وأما الوقوف والابتداء
فلهما حالتان : ( الأولى ) معرفة ما يوقف عليه وما يبتدأ به ( والثانية ) كيف يوقف وكيف يبتدأ ، وهذه تتعلق بالقراءات ، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في باب الوقف على أواخر الكلم ومرسوم الخط .
والكلام هنا على
nindex.php?page=treesubj&link=28953معرفة ما يوقف عليه ويبتدأ به ، وقد ألف الأئمة فيها كتبا قديما وحديثا ومختصرا ومطولا أتيت على ما وقفت عليه من ذلك ، واستقصيته في كتاب ( الاهتدا إلى معرفة الوقف والابتدا ) وذكرت في أوله مقدمتين جمعت بهما أنواعا من الفوائد . ثم استوعبت أوقاف القرآن سورة سورة ، وها أنا أشير إلى زبد ما في الكتاب المذكور فأقول .
لما لم يمكن للقارئ أن يقرأ السورة ، أو القصة في نفس واحد ولم يجر التنفس بين كلمتين حالة الوصل ، بل ذلك كالتنفس في أثناء الكلمة وجب حينئذ اختيار وقف للتنفس والاستراحة وتعين ارتضاء ابتداء بعد التنفس والاستراحة ،
[ ص: 225 ] وتحتم أن لا يكون ذلك مما يخل بالمعنى ولا يخل بالفهم ، إذ بذلك يظهر الإعجاز ويحصل القصد ; ولذلك حض الأئمة على تعلمه ومعرفته ما قدمنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قوله : الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف ، وروينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال : قد عشنا برهة من دهرنا ، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها . ففي كلام
علي - رضي الله عنه - دليل على وجوب تعلمه ومعرفته وفي كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة - رضي الله عنهم - ، وصح ، بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح
كأبي جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل
المدينة الذي هو من أعيان التابعين وصاحبه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع بن أبي نعيم nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبي عمرو بن العلاء و
nindex.php?page=showalam&ids=17379يعقوب الحضرمي nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم بن أبي النجود وغيرهم من الأئمة ، وكلامهم في ذلك معروف ، ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب ، ومن ثم اشترط كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحدا إلا بعد معرفته الوقف والابتداء ، وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف ويشيرون إلينا فيه بالأصابع سنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين - رحمة الله عليهم أجمعين - ، وصح عندنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، وهو من أئمة التابعين علما وفقها ومقتدى أنه قال : إذا قرأت
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=26كل من عليها فان فلا تسكت حتى تقرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام .
وقد اصطلح الأئمة لأنواع أقسام الوقف والابتداء أسماء ، وأكثر في ذلك الشيخ
أبو عبد الله محمد بن طيفور السنجاوندي ، وخرج في مواضع عن حد ما اصطلحه واختاره كما يظهر ذلك من كتابي : الاهتداء ، وأكثر ما ذكر الناس في أقسامه غير منضبط ولا منحصر .
وأقرب ما قلته في ضبطه أن
nindex.php?page=treesubj&link=28953الوقف ينقسم إلى اختياري واضطراري ; لأن الكلام إما أن يتم أولا ، فإن تم كان اختياريا ، وكونه تاما لا يخلو إما أن لا
[ ص: 226 ] يكون له تعلق بما بعده البتة - ، أي : لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى - فهو الوقف الذي اصطلح عليه الأئمة ( بالتام ) لتمامه المطلق ، يوقف عليه ويبتدأ بما بعده ، وإن كان له تعلق فلا يخلو هذا التعلق إما أن يكون من جهة المعنى فقط ، وهو الوقف المصطلح عليه ( بالكافي ) للاكتفاء به عما بعده ، واستغناء ما بعده عنه ، وهو كالتام في جواز الوقف عليه والابتداء بما بعده . وإن كان التعلق من جهة اللفظ فهو الوقف المصطلح عليه ( بالحسن ) ; لأنه في نفسه حسن مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده للتعلق اللفظي ، إلا أن يكون رأس آية ، فإنه يجوز في اختيار أكثر أهل الأداء لمجيئه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -
nindex.php?page=hadith&LINKID=994515أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ، ثم يقول nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين ثم يقف ، ثم يقول nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين . رواه
أبو داود ساكتا عليه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وأحمد وأبو عبيدة وغيرهم ، وهو حديث حسن وسنده صحيح . وكذلك عد بعضهم
nindex.php?page=treesubj&link=28953الوقف على رءوس الآي في ذلك سنة ، وقال
أبو عمرو : وهو أحب إلي واختاره أيضا
البيهقي في شعب الإيمان ، وغيره من العلماء وقالوا : الأفضل الوقوف على رءوس الآيات ، وإن تعلقت بما بعدها . قالوا : واتباع هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته أولى ، وإن لم يتم الكلام كان الوقف عليه اضطراريا ، وهو المصطلح عليه ( بالقبيح ) لا يجوز تعمد الوقف عليه إلا لضرورة من انقطاع نفس ونحوه لعدم الفائدة ، أو لفساد المعنى .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28953فالوقف التام ) أكثر ما يكون في رءوس الآي وانقضاء القصص نحو الوقف على
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم والابتداء
