ثم
nindex.php?page=treesubj&link=28806_34112من هؤلاء من يباشر النجاسات ، ويأوي إلى القمامين والمراحيض والحمامات ، ومنهم من يعاشر الكلاب والحيات ، وهم مقصرون فيما أمر الله به ورسوله من الطهارة طهارة الحدث والخبث ، ومن قراءة القرآن وتدبر معانيه ، ومعرفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [آل عمران :31] ، فأمر من ادعى محبة الله باتباع نبيه ، وضمن لمن اتبع نبيه أن يحبه . وهؤلاء من أبعد الناس عن متابعة الرسول ، وهم بأعداء الله الملحدين أشبه منهم بأوليائه المتقين ، ووصف ما في هؤلاء من العيوب والقبائح لا يتسع له هذا المكتوب .
فمن اعتقد في هؤلاء أنهم من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين ، فهو من أضل العالمين ، وأبعدهم عن دين الإسلام ، الذي بعث به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، ولكن التبست أحوالهم على كثير من الناس لما يرونه أحيانا من أحدهم من نوع مكاشفة وتصرف خارج عن العادة ، وهم في ذلك من جنس الكهان والسحرة التي كانت الشياطين تنزل عليهم . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=221هل أنبئكم على [ ص: 400 ] من تنزل الشياطين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=222تنزل على كل أفاك أثيم [الشعراء :221 - 222] .
ولهذا لا يوجد من هؤلاء إلا من هو خارج عن الكتاب والسنة ، وإذا صدق مرة في مكاشفته فلا بد أن يكذب مرة أخرى ، وإن لم يتعمد هو الكذب لكن شيطانه الذي يلقي في قلبه ما يلقي وهو يكذب ، كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=651267كان يجري لمثل عبد الله بن صياد الذي ظن بعض الصحابة أنه الدجال ولم يكن هو الدجال ، ولكن كان من جنس الكهان ، ولهذا لما خبأ له النبي صلى الله عليه وسلم سورة الدخان قال : «قد خبأت لك خبيئا » ، فقال : الدخ الدخ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اخسأ فلن تعدو قدرك » . يريد : أنك من جنس الكهان الذي يقترن بأحدهم شيطان . وقال : «ما ترى ؟ » قال : أرى عرشا على الماء ، وذلك عرش الشيطان . وقال له : «ما يأتيك ؟ » قال : يأتيني صادق وكاذب .
وهؤلاء الذين يقترن بهم الجن في غير ما أمر الله به ورسوله ثلاثة أصناف بحسب قرنائهم من الجن :
فمنهم : من هو كافر وشيطانه كافر ،
كاليونسية الذين ينشدون الكفريات ، كقولهم :
تعالوا نخرب الجامع . . . ونجعل فيه خماره [ ص: 401 ] نخرب خشب المنبر
. . . ونجعل منه طنباره
ونحرق ورق المصحف
. . . ونجعل منه زماره
وننتف لحية القاضي
. . . ونجعل منه أوتاره
وقولهم :
وأنا حميت الحمى وأنت سكنت فيه . . . وأنا تركت الخلائق في بحار التيه
موسى على الطور لما خر لي ناجى . . . وصاحب يثرب أنا جبتوه حتى جا
وقولهم :
أنت إله وأنا في جانبك رب . . . خلقك تعذب ، وخلقي ما عليهم ذنب
وأمثال هذه الكفريات .
ومنهم : من يكون جنه فساقا ، كالذين يجتمعون اجتماعا محرما بالنسوان والمردان ، ويتواجدون في سماع المكاء والتصدية الذي يشبه سماع عباد الأوثان ، إذا كانوا مصدقين بتحريم ما حرمه الله ورسوله ، وفعلوا الكبائر مع اعتقاد تحريمها ، فهم فساق .
وصنف ثالث : جهال مبتدعون ، فيهم ديانة ، فيهم زهد وعبادة
[ ص: 402 ] وتعظيم لدين
محمد صلى الله عليه وسلم ، لا يختارون مخالفته ولا الخروج عن دينه وشريعته ، والتبست عليهم هذه الأحوال الشيطانية ، فظنوها كرامات الأولياء ، وأن من يحصل له من هذه الأحوال يكون من أولياء الله المتقين . ولو أنهم علموا أنها مخالفة لأمر الله ورسوله لم يدخلوا فيها ، لكن جهلوا ذلك ، فهؤلاء ضلال .
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28806_34112مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُبَاشِرُ النَّجَاسَاتِ ، وَيَأْوِي إِلَى الْقَمَامِينِ وَالْمَرَاحِيضِ وَالْحَمَّامَاتِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَاشِرُ الْكِلَابَ وَالْحَيَّاتِ ، وَهُمْ مُقَصِّرُونَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنَ الطَّهَارَةِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ ، وَمِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِ مَعَانِيهِ ، وَمَعْرِفَةِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهَ [آلِ عِمْرَانَ :31] ، فَأَمَرَ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ ، وَضَمِنَ لِمَنِ اتَّبَعَ نَبِيَّهُ أَنْ يُحِبَّهُ . وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ ، وَهُمْ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ الْمُلْحِدِينَ أَشْبَهُ مِنْهُمْ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ ، وَوَصْفُ مَا فِي هَؤُلَاءِ مِنَ الْعُيُوبِ وَالْقَبَائِحِ لَا يَتَّسِعُ لَهُ هَذَا الْمَكْتُوبُ .
