[ ص: 763 ] ثم دخلت
nindex.php?page=treesubj&link=33800سنة خمس وستمائة
في محرمها تكامل
nindex.php?page=treesubj&link=34063بناء دار الضيافة ببغداد التي أنشأها
الناصر لدين الله بالجانب الغربي من
بغداد للحاج والمارة ; لهم الضيافة ما داموا نازلين بها ، فإذا عزم أحدهم على السفر منها زود وكسي وأعطي بعد ذلك كله دينارا للسفر ، جزاه الله خيرا . وفيها عاد
أبو الخطاب ابن دحية الكلبي من رحلته العراقية ، فاجتاز
بالشام ، فاجتمع في مجلس الوزير
صفي الدين بن شكر هو والشيخ
تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي شيخ اللغة والحديث ، فأورد
ابن دحية في كلامه حديث الشفاعة حتى انتهى إلى قول
إبراهيم عليه السلام : " إنما كنت خليلا من وراء وراء " بفتح اللفظتين فقال
الكندي : من وراء وراء . بضمهما ، فقال
ابن دحية للوزير
ابن شكر : من ذا ؟ فقال : هذا الشيخ
أبو اليمن الكندي . فنال منه
ابن دحية ، وكان جرئيا ، فقال
الكندي : هو من كلب فنبح . قال الشيخ
شهاب الدين أبو شامة وكلتا الروايتين محكيتان ، وحكي فيهما الجر أيضا .
وفيها عاد
فخر الدين ابن تيمية خطيب
حران من الحج إلى
بغداد وجلس
بباب بدر للوعظ ، مكان
محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج ، فقال في
[ ص: 764 ] كلامه ذلك :
وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس
كأنه يعرض
بالمحيي بن الجوزي ، لكونه شابا ابن خمس وعشرين سنة . والله أعلم .
وفي يوم الجمعة تاسع المحرم دخل مملوك إفرنجي من باب مقصورة جامع
دمشق وهو سكران وفي يده سيف مسلول ، والناس جلوس ينتظرون صلاة الفجر ، فمال على الناس يضربهم بسيفه ، فقتل اثنين أو ثلاثة ، وضرب المنبر بسيفه فانكسر ، فأخذ وأودع المارستان ، وشنق في يومه ذلك على
جسر اللبادين .
وفيها عاد الشيخ
شهاب الدين السهروردي من
دمشق بهدايا الملك
العادل ، فتلقاه الجيش ، ومعه أموال كثيرة لنفسه أيضا ، وكان قبل ذلك فقيرا زاهدا ، فلما عاد منع من الوعظ ، وأخذت منه الربط التي يباشرها ، ووكل إلى ما بيده من الأموال ، فشرع في تفريقها على الفقراء والمساكين ، فاستغنى منه خلق كثير من الفقهاء وغيرهم . فقال
المحيي ابن الجوزي في مجلسه ما معناه : لا حاجة بالرجل أن يأخذ أموالا من غير حقها ، ويصرفها إلى من يستحقها ، وكان تركها أولى به من تناولها ، وإنما أراد أن ترتفع منزلته ببذلها ، أو يعود إلى حاله كما كان ، ولو ترك على ما كان يباشره لما بذلها ، فليحذر العبد الدنيا ؛ فإنها خداعة غرارة تسترق فحول العلماء والعباد فضلا عن العوام والقواد . وقد وقع
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي فيما بعد ؛
[ ص: 765 ] فيما وقع فيه
السهروردي وأعظم .
وفيها قصدت
الفرنج مدينة
حمص وعبروا على
العاصي بجسر أعدوه في بلادهم ، فلما أحست بهم العساكر المنصورة ركبوا في آثارهم ، فهربوا منهم ، فقتلوا خلقا كثيرا منهم ، وغنم المسلمون منهم غنيمة جيدة .
