الفرع الخامس عشر : قد قدمنا في أول الكلام في هذه المسألة التي هي مسألة ما يمتنع على المحرم بسبب إحرامه ،
nindex.php?page=treesubj&link=3434ما يمنع المحرم من لبسه من أنواع الملبوس ، وسنذكر في هذا الفرع ما يلزم في ذلك عند الأئمة .
فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأصحابه : إلى أنه إن لبس شيئا مما قدمنا أنه لا يجوز لبسه مختارا عامدا ، أثم بذلك ، ولزمته المبادرة إلى إزالته ولزمته الفدية ، سواء قصر زمان اللبس أو طال ، لا فرق عندهم في ذلك ، ولا دليل عندهم للزوم الفدية في ذلك ، إلا القياس على حلق الرأس المنصوص عليه في آية الفدية ، واللبس الحرام الموجب للفدية عندهم محمول على ما يعتاد في كل ملبوس ، فلو
nindex.php?page=treesubj&link=3434التحف بقميص أو قباء ، أو ارتدى بهما ، أو ائتزر سراويل : فلا فدية عليه عندهم ; لأنه ليس لبسا له في العادة ، فهو عندهم كمن لفق إزارا من خرق وطبقتها وخاطها : فلا فدية عليه بلا خلاف ، وكذا لو التحف بقميص أو بعباءة أو إزار ونحوها ولفها عليه طاقا أو طاقين ، أو أكثر فلا فدية ، وسواء فعل ذلك في النوم أو اليقظة ،
[ ص: 50 ] قاله
النووي ، ثم قال : قال أصحابنا : وله أن يتقلد المصحف وحمائل السيف ، وأن يشد الهميان والمنطقة في وسطه ، ويلبس الخاتم ، ولا خلاف في جواز هذا كله ، وهذا الذي ذكرناه في المنطقة والهميان مذهبنا ، وبه قال العلماء كافة ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في أصح الروايتين عنه فكرههما ، وبه قال
نافع مولاه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : ما ذكره
النووي - رحمه الله - من كون جواز
nindex.php?page=treesubj&link=32991شد المنطقة والهميان في وسطه ، هو قول العلماء كافة ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في أصح الروايتين - فيه نظر ، فإن مذهب
مالك ، وأصحابه : منع شد المنطقة والهميان ، فوق الإزار مطلقا ، وتجب به الفدية عندهم . أما شد المنطقة مباشرة للجلد تحت الإزار ، فهو جائز عندهم ، بشرط كونه يريد بذلك حفظ نفقته ، فلا يجوز إلا تحت الإزار ، لضرورة حفظ النفقة خاصة ، وإلا فتجب الفدية ، وشد المنطقة لغير النفقة تجب به الفدية أيضا ، عند
أحمد . والهميان قريب مما تسميه العامة اليوم : بالكمر .
قال الشيخ
الحطاب في كلامه على قول
خليل في مختصره عاطفا على ما يجوز للمحرم : وشد منطقة لنفقته على جلده . قال
ابن فرحون في " شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب " : المنطقة : الهميان ، وهو مثل الكيس تجعل فيه الدراهم ، ا هـ .
وروى
البيهقي بإسناده عن
عائشة : أنه لا بأس بشد المنطقة لحفظ النفقة ، وما في " المغني " من رفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه نظر ، والظاهر أنه من قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، والمرفوع عند
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وفي إسناده
يوسف بن خالد السمتي ، وهو ضعيف . قاله في : " مجمع الزوائد " ، وقال في : " التقريب " في
يوسف المذكور : تركوه ، وكذبوه .
وإذا علمت مما مر أن
nindex.php?page=treesubj&link=3434_3787اللبس الحرام على المحرم ، تجب به الفدية عند الشافعية ، وأنه لا فرق عندهم بين اللحظة والزمن الطويل ، فاعلم أن الأصح عندهم ، وبه جزم الأكثرون : أن اللازم في ذلك هو فدية الأذى المذكورة في آية الفدية . ودليلهم القياس كما تقدم ، ولهم طريقان غير هذا في المسألة إحداهما ، وذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=12094أبو علي الطبري في الإيضاح ، وآخرون من
العراقيين أن في المسألة قولين :
أحدهما : أنه كالمتمتع ، فيلزمه ما استيسر من الهدي فإن لم يجد فصيام عشرة أيام ، كما هو معلوم .
والقول الثاني : أنه يلزمه الهدي فإن لم يجده قومه دراهم ، وقوم الدراهم طعاما ، ثم
[ ص: 51 ] يصوم عن كل مد يوما .
الطريق الثانية : هي أن في المسألة عندهم أربعة أوجه ، أصحها أنه كالحلق لاشتراكهما في الترفه .
والثاني : أنه مخير بين شاة ، وبين تقويمها ، ويخرج قيمتها طعاما ، ويصوم عن كل مد يوما .
الثالث : تجب شاة ، فإن عجز عنها ، لزمه الطعام بقيمتها .
والرابع : أنه كالمتمتع . انتهى من
النووي .
وقد علمت أن الصحيح عند الشافعية : أن اللبس الحرام تلزم فيه فدية الأذى ، وهذا حاصل مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأصحابه في المسألة ، ومذهب
أحمد وأصحابه : أن
nindex.php?page=treesubj&link=3787_3434_3812الفدية تجب بقليل اللبس وكثيره كمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . ويجوز عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأصحابه : للرجل المحرم ستر وجهه ، ولا فدية عليه ، بخلاف البياض الذي وراء الآذان .
قال
النووي : وبه قال جمهور العلماء : يعني جواز
nindex.php?page=treesubj&link=25619ستر المحرم وجهه ، وقال
أبو حنيفة ومالك : لا يجوز كرأسه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : وهذا القول الأخير أرجح عندي كما تقدم ; لأن في صحيح
مسلم في
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008826المحرم الذي خر من بعيره ، فمات : " لا ولا تخمروا وجهه ولا رأسه " وقد قدمنا أن العلة كونه يبعث ملبيا .
فدل هذا الحديث الصحيح على أن إحرام الرجل مانع من ستر وجهه ، وما أول به الشافعية وغيرهم الحديث المذكور ، ليس بمقنع فلا يجوز العدول عن ظاهر الحديث إليه ، ولا عبرة بالأجلاء الذين خالفوا ظاهره ; لأن السنة أولى بالاتباع ، والآثار التي رووها عن
عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=17065ومروان بن الحكم ، لا يعارض بها المرفوع الصحيح ، والله أعلم .
والظاهر لنا : أن ما يروى عن
أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص : من جواز
nindex.php?page=treesubj&link=3469لبس المحرمة القفازين - خلاف الصواب لما قدمنا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الثابت في الصحيح ، وفيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008827ولا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين " الحديث . ولم يثبت شيء صحيح من كتاب أو سنة يخالفه ، وما قاله بعض أهل العلم من الحنابلة وغيرهم ، من النهي عن لبس المرأة الخلخال والسوار خلاف الصواب ، والظاهر : جواز ذلك : ولا دليل يمنع منه ، والله أعلم .
[ ص: 52 ] أما
nindex.php?page=treesubj&link=3469_3812_3787لبس الرجل القفازين ، فلم يخالف في منعه أحد ، وعند
الشافعية : إذا طلى المحرم رأسه بطين ، أو حناء أو مرهم ونحو ذلك ، فإن كان رقيقا لا يستر فلا فدية ، وإن كان ثخينا ساترا فوجهان ، أصحهما : وجوب الفدية .
والثاني : لا تجب لأن ذلك لا يعد ساترا ولو توسد وسادة ، أو وضع يده على رأسه ، أو انغمس في ماء أو استظل بمحمل ، أو هودج ، فذلك عند الشافعية : جائز ، ولا شيء فيه ، سواء مس المحمل رأسه أم لا ، وفيه قول ضعيف : أنه إن مس المحمل رأسه ، وجبت الفدية .
وضابط ما تجب به الفدية عندهم هو : أن يستر من رأسه قدرا يقصد ستره ، لغرض كشد عصابة وإلصاق لصوق لشجة ونحوها ، والصحيح عندهم : أنه إن شد خيطا على رأسه لم يضره ، ولا فدية عليه ، ولو جرح المحرم فشد على جرحه خرقة ، فإن كان الجرح في غير الرأس فلا فدية ، وإن كان في الرأس ، لزمته الفدية ولا إثم عليه .
وقد قدمنا أن إحرام المرأة في وجهها فلا يجوز لها ستره بما يعد ساترا ، ولها ستر وجهها عن الرجال ، والأظهر في ذلك : أن تسدل الثوب على وجهها متجافيا عنه لا لاصقا به ، والله أعلم .