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين ونحو الوقف على
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين والابتداء
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين ونحو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5وأولئك هم المفلحون والابتداء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إن الذين كفروا ونحو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20إن الله على كل شيء قدير والابتداء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم ونحو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29وهو بكل شيء عليم [ ص: 227 ] والابتداء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وإذ قال ربك للملائكة ونحو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46وأنهم إليه راجعون والابتداء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يابني إسرائيل اذكروا نعمتي ، وقد تكون قبل انقضاء الفاصلة نحو وجعلوا أعزة أهلها أذلة هذا انقضاء حكاية كلام بلقيس ، ثم قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=34وكذلك يفعلون رأس آية . وقد يكون وسط الآية نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=29لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني هو تمام حكاية قول الظالم وهو أبي بن خلف ، ثم قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=29وكان الشيطان للإنسان خذولا ) ، وقد يكون بعد انقضاء الآية بكلمة نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=90لم نجعل لهم من دونها سترا ) آخر الآية . أو كذلك كان خبرهم ، على اختلاف بين المفسرين في تقديره مع إجماعهم على أنه التمام ، ونحو وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ، وهو آخر الآية التمام
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=138وبالليل ، أي : مصبحين ومليلين ونحوه
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=34وسررا عليها يتكئون آخر الآية ، والتمام
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وزخرفا ، وقد يكون الوقف تاما على التفسير ، أو إعراب ويكون غير تام على آخر نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله وقف تام على أن ما بعده مستأنف ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وغيرهم ومذهب
أبي حنيفة وأكثر أهل الحديث به وقال
نافع nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ويعقوب nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء والأخفش وأبو حاتم وسواهم من أئمة العربية ، قال
عروة : والراسخون في العلم لا يعلمون التأويل ، ولكن يقولون آمنا به ، وهو غير تام عند آخرين والتمام عندهم على
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم فهو عندهم معطوف عليه ، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب وغيره ، ونحو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم ونحوه من حروف الهجاء فواتح السور الوقف عليها تام على أن يكون المبتدأ ، أو الخبر محذوفا ، أي : هذا ألم ، أو ألم هذا ، أو على إضمار فعل ، أي : قل ألم على استئناف ما بعدها ، وغير تام على أن يكون ما بعدها هو الخبر ، وقد يكون الوقف تاما على قراءة وغير تام على أخرى نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125مثابة للناس وأمنا تام على قراءة من كسر خاء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125واتخذوا وكافيا على قراءة من فتحها ، ونحو
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1إلى صراط العزيز الحميد تام على قراءة من رفع الاسم الجليل بعدها ، وحسن على قراءة من خفض .
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=28949يتفاضل التام في التمام نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين ، وإياك نعبد ،
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وإياك نستعين [ ص: 228 ] كلاهما تام ، إلا أن الأول أتم من الثاني لاشتراك الثاني فيما بعده في معنى الخطاب بخلاف الأول .
وَأَمَّا الْوُقُوفُ وَالِابْتِدَاءُ
فَلَهُمَا حَالَتَانِ : ( الْأُولَى ) مَعْرِفَةُ مَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَمَا يُبْتَدَأُ بِهِ ( وَالثَّانِيَةُ ) كَيْفَ يُوقَفُ وَكَيْفَ يُبْتَدَأُ ، وَهَذِهِ تَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْوَقْفِ عَلَى أَوَاخِرِ الْكَلِمِ وَمَرْسُومِ الْخَطِّ .
وَالْكَلَامُ هُنَا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28953مَعْرِفَةِ مَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَيُبْتَدَأُ بِهِ ، وَقَدْ أَلَّفَ الْأَئِمَّةُ فِيهَا كُتُبًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَمُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا أَتَيْتُ عَلَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَاسْتَقْصَيْتُهُ فِي كِتَابِ ( الِاهْتِدَا إِلَى مَعْرِفَةِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَا ) وَذَكَرْتُ فِي أَوَّلِهِ مُقَدِّمَتَيْنِ جَمَعْتُ بِهِمَا أَنْوَاعًا مِنَ الْفَوَائِدِ . ثُمَّ اسْتَوْعَبْتُ أَوْقَافَ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً ، وَهَا أَنَا أُشِيرُ إِلَى زُبَدِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فَأَقُولُ .