فَمِنَ اعْتَقَدَ فِي هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ وَجُنْدِهِ الْغَالِبِينَ ، فَهُوَ مِنْ أَضَلِّ الْعَالَمِينَ ، وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ، الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، وَلَكِنِ الْتَبَسَتْ أَحْوَالُهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ لِمَا يَرَوْنَهُ أَحْيَانًا مِنْ أَحَدِهِمْ مِنْ نَوْعِ مُكَاشَفَةٍ وَتَصَرُّفٍ خَارِجٍ عَنِ الْعَادَةِ ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ وَالسَّحَرَةِ الَّتِي كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=221هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى [ ص: 400 ] مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=222تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشُّعَرَاءِ :221 - 222] .
وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَإِذَا صَدَقَ مَرَّةً فِي مُكَاشَفَتِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكْذِبَ مَرَّةً أُخْرَى ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ هُوَ الْكَذِبَ لَكِنَّ شَيْطَانَهُ الَّذِي يُلْقِي فِي قَلْبِهِ مَا يُلْقِي وَهُوَ يَكْذِبُ ، كَمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=651267كَانَ يَجْرِي لِمِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ الدَّجَّالُ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ الدَّجَّالَ ، وَلَكِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ ، وَلِهَذَا لَمَّا خَبَّأَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الدُّخَانِ قَالَ : «قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا » ، فَقَالَ : الدُّخُّ الدُّخُّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ » . يُرِيدُ : أَنَّكَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ الَّذِي يَقْتَرِنُ بِأَحَدِهِمْ شَيْطَانٌ . وَقَالَ : «مَا تَرَى ؟ » قَالَ : أَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ ، وَذَلِكَ عَرْشُ الشَّيْطَانِ . وَقَالَ لَهُ : «مَا يَأْتِيكَ ؟ » قَالَ : يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ .
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقْتَرِنُ بِهِمُ الْجِنُّ فِي غَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ بِحَسَبِ قُرَنَائِهِمْ مِنَ الْجِنِّ :
فَمِنْهُمْ : مَنْ هُوَ كَافِرٌ وَشَيْطَانُهُ كَافِرٌ ،
كَالْيُونُسِيَّةِ الَّذِينَ يُنْشِدُونَ الْكُفْرِيَّاتِ ، كَقَوْلِهِمْ :
تَعَالَوْا نُخْرِبِ الْجَامِعْ . . . وَنَجْعَلْ فِيهِ خَمَّارَهْ [ ص: 401 ] نُخَرِّبْ خَشَبَ الْمِنْبَرْ
. . . وَنَجْعَلْ مِنْهُ طُنْبَارَهْ
وَنُحْرِقْ وَرَقَ الْمُصْحَفْ
. . . وَنَجْعَلْ مِنْهُ زَمَّارَهْ
وَنَنْتِفْ لِحْيَةَ الْقَاضِي
. . . وَنَجْعَلْ مِنْهُ أَوْتَارَهْ
وَقَوْلِهِمْ :
وَأَنَا حَمَيْتُ الْحِمَى وَأَنْتَ سَكَنْتَ فِيهْ . . . وَأَنَا تَرَكْتُ الْخَلَائِقَ فِي بِحَارِ التِّيهْ
مُوسَى عَلَى الطُّورِ لَمَّا خَرَّ لِي نَاجَى . . . وَصَاحِبُ يَثْرِبْ أَنَا جِبْتُوهُ حَتَّى جَا
وَقَوْلِهِمْ :
أَنْتَ إِلَهْ وَأَنَا فِي جَانِبِكَ رَبّْ . . . خَلْقَكَ تُعَذِّبْ ، وَخَلْقِي مَا عَلَيْهِمْ ذَنْبْ
وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْكُفْرِيَّاتِ .
وَمِنْهُمْ : مَنْ يَكُونُ جِنُّهُ فُسَّاقًا ، كَالَّذِينِ يَجْتَمِعُونَ اجْتِمَاعًا مُحَرَّمًا بِالنِّسْوَانِ وَالْمُرْدَانِ ، وَيَتَوَاجَدُونَ فِي سَمَاعِ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ الَّذِي يُشْبِهُ سَمَاعَ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ ، إِذَا كَانُوا مُصَدِّقِينَ بِتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَفَعَلُوا الْكَبَائِرَ مَعَ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهَا ، فَهُمْ فُسَّاقٌ .
وَصِنْفٌ ثَالِثٌ : جُهَّالٌ مُبْتَدِعُونَ ، فِيهِمْ دِيَانَةٌ ، فِيهِمْ زُهْدٌ وَعِبَادَةٌ
[ ص: 402 ] وَتَعْظِيمٌ لِدِينِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يَخْتَارُونَ مُخَالَفَتَهُ وَلَا الْخُرُوجَ عَنْ دِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ ، وَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ ، فَظَنُّوهَا كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَأَنَّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَكُونُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ . وَلَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَدْخُلُوا فِيهَا ، لَكِنْ جَهِلُوا ذَلِكَ ، فَهَؤُلَاءِ ضُلَّالٌ .