ويجوز عند الشافعية : أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطان ، وأن يجعل له مثل الحجزة ، ويدخل فيها التكة ; لأن ذلك من مصلحة الإزار ، لا يستمسك إلا بنحو ذلك ، وقيل : لا يجوز له جعل حجزة في الإزار ، وإدخال التكة فيها ; لأنه حينئذ يصير كالسراويل ، والصحيح عندهم الأول ، والأخير ضعيف عندهم ، وكذلك القول بمنع عقد الإزار ضعيف عندهم . أما عقد الرداء فهو حرام عندهم ، وكذلك عندهم خله بخلال ، وربط طرفه إلى طرفه الآخر بخيط ، كل ذلك لا يجوز عندهم ، وفيه الفدية ، وفيه خلاف ضعيف عندهم . ووجه تفريقهم بين الإزار والرداء أن الإزار يحتاج إلى العقد ، بخلاف الرداء ، ولو حمل المحرم على رأسه زنبيلا ، أو حملا ، ففي ذلك عند الشافعية طريقان أصحهما : أن ذلك جائز ، ولا فدية فيه ; لأنه لا يقصد به الستر كما لا يمنع المحدث من حمل المصحف في متاع ، ا هـ .
ومذهب الإمام
أحمد في جواز عقد الإزار ، ومنع عقد الرداء كمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . ويجوز عند الإمام
أحمد أن يشد في وسطه منديلا أو عمامة أو حبلا ونحو ذلك ، إذا لم يعقده فإن عقده منع ذلك عنده ، وإنما يجوز إذا أدخل بعض ذلك الذي شد على وسطه في بعضه .
[ ص: 53 ] قال في " المغني " : قال
أحمد في محرم حزم عمامة على وسطه لا تعقدها ، ويدخل بعضها في بعض ، ثم قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يطوف بالبيت ، وعليه عمامة قد شدها على وسطه ، فأدخلها هكذا . وقد قدمنا أن مثل هذا يجوز عند المالكية لضرورة العمل خاصة ، ثم قال في " المغني " : ولا يجوز أن يشق أسفل ردائه نصفين ، ويعقد كل نصف على ساق ; لأنه يشبه السراويل ، انتهى من " المغني " . وفيه عند الشافعية وجهان ، أصحهما : المنع ، ولزوم الفدية ; لأنه كالسراويل ، كما قال صاحب " المغني " .
والوجه الثاني :
لا فدية في ذلك ، وهو ضعيف ، ا هـ .
وأظهر قولي أهل العلم عندي : أن
nindex.php?page=treesubj&link=3468_3787لبس الخف المقطوع ، مع وجود النعل تلزم به الفدية . والله أعلم .
ومذهب
مالك وأصحابه في هذه المسألة : هو أن المحرم إن لبس ما يحرم عليه لبسه لزمته فدية الأذى ، ويستوي عندهم : الخياطة والعقد والتزرر والتخلل والنسخ على هيئة المخيط ، ولكن بشرط أن ينتفع بذلك اللبس ، من حر ، أو برد ، أو يطول زمنه كيوم كامل ; لأن ذلك مظنة انتفاعه به من حر أو برد . أما إذا لبس المحرم ما يحرم عليه لبسه ، ولم ينتفع بلبسه من حر أو برد ، ولم يدم لبسه له يوما كاملا ، فلا فدية عليه عندهم ، ومشهور مذهب
مالك : أن
nindex.php?page=treesubj&link=32991للمحرم أن يشد في وسطه الحزام ; لأجل العمل خاصة ، ولا يعقده ، وأن له أن يستثفر عند الركوب والنزول . وعنه في الاستثفار للركوب والنزول قول بالكراهة ولا فدية فيه على كل حال .
nindex.php?page=treesubj&link=3434والاستثفار : شد الفرج بخرقة عريضة ويوثق طرفاها إلى شيء مشدود على الوسط ، وهو مأخوذ من ثفر الدابة ، الذي يجعل تحت ذنبها ، أو من ثفر الدابة بمعنى : فرجها ، ومنه قول
الأخطل :
جزى الله عنا الأعورين ملامة وفروة ثفر الثورة المتضاجم
فقوله : ثفر الثورة يعني : فرج البقرة ، وهو بدل من فروة ، والمتضاجم المائل وهو مخفوض بالمجاورة ; لأنه صفة للثفر ، وهو منصوب . وفروة : اسم رجل جعله في الخبث ، والحقارة كأنه فرج بقرة مائل .
وستر المحرم وجهه عند المالكية ، كستر رأسه : تلزم فيه الفدية ، إن ستر ذلك بما يعد ساترا كالمخيط ، ويدخل في ذلك ما لو ستره بطين أو جلد حيوان يسلخ ، فيلبس ، ولا يمنع عندهم لبس المخيط ، إذا استعمل استعمال غير المخيط ، كأن يجعل القميص إزارا أو رداء ; لأنه إذا ارتدى بالقميص مثلا ، لم يدخل فيه
[ ص: 54 ] حتى يحيط به ; لأنه استعمله استعمال الرداء ،
nindex.php?page=treesubj&link=3487ولا بأس عندهم باتقاء الشمس أو الريح باليد يجعلها على رأسه أو وجهه . وله وضع يده على أنفه من غبار ، أو جيفة مر بها . ويستحب ذلك له عندهم ، إن مر على طيب وتلزم عندهم الفدية بلبس القباء ، وإن لم يدخل يده في كمه ، وحمله بعضهم على ما إذا أدخل فيه منكبيه ، وأطلقه بعضهم . ولا يجوز عندهم أن يظلل المحرم على رأسه ، أو وجهه بعصا فيها ثوب فإن فعل افتدى ، وفيه قول عندهم : بعد لزوم الفدية ، وهو الحق . والحديث الذي قدمنا في التظليل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بثوب يقيه الحر ، وهو يرمي جمرة العقبة : يدل على ذلك ، وعلى أنه جائز ، فالسنة أولى بالاتباع ، وأجاز المالكية للمحرم أن يرفع فوق رأسه شيئا يقيه من المطر .
واختلفوا في رفعه فوقه شيئا يقيه من البرد . والأظهر الجواز ، والله أعلم . لدخوله في معنى الحديث المذكور ، إذ لا فرق بين الأذى من البرد والحر والمطر ، والله أعلم . وبعضهم يقول : إن الفدية المذكورة مندوبة لا واجبة . وما يذكره المالكية ، من أن من لم يجد الإزار ، يكره له لبس السراويل أو يمنع وأن ذلك تلزم فيه الفدية - خلاف التحقيق للحديث المتقدم ، الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008828ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل " وهو حديث صحيح كما تقدم . وظاهره أن من لم يجد إزارا ، فله لبس السراويل من غير إثم ولا فدية ، إذ لو كانت الفدية تلزمه لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن البيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة إليه ، ولا خلاف بين أهل العلم في الاستظلال بالخباء ، والقبة المضروبة والفسطاط والشجرة ، وأن يرمي عليها ثوبا . وعن
مالك منع إلقاء الثوب على الشجرة ، وأجازه
nindex.php?page=showalam&ids=12873عبد الملك بن الماجشون قياسا على الخيمة ، وهو الأظهر .
واعلم : أن الاستظلال بالثوب على العصا عندهم إذا فعله وهو سائر لا خلاف في منعه ، ولزوم الفدية فيه ، وإن فعله وهو نازل ففيه خلاف عندهم أشرنا له قريبا . والحق : الجواز مطلقا للحديث المذكور ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28328_28750ما ثبتت فيه سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز العدول عنه إلى رأي مجتهد من المجتهدين ، ولو بلغ ما بلغ من العلم والعدالة ; لأن سنته - صلى الله عليه وسلم - حجة على كل أحد ، وليس قول أحد حجة على سنته - صلى الله عليه وسلم - وقد صح على الأئمة الأربعة - رحمهم الله - أنهم كلهم قالوا : إذا وجدتم قولي يخالف كتابا أو سنة ، فاضربوا بقولي الحائط ، واتبعوا الكتاب والسنة . وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16023سلمة بن شبيب ، حدثنا
الحسن بن أعين ، حدثنا
معقل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة ، عن
يحيى بن حصين ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008829عن جدته أم الحصين قال : سمعتها تقول : حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 55 ] حجة الوداع ، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف ، وهو على راحلته ، ومعه بلال ، وأسامة أحدهما يقود به راحلته ، والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشمس . الحديث . وفي لفظ
لمسلم ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008830عن أم الحصين : فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر رافع ثوبه ، يستره من الحر ، حتى رمى جمرة العقبة . انتهى محل الغرض من صحيح
مسلم ، وهو نص صحيح صريح في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=3487استظلال المحرم الراكب بثوب مرفوع فوقه يقيه حر الشمس . والنازل أحرى بهذا الحكم ، عند المالكية من الراكب ، وهذا الحديث الصحيح المرفوع لا يعارض بما روي من فعل
عمر وقول ابنه
عبد الله - رضي الله عنهما - موقوفا عليهما ، ولا بحديث
جابر الضعيف في منع استظلال المحرم ، والعلم عند الله تعالى .
ويجوز عند
المالكية :
nindex.php?page=treesubj&link=3482حمل المحرم زاده على رأسه في خرج أو جراب إن كان فقيرا تدعوه الحاجة إلى ذلك ، أما إن كان ذلك لبخله بأجرة الحمل ، وهو غني ، أو لأجل تجارة بالمحمول ، فلا يجوز ، وتلزم به الفدية عندهم ، ويجوز عندهم إبدال ثوبه الذي أحرم فيه بثوب آخر ، ويجوز عندهم بيعه ، ولو قصد بذلك الاستراحة من الهوام التي فيه ، إلا أن ينقل الهوام من جسده ، أو ثوبه الذي عليه إلى الثوب الذي يريد طرحه فيكون ذلك كطرحه لها . قاله صاحب الطراز ، ويكره للمحرم عند المالكية غسل ثوبه الذي أحرم فيه ، إلا لنجاسة فيه ، فيجوز غسله بالماء فقط ، وقال بعضهم : يجوز غسله بالماء أيضا ، لأجل الوسخ ، فلا يختص الجواز بالنجاسة ; لأن الوسخ مبيح لغسله بالماء على هذا القول ، ولا يجوز للمحرم عندهم أن يغسل ثوب غيره خوف أن يقتل بغسله إياه بعض الدواب التي في الثوب . وقال بعضهم : فإن فعل افتدى . والظاهر أن محل ذلك فيما إذا لم يعلم أن الثوب ليس فيه شيء من الدواب ، فإن علم ذلك ، فلا بأس بغسله ، ولا شيء فيه إن كان ذلك لنجاسة أو وسخ والله تعالى أعلم . ويجوز عندهم : أن
nindex.php?page=treesubj&link=32993يعصب المحرم على جرحه خرقا ، وتلزمه الفدية بذلك . وقال
التونسي : وفي المدونة : صغير خرق التعصيب والربط ككبيرها ، وروى
محمد : رقعة قدر الدرهم كبيرة فيها الفدية . وظاهر قول
خليل في مختصره المالكي : أو لصق خرقة كدرهم - أن الخرقة التي هي أصغر من الدرهم لا شيء فيها . وقال شارحه
الحطاب : انظر إذا كان به جروح متعددة ، وألصق على كل واحد منها خرقة ، دون الدرهم ، والمجموع كدرهم ، أو أكثر . وظاهر ما في التوضيح ،
وابن الحاجب : أنه لا شيء عليه . انتهى . وسمع
ابن [ ص: 56 ] القاسم : لا بأس ، ولا فدية في جعل فرجه في خرقة عند النوم ، فإن لفها على ذكره لبول ، أو مذي افتدى . انتهى بواسطة نقل المواق . ولا يجوز للمحرم عندهم : أن يجعل القطن في أذنيه ، فإن فعل افتدى ; لأن كشف الأذن واجب في الإحرام ، فلا يجوز تغطيتها بالقطن ، وكذلك لو
nindex.php?page=treesubj&link=3433_3771جعل على صدغه قرطاسا تلزمه الفدية عندهم ، سواء كان ذلك لعذر أو لغير عذر ، ولا يجوز عندهم عصب رأسه بعصابة ، فإن فعل افتدى .
ويكره عندهم
nindex.php?page=treesubj&link=3479لبس المصبوغ بغير طيب ، لمن يقتدي به خاصة دون غيره ، إذا كان لون الصبغ يشبه لون صبغ الطيب : ويكره عندهم : شد نفقته بعضده أو فخذه أو ساقه ، ولا فدية عليه في ذلك ، وإن شد عضده ، أو ساقه ، أو فخذه بما يحيط به لغير نفقة أو لنفقة غيره افتدى . وإن شد نفقته ، وجعل معها نفقة لغيره فلا بأس ، فإن فرغت نفقته ألقى المنطقة ونحوها مما كان يشده لحفظها ورد نفقة غيره إلى ربها فورا ، وإن ترك ردها إليه افتدى ، وإن ذهب صاحبها ، وهو عالم افتدى ، وإن لم يعلم فلا شيء عليه . انتهى من المواق . ويكره عند المالكية : كب المحرم وجهه على الوسادة ، وبعضهم يقول : بكراهة ذلك مطلقا للمحرم وغيره . وهو الأظهر ، ويكره عندهم
nindex.php?page=treesubj&link=3483غمس رأسه في الماء ، وإن فعل ذلك أطعم شيئا ، قاله
مالك في المدونة ونقلناه بواسطة نقل
المواق والحطاب .
وعن بعضهم : أن إطعام الشيء المذكور مستحب لا واجب ، وهذا في حق من له شعر يكون فيه القمل . أما من لا شعر له ، ولا يكون فيه القمل فلا يكره غمس رأسه في الماء ، ولا شيء عليه فيه ، قاله
اللخمي ، وصاحب الطراز . انتهى بواسطة نقل
الحطاب . وغسل الرأس لجنابة : لا خلاف فيه . أما غسله لغير جنابة بل للتبرد ونحوه : ففيه عندهم قولان : بالجواز ، والكراهة ، والجواز أظهر ، والله تعالى أعلم .
ومذهب
أبي حنيفة في هذه المسألة أنه إن لبس اللبس الحرام ، ويدخل فيه تغطية الرأس ، كما تقدم ، لا يلزمه بذلك دم ، إلا إذا لبسه يوما كاملا ; لأن اليوم الكامل مظنة الانتفاع باللبس ، من حر أو برد ، وعن
أبي يوسف : أنه إذا لبس أكثر من نصف يوم ، فعليه دم وهو قول
أبي حنيفة الأول ، وعن
محمد : أنه إن لبسه في بعض اليوم يجب عليه من الدم بحسابه ، ا هـ . هذا هو حاصل مذهب
أبي حنيفة وصاحبيه في هذه المسألة .
وقد قدمنا مرارا أن مثل ذلك إن كان فعله لعذر ففيه عندهم فدية الأذى ، وإن كان لغير عذر ، ففيه الدم ، والعلم عند الله تعالى .
والظاهر : أن اختلافهم في القدر الذي تلزم به الفدية في اللبس الحرام من نوع
[ ص: 57 ] الاختلاف في تحقيق المناط ، والله تعالى أعلم . ولو ارتدى بالقميص أو اتشح به ، أو اتزر بالسراويل ، فلا بأس ، ولا يلزمه شيء عند الحنفية ، كما قدمنا عن غيرهم ، وكذلك لو أدخل منكبيه في القباء ، ولم يدخل يديه في الكمين ، فلا شيء عليه عندهم خلافا
لزفر ، وقد بينا حكم ذلك عند غيرهم . وعن
أبي حنيفة : تغطية ربع الرأس كتغطية جميعه ، وعن
أبي يوسف : أنه يعتبر في ذلك الأكثر ودوام لبس المخيط عندهم بعد الإحرام كابتدائه ، وهو كذلك عند غيرهم أيضا .
واعلم أن
النووي قال في " شرح المهذب " : وله - يعني المحرم - أن يتقلد المصحف وحمائل السيف وأن يشد الهميان والمنطقة في وسطه ، ويلبس الخاتم ، ولا خلاف في جواز هذا كله ، وهذا الذي ذكرناه في المنطقة والهميان مذهبنا ، وبه قال العلماء كافة إلا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في أصح الروايتين عنه ، فكرههما وبه قال
نافع مولاه .
وقد علمت أنا ناقشناه في كلامه وبينا : أن
مالكا وأصحابه لا يجيزون شد المنطقة والهميان ، إلا تحت الإزار مباشرا جلده لخصوص النفقة ، وأن شد الهميان فوق الإزار فيه عندهم الفدية مطلقا ، وكذلك تحت الإزار لغير حفظ النفقة ، وأن الإمام
أحمد تلزم عنده الفدية في شد المنطقة لغير حفظ النفقة : أي ولو كان لوجع بظهره ، وسنتمم الكلام هنا . أما ما ذكره من أن لبس الخاتم لا خلاف في جوازه للمحرم ، ففيه نظر أيضا ; لأن بعض العلماء يقول بمنع لبس المحرم الخاتم والخلاف في جواز لبسه ومنعه معروف في مذهب
مالك .