وفيها قتل صاحب
الجزيرة ، وكان من أسوأ الناس سيرة ، وأرادهم سريرة ، وهو الملك
سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آق سنقر الأتابكي ، وكان ابن عم
نور الدين صاحب
الموصل ، وكان الذي تولى قتله ولده
غازي ، توصل إليه حتى دخل عليه وهو في الخلاء سكران ، فضربه بسكين أربع عشرة ضربة ، ثم ذبحه ؛ وذلك كله ليأخذ الملك من بعده ، فحرمه الله ذلك ، فبويع بالملك لأخيه
محمود ، وأخذ
غازي هذا العاق لوالده ؛ فقتل من يومه ، فسلبه الله الملك والحياة ، ولكن أراح الله المسلمين من ظلم أبيه وغشمه وفسقه ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=129وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون [ الأنعام : 129 ]
[ ص: 763 ] ثُمَّ دَخَلَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=33800سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّمِائَةٍ
فِي مُحَرَّمِهَا تَكَامَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=34063بِنَاءُ دَارِ الضِّيَافَةِ بِبَغْدَادَ الَّتِي أَنْشَأَهَا
النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنْ
بَغْدَادَ لِلْحَاجِّ وَالْمَارَّةِ ; لَهُمُ الضِّيَافَةُ مَا دَامُوا نَازِلِينَ بِهَا ، فَإِذَا عَزَمَ أَحَدُهُمْ عَلَى السَّفَرِ مِنْهَا زُوِّدَ وَكُسِيَ وَأُعْطِيَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ دِينَارًا لِلسَّفَرِ ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا . وَفِيهَا عَادَ
أَبُو الْخَطَّابِ ابْنُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيُّ مِنْ رِحْلَتِهِ الْعِرَاقِيَّةِ ، فَاجْتَازَ
بِالشَّامِ ، فَاجْتَمَعَ فِي مَجْلِسِ الْوَزِيرِ
صَفِيِّ الدِّينِ بْنِ شُكْرٍ هُوَ وَالشَّيْخُ
تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ شَيْخُ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ ، فَأَوْرَدَ
ابْنُ دِحْيَةَ فِي كَلَامِهِ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ " بِفَتْحِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقَالَ
الْكِنْدِيُّ : مِنْ وَرَاءُ وَرَاءُ . بِضَمِّهِمَا ، فَقَالَ
ابْنُ دِحْيَةَ لِلْوَزِيرِ
ابْنِ شُكْرٍ : مَنْ ذَا ؟ فَقَالَ : هَذَا الشَّيْخُ
أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ . فَنَالَ مِنْهُ
ابْنُ دِحْيَةَ ، وَكَانَ جَرِئِيًا ، فَقَالَ
الْكِنْدِيُّ : هُوَ مِنْ كَلْبٍ فَنَبَحَ . قَالَ الشَّيْخُ
شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ وَكِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ مَحْكِيَّتَانِ ، وَحُكِيَ فِيهِمَا الْجَرُّ أَيْضًا .
وَفِيهَا عَادَ
فَخْرُ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ خَطِيبُ
حَرَّانَ مِنَ الْحَجِّ إِلَى
بَغْدَادَ وَجَلَسَ
بِبَابِ بَدْرٍ لِلْوَعْظِ ، مَكَانَ
مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ ، فَقَالَ فِي
[ ص: 764 ] كَلَامِهِ ذَلِكَ :
وَابْنُ اللَّبُونَ إِذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ الْبَزْلِ الْقَنَاعِيسِ
كَأَنَّهُ يُعْرِّضُ
بِالْمُحْيِي بْنِ الْجَوْزِيِّ ، لِكَوْنِهِ شَابًّا ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَاسِعِ الْمُحَرَّمِ دَخَلَ مَمْلُوكٌ إِفْرِنْجِيٌّ مِنْ بَابِ مَقْصُورَةِ جَامِعِ
دِمَشْقَ وَهُوَ سَكْرَانُ وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ مَسْلُولٌ ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ يَنْتَظِرُونَ صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَمَالَ عَلَى النَّاسِ يَضْرِبُهُمْ بِسَيْفِهِ ، فَقَتَلَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ، وَضَرَبَ الْمِنْبَرَ بِسَيْفِهِ فَانْكَسَرَ ، فَأُخِذَ وَأُودِعَ الْمَارَسْتَانَ ، وَشُنِقَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ عَلَى
جِسْرِ اللَّبَّادِينَ .
وَفِيهَا عَادَ الشَّيْخُ
شِهَابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيُّ مِنْ
دِمَشْقَ بِهَدَايَا الْمَلِكِ
الْعَادِلِ ، فَتَلَقَّاهُ الْجَيْشُ ، وَمَعَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ لِنَفْسِهِ أَيْضًا ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقِيرًا زَاهِدًا ، فَلَمَّا عَادَ مُنِعَ مِنَ الْوَعْظِ ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الرُّبُطُ الَّتِي يُبَاشِرُهَا ، وَوُكِّلَ إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ ، فَشَرَعَ فِي تَفْرِيقِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ، فَاسْتَغْنَى مِنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ . فَقَالَ
الْمُحْيِي ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَجْلِسِهِ مَا مَعْنَاهُ : لَا حَاجَةَ بِالرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالًا مِنْ غَيْرِ حَقِّهَا ، وَيَصْرِفَهَا إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا ، وَكَانَ تَرْكُهَا أَوْلَى بِهِ مِنْ تَنَاوُلِهَا ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ تَرْتَفِعَ مَنْزِلَتُهُ بِبَذْلِهَا ، أَوْ يَعُودَ إِلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ ، وَلَوْ تُرِكَ عَلَى مَا كَانَ يُبَاشِرُهُ لَمَا بَذَلَهَا ، فَلْيَحْذَرِ الْعَبْدُ الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّهَا خَدَّاعَةٌ غَرَّارَةٌ تَسْتَرِقُ فُحُولَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ فَضْلًا عَنِ الْعَوَامِّ وَالْقُوَّادِ . وَقَدْ وَقَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا بَعْدُ ؛
[ ص: 765 ] فِيمَا وَقَعَ فِيهِ
السُّهْرَوَرْدِيُّ وَأَعْظَمَ .
وَفِيهَا قَصَدَتِ
الْفِرِنْجُ مَدِينَةَ
حِمْصَ وَعَبَرُوا عَلَى
الْعَاصِي بِجِسْرٍ أَعْدُّوهُ فِي بِلَادِهِمْ ، فَلَمَّا أَحَسَّتْ بِهِمُ الْعَسَاكِرُ الْمَنْصُورَةُ رَكِبُوا فِي آثَارِهِمْ ، فَهَرَبُوا مِنْهُمْ ، فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْهُمْ ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ غَنِيمَةً جَيِّدَةً .
وَفِيهَا قُتِلَ صَاحِبُ
الْجَزِيرَةِ ، وَكَانَ مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ سِيرَةً ، وَأَرَادَهُمْ سَرِيرَةً ، وَهُوَ الْمَلِكُ
سَنْجَرُ شَاهْ بْنُ غَازِيِّ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيِّ بْنِ آقْ سُنْقُرَ الْأَتَابِكِيُّ ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّ
نُورِ الدِّينِ صَاحِبِ
الْمَوْصِلِ ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى قَتْلَهُ وَلَدُهُ
غَازِيٌّ ، تَوَصَّلَ إِلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْخَلَاءِ سَكْرَانُ ، فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ضَرْبَةً ، ثُمَّ ذَبَحَهُ ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِيَأْخُذَ الْمُلْكَ مِنْ بَعْدِهِ ، فَحَرَمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ ، فَبُويِعَ بِالْمُلْكِ لِأَخِيهِ
مَحْمُودٍ ، وَأُخِذَ
غَازِيٌّ هَذَا الْعَاقُّ لِوَالِدِهِ ؛ فَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ ، فَسَلَبَهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحَيَاةَ ، وَلَكِنْ أَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُلْمِ أَبِيهِ وَغَشْمِهِ وَفِسْقِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=129وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ الْأَنْعَامِ : 129 ]