لَمَّا لَمْ يُمْكِنِ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ ، أَوِ الْقِصَّةَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجْرِ التَّنَفُّسُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ حَالَةَ الْوَصْلِ ، بَلْ ذَلِكَ كَالتَّنَفُّسِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ وَجَبَ حِينَئِذٍ اخْتِيَارُ وَقْفٍ لِلتَّنَفُّسِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَتَعَيَّنَ ارْتِضَاءُ ابْتِدَاءٍ بَعْدَ التَّنَفُّسِ وَالِاسْتِرَاحَةِ ،
[ ص: 225 ] وَتَحَتَّمَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى وَلَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ ، إِذْ بِذَلِكَ يَظْهَرُ الْإِعْجَازُ وَيَحْصُلُ الْقَصْدُ ; وَلِذَلِكَ حَضَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ مَا قَدَّمْنَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ : التَّرْتِيلُ مَعْرِفَةُ الْوُقُوفِ وَتَجْوِيدُ الْحُرُوفِ ، وَرُوِّينَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ : قَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا ، وَإِنَّ أَحَدَنَا لِيُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا . فَفِي كَلَامِ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَعَلُّمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَفِي كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ، وَصَحَّ ، بَلْ تَوَاتَرَ عِنْدَنَا تَعَلُّمُهُ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ
كَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ إِمَامِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْيَانِ التَّابِعِينَ وَصَاحِبِهِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ nindex.php?page=showalam&ids=12114وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَ
nindex.php?page=showalam&ids=17379يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16273وَعَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَكَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ ، وَنُصُوصُهُمْ عَلَيْهِ مَشْهُورَةٌ فِي الْكُتُبِ ، وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْخَلَفِ عَلَى الْمُجِيزِ أَنْ لَا يُجِيزَ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ الْوَقْفَ وَالِابْتِدَاءَ ، وَكَانَ أَئِمَّتُنَا يُوقِفُونَنَا عِنْدَ كُلِّ حَرْفٍ وَيُشِيرُونَ إِلَيْنَا فِيهِ بِالْأَصَابِعِ سُنَّةً أَخَذُوهَا كَذَلِكَ عَنْ شُيُوخِهِمُ الْأَوَّلِينَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - ، وَصَحَّ عِنْدَنَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ عِلْمًا وَفِقْهًا وَمُقْتَدًى أَنَّهُ قَالَ : إِذَا قَرَأْتَ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=26كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ فَلَا تَسْكُتْ حَتَّى تَقْرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .
وَقَدِ اصْطَلَحَ الْأَئِمَّةُ لِأَنْوَاعِ أَقْسَامِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ أَسْمَاءَ ، وَأَكْثَرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ طَيْفُورٍ السَّنْجَاوَنْدِيُّ ، وَخَرَجَ فِي مَوَاضِعَ عَنْ حَدِّ مَا اصْطَلَحَهُ وَاخْتَارَهُ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِي : الِاهْتِدَاءُ ، وَأَكْثَرُ مَا ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَقْسَامِهِ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَلَا مُنْحَصِرٍ .