قال الشيخ
الحطاب في كلامه على قول
خليل في مختصره : مشبها على ما لا يجوز لبسه للمحرم كخاتم ، ما نصه : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : وفي الخاتم قولان ، فحملهما في التوضيح على الجواز والمنع . وقال
اللخمي وابن رشد : المعروف من قول
مالك منعه ; لأنه أشبه بالإحاطة بالإصبع المحيط ، وفي مختصر ما ليس في المختصر : لا بأس به . إلى أن قال : فالذي يظهر أن القائل بالمنع يقول : بالفدية ، والقائل بالجواز يقول بسقوط الفدية . انتهى منه .
ثم قال : تنبيه : وهذا في حق الرجل ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=3482المرأة فيجوز لها لبس الخاتم ، ا هـ .
وبما ذكرنا تعلم أن قول
النووي : ولا خلاف في جواز هذا كله - فيه نظر ، وأما تقلد حمائل السيف فعند المالكية إن كان لعذر يلجئه إلى ذلك فهو جائز له ، ولا فدية فيه ، فإن تقلده لغير حاجة فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12927ابن المواز عن
مالك : ينزعه ولا فدية عليه انتهى بواسطة نقل
[ ص: 58 ] المواق في كلامه على قول
خليل في مختصره ، ولا فدية في سيف ، ولو بلا عذر ، ا هـ . وظاهر قوله : ينزعه ، أنه لا يجوز تقلد السيف اختيارا عنده كما ترى ، والعلم عند الله تعالى . وظاهر مذهب الإمام
أحمد : أنه لا يجوز للمحرم ، أن يتقلد السيف إلا لضرورة ، وقال
الخرقي : ويتقلد بالسيف عند الضرورة ، وقال في " المغني " في شرحه لكلام
الخرقي : فأما من غير خوف ، فإن
أحمد قال : لا إلا من ضرورة . انتهى محل الغرض منه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه في كتاب " الحج " : باب
nindex.php?page=treesubj&link=3470_3771لبس السلاح للمحرم ، وقال
عكرمة : إذا خشي العدو لبس السلاح وافتدى ، ولم يتابع عليه في الفدية .
حدثنا
عبيد الله ، عن
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
البراء - رضي الله عنه - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008831اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة ، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة ، حتى قاضاهم لا يدخل مكة سلاحا إلا في القراب " انتهى منه .
وقوله : ولم يتابع عليه في الفدية ، يدل على أنه توبع في لبس السلاح للضرورة ; لأن معنى قاضاهم لا يدخل
مكة سلاحا إلا في القراب ، أنه صالح كفار
مكة صلح
الحديبية ، أنه إن دخل معتمرا عام سبع في ذي القعدة ، لا يدخل
مكة السيوف إلا في أغمادها ، والقراب غمد السيف ، فدل ذلك على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=3470دخول المحرم متقلدا سيفه للخوف من العدو .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه في باب عمرة القضاء : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، عن
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق عن
البراء - رضي الله عنه - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008832لما اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة ، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة ، حتى قضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام " الحديث بطوله ، وفيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008833فكتب : هذا ما قاضى محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب " الحديث . وفي لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري في كتاب الصلح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008834لا يدخل مكة سلاح إلا في القراب " وفي لفظ له في كتاب الصلح أيضا : " ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح " فسألوه : ما جلبان السلاح ؟ فقال : " القراب بما فيه " والجلبان بضم الجيم واللام وتشديد الباء الموحدة بعدها ألف ثم نون : هو قراب السيف ويطلق على أوعية السلاح ، ويروى بتسكين اللام ، وتخفيف الباء ، وهو شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغمودا .
وقال صاحب " اللسان " : والقراب غمد السيف والسكين ونحوهما وجمعه قرب أي : بضمتين ، وفي صحاح
الجوهري : قراب السيف : جفنه وهو وعاء يكون فيه السيف بغمده ، وحمالته ، ا هـ والقراب ككتاب ، ومن جمعه على قرب بضمتين قوله :
[ ص: 59 ] يا ربة البيت قومي غير صاغرة ضمي إليك رحال القوم والقربا
يعني : ضمي إليك رحالهم وسلاحهم ، في أوعيته .
وبهذه الأحاديث : استدل بعض أهل العلم على أن الصحابة دخلوا
مكة محرمين عام سبع وهم متقلدو سيوفهم في أغمادها ، وأن ذلك لعلة خوفهم من المشركين ; لأن الكفار لا يوثق بعهودهم .
وقد علمت أن بعض أهل العلم قال : إن ذلك لا يجوز إلا لضرورة ، والله تعالى أعلم .
وللمخالف أن يقول : إن الأحاديث المذكورة ليس فيها التصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه تقلدوها . ويمكن أن يكونوا حملوا السلاح معهم في رحالهم في أوعيته من غير أن يتقلدوه ، وعلى هذا الاحتمال ، فلا حجة في الأحاديث على تقلد المحرم حمائل السيف ، والعلم عند الله تعالى .
الْفَرْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ : قَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِسَبَبِ إِحْرَامِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=3434مَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ لُبْسِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلْبُوسِ ، وَسَنَذْكُرُ فِي هَذَا الْفَرْعِ مَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ .
فَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُهُ : إِلَى أَنَّهُ إِنْ لَبِسَ شَيْئًا مِمَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ مُخْتَارًا عَامِدًا ، أَثِمَ بِذَلِكَ ، وَلَزِمَتْهُ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِزَالَتِهِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ، سَوَاءٌ قَصُرَ زَمَانُ اللُّبْسِ أَوْ طَالَ ، لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَلَا دَلِيلَ عِنْدَهُمْ لِلُزُومِ الْفِدْيَةِ فِي ذَلِكَ ، إِلَّا الْقِيَاسُ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ ، وَاللُّبْسُ الْحَرَامُ الْمُوجِبُ لِلْفِدْيَةِ عِنْدَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُعْتَادُ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ ، فَلَوِ
nindex.php?page=treesubj&link=3434الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أَوْ قَبَاءٍ ، أَوِ ارْتَدَى بِهِمَا ، أَوِ ائْتَزَرَ سَرَاوِيلَ : فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لُبْسًا لَهُ فِي الْعَادَةِ ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ كَمَنْ لَفَّقَ إِزَارًا مِنْ خِرَقٍ وَطَبَقَتِهَا وَخَاطَهَا : فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ ، وَكَذَا لَوِ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أَوْ بِعَبَاءَةٍ أَوْ إِزَارٍ وَنَحْوِهَا وَلَفَّهَا عَلَيْهِ طَاقًا أَوْ طَاقَيْنِ ، أَوْ أَكْثَرَ فَلَا فِدْيَةَ ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ فِي النَّوْمِ أَوِ الْيَقَظَةِ ،
[ ص: 50 ] قَالَهُ
النَّوَوِيُّ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْمُصْحَفَ وَحَمَائِلَ السَّيْفِ ، وَأَنْ يَشُدَّ الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ فِي وَسَطِهِ ، وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ هَذَا كُلِّهِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ مَذْهَبُنَا ، وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً ، إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَكَرِهَهُمَا ، وَبِهِ قَالَ
نَافِعٌ مَوْلَاهُ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : مَا ذَكَرَهُ
النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ كَوْنِ جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=32991شَدِّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ ، هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً ، إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ - فِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ مَذْهَبَ
مَالِكٍ ، وَأَصْحَابِهِ : مَنْعُ شَدِّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ ، فَوْقَ الْإِزَارِ مُطْلَقًا ، وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَهُمْ . أَمَّا شَدُّ الْمِنْطَقَةِ مُبَاشِرَةً لِلْجِلْدِ تَحْتَ الْإِزَارِ ، فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ حِفْظَ نَفَقَتِهِ ، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا تَحْتَ الْإِزَارِ ، لِضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفَقَةِ خَاصَّةً ، وَإِلَّا فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ ، وَشَدُّ الْمِنْطَقَةِ لِغَيْرِ النَّفَقَةِ تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ أَيْضًا ، عِنْدَ
أَحْمَدَ . وَالْهِمْيَانُ قَرِيبٌ مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الْيَوْمَ : بِالْكَمَرِ .
قَالَ الشَّيْخُ
الْحَطَّابُ فِي كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِ
خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ : وَشَدُّ مِنْطَقَةٍ لِنَفَقَتِهِ عَلَى جِلْدِهِ . قَالَ
ابْنُ فَرْحُونَ فِي " شَرْحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنِ الْحَاجِبِ " : الْمِنْطَقَةُ : الْهِمْيَانُ ، وَهُوَ مِثْلُ الْكِيسِ تُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ ، ا هـ .
وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
عَائِشَةَ : أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشَدِّ الْمِنْطَقَةِ لِحِفْظِ النَّفَقَةِ ، وَمَا فِي " الْمُغْنِي " مَنْ رَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ نَظَرٌ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالْمَرْفُوعُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيِّ وَفِي إِسْنَادِهِ
يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ . قَالَهُ فِي : " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " ، وَقَالَ فِي : " التَّقْرِيبِ " فِي
يُوسُفَ الْمَذْكُورِ : تَرَكُوهُ ، وَكَذَّبُوهُ .
وَإِذَا عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3434_3787اللُّبْسَ الْحَرَامَ عَلَى الْمُحْرِمِ ، تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ اللَّحْظَةِ وَالزَّمَنِ الطَّوِيلِ ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُمْ ، وَبِهِ جَزَمَ الْأَكْثَرُونَ : أَنَّ اللَّازِمَ فِي ذَلِكَ هُوَ فِدْيَةُ الْأَذَى الْمَذْكُورَةُ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ . وَدَلِيلُهُمُ الْقِيَاسُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَهُمْ طَرِيقَانِ غَيْرَ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ إِحْدَاهُمَا ، وَذَكَرَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12094أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ ، وَآخَرُونَ مِنَ
الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ كَالْمُتَمَتِّعِ ، فَيَلْزَمُهُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ قَوَّمَهُ دَرَاهِمَ ، وَقَوَّمَ الدَّرَاهِمَ طَعَامًا ، ثُمَّ
[ ص: 51 ] يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا .
الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ : هِيَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُمْ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ كَالْحَلْقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّرَفُّهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَاةٍ ، وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا ، وَيُخْرِجُ قِيمَتَهَا طَعَامًا ، وَيَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا .
الثَّالِثُ : تَجِبُ شَاةٌ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا ، لَزِمَهُ الطَّعَامُ بِقِيمَتِهَا .
وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ كَالْمُتَمَتِّعِ . انْتَهَى مِنَ
النَّوَوِيِّ .
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّ اللُّبْسَ الْحَرَامَ تَلْزَمُ فِيهِ فِدْيَةُ الْأَذَى ، وَهَذَا حَاصِلُ مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَمَذْهَبُ
أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3787_3434_3812الْفِدْيَةَ تَجِبُ بِقَلِيلِ اللُّبْسِ وَكَثِيرِهِ كَمَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَيَجُوزُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِهِ : لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ سَتْرُ وَجْهِهِ ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْبَيَاضِ الَّذِي وَرَاءَ الْآذَانِ .
قَالَ
النَّوَوِيُّ : وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : يَعْنِي جَوَازَ
nindex.php?page=treesubj&link=25619سَتْرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ : لَا يَجُوزُ كَرَأْسِهِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ أَرْجَحُ عِنْدِي كَمَا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ فِي
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008826الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ ، فَمَاتَ : " لَا وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ " وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا .
فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَ الرَّجُلِ مَانِعٌ مِنْ سَتْرِ وَجْهِهِ ، وَمَا أَوَّلَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ ، لَيْسَ بِمُقْنِعٍ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَجِلَّاءِ الَّذِينَ خَالَفُوا ظَاهِرَهُ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ ، وَالْآثَارُ الَّتِي رَوَوْهَا عَنْ
عُثْمَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17065وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، لَا يُعَارَضُ بِهَا الْمَرْفُوعُ الصَّحِيحُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالظَّاهِرُ لَنَا : أَنَّ مَا يُرْوَى عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=37وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : مِنْ جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=3469لُبْسِ الْمُحْرِمَةِ الْقُفَّازَيْنِ - خِلَافُ الصَّوَابِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ ، وَفِيهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008827وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ " الْحَدِيثَ . وَلَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ صَحِيحٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ يُخَالِفُهُ ، وَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ، مِنَ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْخُلْخَالَ وَالسُّوَارَ خِلَافُ الصَّوَابِ ، وَالظَّاهِرُ : جَوَازُ ذَلِكَ : وَلَا دَلِيلَ يَمْنَعُ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 52 ] أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=3469_3812_3787لُبْسُ الرَّجُلِ الْقُفَّازَيْنِ ، فَلَمْ يُخَالِفْ فِي مَنْعِهِ أَحَدٌ ، وَعِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ : إِذَا طَلَى الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِطِينٍ ، أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ مَرْهَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ فَلَا فِدْيَةَ ، وَإِنْ كَانَ ثَخِينًا سَاتِرًا فَوَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا : وُجُوبُ الْفِدْيَةِ .
وَالثَّانِي : لَا تَجِبُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا وَلَوْ تَوَسَّدَ وِسَادَةً ، أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ، أَوِ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ أَوِ اسْتَظَلَّ بِمَحْمَلٍ ، أَوْ هَوْدَجٍ ، فَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : جَائِزٌ ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ ، سَوَاءٌ مَسَّ الْمَحْمَلُ رَأْسَهُ أَمْ لَا ، وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ : أَنَّهُ إِنْ مَسَّ الْمَحْمَلُ رَأَسَهُ ، وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ .
وَضَابِطُ مَا تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَهُمْ هُوَ : أَنْ يَسْتُرَ مِنْ رَأْسِهِ قَدْرًا يُقْصَدُ سَتْرُهُ ، لِغَرَضٍ كَشَدِّ عِصَابَةٍ وَإِلْصَاقِ لُصُوقٍ لِشَجَّةٍ وَنَحْوِهَا ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ : أَنَّهُ إِنْ شَدَّ خَيْطًا عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَضُرَّهُ ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ جُرِحَ الْمَحْرِمُ فَشَدَّ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ، فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ فَلَا فِدْيَةَ ، وَإِنْ كَانَ فِي الرَّأْسِ ، لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ إِحْرَامَ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا سَتْرُهُ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا ، وَلَهَا سَتْرُ وَجْهِهَا عَنِ الرِّجَالِ ، وَالْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ : أَنْ تُسْدِلَ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا مُتَجَافِيًا عَنْهُ لَا لَاصِقًا بِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : أَنْ يَعْقِدَ الْإِزَارَ وَيَشُدَّ عَلَيْهِ خَيْطَانِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِثْلَ الْحُجْزَةِ ، وَيُدْخِلَ فِيهَا التِّكَّةَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْإِزَارِ ، لَا يَسْتَمْسِكُ إِلَّا بِنَحْوِ ذَلِكَ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ لَهُ جَعْلُ حُجْزَةٍ فِي الْإِزَارِ ، وَإِدْخَالُ التِّكَّةِ فِيهَا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ كَالسَّرَاوِيلِ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمُ الْأَوَّلُ ، وَالْأَخِيرُ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِمَنْعِ عَقْدِ الْإِزَارِ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ . أَمَّا عَقْدُ الرِّدَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُمْ ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلُّهُ بِخِلَالٍ ، وَرَبْطُ طَرَفِهِ إِلَى طَرَفِهِ الْآخَرِ بِخَيْطٍ ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ ، وَفِيهِ الْفِدْيَةُ ، وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ . وَوَجْهُ تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ أَنَّ الْإِزَارَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَقْدِ ، بِخِلَافِ الرِّدَاءِ ، وَلَوْ حَمَلَ الْمُحْرِمُ عَلَى رَأْسِهِ زِنْبِيلًا ، أَوْ حِمْلًا ، فَفِي ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ السَّتْرَ كَمَا لَا يُمْنَعُ الْمُحْدِثُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ فِي مَتَاعٍ ، ا هـ .
وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ فِي جَوَازِ عَقْدِ الْإِزَارِ ، وَمَنْعِ عَقْدِ الرِّدَاءِ كَمَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَيَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ أَنْ يَشُدَّ فِي وَسَطِهِ مِنْدِيلًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ حَبْلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ ، إِذَا لَمْ يَعْقِدْهُ فَإِنْ عَقَدَهُ مُنِعَ ذَلِكَ عِنْدَهُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا أَدْخَلَ بَعْضَ ذَلِكَ الَّذِي شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ فِي بَعْضِهِ .
[ ص: 53 ] قَالَ فِي " الْمُغْنِي " : قَالَ
أَحْمَدُ فِي مُحْرِمٍ حَزَمَ عِمَامَةً عَلَى وَسَطِهِ لَا تَعْقِدْهَا ، وَيُدْخِلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ : رَأَيْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَدْ شَدَّهَا عَلَى وَسَطِهِ ، فَأَدْخَلَهَا هَكَذَا . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لِضَرُورَةِ الْعَمَلِ خَاصَّةً ، ثُمَّ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشُقَّ أَسْفَلَ رِدَائِهِ نِصْفَيْنِ ، وَيَعْقِدَ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ ; لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّرَاوِيلَ ، انْتَهَى مِنَ " الْمُغْنِي " . وَفِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا : الْمَنْعُ ، وَلُزُومُ الْفِدْيَةِ ; لِأَنَّهُ كَالسَّرَاوِيلِ ، كَمَا قَالَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي :
لَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، ا هـ .
وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3468_3787لُبْسَ الْخُفِّ الْمَقْطُوعِ ، مَعَ وُجُودِ النَّعْلِ تَلْزَمُ بِهِ الْفِدْيَةُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمَذْهَبُ
مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : هُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إِنْ لَبِسَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ لَزِمَتْهُ فِدْيَةُ الْأَذَى ، وَيَسْتَوِي عِنْدَهُمُ : الْخِيَاطَةُ وَالْعَقْدُ وَالتَّزَرُّرُ وَالتَّخَلُّلُ وَالنَّسْخُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَخِيطِ ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ اللُّبْسِ ، مِنْ حَرٍّ ، أَوْ بَرْدٍ ، أَوْ يَطُولَ زَمَنُهُ كَيَوْمٍ كَامِلٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ انْتِفَاعِهِ بِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ . أَمَّا إِذَا لَبِسَ الْمُحْرِمُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِلُبْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ ، وَلَمْ يَدُمْ لُبْسُهُ لَهُ يَوْمًا كَامِلًا ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ
مَالِكٍ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32991لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُدَّ فِي وَسَطِهِ الْحِزَامَ ; لِأَجْلِ الْعَمَلِ خَاصَّةً ، وَلَا يَعْقِدُهُ ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَثْفِرَ عِنْدَ الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ . وَعَنْهُ فِي الِاسْتِثْفَارِ لِلرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ قَوْلٌ بِالْكَرَاهَةِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=3434وَالِاسْتِثْفَارُ : شَدُّ الْفَرْجِ بِخِرْقَةٍ عَرِيضَةٍ وَيَوْثَقُ طَرَفَاهَا إِلَى شَيْءٍ مَشْدُودٍ عَلَى الْوَسَطِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَفَرِ الدَّابَّةِ ، الَّذِي يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِهَا ، أَوْ مِنْ ثَفَرِ الدَّابَّةِ بِمَعْنَى : فَرْجِهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ
الْأَخْطَلِ :
جَزَى اللَّهُ عَنَّا الْأَعْوَرَيْنِ مَلَامَةَ وَفَرْوَةَ ثَفَرَ الثَّوْرَةِ الْمُتَضَاجِمِ
فَقَوْلُهُ : ثَفَرَ الثَّوْرَةِ يَعْنِي : فَرْجِ الْبَقَرَةِ ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فَرْوَةِ ، وَالْمُتَضَاجِمُ الْمَائِلُ وَهُوَ مَخْفُوضٌ بِالْمُجَاوَرَةِ ; لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلثَّفَرِ ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ . وَفَرْوَةُ : اسْمُ رَجُلٍ جَعَلَهُ فِي الْخُبْثِ ، وَالْحَقَارَةِ كَأَنَّهُ فَرْجُ بَقَرَةٍ مَائِلٍ .
وَسَتْرُ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، كَسَتْرِ رَأْسِهِ : تَلْزَمُ فِيهِ الْفِدْيَةُ ، إِنْ سَتَرَ ذَلِكَ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَالْمَخِيطِ ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ سَتَرَهُ بِطِينٍ أَوْ جِلْدِ حَيَوَانٍ يُسْلَخُ ، فَيُلْبَسُ ، وَلَا يَمْنَعُ عِنْدَهُمْ لُبْسُ الْمَخِيطِ ، إِذَا اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ غَيْرِ الْمَخِيطِ ، كَأَنْ يَجْعَلَ الْقَمِيصَ إِزَارًا أَوْ رِدَاءً ; لِأَنَّهُ إِذَا ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ مَثَلًا ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ
[ ص: 54 ] حَتَّى يُحِيطَ بِهِ ; لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ اسْتِعْمَالَ الرِّدَاءِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=3487وَلَا بَأْسَ عِنْدَهُمْ بِاتِّقَاءِ الشَّمْسِ أَوِ الرِّيحِ بِالْيَدِ يَجْعَلُهَا عَلَى رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ . وَلَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ مِنْ غُبَارٍ ، أَوْ جِيفَةٍ مَرَّ بِهَا . وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَهُمْ ، إِنْ مَرَّ عَلَى طِيبٍ وَتَلْزَمُ عِنْدَهُمُ الْفِدْيَةُ بِلُبْسِ الْقَبَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي كُمِّهِ ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إِذَا أَدْخَلَ فِيهِ مَنْكِبَيْهِ ، وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ . وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُظَلِّلَ الْمُحْرِمُ عَلَى رَأْسِهِ ، أَوْ وَجْهِهِ بِعَصًا فِيهَا ثَوْبٌ فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى ، وَفِيهِ قَوْلٌ عِنْدَهُمْ : بَعْدَ لُزُومِ الْفِدْيَةِ ، وَهُوَ الْحَقُّ . وَالْحَدِيثُ الَّذِي قَدَّمْنَا فِي التَّظْلِيلِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَوْبٍ يَقِيهِ الْحَرَّ ، وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ : يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَعَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ ، فَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ ، وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَرْفَعَ فَوْقَ رَأْسِهِ شَيْئًا يَقِيهِ مِنَ الْمَطَرِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِهِ فَوْقَهُ شَيْئًا يَقِيهِ مِنَ الْبَرْدِ . وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . لِدُخُولِهِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَذَى مِنَ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ وَالْمَطَرِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : إِنَّ الْفِدْيَةَ الْمَذْكُورَةَ مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ . وَمَا يَذْكُرُهُ الْمَالِكِيَّةُ ، مِنْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ ، يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ أَوْ يُمْنَعُ وَأَنَّ ذَلِكَ تَلْزَمُ فِيهِ الْفِدْيَةُ - خِلَافُ التَّحْقِيقِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ، الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008828وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ . وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا ، فَلَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ مِنْ غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا فِدْيَةٍ ، إِذْ لَوْ كَانَتِ الْفِدْيَةُ تَلْزَمُهُ لِبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ الْبَيَانَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الِاسْتِظْلَالِ بِالْخِبَاءِ ، وَالْقُبَّةِ الْمَضْرُوبَةِ وَالْفُسْطَاطِ وَالشَّجَرَةِ ، وَأَنْ يَرْمِيَ عَلَيْهَا ثَوْبًا . وَعَنْ
مَالِكٍ مَنْعُ إِلْقَاءِ الثَّوْبِ عَلَى الشَّجَرَةِ ، وَأَجَازَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12873عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ قِيَاسًا عَلَى الْخَيْمَةِ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ .
وَاعْلَمْ : أَنَّ الِاسْتِظْلَالَ بِالثَّوْبِ عَلَى الْعَصَا عِنْدَهُمْ إِذَا فَعَلَهُ وَهُوَ سَائِرٌ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ ، وَلُزُومِ الْفِدْيَةِ فِيهِ ، وَإِنْ فَعَلَهُ وَهُوَ نَازِلٌ فَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ أَشَرْنَا لَهُ قَرِيبًا . وَالْحَقُّ : الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28328_28750مَا ثَبَتَتْ فِيهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى رَأْيِ مُجْتَهِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَلَوْ بَلَغَ مَا بَلَغَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ ; لِأَنَّ سُنَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، وَلَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً عَلَى سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صَحَّ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَالُوا : إِذَا وَجَدْتُمْ قَوْلِي يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً ، فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ ، وَاتَّبِعُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ . وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ : وَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16023سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثْنَا
الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ ، حَدَّثَنَا
مَعْقِلٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15941زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008829عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَ : سَمِعْتُهَا تَقُولُ : حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [ ص: 55 ] حَجَّةَ الْوَدَاعِ ، فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، وَمَعَهُ بِلَالٌ ، وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الشَّمْسِ . الْحَدِيثَ . وَفِي لَفْظٍ
لِمُسْلِمٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008830عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ : فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخُطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ ، يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ . انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ صَحِيحِ
مُسْلِمٍ ، وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=3487اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ الرَّاكِبِ بِثَوْبٍ مَرْفُوعٍ فَوْقَهُ يَقِيهِ حَرَّ الشَّمْسِ . وَالنَّازِلُ أَحْرَى بِهَذَا الْحُكْمِ ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الرَّاكِبِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَرْفُوعُ لَا يُعَارَضُ بِمَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِ
عُمَرَ وَقَوْلِ ابْنِهِ
عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا ، وَلَا بِحَدِيثِ
جَابِرٍ الضَّعِيفِ فِي مَنْعِ اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَيَجُوزُ عِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=3482حَمْلُ الْمُحْرِمِ زَادَهُ عَلَى رَأْسِهِ فِي خَرَجٍ أَوْ جِرَابٍ إِنْ كَانَ فَقِيرًا تَدْعُوهُ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ ، أَمَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبُخْلِهِ بِأُجْرَةِ الْحَمْلِ ، وَهُوَ غَنِيٌّ ، أَوْ لِأَجْلِ تِجَارَةٍ بِالْمَحْمُولِ ، فَلَا يَجُوزُ ، وَتَلْزَمُ بِهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَهُمْ ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ إِبْدَالُ ثَوْبِهِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ بِثَوْبٍ آخَرَ ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ بَيْعُهُ ، وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ الِاسْتِرَاحَةَ مِنَ الْهَوَامِّ الَّتِي فِيهِ ، إِلَّا أَنْ يَنْقُلَ الْهَوَامَّ مِنْ جَسَدِهِ ، أَوْ ثَوْبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي يُرِيدُ طَرْحَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَطَرْحِهِ لَهَا . قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ ، وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ غَسْلُ ثَوْبِهِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ ، إِلَّا لِنَجَاسَةٍ فِيهِ ، فَيَجُوزُ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ فَقَطْ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجُوزُ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَيْضًا ، لِأَجْلِ الْوَسَخِ ، فَلَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِالنَّجَاسَةِ ; لِأَنَّ الْوَسَخَ مُبِيحٌ لِغَسْلِهِ بِالْمَاءِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَوْفَ أَنْ يَقْتُلَ بِغَسْلِهِ إِيَّاهُ بَعْضَ الدَّوَابِّ الَّتِي فِي الثَّوْبِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى . وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الثَّوْبَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ ، فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ ، فَلَا بَأْسَ بِغَسْلِهِ ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِنَجَاسَةٍ أَوْ وَسَخٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ : أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32993يَعْصِبَ الْمُحْرِمُ عَلَى جُرْحِهِ خِرَقًا ، وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِذَلِكَ . وَقَالَ
التُّونُسِيُّ : وَفِي الْمُدَوَّنَةِ : صَغِيرُ خِرَقِ التَّعْصِيبِ وَالرَّبْطِ كَكَبِيرِهَا ، وَرَوَى
مُحَمَّدٌ : رُقْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ كَبِيرَةٌ فِيهَا الْفِدْيَةُ . وَظَاهِرُ قَوْلِ
خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَالِكِيِّ : أَوْ لَصَقَ خِرْقَةً كَدِرْهَمٍ - أَنَّ الْخِرْقَةَ الَّتِي هِيَ أَصْغَرُ مِنَ الدِّرْهَمِ لَا شَيْءَ فِيهَا . وَقَالَ شَارِحُهُ
الْحَطَّابُ : انْظُرْ إِذَا كَانَ بِهِ جُرُوحٌ مُتَعَدِّدَةٌ ، وَأَلْصَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا خِرْقَةً ، دُونَ الدِّرْهَمِ ، وَالْمَجْمُوعُ كَدِرْهَمٍ ، أَوْ أَكْثَرَ . وَظَاهِرُ مَا فِي التَّوْضِيحِ ،
وَابْنُ الْحَاجِبِ : أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ . انْتَهَى . وَسَمِعَ
ابْنُ [ ص: 56 ] الْقَاسِمِ : لَا بَأْسَ ، وَلَا فِدْيَةَ فِي جَعْلِ فَرْجِهِ فِي خِرْقَةٍ عِنْدَ النَّوْمِ ، فَإِنْ لَفَّهَا عَلَى ذَكَرِهِ لِبَوْلٍ ، أَوْ مَذْيٍ افْتَدَى . انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ الْمَوَّاقِ . وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَهُمْ : أَنْ يَجْعَلَ الْقُطْنَ فِي أُذُنَيْهِ ، فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى ; لِأَنَّ كَشْفَ الْأُذُنِ وَاجِبٌ فِي الْإِحْرَامِ ، فَلَا يَجُوزُ تَغْطِيَتُهَا بِالْقُطْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=3433_3771جَعَلَ عَلَى صُدْغِهِ قِرْطَاسًا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ عِنْدَهُمْ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لَعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ عَصْبُ رَأْسِهِ بِعِصَابَةٍ ، فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى .
وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=3479لُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِغَيْرِ طِيبٍ ، لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ ، إِذَا كَانَ لَوْنُ الصَّبْغِ يُشْبِهُ لَوْنَ صَبْغِ الطِّيبِ : وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ : شَدُّ نَفَقَتِهِ بِعَضُدِهِ أَوْ فَخِذِهِ أَوْ سَاقِهِ ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ شَدَّ عَضُدَهُ ، أَوْ سَاقَهُ ، أَوْ فَخِذَهُ بِمَا يُحِيطُ بِهِ لِغَيْرِ نَفَقَةٍ أَوْ لِنَفَقَةِ غَيْرِهِ افْتَدَى . وَإِنْ شَدَّ نَفَقَتَهُ ، وَجَعَلَ مَعَهَا نَفَقَةً لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ ، فَإِنْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ أَلْقَى الْمِنْطَقَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا كَانَ يَشُدُّهُ لِحِفْظِهَا وَرَدَّ نَفَقَةَ غَيْرِهِ إِلَى رَبِّهَا فَوْرًا ، وَإِنْ تَرَكَ رَدَّهَا إِلَيْهِ افْتَدَى ، وَإِنْ ذَهَبَ صَاحِبُهَا ، وَهُوَ عَالِمٌ افْتَدَى ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ . انْتَهَى مِنَ الْمَوَّاقِ . وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ : كَبُّ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ عَلَى الْوِسَادَةِ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ . وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=3483غَمْسُ رَأْسِهِ فِي الْمَاءِ ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَطْعَمَ شَيْئًا ، قَالَهُ
مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلْنَاهُ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ
الْمَوَّاقِ وَالْحَطَّابِ .
وَعَنْ بَعْضِهِمْ : أَنَّ إِطْعَامَ الشَّيْءِ الْمَذْكُورِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَهُ شَعَرٌ يَكُونُ فِيهِ الْقَمْلُ . أَمَّا مَنْ لَا شَعَرَ لَهُ ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ الْقَمْلُ فَلَا يُكْرَهُ غَمْسُ رَأْسِهِ فِي الْمَاءِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ ، قَالَهُ
اللَّخْمِيُّ ، وَصَاحِبُ الطِّرَازِ . انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ
الْحَطَّابِ . وَغَسْلُ الرَّأْسِ لِجَنَابَةٍ : لَا خِلَافَ فِيهِ . أَمَّا غَسْلُهُ لِغَيْرِ جَنَابَةٍ بَلْ لِلتَّبَرُّدِ وَنَحْوِهِ : فَفِيهِ عِنْدَهُمْ قَوْلَانِ : بِالْجَوَازِ ، وَالْكَرَاهَةِ ، وَالْجَوَازُ أَظْهَرُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَمَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إِنْ لَبِسَ اللُّبْسَ الْحَرَامَ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ دَمٌ ، إِلَّا إِذَا لَبِسَهُ يَوْمًا كَامِلًا ; لِأَنَّ الْيَوْمَ الْكَامِلَ مَظِنَّةُ الِانْتِفَاعِ بِاللُّبْسِ ، مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ ، وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ : أَنَّهُ إِذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ ، فَعَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ ، وَعَنْ
مُحَمَّدٍ : أَنَّهُ إِنْ لَبِسَهُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الدَّمِ بِحِسَابِهِ ، ا هـ . هَذَا هُوَ حَاصِلُ مَذْهَبِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إِنْ كَانَ فَعَلَهُ لِعُذْرٍ فَفِيهِ عِنْدَهُمْ فِدْيَةُ الْأَذَى ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ ، فَفِيهِ الدَّمُ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالظَّاهِرُ : أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَلْزَمُ بِهِ الْفِدْيَةُ فِي اللُّبْسِ الْحَرَامِ مِنْ نَوْعِ
[ ص: 57 ] الِاخْتِلَافِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . وَلَوِ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوِ اتَّشَحَ بِهِ ، أَوِ اتَّزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ ، فَلَا بَأْسَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ غَيْرِهِمْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ خِلَافًا
لِزُفَرَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ . وَعَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ : تَغْطِيَةُ رُبْعِ الرَّأْسِ كَتَغْطِيَةِ جَمِيعِهِ ، وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ : أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْأَكْثَرُ وَدَوَامُ لُبْسِ الْمَخِيطِ عِنْدَهُمْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ أَيْضًا .
وَاعْلَمْ أَنَّ
النَّوَوِيَّ قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " : وَلَهُ - يَعْنِي الْمُحْرِمَ - أَنْ يَتَقَلَّدَ الْمُصْحَفَ وَحَمَائِلَ السَّيْفِ وَأَنَّ يَشُدَّ الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ فِي وَسَطِهِ ، وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ هَذَا كُلِّهِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ مَذْهَبُنَا ، وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، فَكَرِهَهُمَا وَبِهِ قَالَ
نَافِعٌ مَوْلَاهُ .
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا نَاقَشْنَاهُ فِي كَلَامِهِ وَبَيَّنَّا : أَنَّ
مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ لَا يُجِيزُونَ شَدَّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ ، إِلَّا تَحْتَ الْإِزَارِ مُبَاشِرًا جِلْدَهُ لِخُصُوصِ النَّفَقَةِ ، وَأَنَّ شَدَّ الْهِمْيَانِ فَوْقَ الْإِزَارِ فِيهِ عِنْدَهُمُ الْفِدْيَةُ مُطْلَقًا ، وَكَذَلِكَ تَحْتَ الْإِزَارِ لِغَيْرِ حِفْظِ النَّفَقَةِ ، وَأَنَّ الْإِمَامَ
أَحْمَدَ تَلْزَمُ عِنْدَهُ الْفِدْيَةُ فِي شَدِّ الْمِنْطَقَةِ لِغَيْرِ حِفْظِ النَّفَقَةِ : أَيْ وَلَوْ كَانَ لِوَجَعٍ بِظَهْرِهِ ، وَسَنُتَمِّمُ الْكَلَامَ هُنَا . أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ لُبْسَ الْخَاتَمِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِلْمُحْرِمِ ، فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِمَنْعِ لُبْسِ الْمُحْرِمِ الْخَاتَمَ وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ لُبْسِهِ وَمَنْعِهِ مَعْرُوفٌ فِي مَذْهَبِ
مَالِكٍ .
قَالَ الشَّيْخُ
الْحَطَّابُ فِي كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِ
خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ : مُشَبَّهًا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحْرِمِ كَخَاتَمٍ ، مَا نَصُّهُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ : وَفِي الْخَاتَمِ قَوْلَانِ ، فَحَمَلَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ عَلَى الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ . وَقَالَ
اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ : الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ
مَالِكٍ مَنْعُهُ ; لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْإِحَاطَةِ بِالْإِصْبَعِ الْمُحِيطِ ، وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ : لَا بَأْسَ بِهِ . إِلَى أَنْ قَالَ : فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ يَقُولُ : بِالْفِدْيَةِ ، وَالْقَائِلَ بِالْجَوَازِ يَقُولُ بِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ . انْتَهَى مِنْهُ .
ثُمَّ قَالَ : تَنْبِيهٌ : وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=3482الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْخَاتَمِ ، ا هـ .
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ
النَّوَوِيِّ : وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ هَذَا كُلِّهِ - فِيهِ نَظَرٌ ، وَأَمَّا تَقَلُّدُ حَمَائِلِ السَّيْفِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ لِعُذْرٍ يُلْجِئُهُ إِلَى ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لَهُ ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ ، فَإِنْ تَقَلَّدَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12927ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ
مَالِكٍ : يَنْزِعُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ
[ ص: 58 ] الْمَوَّاقِ فِي كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِ
خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَلَا فِدْيَةَ فِي سَيْفٍ ، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ ، ا هـ . وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : يَنْزِعُهُ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقَلُّدُ السَّيْفِ اخْتِيَارًا عِنْدَهُ كَمَا تَرَى ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ ، أَنْ يَتَقَلَّدَ السَّيْفَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَقَالَ
الْخِرَقِيُّ : وَيَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي " فِي شَرْحِهِ لِكَلَامِ
الْخِرَقِيِّ : فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ ، فَإِنَّ
أَحْمَدَ قَالَ : لَا إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ . انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ " الْحَجِّ " : بَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=3470_3771لُبْسِ السِّلَاحِ لِلْمُحْرِمِ ، وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : إِذَا خَشِيَ الْعَدُوَّ لَبِسَ السِّلَاحَ وَافْتَدَى ، وَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ فِي الْفِدْيَةِ .
حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ
الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008831اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذِي الْقِعْدَةِ ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ ، حَتَّى قَاضَاهُمْ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلَاحًا إِلَّا فِي الْقِرَابِ " انْتَهَى مِنْهُ .
وَقَوْلُهُ : وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ فِي الْفِدْيَةِ ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تُوبِعَ فِي لُبْسِ السِّلَاحِ لِلضَّرُورَةِ ; لِأَنَّ مَعْنَى قَاضَاهُمْ لَا يَدْخُلُ
مَكَّةَ سِلَاحًا إِلَّا فِي الْقِرَابِ ، أَنَّهُ صَالَحَ كُفَّارَ
مَكَّةَ صُلْحَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، أَنَّهُ إِنْ دَخَلَ مُعْتَمِرًا عَامَ سَبْعٍ فِي ذِي الْقِعْدَةِ ، لَا يُدْخِلُ
مَكَّةَ السُّيُوفَ إِلَّا فِي أَغْمَادِهَا ، وَالْقِرَابُ غِمْدُ السَّيْفِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=3470دُخُولِ الْمُحْرِمِ مُتَقَلِّدًا سَيْفَهُ لِلْخَوْفِ مِنَ الْعَدُوِّ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16527عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ
الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008832لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذِي الْقِعْدَةِ ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ ، حَتَّى قَضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ، وَفِيهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008833فَكَتَبَ : هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ السِّلَاحُ إِلَّا السَّيْفُ فِي الْقِرَابِ " الْحَدِيثَ . وَفِي لَفْظٍ
nindex.php?page=showalam&ids=12070لِلْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008834لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلَاحٌ إِلَّا فِي الْقِرَابِ " وَفِي لَفْظٍ لَهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَيْضًا : " وَلَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ " فَسَأَلُوهُ : مَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ ؟ فَقَالَ : " الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ " وَالْجُلُبَّانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا أَلْفٌ ثُمَّ نُونٌ : هُوَ قِرَابُ السَّيْفِ وَيُطْلَقُ عَلَى أَوْعِيَةِ السِّلَاحِ ، وَيُرْوَى بِتَسْكِينِ اللَّامِ ، وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ ، وَهُوَ شِبْهُ الْجِرَابِ مِنَ الْأُدْمِ يُوضَعُ فِيهِ السَّيْفُ مَغْمُودًا .
وَقَالَ صَاحِبُ " اللِّسَانِ " : وَالْقِرَابُ غِمْدُ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَنَحْوِهِمَا وَجَمْعُهُ قُرُبٌ أَيْ : بِضَمَّتَيْنِ ، وَفِي صِحَاحِ
الْجَوْهَرِيِّ : قِرَابُ السَّيْفِ : جَفْنُهُ وَهُوَ وِعَاءٌ يَكُونُ فِيهِ السَّيْفُ بِغِمْدِهِ ، وَحِمَالَتِهِ ، ا هـ وَالْقِرَابُ كَكِتَابٍ ، وَمِنْ جَمْعِهِ عَلَى قُرُبٍ بِضَمَّتَيْنِ قَوْلُهُ :
[ ص: 59 ] يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُومِي غَيْرَ صَاغِرَةٍ ضُمِّي إِلَيْكَ رِحَالَ الْقَوْمِ وَالْقُرُبَا
يَعْنِي : ضُمِّي إِلَيْكَ رِحَالَهُمْ وَسِلَاحَهُمْ ، فِي أَوْعِيَتِهِ .
وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ : اسْتَدَلَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ دَخَلُوا
مَكَّةَ مُحْرِمِينَ عَامَ سَبْعٍ وَهُمْ مُتَقَلِّدُو سُيُوفِهِمْ فِي أَغْمَادِهَا ، وَأَنَّ ذَلِكَ لِعِلَّةِ خَوْفِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُوثَقُ بِعُهُودِهِمْ .
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَلِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ تَقَلَّدُوهَا . وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا حَمَلُوا السِّلَاحَ مَعَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ فِي أَوْعِيَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنَّ يَتَقَلَّدُوهُ ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ ، فَلَا حُجَّةَ فِي الْأَحَادِيثِ عَلَى تَقَلُّدِ الْمُحْرِمِ حَمَائِلَ السَّيْفِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .