قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=63أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون nindex.php?page=treesubj&link=29027قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=63أفرأيتم ما تحرثون هذه حجة أخرى ، أي : أخبروني عما تحرثون من أرضكم فتطرحون فيها البذر ، أنتم تنبتونه وتحصلونه زرعا فيكون فيه السنبل والحب أم نحن نفعل ذلك ؟ وإنما منكم البذر وشق الأرض ، فإذا أقررتم بأن إخراج السنبل من الحب ليس إليكم ، فكيف تنكرون إخراج الأموات من الأرض وإعادتهم ؟ ! وأضاف الحرث إليهم والزرع إليه تعالى ، لأن الحرث فعلهم ويجري على اختيارهم ، والزرع من فعل الله تعالى وينبت على اختياره لا على اختيارهم . وكذلك ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866372لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت فإن الزارع هو الله ، قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : ألم تسمعوا nindex.php?page=treesubj&link=29027قول الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=64أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون والمستحب لكل من يلقي البذر في الأرض أن يقرأ بعد الاستعاذة :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=63أفرأيتم ما تحرثون الآية ، ثم يقول : بل الله الزارع والمنبت والمبلغ ، اللهم صل على
محمد ، وارزقنا ثمره ، وجنبنا ضرره ، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ، ولآلائك من الذاكرين ، وبارك لنا فيه يا رب العالمين . ويقال : إن هذا القول أمان لذلك الزرع من جميع الآفات : الدود والجراد وغير ذلك ، سمعناه من ثقة وجرب فوجد كذلك . ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=64أأنتم تزرعونه أي : تجعلونه زرعا . وقد يقال : فلان زراع كما يقال حراث ، أي : يفعل ما يئول إلى أن يكون زرعا يعجب الزراع . وقد يطلق لفظ الزرع على بذر الأرض وتكريبها تجوزا .
قلت : فهو نهي إرشاد وأدب لا نهي حظر وإيجاب ، ومنه قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831308لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي وليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي وقد مضى في ( يوسف ) القول
[ ص: 198 ] فيه . وقد بالغ بعض العلماء فقال : لا يقل حرثت فأصبت ، بل يقل : أعانني الله فحرثت ، وأعطاني بفضله ما أصبت . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : وتتضمن هذه الآية أمرين ، أحدهما : الامتنان عليهم بأن أنبت زرعهم حتى عاشوا به ليشكروه على نعمته عليهم . الثاني : البرهان الموجب للاعتبار ، لأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذره ، وانتقاله إلى استواء حاله من العفن والتتريب حتى صار زرعا أخضر ، ثم جعله قويا مشتدا أضعاف ما كان عليه ، فهو بإعادة من أمات أخف عليه وأقدر ، وفي هذا البرهان مقنع لذوي الفطر السليمة .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65لو نشاء لجعلناه حطاما أي : متكسرا ، يعني الزرع . والحطام : الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء ، فنبه بذلك أيضا على أمرين ؛ أحدهما : ما أولاهم به من النعم في زرعهم إذ لم يجعله حطاما ليشكروه . الثاني : ليعتبروا بذلك في أنفسهم ، كما أنه يجعل الزرع حطاما إذا شاء وكذلك يهلكهم إذا شاء ليتعظوا فينزجروا .
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65فظلتم تفكهون أي : تعجبون بذهابها وتندمون مما حل بكم ؛ قاله
الحسن وقتادة وغيرهما . وفي الصحاح : وتفكه أي : تعجب ، ويقال : تندم ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65فظلتم تفكهون أي : تندمون . وتفكهت بالشيء تمتعت به . وقال يمان : تندمون على نفقاتكم ، دليله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وقال
عكرمة : تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجبت عقوبتكم حتى نالتكم في زرعكم .
ابن كيسان : تحزنون ، والمعنى متقارب . وفيه لغتان : تفكهون وتفكنون : قال
الفراء : والنون لغة
عكل . وفي الصحاح : التفكن : التندم على ما فات . وقيل : التفكه : التكلم فيما لا يعنيك ، ومنه قيل للمزاح فكاهة ، بالضم ، فأما الفكاهة بالفتح فمصدر فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاحا . وقراءة العامة
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65فظلتم بفتح الظاء . وقرأ
عبد الله " فظلتم " بكسر الظاء ورواها
هارون عن
حسين عن
أبي بكر . فمن فتح فعلى الأصل ، والأصل ظللتم فحذف اللام الأولى تخفيفا ، ومن كسر نقل كسرة اللام الأولى إلى الظاء ثم حذفها .