وَأَقْرَبُ مَا قُلْتُهُ فِي ضَبْطِهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28953الْوَقْفَ يَنْقَسِمُ إِلَى اخْتِيَارِيٍّ وَاضْطِرَارِيِّ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ إِمَّا أَنْ يَتِمَّ أَوَّلًا ، فَإِنْ تَمَّ كَانَ اخْتِيَارِيًّا ، وَكَوْنُهُ تَامًّا لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ لَا
[ ص: 226 ] يَكُونَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا بَعْدَهُ الْبَتَّةَ - ، أَيْ : لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى - فَهُوَ الْوَقْفُ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ ( بِالتَّامِّ ) لِتَمَامِهِ الْمُطْلَقِ ، يُوقَفُ عَلَيْهِ وَيُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ فَلَا يَخْلُو هَذَا التَّعَلُّقُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَطْ ، وَهُوَ الْوَقْفُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ ( بِالْكَافِي ) لِلِاكْتِفَاءِ بِهِ عَمَّا بَعْدَهُ ، وَاسْتِغْنَاءِ مَا بَعْدَهُ عَنْهُ ، وَهُوَ كَالتَّامِّ فِي جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ . وَإِنْ كَانَ التَّعَلُّقُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَهُوَ الْوَقْفُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ ( بِالْحَسَنِ ) ; لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ مُفِيدٌ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ دُونَ الِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ لِلتَّعَلُّقِ اللَّفْظِيِّ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسَ آيَةٍ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي اخْتِيَارِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ لِمَجِيئِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -
nindex.php?page=hadith&LINKID=994515أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا قَرَأَ قَطَّعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً يَقُولُ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ يَقِفُ ، ثُمَّ يَقُولُ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ يَقِفُ ، ثُمَّ يَقُولُ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ سَاكِتًا عَلَيْهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ . وَكَذَلِكَ عَدَّ بَعْضُهُمُ
nindex.php?page=treesubj&link=28953الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ فِي ذَلِكَ سُنَّةً ، وَقَالَ
أَبُو عَمْرٍو : وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا
الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا : الْأَفْضَلُ الْوُقُوفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيَاتِ ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا . قَالُوا : وَاتِّبَاعُ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّتِهِ أَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ اضْطِرَارِيًّا ، وَهُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ ( بِالْقَبِيحِ ) لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ مِنَ انْقِطَاعِ نَفَسٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ، أَوْ لِفَسَادِ الْمَعْنَى .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28953فَالْوَقْفُ التَّامُّ ) أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي رُءُوسِ الْآيِ وَانْقِضَاءِ الْقَصَصِ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالِابْتِدَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَالِابْتِدَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وَنَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالِابْتِدَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَنَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَالِابْتِدَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَنَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ ص: 227 ] وَالِابْتِدَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ وَنَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَالِابْتِدَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ، وَقَدْ تَكُونُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْفَاصِلَةِ نَحْوَ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً هَذَا انْقِضَاءُ حِكَايَةِ كَلَامِ بِلْقِيسَ ، ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=34وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ رَأْسُ آيَةٍ . وَقَدْ يَكُونُ وَسَطَ الْآيَةِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=29لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي هُوَ تَمَامُ حِكَايَةِ قَوْلِ الظَّالِمِ وَهُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=29وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ) ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْآيَةِ بِكَلِمَةٍ نَحْوَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=90لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ) آخِرَ الْآيَةِ . أَوْ كَذَلِكَ كَانَ خَبَرُهُمْ ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَقْدِيرِهِ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ التَّمَامُ ، وَنَحْوَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ، وَهُوَ آخِرُ الْآيَةِ التَّمَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=138وَبِاللَّيْلِ ، أَيْ : مُصْبِحِينَ وَمُلَيَّلِينَ وَنَحْوَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=34وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ آخَرَ الْآيَةِ ، وَالتَّمَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وَزُخْرُفًا ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ تَامًّا عَلَى التَّفْسِيرِ ، أَوْ إِعْرَابٍ وَيَكُونُ غَيْرَ تَامٍّ عَلَى آخَرَ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَقْفٌ تَامٌّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ وَمَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِهِ وَقَالَ
نَافِعٌ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَسِوَاهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ ، قَالَ
عُرْوَةُ : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لَا يَعْلَمُونَ التَّأْوِيلَ ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ تَامٍّ عِنْدَ آخَرِينَ وَالتَّمَامُ عِنْدَهُمْ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَهُوَ عِنْدُهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ ، وَنَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم وَنَحْوَهُ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ فَوَاتِحِ السُّوَرِ الْوَقْفُ عَلَيْهَا تَامٌّ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ ، أَوِ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا ، أَيْ : هَذَا ألم ، أَوْ ألم هَذَا ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ ، أَيْ : قُلْ ألم عَلَى اسْتِئْنَافِ مَا بَعْدَهَا ، وَغَيْرُ تَامٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا هُوَ الْخَبَرَ ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ تَامًّا عَلَى قِرَاءَةٍ وَغَيْرَ تَامٍّ عَلَى أُخْرَى نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ خَاءَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125وَاتَّخِذُوا وَكَافِيًا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ فَتَحَهَا ، وَنَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ الِاسْمَ الْجَلِيلَ بَعْدَهَا ، وَحَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ خَفَضَ .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=28949يَتَفَاضَلُ التَّامُّ فِي التَّمَامِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، وَإِيَّاكَ نَعْبُدُ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [ ص: 228 ] كِلَاهُمَا تَامٌّ ، إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَتَمُّ مِنَ الثَّانِي لِاشْتِرَاكِ الثَّانِي فِيمَا بَعْدَهُ فِي مَعْنَى الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ .