اللَّيْلُ قَدْ أَدْبَرَ وَهَذَا النَّهَارُ قَدْ أَسْفَرَ فَلَيْتَ شِعْرِي أَقَبِلْتَ مِنِّي لَيْلَتِي فَأَهْنَأَ أَمْ رَدَدْتَهَا عَلَيَّ فَأُعَزَّى وَعِزَّتِكَ لَهَذَا دَأَبِي وَدَأَبُكَ مَا أَبْقَيْتَنِي وَعِزَّتِكَ لَوِ انْتَهَرْتَنِي عَنْ بَابِكَ مَا بَرِحْتُ لِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ جُودِكَ وَكَرَمِكَ .
وَيُرْوَى عَنْ
عُجْرَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُحْيِي اللَّيْلَ وَكَانَتْ مَكْفُوفَةَ الْبَصَرِ فَإِذَا كَانَ فِي السَّحَرُ نَادَتْ بِصَوْتٍ لَهَا مَحْزُونٍ إِلَيْكَ قَطَعَ الْعَابِدُونَ دُجَى اللَّيَالِي يَسْتَبِقُونَ إِلَى رَحْمَتِكَ وَفَضْلِ مَغْفِرَتِكَ فَبِكَ يَا إِلَهِي أَسْأَلُكَ لَا بِغَيْرِكَ أَنْ تَجْعَلَنِي فِي أَوَّلِ زُمْرَةِ السَّابِقِينَ وَأَنْ تَرْفَعَنِي لَدَيْكَ فِي عِلِّيِّينَ فِي دَرَجَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْ تُلْحِقَنِي بِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ فَأَنْتَ أَرْحَمُ الرُّحَمَاءِ وَأَعْظَمُ الْعُظَمَاءِ وَأَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ يَا كَرِيمُ ثُمَّ تَخِرُّ سَاجِدَةً فَيُسْمَعُ لَهَا وَجْبَةٌ ثُمَّ لَا تَزَالُ تَدْعُو وَتَبْكِي إِلَى الْفَجْرِ .
وَقَالَ
يَحْيَى بْنُ بِسْطَامٍ كُنْتُ أَشْهَدُ مَجْلِسَ
شَعْوَانَةَ فَكُنْتُ أَرَى مَا تَصْنَعُ مِنَ النِّيَاحَةِ وَالْبُكَاءِ فَقُلْتُ لِصَاحِبٍ لِي لَوْ أَتَيْنَاهَا إِذَا خَلَتْ فَأَمَرْنَاهَا بِالرِّفْقِ بِنَفْسِهَا فَقَالَ أَنْتَ وَذَاكَ قَالَ فَأَتَيْنَا فَقُلْتُ لَهَا لَوْ رَفَقْتِ بِنَفْسِكِ وَأَقْصَرْتِ عَنْ هَذَا الْبُكَاءِ شَيْئًا فَكَانَ لَكِ أَقْوَى عَلَى مَا تُرِيدِينَ قَالَ فَبَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَبْكِي حَتَّى تَنْفَدَ دُمُوعِي ثُمَّ أَبْكِي دَمًا حَتَّى لَا تَبْقَى قَطْرَةٌ مِنْ دَمٍ فِي جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِي وَأَنَّى لِي بِالْبُكَاءِ وَأَنَّى لِي بِالْبُكَاءِ .
فَلَمْ تَزَلْ تُرَدِّدُ وَأَنَّى لِي بِالْبُكَاءِ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ حَدَّثَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَ الْمُتَعَبِّدَاتِ قَالَتْ رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّي أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَهْلُ الْجَنَّةِ قِيَامٌ عَلَى أَبْوَابِهِمْ فَقُلْتُ مَا شَأْنُ أَهْلِ الْجَنَّةِ قِيَامٌ فَقَالَ لِي قَائِلٌ خَرَجُوا يَنْظُرُونَ إِلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي زُخْرِفَتِ الْجِنَانُ لِقُدُومِهَا فَقُلْتُ وَمَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فَقِيلَ أَمَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ أَهْلِ الْأَيْكَةِ يُقَالُ لَهَا
شَعْوَانَةُ .