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=66إنا لمغرمون وقرأ
أبو بكر والمفضل " أإنا " بهمزتين على الاستفهام ، ورواه
عاصم عن
زر بن حبيش . الباقون بهمزة واحدة على الخبر ، أي : يقولون
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=66إنا لمغرمون أي : معذبون ، عن
ابن عباس وقتادة قالا : والغرام العذاب ، ومنه قول
ابن المحلم :
وثقت بأن الحفظ مني سجية وأن فؤادي متبل بك مغرم
[ ص: 199 ] وقال
مجاهد وعكرمة : لمولع بنا ، ومنه قول
النمر بن تولب :
سلا عن تذكره تكتما وكان رهينا بها مغرما
يقال : أغرم فلان بفلانة ، أي : أولع بها ، ومنه الغرام وهو الشر اللازم . وقال
مجاهد أيضا : لملقون شرا . وقال
مقاتل بن حيان : مهلكون .
النحاس :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=66إنا لمغرمون مأخوذ من الغرام وهو الهلاك ، كما قال :
يوم النسار ويوم الجفا كانا عذابا وكانا غراما
الضحاك وابن كيسان : هو من الغرم ، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض ، أي : غرمنا الحب الذي بذرناه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17058مرة الهمداني : محاسبون .
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=67بل نحن محرومون أي : حرمنا ما طلبنا من الريع . والمحروم الممنوع من الرزق . والمحروم ضد المرزوق وهو المحارف في قول
قتادة . وعن
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأرض الأنصار فقال : ما يمنعكم من الحرث قالوا : الجدوبة ، فقال : لا تفعلوا فإن الله تعالى يقول : أنا الزارع إن شئت زرعت بالماء ، وإن شئت زرعت بالريح وإن شئت زرعت بالبذر ثم تلا : nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=63أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون
قلت : وفي هذا الخبر والحديث الذي قبله ما يصحح قول من
nindex.php?page=treesubj&link=28723أدخل الزارع في أسماء الله سبحانه ، وأباه الجمهور من العلماء ، وقد ذكرنا ذلك في ( الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=63أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ nindex.php?page=treesubj&link=29027قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=63أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ هَذِهِ حُجَّةٌ أُخْرَى ، أَيْ : أَخْبِرُونِي عَمَّا تَحْرُثُونَ مِنْ أَرْضِكُمْ فَتَطْرَحُونَ فِيهَا الْبَذْرَ ، أَنْتُمْ تُنْبِتُونَهُ وَتُحَصِّلُونَهُ زَرْعًا فَيَكُونَ فِيهِ السُّنْبُلُ وَالْحَبُّ أَمْ نَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ ؟ وَإِنَّمَا مِنْكُمُ الْبَذْرُ وَشَقُّ الْأَرْضِ ، فَإِذَا أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّ إِخْرَاجَ السُّنْبُلَ مِنَ الْحَبِّ لَيْسَ إِلَيْكُمْ ، فَكَيْفَ تُنْكِرُونَ إِخْرَاجَ الْأَمْوَاتِ مِنَ الْأَرْضِ وَإِعَادَتَهُمْ ؟ ! وَأَضَافَ الْحَرْثَ إِلَيْهِمْ وَالزَّرْعَ إِلَيْهِ تَعَالَى ، لِأَنَّ الْحَرْثَ فِعْلُهُمْ وَيَجْرِي عَلَى اخْتِيَارِهِمْ ، وَالزَّرْعُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَنْبُتُ عَلَى اخْتِيَارِهِ لَا عَلَى اخْتِيَارِهِمْ . وَكَذَلِكَ مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866372لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ زَرَعْتُ وَلْيَقُلْ حَرَثْتُ فَإِنَّ الزَّارِعَ هُوَ اللَّهُ ، قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : أَلَمْ تَسْمَعُوا nindex.php?page=treesubj&link=29027قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=64أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ وَالْمُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ يُلْقِي الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الِاسْتِعَاذَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=63أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ الْآيَةَ ، ثُمَّ يَقُولُ : بَلِ اللَّهُ الزَّارِعُ وَالْمُنْبِتُ وَالْمُبَلِّغُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ ، وَارْزُقْنَا ثَمَرَهُ ، وَجَنِّبْنَا ضَرَرَهُ ، وَاجْعَلْنَا لِأَنْعُمِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، وَلِآلَائِكَ مِنَ الذَّاكِرِينَ ، وَبَارِكْ لَنَا فِيهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . وَيُقَالُ : إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَمَانٌ لِذَلِكَ الزَّرْعِ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ : الدُّودُ وَالْجَرَادُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، سَمِعْنَاهُ مِنْ ثِقَةٍ وَجَرَّبَ فَوَجَدَ كَذَلِكَ . وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=64أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَيْ : تَجْعَلُونَهُ زَرْعًا . وَقَدْ يُقَالُ : فُلَانٌ زَرَّاعٌ كَمَا يُقَالُ حَرَّاثٌ ، أَيْ : يَفْعَلُ مَا يَئُولُ إِلَى أَنْ يَكُونَ زَرْعًا يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ . وَقَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الزَّرْعِ عَلَى بَذْرِ الْأَرْضِ وَتَكْرِيبِهَا تَجَوُّزًا .
قُلْتُ : فَهُوَ نَهْيُ إِرْشَادٍ وَأَدَبٍ لَا نَهْيَ حَظْرٍ وَإِيجَابٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831308لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي وَلْيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي وَقَدْ مَضَى فِي ( يُوسُفَ ) الْقَوْلُ
[ ص: 198 ] فِيهِ . وَقَدْ بَالَغَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ : لَا يَقُلْ حَرَثْتُ فَأَصَبْتُ ، بَلْ يَقُلْ : أَعَانَنِي اللَّهُ فَحَرَثْتُ ، وَأَعْطَانِي بِفَضْلِهِ مَا أَصَبْتُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ : وَتَتَضَمَّنُ هَذِهِ الْآيَةُ أَمْرَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : الِامْتِنَانُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ أَنْبَتَ زَرْعَهُمْ حَتَّى عَاشُوا بِهِ لِيَشْكُرُوهُ عَلَى نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ . الثَّانِي : الْبُرْهَانُ الْمُوجِبُ لِلِاعْتِبَارِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْبَتَ زَرْعَهُمْ بَعْدَ تَلَاشِي بَذْرِهِ ، وَانْتِقَالِهِ إِلَى اسْتِوَاءِ حَالِهِ مِنَ الْعَفَنِ وَالتَّتْرِيبِ حَتَّى صَارَ زَرْعًا أَخْضَرَ ، ثُمَّ جَعَلَهُ قَوِيًّا مُشْتَدًّا أَضْعَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ ، فَهُوَ بِإِعَادَةِ مَنْ أَمَاتَ أَخَفُّ عَلَيْهِ وَأَقْدَرُ ، وَفِي هَذَا الْبُرْهَانِ مَقْنَعٌ لِذَوِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا أَيْ : مُتَكَسِّرًا ، يَعْنِي الزَّرْعَ . وَالْحُطَامُ : الْهَشِيمُ الْهَالِكُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي مَطْعَمٍ وَلَا غِذَاءٍ ، فَنُبِّهَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَمْرَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا : مَا أَوْلَاهُمْ بِهِ مِنَ النِّعَمِ فِي زَرْعِهِمْ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهُ حُطَامًا لِيَشْكُرُوهُ . الثَّانِي : لِيَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ ، كَمَا أَنَّهُ يَجْعَلُ الزَّرْعَ حُطَامًا إِذَا شَاءَ وَكَذَلِكَ يُهْلِكُهُمْ إِذَا شَاءَ لِيَتَّعِظُوا فَيَنْزَجِرُوا .
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ أَيْ : تَعْجَبُونَ بِذَهَابِهَا وَتَنْدَمُونَ مِمَّا حَلَّ بِكُمْ ؛ قَالَهُ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا . وَفِي الصِّحَاحِ : وَتَفَكَّهَ أَيْ : تَعَجَّبَ ، وَيُقَالُ : تَنَدَّمَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ أَيْ : تَنْدَمُونَ . وَتَفَكَّهْتُ بِالشَّيْءِ تَمَتَّعْتُ بِهِ . وَقَالَ يَمَانٌ : تَنْدَمُونَ عَلَى نَفَقَاتِكُمْ ، دَلِيلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : تَلَاوَمُونَ وَتَنْدَمُونَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَتْ عُقُوبَتَكُمْ حَتَّى نَالَتْكُمْ فِي زَرْعِكُمْ .
ابْنُ كَيْسَانَ : تَحْزَنُونَ ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ . وَفِيهِ لُغَتَانِ : تَفَكَّهُونَ وَتَفَكَّنُونَ : قَالَ
الْفَرَّاءُ : وَالنُّونُ لُغَةُ
عُكْلٍ . وَفِي الصِّحَاحِ : الْتَفَكُّنُ : التَّنَدُّمُ عَلَى مَا فَاتَ . وَقِيلَ : التَّفَكُّهُ : التَّكَلُّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمِزَاحِ فُكَاهَةٌ ، بِالضَّمِّ ، فَأَمَّا الْفُكَاهَةُ بِالْفَتْحِ فَمَصْدَرُ فَكِهَ الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ فَكِهٌ إِذَا كَانَ طَيِّبَ النَّفْسِ مَزَّاحًا . وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65فَظَلْتُمْ بِفَتْحِ الظَّاءِ . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ " فَظِلْتُمْ " بِكَسْرِ الظَّاءِ وَرَوَاهَا
هَارُونُ عَنْ
حُسَيْنٍ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ . فَمَنْ فَتَحَ فَعَلَى الْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ ظَلَلْتُمْ فَحَذَفَ اللَّامَ الْأُولَى تَخْفِيفًا ، وَمَنْ كَسَرَ نَقَلَ كَسْرَةَ اللَّامِ الْأُولَى إِلَى الظَّاءِ ثُمَّ حَذَفَهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=66إِنَّا لَمُغْرَمُونَ وَقَرَأَ
أَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ " أَإِنَّا " بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ ، وَرَوَاهُ
عَاصِمٌ عَنْ
زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ . الْبَاقُونَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ ، أَيْ : يَقُولُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=66إِنَّا لَمُغْرَمُونَ أَيْ : مُعَذَّبُونَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ قَالَا : وَالْغَرَامُ الْعَذَابُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
ابْنِ الْمُحَلِّمِ :
وَثِقْتُ بِأَنَّ الْحِفْظَ مِنِّي سَجِيَّةٌ وَأَنَّ فُؤَادِي مُتْبَلٌ بِكَ مُغْرَمُ
[ ص: 199 ] وَقَالَ
مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ : لَمُولَعٌ بِنَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ
النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ :
سَلَا عَنْ تَذَكُّرِهِ تُكْتَمَا وَكَانَ رَهِينًا بِهَا مُغْرَمَا
يُقَالُ : أُغْرِمَ فُلَانٌ بِفُلَانَةٍ ، أَيْ : أُولِعَ بِهَا ، وَمِنْهُ الْغَرَامُ وَهُوَ الشَّرُّ اللَّازِمُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ أَيْضًا : لَمُلْقُونَ شَرًّا . وَقَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : مُهْلَكُونَ .
النَّحَّاسُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=66إِنَّا لَمُغْرَمُونَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَرَامِ وَهُوَ الْهَلَاكُ ، كَمَا قَالَ :
يَوْمُ النِّسَارِ وَيَوْمُ الْجِفَا كَانَا عَذَابًا وَكَانَا غَرَامَا
الضَّحَّاكُ وَابْنُ كَيْسَانَ : هُوَ مِنَ الْغُرْمِ ، وَالْمُغْرَمُ الَّذِي ذَهَبَ مَالُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، أَيْ : غَرِمْنَا الْحَبَّ الَّذِي بَذَرْنَاهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17058مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ : مُحَاسَبُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=67بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَيْ : حُرِمْنَا مَا طَلَبْنَا مِنَ الرِّيعِ . وَالْمَحْرُومُ الْمَمْنُوعُ مِنَ الرِّزْقِ . وَالْمَحْرُومُ ضِدُّ الْمَرْزُوقِ وَهُوَ الْمُحَارِفُ فِي قَوْلِ
قَتَادَةَ . وَعَنْ
أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِأَرْضِ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : مَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْحَرْثِ قَالُوا : الْجُدُوبَةُ ، فَقَالَ : لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : أَنَا الزَّارِعُ إِنْ شِئْتُ زَرَعْتُ بِالْمَاءِ ، وَإِنْ شِئْتُ زَرَعْتُ بِالرِّيحِ وَإِنْ شِئْتُ زَرَعْتُ بِالْبَذْرِ ثُمَّ تَلَا : nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=63أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ
قُلْتُ : وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَالْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ مَا يُصَحِّحُ قَوْلَ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28723أَدْخَلَ الزَّارِعَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَأَبَاهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي ( الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى ) .