قَالَتْ فَقُلْتُ أُخْتِي وَاللَّهِ قَالَتْ فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ أُقْبِلَ بِهَا عَلَى نَجِيبَةٍ تَطِيرُ بِهَا فِي الْهَوَاءِ فَلَمَّا رَأَيْتُهَا نَادَيْتُ يَا أُخْتِي أَمَا تَرَيْنَ مَكَانِي مِنْ مَكَانِكِ فَلَوْ دَعَوْتُ لِي مَوْلَاكِ فَأَلْحَقَنِي بِكِ قَالَتْ فَتَبَسَّمَتْ إِلَيَّ وَقَالَتْ لَمْ يَأْنِ لِقُدُومِكِ وَلَكِنِ احْفَظِي عَنِّي اثْنَتَيْنِ أَلْزِمِي الْحُزْنَ قَلْبَكِ وَقَدِّمِي مَحَبَّةَ اللَّهِ عَلَى هَوَاكِ وَلَا يَضُرُّكِ مَتَى مِتِّ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ رُومِيَّةٌ وَكُنْتُ بِهَا مُعْجَبًا فَكَانَتْ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي نَائِمَةً إِلَى جَنْبِي فَانْتَبَهْتُ فَالْتَمَسَتْهَا فَلَمْ أَجِدْهَا فَقُمْتُ أَطْلُبُهَا فَإِذَا هِيَ سَاجِدَةٌ وَهِيَ تَقُولُ بِحُبِّكَ لِي إِلَّا مَا غَفَرْتَ لِي ذُنُوبِي فَقُلْتُ لَهَا لَا تَقُولِي بِحُبِّكَ لِي وَلَكِنْ قُولِي بِحُبِّي لَكَ فَقَالَتْ يَا مَوْلَايَ بِحُبِّهِ لِي أَخْرَجَنِي مِنَ الشِّرْكِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبِحُبِّهِ لِي أَيْقَظَ عَيْنِي وَكَثِيرٌ مِنْ خَلْقِهِ نِيَامٌ وَقَالَ
أَبُو هَاشِمٍ الْقُرَشِيُّ قَدِمَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْيَمَنِ يُقَالُ لَهَا
سَرِيَّةُ فَنَزَلَتْ فِي بَعْضِ دِيَارِنَا قَالَ فَكُنْتُ أَسْمَعُ لَهَا مِنَ اللَّيْلِ أَنِينًا وَشَهِيقًا فَقُلْتُ يَوْمًا لِخَادِمٍ لِي أَشْرِفْ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ مَاذَا تَصْنَعُ قَالَ فَأَشْرَفَ عَلَيْهَا فَمَا رَآهَا تَصْنَعُ شَيْئِيًّا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَرُدُّ طَرَفَهَا عَنِ السَّمَاءِ وَهِيَ مُسْتَقْبِلَةٌ الْقِبْلَةَ تَقُولُ خَلَقْتَ
سَرِيَّةَ ثُمَّ غَذَّيْتَهَا بِنِعْمَتِكَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَكُلُّ أَحْوَالِكَ لَهَا حَسَنَةٌ وَكُلُّ بَلَائِكَ عِنْدَهَا جَمِيلٌ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مُتَعَرِّضَةٌ لِسَخَطِكَ بِالتَّوَثُّبِ عَلَى مَعَاصِيكَ فَلْتَةً بَعْدَ فَلْتَةٍ أَتَرَاهَا تَظُنُّ أَنَّكَ لَا تَرَى فِعَالِهَا وَأَنْتَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15874ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنْ
وَادِي كَنْعَانَ فَلَمَّا عَلَوْتُ الْوَادِيَ إِذَا سَوَادٌ مُقْبِلٌ عَلَيَّ وَهُوَ يَقُولُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=47وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَيَبْكِي فَلَمَّا قَرُبَ مِنِّي السَّوَادُ إِذَا هِيَ امْرَأَةٌ عَلَيْهَا جُبَّةُ صُوفٍ وَبِيَدِهَا رَكْوَةٌ فَقَالَتْ لِي مَنْ أَنْتَ غَيْرَ فَزِعَةٍ مِنِّي فَقُلْتُ رَجُلٌ غَرِيبٌ فَقَالَتْ يَا هَذَا وَهَلْ يُوجَدُ مَعَ اللَّهِ غُرْبَةٌ قَالَ فَبَكَيْتُ لِقَوْلِهَا فَقَالَتْ مَا الَّذِي أَبْكَاكَ فَقُلْتُ قَدْ وَقَعَ الدَّوَاءُ عَلَى دَاءٍ قَدْ قَرَحَ فَأَسْرَعَ فِي نَجَاحِهِ قَالَتْ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَلِمَ بِكَيْتَ قُلْتُ يَرْحَمُكِ اللَّهُ وَالصَّادِقُ لَا يَبْكِي قَالَتْ لَا قُلْتُ وَلِمَ ذَاكَ قَالَتْ لِأَنَّ الْبُكَاءَ رَاحَةُ الْقَلْبِ فَسَكَتَ مُتَعَجِّبًا مِنْ قَوْلِهَا .
وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اسْتَأْذَنَّا عَلَى
عُفَيْرَةَ فَحَجَبَتْنَا فَلَازَمْنَا الْبَابَ فَلَمَّا عَلِمَتْ ذَلِكَ قَامَتْ لِتَفْتَحَ الْبَابَ لَنَا فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِمَّنْ جَاءَ يَشْغَلُنِي عَنْ ذِكْرِكَ ثُمَّ فَتَحَتِ الْبَابَ وَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَقُلْنَا لَهَا يَا أَمَةَ اللَّهِ ادْعِي لَنَا فَقَالَتْ جَعَلَ اللَّهُ قُرَّاءَكُمْ فِي بَيْتِي الْمَغْفِرَةَ ثُمَّ قَالَتْ لَنَا مَكَثَ
عَطَاءٌ السُّلَمِيُّ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَكَانَ لَا يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَحَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ فَتْقٌ فِي بَطْنِهِ فَيَا لَيْتَ
عُفَيْرَةَ إِذَا رَفَعَتْ رَأْسَهَا لَمْ تَعْصِ وَيَا لَيْتَهَا إِذَا عَصَتْ لَمْ تَعُدْ وَقَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ خَرَجْتُ يَوْمًا إِلَى السُّوقِ وَمَعِي جَارِيَةٌ حَبَشِيَّةٌ فَاحْتَبَسْتُهَا فِي مَوْضِعٍ بِنَاحِيَةِ السُّوقِ وَذَهَبْتُ فِي بَعْضِ حَوَائِجِي وَقُلْتُ لَا تَبْرَحِي حَتَّى أَنْصَرِفَ إِلَيْكِ قَالَ فَانْصَرَفْتُ فَلَمْ أَجِدْهَا فِي الْمَوْضِعِ فَانْصَرَفْتُ إِلَى منزلى وَأَنَا شَدِيدُ الْغَضَبِ عَلَيْهَا فَلَمَّا رَأَتْنِي عَرَفَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِي فَقَالَتْ يَا مَوْلَايَ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَجْلَسْتَنِي فِي مَوْضِعٍ لَمْ أَرَ فِيهِ ذَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى فَخِفْتُ أَنْ يُخْسَفَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَعَجِبْتُ لِقَوْلِهَا وَقُلْتُ: لَهَا أَنْتِ حُرَّةٌ .
فَقَالَتْ سَاءَ مَا صَنَعْتَ كُنْتُ أَخْدِمُكَ فَيَكُونُ لِي أَجْرَانِ وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ ذَهَبَ عَنِّي أَحَدُهُمَا .
وَقَالَ
ابْنُ الْعَلَاءِ السَّعْدِيُّ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ يُقَالُ لَهَا
بَرِيرَةُ تَعَبَّدَتْ وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ فَكُلَّمَا أَتَتْ عَلَى آيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ بَكَتْ فَلَمْ تَزَلْ تَبْكِي حَتَّى ذَهَبَتْ عَيْنَاهَا مِنَ الْبُكَاءِ فَقَالَ بَنُو عَمِّهَا انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ حَتَّى نَعْدِلَهَا فِي كَثْرَةِ الْبُكَاءِ قَالَ فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَقُلْنَا يَا
بَرِيرَةُ كَيْفَ أَصْبَحْتِ قَالَتْ أَصْبَحْنَا أَضْيَافًا مُنِيخِينَ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ نَنْتَظِرُ مَتَى نُدْعَى فَنُجِيبُ فَقُلْنَا لَهَا مَا هَذَا الْبُكَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ عَيْنَاكِ مِنْهُ فَقَالَتْ إِنْ يَكُنْ لِعَيْنِي عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ فَمَا يَضُرُّهُمَا مَا ذَهَبَ مِنْهُمَا فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ لَهُمَا عِنْدَ اللَّهِ شَرٌّ فَسَيَزِيدُهُمَا بُكَاءٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا ثُمَّ أَعْرَضَتْ .
قَالَ فَقَالَ الْقَوْمُ قُومُوا بِنَا فَهِيَ وَاللَّهِ فِي شَيْءٍ غَيْرِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَكَانَتْ مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ تَقُولُ هَذَا يَوْمِي الَّذِي أَمُوتُ فِيهِ فَمَا تَطْعَمُ حَتَّى تُمْسِيَ فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ تَقُولُ هَذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمُوتُ فِيهَا فَتُصَلِّي حَتَّى تُصْبِحَ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12032أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ رَابِعَةَ فَقَامَتْ إِلَى مِحْرَابٍ لَهَا وَقُمْتُ أَنَا إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَلَمْ تَزَلْ قَائِمَةً إِلَى السَّحَرِ فَلَمَّا كَانَ السَّحَرُ قُلْتُ مَا جَزَاءُ مَنْ قَوَّانَا عَلَى قِيَامِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَالَتْ جَزَاؤُهُ أَنْ تَصُومَ لَهُ غَدًا وَكَانَتْ
شَعْوَانَةُ تَقُولُ فِي دُعَائِهَا إِلَهِي مَا أَشْوَقَنِي إِلَى لِقَائِكَ وَأَعْظَمَ رَجَائِي لِجَزَائِكَ وَأَنْتَ الْكَرِيمُ الَّذِي لَا يَخِيبُ لَدَيْكَ أَمَلُ الْآمِلِينَ وَلَا يَبْطُلُ عِنْدَكَ شَوْقُ الْمُشْتَاقِينَ إِلَهِي إِنْ كَانَ دَنَا أَجَلِي وَلَمْ يُقَرِّبْنِي مِنْكَ عَمَلٌ فَقَدْ جَعَلْتُ الِاعْتِرَافَ بِالذَّنْبِ وَسَائِلَ عِلَلِي فَإِنْ عَفَوْتَ فَمَنْ أَوْلَى مِنْكَ بِذَلِكَ وَإِنْ عَذَّبْتَ فَمَنْ أَعْدَلُ مِنْكَ هُنَالِكَ إِلَهِي قَدْ جُرْتُ عَلَى نَفْسِي فِي النَّظَرِ لَهَا وَبَقِيَ لَهَا حُسْنُ نَظَرِكَ فَالْوَيْلُ لَهَا إِنْ لَمْ تُسْعِدْهَا إِلَهِي إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ بِي بَرًّا أَيَّامَ حَيَاتِي فَلَا تَقْطَعْ عَنِّي بِرَّكَ بَعْدَ مَمَاتِي .
وَلَقَدْ رَجَوْتُ مِمَّنْ تَوَلَّانِي فِي حَيَاتِي بِإِحْسَانِهِ أَنْ يُسْعِفُنِي عِنْدَ مَمَاتِي بِغُفْرَانِهِ إِلَهِي كَيْفَ أَيْأَسُ مِنْ حُسْنِ نَظَرِكَ بَعْدَ مَمَاتِي وَلَمْ تُولِنِي إِلَّا الْجَمِيلَ فِي حَيَاتِي إِلَهِي إِنْ كَانَتْ ذُنُوبِي قَدْ أَخَافَتْنِي فَإِنَّ مَحَبَّتِي لَكَ قَدْ أَجَارَتْنِي فَتَوَلَّ مِنْ أَمْرِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَعُدْ بِفَضْلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ جَهْلُهُ إِلَهِي لَوْ أَرَدْتَ إِهَانَتِي لَمَا هَدَيْتَنِي وَلَوْ أَرَدْتَ فَضِيحَتِي لَمْ تَسْتُرْنِي فَمَتِّعْنِي بِمَا لَهُ هَدَيْتَنِي وَأَدِمْ لِي مَا بِهِ سَتَرَتْنِي إِلَهِي مَا أَظُنُّكَ تَرُدُّنِي فِي حَاجَةٍ أَفْنَيْتُ فِيهَا عُمْرِي إِلَهِي لَوْلَا مَا قَارَفْتُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا خِفْتُ عِقَابَكَ وَلَوْلَا مَا عَرَفْتُ مِنْ كَرَمِكَ مَا رَجَوْتُ ثَوَابَكَ .